قال تعالى:﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون﴾. ظاهر هذه الآية يدل على أن الذي يستطيع الصيام عليه دفع فدية، فكيف يستقيم هذا المعنى ؟!
الجواب على هذه الآية فيه رأيان:
الرأي الأول: أن هذه الآية منسوخة، لأنها كانت قبل أن يُفرض صيام شهر رمضان، فالصيام كان قبلاً أمراً مُخيّراً وليس مفروضاً، والله عز وجل قال للناس: لكم أن تصوموا، ولكم أن لا تصوموا، لكن الذي لم يصم -نتيجة المشقة– عليه دفع فدية، وهذه الفدية هي ﴿طعام مسكين﴾، وهناك قراءة ﴿إطعام مساكين﴾.
﴿فمن تطوع خيراً﴾ أي من دفع خيراً زائداً على الفدية (طعام مسكين).
﴿فهو خير له﴾ أي سيعود عليه بالخير.
﴿وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ أي لكن إذا صمتم فهذا خير لكم.
وكأن الله عز وجل يقول: صحيح أنكم مخيّرون في الصيام، ولكن الصيام هو خير لكم؛ استعداداً وتهيؤاً لصيامٍ سيفرض عليكم.
الرأي الثاني: وأنا أتبنى هذا الرأي، أن هذه الآية ليست منسوخة، وذلك أن هناك أصناف من الناس يجوز لهم أن يفطروا رخصة وهم: (المرضى والمسافرون)، لكن هناك أناس ليسوا مرضى ولا مسافرين، ومع ذلك يجوز لهم أن يفطروا، وهم (المسنون من الرجال والنساء). فالله عز وجل تناول هؤلاء بالتفصيل في الذكر فقال: ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين...﴾ أي هؤلاء المسنون الذين يصومون، ولكنهم إذ يصومون يشقُّ ويصعب الأمر عليهم، ويلقون عنَتاً وصعوبةً كبيرة في صيامهم، فهؤلاء لهم أن يفطروا، وإذا ما أفطروا فعليهم أن يدفعوا عن كل يوم فدية، وهي إطعام مسكين يوماً كاملاً.
وقد قال الفقهاء: من أفطر ممن طعن في السن، فعليه أن يدفع فدية، وهذه الفدية هي إطعام مسكين يوماً كاملاً، لأن (الجزاء من جنس العمل) كما أنك أيها المسن أفطرت يوماً كاملاً، فعليك أن تطعم مسكين يوماً كاملاً، أي إطعامه وجبتان مشبعتان.
لأن فقهاءنا كانوا يعتبرون الإنسان يأكل في اليوم وجبتين، ولو كانوا في عصرنا اليوم لقالوا: يجب أن تطعم مسكيناً /15/ وجبة، لأن شعبنا يأكل في اليوم/15/ وجبة، فهو دائم الأكل من الفطور حتى السحور..
لذلك أنا أقول، بالإذن من الأئمة الكرام: إطعام مسكين يوماً كاملاً ليست وجبتان، وإنما ثلاث وجبات على الأقل، وبالتالي: من أفطر وكان مُسناً فعليه أن يطعم مسكيناً قيمة ثلاث أو أربع وجبات، وعليه أيضاً أن تكون قيمة الوجبة على مستوى وجبته، يعني أنه إذا كان فقيراً فإنه يدفع قيمة ثلاث وجبات فقيرة، وإذا كان غنياً فإنه يدفع قيمة ثلاث وجبات غنية، وهكذا... لكن المشكلة اليوم: أن بعض الناس يقدِّرون الوجبتان أو ثلاث وجبات على أساس الحنطة والخبز، هذا الأمر قد يكون صحيحاً، ولكنه غير مقبول.
فنحن نقول: من أفطر لأنه مسن، لأنه يطيق الصيام (أي يصومه مع المشقة)، فعليه أن يدفع بحسب وضعه، قيمة وجبتان أو ثلاث وجبات، على مستوى الوجبة التي يتناولها...
﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين﴾ كلمة (طعام) هي بدل من (فدية)، فالفدية هي طعام مسكين.
﴿فمن تطوع خيراً فهو خير له﴾ من كان يطيق الصيام (أي يصوم بمشقة)، إذا دفع أكثر من إطعام مسكين يوماً كاملاً، فهذا خير له، فمن دفع أربع وجبات خير له من ثلاث، وخمس أفضل من أربع، وهكذا...
﴿وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ والخطاب للمسنين أن لا يكون ديدنهم في شهر رمضان كله إفطاراً، صحيح أن الإفطار مع دفع الفدية هو رخصة ، لأن الصيام يشقُّ عليهم، لكن إن وجدوا أنفسهم بحالة مؤهلة من أجل الصيام فليصوموا ولا يستمروا على حالة الإفطار، وليجربوا الصيام مع المشقة بحيث لا يؤدي بهم إلى الهلاك، لأنه: إن تصوموا وتفطروا خير لكم إن كنتم تعلمون.
ولذلك قال بعض المفسرين: ﴿وأن تصوموا﴾ هنالك محذوف تقديره: (وأن تصوموا وتفطروا) أي لا تفطروا باستمرار، ولا تصوموا باستمرار.
وفي النهاية: يجوز للمريض والمسافر أن يفطرا وعليهما القضاء بعد رمضان.
﴿وعلى الذين يطيقونه﴾ أي المسن أو المسنة الذين يصعب عليهما الصوم، وإذا ما صاما سيكون عليهما مشقة.
﴿فدية طعام مسكين﴾ أي عليه أن يدفع عن كل يوم أفطره طعام يوم كامل لمسكين.
﴿فمن تطوع خيراً﴾ فمن زاد على هذه الفدية.
﴿فهو خير له﴾ وهذه دعوة مُبَطّنة خيّرة للإنسان الذي يفطر، لأنه مطيق الصوم، من أجل أن يدفع ويعطي أكثر.
﴿وأن تصوموا﴾ يوجد هنا محذوف تقديره: وأن تصوموا وتفطروا ﴿خير لكم إن كنتم تعلمون﴾.
آمل أن يكون معنى هذه الآية التي ذكرناها، قائماً في أذهاننا ونحن نؤدي فرض الصيام، اللهم إنا نسألك صياماً مقبولاً اللهم اجعلنا من عتقائك من النار واجعلنا من عتقاء شهر رمضان وأدخلنا الجنة من باب الريان بسلام.
ألقيت بتاريخ: 28/9/2007
التعليقات