آخر تحديث: الإثنين 15 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
في ذكرى الجلاء: واجباتنا نحو الوطن

في ذكرى الجلاء: واجباتنا نحو الوطن

تاريخ الإضافة: 2008/04/18 | عدد المشاهدات: 6077

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

مرت ذكرى الجلاء أمس، وذكرى الجلاء ذكرى جهاد وذكرى عمل، ذكرى وقوف وصمود، ذكرى شجاعة في مواجهة آثم بغيض. ذكرى الجلاء ذكرى الوطن ومن لا وطن له فلا يمكن أن يكون له وجود، ولذلك نحرص على الوطن، ذكرى الجلاء ذكرى الوطن والوطن أرضٌ يقوم عليها عدل، فإذا ما أزيح العدل من قبل العدوان صار الوطن بحاجة إلى أبنائه من أجل أن يعيدوا العدل إلى أبنائه، ولعلي قلت لكم فيما مضى بأن الأرض إن لم يكن عليها عدل فلا يمكن أن تكون وطناً، وإذا زال العدل من الوطن أضحى الوطن أرضاً.

في ذكرى الجلاء أحب أن أذكِّر نفسي وإياكم بواجبنا نحو الوطن، بما أملاه علينا ديننا الحنيف حيال الوطن، الوطن محلّ تجسيد فكرك، إن لم يكن لك وطن فأين تجسد فكرك ؟ وأين تقيم شعائر دينك ؟ الوطن حضنك وحصنك، الوطن ملاذك ومأواك، الوطن مركز وجودنا في دائرةٍ تسمى دائرة الكون، فبالنسبة لي مركز الكون حيث أنا حيث وطني، فيا أيها المواطنون سيما في وقت يُستَعدى فيه على وطننا الواسع لا سيما في وقت لا يزال جزء من وطننا محتلاً، ولا سيما في وقت يُقتّل فيه ويشرد منه أبناء الوطن الجار، أبناء فلسطين وأبناء العراق، فيا أبناء الوطن في سورية، ويا أبناء الوطن في العالم العربي ويا أبناء الوطن في العالم الإسلامي: تذكروا واجبكم نحو وطنكم، وما أظن أن ديناً أعطى قيمة للوطن كالإسلام، وما أظن أن مبدءاً أو مذهباً أو حزباً أعطى بعداً إنسانياً وبعداً وجدانياً وبعداً قيمياً للوطن كما أعطاه الإسلام هذا الدين الحنيف. أوليس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد قال كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فالأرض كلها، بقانون الجعل الإلهي، مسجد، والمسجد محترم وله مكانة عندنا: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ) وطننا بعض هام من مسجد عام، من الأرض التي جعلها الإسلام وفق القانون الجعلي ووفق القانون التكويني ووفق القانون الإنشائي الإلهي مسجداً، ووطننا جزء هام من هذا المسجد الكبير، لأن وطننا مبارك، أوليس الله قد قال: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾ وها نحن نسكن الوطن المحيط بالمسجد الأقصى، فيا أبنا سورية ويا أبناء فلسطين ويا أبناء العراق ويا أبناء لبنان ويا أبناء الأردن ويا أبناء باكستان ويا أبناء السودان... أناشدكم الله أن تكونوا غيورين على وطنكم أن تقوموا بواجباتكم نحو وطنكم، وواجباتكم نحو وطنكم هي ما يلي:

أولاً: حب ووفاء: إن لم تحب الوطن فلا يمكن أن تكون مواطناً صالحاً يعترف بك الإسلام، تذكروا أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وقف أمام موطنه مكة المكرمة عندما أُخرج منها بشراسة أولئك الذين كفروا بمحمد وبرب محمد وقف أمام مكة وقال: (والله إنك لأحب أرض الله تعالى إلى الله، وأحب أرض الله تعالى إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) ما أطيبكِ من بلد حب ووفاء، هناك مشكلة هو أننا لا نضع الوطن في دائرة المحبة بل إننا نضع الوطن في دائرة الغنم في دائرة الكسب في دائرة النهب في دائرة النيل في دائرة الانتهاك في دائرة السرقة في دائرة الاعتداء فالكل يحاول في أن ينهش من هذا الوطن لمنافع شخصية ولأمور خاصة، أما أن يضع الوطن في دائرة الحب والوجدان فهذا أمر، لا أقول بالنسبة للجميع، لكنه أمر بالنسبة لكثير منا أضحى بعيداً عن تصوراتنا. الواجب الأول حب ووفاء، وإذا أحببت وطنك وكنت وفياً له كان الواجب الثاني.

الواجب الثاني: البذل والعطاء: هيا من أجل بذلٍ لوطنك أيها التاجر أيها المواطن على اختلاف عملك هيا لبذل وعطاء لهذا الوطن، اذكروا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه كما جاء في صحيح مسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق...) وبين هذا وهذا شعب كثيرة فهل نحن على درايةٍ بهذه الشعب التي لا يخرج منها ولا يمكن أن ينأى عنها الزراعة والصناعة والهندسة والطب والأخلاق والتربية والاجتماع والتعاون البناء والتضامن والبذل وفيما بيننا من ترسيخ للقيم. كل هذا يدخل في شعب الإيمان التي قال عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق...) هل تميط الأذى في الطريق عن وطنك أيها المسلم أم أنك تضع الأذى في الطريق، سرتُ البارحة في شوارع بلدنا صباحاً في كل الأحياء وجدت ما يسمى بالوساخة تعمُّ شوارعنا، ووجدت الناس منعتقين من مسؤولية عن نظافة بلدهم، لئن كانت الحكومة مقصرة فهذا لا يعني أن تكون أكثر تقصيراً منها في هذه القضية وفي كل القضايا التي تمس الوطن وتنقص من قدره، لماذا لا نهتم بنظافة الوطن ؟ لماذا لا نهتم بالعناية بمرافق الوطن ؟ لماذا لا نهتم بمدارس الوطن ؟ لماذا لا نهتم بمعامل الوطن ؟ لماذا لا نهتم بكل شيء يشكل بعض الوطن ؟ لماذا لا نميط الأذى عن الوطن ؟ لماذا لا تميط الأذى من دائرتك أيها الموظف ؟ لماذا لا تميط الأذى من مدرستك أيها الأستاذ ؟ لماذا لا تميط الأذى المعنوي والمادي من معملك أيها العامل ؟ لماذا لا تميط الأذى من وزارتك أيها الوزير ؟ لماذا لا نميط الأذى من أرض هذا الوطن، الأذى المادي والأذى المعنوي ؟ لماذا ننعتق من مسؤولية تسمى المسؤولية الوطنية ؟ لماذا لا نعيش في وجداننا وعقولنا وتصوراتنا المسؤولية الوطنية التي تعني حباً ووفاء وتعني بذلاً وعطاء.

ثالثاً: واجبنا نحو الوطن التضحية والفداء: وقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد) رواه الترمذي وقال حديث صحيح. وهل هذه الأمور الثلاثة الدم والمال والأهل إلا المكونات الأساسية للوطن ؟ من قتل دون دمه فهو شهيد، من اعتدى عليك فقُتلتَ من أجل أنك تدافع عن نفسك فأنت شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، وطنك يناشدك ويطلب منك ويستصرخك لتكون من أجله مضحياً، فهيا إلى تضحية من أجل الوطن الغالي.

اقرؤوا قصة الجلاء، عندما أُجلي المستعمر عن أرضنا كان هذا الشعب، وأسأل الله أن يبارك في شعبنا ويجعل منه شعباً يقظاً مجاهداً يقدم لوطنه الحب والوفاء والبذل والعطاء والتضحية والفداء، بورك هذا الوطن، قرأت منذ شهور وسنين بياناً أصدره المجاهد إبراهيم هنانو يتحدث فيه عن الاستعمار، أحببت أن أقرأه عليكم ليكون بعضاً من خطبة اليوم ولعلنا إذ نقرأ هذا البيان الذي أصدره عام 1920 لتروا أن المستعمر هو هو، أن المستعمر الفرنسي آنذاك هو المستعمر الإسرائيلي اليوم، وهو المستعمر الأمريكي اليوم، يقول البيان:

"أيها العرب: ما بالكم ترضخون صاغرين لحكم المستعمر الجائر وأنتم خير أمة أخرجت للناس، أنتم أمة خُلقت لتحكم بالعدل إن عدلتم فلن يسلط العدو عليكم لكن إن ظلمتم ظُلمتم وبما كسبت أيديكم" وإذ نُظلم اليوم فلأننا ظَلمنا أرضنا وأنفسنا وإخواننا وعروبتنا وإسلامنا وقرآننا، ظلمنا بعضنا، "أمة خُلقت لتحكم بالعدل ولقد سلطت فرنسا جيوشها ناقضة للعهود ونابذة للوعود" والمستعمر من طبعه نقض العهود ونبذ الوعود وهذا ما تفعله أمريكا في العراق وما تفعله إسرائيل اللعينة البغيضة الأثيمة في فلسطين "وسودت وجه تاريخها مدعية بأنها جاءت لمساعدتنا وإرشادنا وحفظ بلادنا" وهذا ما تدعيه اليوم أمريكا في العراق المستعمر هو هو المستعمر البغيض نفسه وإن اختلفت صوره "وما ادعائها هذا إلا كذب وزور وبهتان".

"أيها العرب: إن الشرق وإن أبناء الشرق في شرع المستعمر الفرنسي أحطّ من البهائم، يقتلون لتقام فوق أجسادهم عروش السفاهة في منتزهات الشانزليزه في باريس وأنتم غافلون، لقد استولى على بلادكم المستعمر نفسه وأجلى ملككم وأغفل مؤتمركم وبدد جندكم واعتقل وجهاءكم وهتك أعراضكم وأحرق قراكم وفرق شملكم وكل هذا وأنتم بمواعيده واثقون" لا تثقوا بمواعيد السلام التي يطلقها الإسرائيليون أو الأمريكيون لأن إبراهيم هنانو هذا الذي جرب يقول لكم "وكل هذا وأنتم بمواعيده تثقون ولولايته راضون ومن يتولهم منكم فإنه منهم أفلا تتذكرون ؟".

"أيها العرب: إن المستعمر يتخذ الأديان الطاهرة شعاراً لمطامعه، ويقول لإخوانكم المسيحيين إنه جاء لينقذهم من الظلم في الوقت الذي يسحق فيه آلاف المسيحيين في ألمانيا وروسيا والنمسا ذلك لأن المستعمر هذا أشد من الملحدين وإنما هو مستغل للدين لا أكثر ولا أقل" وهذا ما يفعله الأمريكيون والإسرائيليون في العراق وفلسطين يحاولون أن يستغلوا الدين من أجل أن ينفذوا إلى ضعف فيكم ومن أجل أن يعمموا هذا الضعف الذي فيكم على كل حياتكم على وجودكم على بلادكم على أرضكم أوليس المستعمر الأمريكي الآن في العراق يعزف على نغمة المسيحية والإسلام على نغمة السنية والشيعية وهنالك من بني جلدتنا من يستجيب له من هؤلاء وهؤلاء. لا تصدقوهم كما قال هذا الرجل وأنتم تثقون به والأجدر والأولى ألا تثقوا به لأنه لا يريد لكم غيره ولا يرقب فيكم إلاً ولا ذمة يريد حصدكم جميعاً لكنه يقطع هذا الحصاد على مراحل، يحصد الأول فالثاني فالثالث حتى لا يبقي منكم أحداً، حتى لا يبقي هذا الذي يتعاون معه، لن يبقيه لأنه لا يريد إلا العنصرية والعنجهية.

تذكروا في يوم الجلاء واجبكم نحو وطنكم وأن واجبنا نحو وطننا حب ووفاء، بذل وعطاء، تضحية وفداء. حافظوا على وطنكم حافظوا على فقير وطنكم حافظوا على مسكين وطنكم حافظوا على أرملة وطنكم حافظوا على مرافق وطنكم حافظوا على تاريخ وطنكم تاريخ سورية تاريخ جميل سورية بلد ودولة تعرف كل الحضارة وسلكت كل سبل الحضارة لكنها اليوم من خلال أبنائها نائمة فإلى متى سنظل نياماً ؟

مالي أراكم نياماً في بُلهنيةٍ              وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا

 يغتال إخوانكم هنا وهناك في فلسطين في العراق في لبنان في كل مكان، ونحن لا نُنقِص مما نحن عليه ولا ذره، من استهلاك فاحش من عداوات فيما بيننا تقوم على عصبيات لا تمتُّ إلى الدين بصلة، من تعاركٍ من تنازع من تضاد من محاربة لبعضنا من اعتداء على الأرض من سرقة من احتكار من استغلال من سوء تعامل من قلة عناية من انتهاك لهذا الوطن الذي قدم لنا كل شيء من هذا الوطن الذي باركه ربي عز وجل والذي باركه أيضاً سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

اللهم إني أسألك بحق أسمائك الحسنى أن تحفظ بلادنا من كل مكروه، اللهم إني أسألك بحق أسمائك الحسنى أن تجعل أبناء وطننا حريصين على وطننا يحبون وطنهم يقدمون له كل بذل وعطاء وكل تضحية وفداء، يا رب أسألك بحق أسمائك وصفاتك أن تبعد عن وطننا السوء والشر والأشرار وكيد الكائدين، أسألك أن تجعل وطننا في حرزك وأمانك ورعايتك، وأسألك أن تسقينا الغيث وألا تجعلنا من القانطين، أسألك يا ربنا رحمة عامة شاملة لوطننا على مستوى سورية وعلى مستوى الوطن العربي وعلى مستوى الوطن الإسلامي، أسألك يا رب أن تحفظ أوطاننا من كل مكروه وأسألك لعدونا أن ترده على أدباره وأن تجعله غنيمة للمسلمين، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 18/4/2008

التعليقات

مراد

تاريخ :2012/11/16

انتم ولا اروع

شاركنا بتعليق