آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ملامح الفتى المنشود/ الجامع الأموي الكبير بحلب

ملامح الفتى المنشود/ الجامع الأموي الكبير بحلب

تاريخ الإضافة: 2008/02/01 | عدد المشاهدات: 2629

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

حينما نريد أن نمدح أناساً في سن الشباب أو في سن تجاوز الشباب، وهؤلاء الناس صامدون على الحق عاملون فيما يرضي ربهم عز وجل يقاتلون الباطل وأهله، يقارعون الظلم وأصحابه، حينما نريد أن نمتدح هؤلاء، يخطر على بالنا الآية التي نقرؤها في السورة التي يسن قراءتها يوم الجمعة، وهي سورة الكهف، والآية التي تخطر على بالنا هي قوله تعالى: ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾، حينما نرى إخواننا في فلسطين يقاتلون عدواً لدوداً شرساً آثماً، ننظر إليهم وهم صامدون فنذكر هذه الآية ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾ حينما ننظر إلى بعضٍ من شبابنا في الجامعة، في المدرسة، في الدائرة هنا وهناك، ونرى هؤلاء الشباب صامدين أمام ما يدعوهم إليه الشيطان، نرى هؤلاء الشباب متمسكين بدينهم وأخلاقهم وقيمهم ومبادئهم، نقول عنهم مادحين ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾، حينما تريد أن تشجع ولدك أنت أيها الرجل المسلم العربي الشهم تقول له: يا بني أريدك فتىً، أوليس الله قد قال: ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾ أوليس الله قد قال فيما يخص سيدنا إبراهيم: ﴿سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم﴾ فيا أيها الشباب، ويا أيها الرجال، ويا أيتها النساء، أتريدون أن تتمتعوا بالفتوة ؟ إذا أردتم كذلك فإليكم صفات الفتى.

لقد رجعت إلى القرآن الكريم، والسنة الشريفة من أجل رسمِ ملامح الفتى المنشود الذي يشكل فرداً في هذه الآية، والذي يسير على خطى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فوجدت هذه الصفات، إليك هذا الصفات، فإن كانت فيكَ بعضها فهيا إلى إتمامها، وإن كانت كلها فيك فهيا إلى تعميقها، وإن لم يكن شيء منها فيك فهيا إلى التحلي بها، فالفتى يا شباب، والفتى يا رجال، والفتى يا أبناء أمتي، هو من يتصف بما يلي:

أولاً: العطاء والسخاء: إذا لم تكن سخياً كريماً فلا يمكن أن تكون فتىً، وسأعرض الأمثلة من سيرة سيد الفتيان، وعظيم الرجال محمد صلى الله عليه وآله وسلم. يروي الترمذي أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله مالاً، فقال له نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (ما عندي، ولكن اذهب فابتع علي). أي اذهب واستدن علي (فإن جاءني شيءٌ قضيته). أحد الحاضرين يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يا نبي الله: "ما كلفك ربك هذا ؟!" فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذ بواحد آخر من الحاضرين يقول للنبي: "أنفق رسولَ الله، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً" فتبسم سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (بهذا أُمرت). الصفة الأولى عطاء وسخاء للفتى.

الصفة الثانية: عفو ووفاء: عفوٌ عند المقدرة، وكلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما عاد إلى مكة فاتحاً، وقف أمام أولئك الذين عذَّبوه وطردوه ونكلوا به وأرادوا به شراً، وقف وقال: (ما تظنون أني فاعل بكم ؟) قالوا: "خيراً، أخٌ كريم، وابن أخ كريم". فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). الفتى يعفو ويفي.

الصفة الثالثة: الشجاعة والإباء: إن أردنا أن نكون فتياناً يمدحهم القرآن الكريم، فلنتصف بالشجاعة والإباء. لا نريد شباباً خوَّارين، نريد شباباً شجعاناً أمام المغريات، شجعاناً أمام الشهوات، شجعاناً أمام الأعداء، إن لم تكن شجاعاً أمام نفسك الأمارة بالسوء فلن تكون شجاعاً أمام عدوك، يقول سيدنا علي كما في سيرة ابن هشام: "كنا إذا حمي الوطيس، واحمرَّت الحِدَق، واشتدَّ البأس، اتقينا برسول الله، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه". شجاعة وإباء، أريدك أن تكون أمام الفتنة والشهوة كيوسف حينما قال أمام تلك المرأة التي قالت له: ﴿وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ سيدنا يوسف كان شجاعاً، فيا شبابنا هل تقولون مثل هذه الكلمة أمام مالٍ يُقدم في وعاءٍ من حَرام، هل تقولون بشجاعة: كلا، معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ؟ هل تقولون أمام فتن النساء: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ؟ إن كنتم تقولون كذلك فقد حزتم صفةً من صفات الفتى، الفتى شجاع والشجاعة في الحق، والشجاعة أمام النفس الأمارة بالسوء.

الصفة الرابعة للفتى: شكر لله وثناء: هل تشكر ربك على نعمه التي أسبغها عليك ؟ إن الذي لا يشكر المنعم لا يمكن أن يكون فتى، عينك، صحتك، مالك، كونك إنساناً، أليست هذه نعماً ؟ هل تشكر ربك ؟ هل تقول له صباح مساء: الحمد لله لك يا رب. أرأيت إلى سيدنا رسول الله، كما جاء في البخاري ومسلم، كيف كان يشكر ربه ؟ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان يقوم ويصلي صلى الله عليه وآله وسلم حتى تنفطر قدماه" أين صلاة الليل شكراً ؟ يا هؤلاء، يا أبناءنا، ويا طلابنا، ويا ضباطنا ؟ أين صلاة الليل شكراً لله على نعمه ؟ كنا نطلب المطر، فجاء المطر هل شكرتم ربكم، أم التهيتم بالمطر عن شكر من أنعم عليكم بالمطر ؟ الفتى يشكر ربه ويثني عليه، كان يقوم ويصلي حتى تنفطر قدماه،  تقول له السيدة عائشة: "أتصنع بنفسك هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟" فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً ؟!). أين شكركم ربكم يا من تريدون أن تتصفوا بالفتوة الممدوحة ؟

الصفة الخامسة للفتى: العمل الصالح المثابر عليه: المتابع من غير تعب ولا إبداء عناء، نريد منكم أن تعملوا كُلٌ في مكانه، وأن يكون عملك صالحاً مخلصاً لربك، لا تبتغي من وراء ذلك إلا أن تنفع بلدك وأن ترضي ربك، ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ يقول سيدي رسول الله: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه) كما جاء في الحديث.

فيا أمتي هيا إلى العمل، فقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من الكسل، كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل) لا نريدكم كسولين، لأن الفتى لا يعرف الكسل ولا الملل، وإنما الفتى عامل، وعمله نفع كُله.

الصفة السادسة للفتى: ثبات على الحق وافتداء: ستتعرضون لفتنة أتصبرون ؟ أترددون أمام ما يُعرض عليكم من باطل ملفوف بلفافة خادعة من نفعٍ شخصي لكم، أيفتنكم هذا أم أنكم تقولون وأنتم تثبتون على الحق الذي هداكم الله إليه: (والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه).

إخوتي، أيها المسلمون: الفتى الذي ذكره القرآن الكريم يتصف بصفات، إن كانت فيكم فنِعِمَّا ما أنتم عليه، وإن كان فيكم بعضها فهيا إلى إتمامها، وإن كانت فيكم جميعها فهيا إلى تعميقها وتقويتها، وإن لم تكن فيكم فهيا إلى التحلي بها.

عطاء وسخاء، عفو ووفاء، شجاعة وإباء، شكر لله وثناء، عمل صالح مثابر عليه، ثبات على الحق وافتداء. هذه صفاتُ فتىً نحرص على أن تكونوه أنتم يا أبناء أمتي. كلنا يعلم أن الإنسان موقف أو مواقف، أهل الكهف سجّلوا موقفاً فكانوا من الخالدين، سيدنا إبراهيم عليه السلام سجل موقفاً وما أعظمه من موقف، فكان قدوةً على مر التاريخ وصفحات الزمن الوضيء إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها: ﴿سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم﴾ فهيا من أجل أن نتصف بالفتوة، أملي من ربي أن يوفقنا لذلك، اللهم وفق شبابَ أمتي ليكونوا على طريق فُتوّة إبراهيم، وعلى طريق فتوة أهل الكهف، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في الجامع الأموي الكبير بحلب بتاريخ: 1/2/2008

التعليقات

زكريا حميدة

تاريخ :2008/02/10

شكرااااجزيلااااا

شاركنا بتعليق