آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
نفثات وآهات في ذكرى النكبة

نفثات وآهات في ذكرى النكبة

تاريخ الإضافة: 2008/05/09 | عدد المشاهدات: 2925

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

أردت اليوم أن أحدثكم وأحدث مَن وراءكم، أولئك الذين يستمعون إلى الخطبة عبر شريط أو عبر الشبكة العالمية، أريد أن أحدثكم حديث نفثاتٍ وإن شئتم سمّوها تعليقات أو ربما كانت لدى بعضٍ منا بعضاً من التأوهات التي يقولها الإنسان على أنه يفكر بصوتٍ عالٍ.

أولاً: هذه الأيام التي نعيشها أيام ذكرى النكبة: ذكرى نكبة فلسطين، فالذكرى الستون لهذه النكبة تمر علينا هذه الأيام، نكبة فلسطين، نكبة العرب ونكبة المسلمين ونكبة الإنسانية، ولذلك نقول بكل وضوح وصراحة ويجب أن يكون مثل هذا الكلام قواعد راسخة في أذهاننا، هذا الكيان المسمى إسرائيل كيان مغتصب آثم عدواني مجرم، كيان لا يمتّ إلى الإنسانية بصلة وهذه الكلمات ليست بلاغية وإنما آمل أن تكون إبلاغية، أخاطب الشباب والأطفال والرجال والنساء من أجل أن تكون هذه الأوصاف لهذا الكيان أوصافاً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل لأن هذا الكيان هو هكذا بطبيعته، كيان مغتصب معتدٍ أثيم مجرم، ولذلك نقول وبكل وضوح: إن موقفنا مع هذا الكيان موقف المواجِه وليس موقف المسالم، إن موقفنا مع هذا الكيان موقف المقاتل والمجاهد ولا يمكن أن يكون موقف المهادن، ولقد قلت منذ أكثر من عشرين عاماً على هذا المنبر: "إن الضعف العابر الذي تعيشه أمتنا لا يمكن أن يغير الحق الثابت". فلسطين لنا فلسطين للمسلمين، فلسطين للعرب، فلسطين لأهلها، والصهيونية المجرمة ليست أهلها، هذا ما يقوله التاريخ ويقوله أهل الإنصاف والمعرفة ويقوله كل من قرأ عن المنطقة أو عاش في هذه المنطقة أو تعرَّف على هذه المنطقة، فيا إخوتي في فلسطين ويا إخوتي في العالم العربي والإسلامي: لا سلام مع هذا الكيان، استراتيجيتنا معه الجهاد والقتال والمواجهة والمناورة حتى النصر وحتى التحرير، استراتيجيتنا مع هذا العدو أن لا تنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين، وَمن تنازل عن شبر واحد فقد خان الأمانة العربية والإسلامية والفلسطينية وخان تاريخه وتراثه، لا تنازل عن شبر واحد من فلسطين، هذا أمر محتوم لا يمكن أن نفكر فيه ثانية، الأمر محسوم ولا تنازل عن حق العودة إلى فلسطين فكل أبناء فلسطين سيرجعون إلى فلسطين، فلا تنازل عن حق العودة ولو كان في مقابل ذلك الملايين والمليارات لأن حق العودة حق مشروع لأبناء فلسطين من أجل أن يعودوا إلى أرضهم إلى دولتهم إلى أمهم إلى دولتهم الصحيحة فلا تنازل عن هذا الحق، والذي تبين لنا عبر مسيرة ستين عاماً أن أغلب الحكومات الغربية التي تعاقبت على البلاد الغربية من أمريكا إلى أوروبا إلى بقع من آسيا إن أكثر هذه الحكومات متواطئ مع الصهيونية المجرمة تحت أسماء مختلفة وتحت شعارات متنوعة فلا أمان لهم، وأريد أن أعبر عن دقتي بأنني أتحدث عن الحكومات الغربية ولا أتحدث عن الشعوب لأني أعلم أن في الشعوب الغربية أناس يقفون معنا لأنهم عرفوا الحق وعرفوا أن لا حق للصهيونية المجرمة في فلسطين وعلموا علم اليقين أن هذا الكيان كيان مغتصب كيان معتدٍ كيان لا يبحث عن حق له من أجل أن يسترجعه بل يبحث عن حق الآخر من أجل أن يعتدي عليه. فيا أبناء فلسطين: أناشدكم الله ويا أبناء العرب ويا أبناء المسلمين أناشدكم الله أن تكونوا على بينة من هذا الذي قلت، وإلا فالقضية يمكن أن تكون محل مساومة وإذا ما دخلت أي قضية محل مساومة فسيذهب بريق حقها وسيذهب إمكان المتابعة من أجل أن تُنال كما هي.

ثانياً: أحب أن أتوجه إلى الحكام العرب والمسلمين: وانا إذ أتوجه إليهم فهذا من حقي، لأن من حقي أن أنصح، فالنصح من ديننا بل النصح ديننا،  (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم. أتوجه إلى الحكام العرب قائلاً لهم: أمامكم خياران إما أن تختاروا ربكم وأن تختاروا نفع شعوبكم وأن تختاروا الخير لبلادكم ولأرضكم ولفلسطينكم ولقدسكم، وإما أن تختاروا تبعية ذليلة لغرب يريد أن يسيطر عليكم وإما أن تختاروا ولاءً ذليلاً وحقيراً لغرب يريد أن يستعبدكم، يرسل إليكم بريق قول منمق فيه شيء من الزركشه لكنه في حقيقته سمٌ زعاف، يريدون أن يغتالوكم وأعني بالاغتيال يريدوا أن يغتالوا شرفكم يريدون أن يغتالوا تراثكم منكم يريدون أن يغتالوا تاريخكم المجيد من جنبات صدوركم، فإياكم يا هؤلاء إياكم أن تسلكوا الخيار الآخر وعليكم أن تسلكوا الخيار الأول أن تختاروا ربكم ونفع شعوبكم وخير بلادكم وإياكم والاستسلام وإياكم والتبعية لأناس ليسوا من ملتكم وليسوا من عرقكم ولكنهم صمموا، أعني الذين تتوجهون إليهم بالتبعية والولاء وإنما هم ثعالب إنما هم ذئاب في أثواب حملان يريدون أن يقضوا عليكم وعلى بلادكم. فيا أيها الحكام هما خياران: إما الله وخير الشعب والبلد، وإما الشيطان والطاغوت، وأولئك الذين ينتمون للرذيلة والاستعمار والاستعباد بغير حق والعدوان والطغيان وهذه قضية واضحة لذي عينين ولا أستثني من هؤلاء واحداً على الإطلاق وإنما النصح موجه للجميع.

ثالثاً: أتوجه إلى حكومتنا: في وقت النكبة وفي وقت نعيش فيه كثيراً من غلاء الأسعار وتحرك الحياة الاقتصادية نحو أمرٍ صعب لأقول لهذه الحكومة ناصحاً فأنا لا أملك إلا نصيحة ولا أتوجه إلى أي فرد مسلم عربي مهما كان موطنه إلا من خلال النصيحة، أقول للحكومة فيما يخص غلاء الأسعار الذي نعيشه:

أيتها الحكومة هيا إلى أمنٍ غذائي، هيا إلى رعاية المسؤولية الملقاة على عاتقك، تذكري أيتها الحكومة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في سنن ابن ماجه: (لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) أقول وأذكِّر الحكومة أيضاً بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه: (ما استرعى الله عبداً رعية فلم يُحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة) وأذكرهم أيضاً بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يرويه الإمام مسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم ، فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به) ولتسمح لي الحكومة أيضاً وكل المسؤولين وكل الحكومات العرب أن أقرأ عليكم وعليهم إذ يسمعون بعضاً من رسالة وجهها سيدنا علي رضي الله عنه إلى واليه على مصر مالك الأشتر، وها أنذا أتقمص الأمر وأقول:

"ولِّ مِن جنودك أصلَحُهم في نفسه لله ولرسوله وأنقاهم جيباً، وأفضلهم حلماً، ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة وأثَرة، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياة، ثم اللهَ اللهَ في الطبقة السفلى الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين فلا تُشخِص همَّك عنهم ولا تصعِّر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، وإياك والدماء وسفكها بغير حلها ولا تقوين سلطانك بسفك دمٍ حرام فإن ذلك مما يضعفه ويزيله وينقله، وإياك والمنَّ على رعيتك بإحسانك أو التزيد بما كان من فعلك – أن تقول أنك أعطيت أكثر مما أعطيت بالفعل – وإياك والاستئثار بما الناس فيه متساوون".

رابعاً: أتوجه إلى الشعوب: إلينا نحن لأقول لها أيتها الشعوب تماسكي، (لا تباغضوا) هكذا يقول سيد الشعوب وسيد الناس صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري (ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) وإياكم وفتنة يمكن أن يكون مبعثها وَهْمُ دِين أو وهم عرق، إياكم والاستماع إلى الشيطان فإن الشيطان، كما جاء عن سيدي رسول الله حسبما جاء في مسلم: (إن الشيطان قد أَيِس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) أي رضي في أن يحرش بعضهم على بعض وهذا ما نراه اليوم في لبنان، فآمل أن يعيد ربي عز وجل الهدوء والاستقرار إلى لبنان وأن يتوب على من كان تابعاً لغير الله حتى يصبح تابعاً لله، وأن يتوب كل أولئك الذين ينزاحون ويقعون في أحضان الغرب المظلم الظالم ليعودوا إلى شعوبهم وخير شعوبهم. أيتها الشعوب، تماسكي فأنتِ المُستهدَفة من كل حركة أثيمة ترسلها صهيونية مجرمة أو صليبية متصيهنة أو داخلية معتدية نسميها العدو الداخلي والتفرقة بينكِ هي ما يريد أن يصل إليه عدوك وعدو الإنسانية، يريد أن يفرق بين هذا وذاك، بين الحلبي والشامي بين الحموي والحمصي بين العربي والكردي بين المسلم والمسيحي بين المسلم والمسلم الآخر من مذهب آخر حتى تسهلوا أنتم أيها الناس من أجل أن يأكلكم واحداً بعد واحد.

أخيراً، أيها العلماء: أناشدكم الله أن تكونوا على بينة من أمركم أن تكونوا واعين لأنكم شئتم أم أبيتم منظورون على أنكم قدوة أو بقايا قدوة، وها هو سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما روى أبو نعيم في الحلية: (صنفان من الناس إن صلحا صلح الناس، وإن فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء).

يا علماء الأرض يا ملح البلد     ما يصلح الأرض إذا الملح فسد

أناشدكم الله أن تكونوا على وعيٍ من إسلامكم ودينكم ومشيختكم ودعوتكم وخطبكم وصلواتكم وتوجهكم للناس، أناشدكم الله أن تنادوا الناس من أجل وحدة ومن أجل رعاية ومن أجل حرص على بلدنا وعلى أمننا وعلى لقائنا وعلى وحدتنا وعلى مواجهتنا عدونا الرابض هناك على أجسام أبنائنا في فلسطين في العراق في الجولان في السودان في أفغانستان في كل مكان، فثمة عدو يريد أن يستغل فرقتنا لنوحد لؤمه وعدوانه ضدنا فهو يعلم تماماً أنه لا يمكن أن يدخل علينا إلا إذا فرقنا وشتتنا، وإلا إذا جعلنا نتنازع فيما بيننا وربنا يقول: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ لقد ذهبت ريحنا فهل من جد من أجل أن نعيد هذه الريح المستمدة من تعاليم ربنا والمستمدة من رعايتنا وطننا حتى يكون بلدنا بلداً خيراً معطاءً.

يا رب أسألك بحق أسمائك وصفاتك وأنبيائك وأوليائك أن تجمعنا على ما يرضيك، وأن تؤلف بين قلوبنا، وأن تجعلنا من أولئك الذين يتعاونون على البر والتقوى، ومن الذين يرفضون التعاون مع الآثمين على الإثم والعدوان، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 9/5/2008

التعليقات

سامر المحمد

تاريخ :2008/05/16

عبارات عظيمة.. كلمات رشيدة.. حكم وعبر.. بارك الله فيكم سيادة الدكتور على تلك الخطبة التي تناشد الجميع ليكونون صفاً واحداً والعمل على الدفاع عن فلسطيننا الغالية..

شاركنا بتعليق