أما بعد فيا أيها الأخوة المؤمنون:
ويتكرر السؤال عن العناية بالطفل وتربيته، فها هو أستاذ يسألني عن ضرورة الحديث عن الطفل وتربية الطفل وعن العناية بالطفل، ثم قال: هلا لخصت لنا هذا الذي يجب علينا أن نعمله تجاه أطفالنا حتى يكون هذا الذي تلخصه ماثلاً أمام أعيننا ونحن نقوم برعايتنا، ونحن نقوم بما يجب أن نقوم به حيال أسرنا وأولادنا ؟
أيها الأب، أيها الإنسان، يا من تستشعر مسؤوليتك عن طفل لك سواء أكان هذا الطفل ولدك أو كان هذا الطفل مُربَّىً عندك، أو كان هذا الطفل في مدرسة تضم أطفالاً تدعى روضة أو رياضاً، اسمح لي أولاً أن أقول لك:
الأطفال هم مستقبلنا المنتظر، ومن عُني بالأطفال عني بمستقبله، ومن أهمل الأطفال أهمل مستقبله، أتريد أن يكون مستقبلك أفضل من حاضرك ؟ إذن عليك الاعتناء بالأطفال، تسألني عن الاعتناء وتفصيلاته أقول لك:
أولاً: عليك أن تنطلق من منطلق إحساس بالمسؤولية في رقبتك، إن لم تستشعر المسؤولية في منطلق العناية بطفلك سواء أكان الطفل ولدك أم تلميذك أم في دائرةٍ أنت مسؤول عنها ما عليك إلا أن تنطلق من منطلق الإحساس بالمسؤولية نحوه، تذكر قول الله عز وجل: ﴿قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة﴾ اقرأ ما وصّى به الأنبياء صلوات الله وسلاماته عليهم أبناءهم وأولادهم وأتباعهم: ﴿ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بَني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون﴾ انطلق من إحساسك بالمسؤولية التي قال عنها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في النسائي: (إن الله سائلٌ كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) انطلق من هذا الإحساس من شعورك بالمسؤولية، هذا هو المنطلق الأساس من أجل عناية وتربية الطفل.
هناك قواعد بعد هذا المنطلق، وأنت يا سائلي يا من أردت أن أرسم لك الأمر واضحاً، أقول لك للعناية بالطفل منطلق، وسبع قواعد، وها قد حدثتك عن المنطلق فإليك القواعد:
القاعدة الأولى: عليك أن تختار أيها الأب الأم الصالحة، فهذا من أولويات العناية وتربية الطفل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في سنن الدارقطني: (اختاروا لنطفكم المواضع الصالحة) والسؤال الذي أريد طرحه وليس للإجابة ولكن للإثارة، تُرى هل نحن في مجتمعنا يختار من يختار حين الزواج من أجل طفل يُربى ويعيش في ظل الإسلام أم يختار ذات الجمال أم يختار ذات المال أم... أنا لا أسأل من أجل الجواب منكم أو من غيركم، وإنما أسأل من أجل أن نلتفت إلى واقع فيه شيء من المرارة نريد أن نتبيَّنه حتى نغيره. فالقاعدة الأولى: اختر لولدك أماً صالحة، أماً مؤمنة، أماً تحب الله ورسوله، أماً تحب الفضيلة، أماً تريد للوطن بناءً وللإنسان عناية، وتريد أن يعمَّ الخير، وتريد أن يكون المستقبل مزدهراً، وتريد أن تكون العفة منتشرة، وتريد أن يكون الطهر سحابة تخيم على أراضينا كلها.
القاعدة الثانية: أنفق على طفلك، عليك أن تكون سخياً في الإنفاق على طفلك من أجل أن يكون طفلك مرتاحاً، والسخاء في الإنفاق على أمور ترجع عليه بالخير وليس على أمورٍ تضره في جسمه أو في عقله أو في فكره أو في حياته، أنفق على ما يعود على طفلك بالخير وكن سخياً في إنفاقك على طفلك من أجل التعليم، من أجل التهذيب، من أجل التأديب، من أجل أن ينمو عقله، من أجل أن يكون جسمه صحيحاً، من أجل أن تسمو روحه لا من أجل أن يشتغل فَكَّاه، وليس من أجل أن تمتلئ معدته، وليس من أجل أن يكثر لهوه. نريد إنفاقاً موجهاً ولا نريد إنفاقاً مفسداً وشتان بين الإنفاقين، نريد إنفاقاً تظهر آثاره الطيبة فيما بعد ولا نريد إنفاقاً يعود على الطفل بالإفساد ويعود على الطفل بالضرر في كل مكوناته العقلية والجسمية والفكرية والروحية، أنفق على طفلك فلقد جاء في صحيح الإمام مسلم أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم قال: (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك) هذه قاعدة ثانية الإنفاق.
القاعدة الثالثة: صِلوا أولادكم بربكم صلة حب، صلة ود، صلة تعلق قلبي، أعلموا أولادكم بأن الله يحبهم، اجعلوا من الله حبيباً لأطفالكم لا تجعلوا من الله مُرعباً لأطفالكم، اجعلوا من الله محباً ومحبوباً لأطفالكم، اقروؤا سورة لقمان، وكيف توجه هذا الرجل الحكيم لولده توجهاً تربوياً مُحبَّباً محبِّباً فكانت النتيجة أن ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم أنموذجاً يحتذى: ﴿يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم﴾، ﴿يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصعِّر خدَّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور﴾ أيها الأب احفظ هذه السورة وكررها باستمرار في صلواتك عندما تصلي أمام أولادك، أمام طلابك، حتى يسمع أبناؤك هذا الحوار العظيم بين لقمان وولده إذ أوصاه بأسلوب لطيف، وإذ أوصاه أن يكون مرتبطاً بربه، وأن يكون ساعي خير وأن يكون رفيقاً مع الناس وأن يكون لطيفاً من الناس وأن يكون ذا أنس وحضور مع هؤلاء الذين يعيش معهم حتى يلقى القبول، فإذا ما دعاهم إلى خير بعد ذلك كانت دعوته مقبولة، أو ليس قد قُبل قبلاً فدعوته ستُقبَل لذلك هيا إلى ربط للأطفال مع ربهم على أن ربهم يحبهم على أن ربهم يحبونه أيضاً، على أن ربهم تفضل عليهم ولولا أن ربهم يحبهم ما تفضل عليهم وما أعطاهم وما أوجدهم وما خلقهم: ﴿الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان﴾.
القاعدة الرابعة: ربُّوهم من خلال حالكم على آداب الإسلام: على الصدق، على الأمانة، على احترام الآخر، على مراعاة الجوار، على الكلمة النظيفة، على العمل الشريف، على الطاعة لله عز وجل، على التوثيق فيما يتكلمون به، على أن يأخذوا من التاريخ ما صح، ربوّهم على التعامل بأمانة مع التاريخ، مع الماضي، لا تكثروا أمامهم من الحديث عن أمورٍ تبالغون فيها، علموهم آدابَ الإسلام، وآدابُ الإسلام هي آدابُ الإنسان، آدابُ الإسلام صدق، آداب الإسلام وفاء، آداب الإسلام أمانة، آداب الإسلام حب، آداب الإسلام خير، آداب الإسلام تعاون وبناء من أجل إقامة إنسانية تبني الخير وترفض الشر، ترفض العدوان، ترفض الإثم والبغي، تقاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ولا تقاتل من أجل غاية دنيوية، تهاجر من أجل الله ورسوله، تسعى من أجل أن ترد الظالم عن ظلمه، وتسعى من أجل أن تنتصر للمظلوم وأن تأخذ للمظلوم حقه وأن تأخذ من الظالم هذا الذي ظلمه، ربّوهم على آداب الإسلام.
القاعدة الخامسة: لاطفوهم وداعبوهم، كونوا معهم كما يكون الطفل مع الطفل، قرأت في يوم من الأيام عبارة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيها كما جاء في كتاب أخبار عمر يقول بما معناه: أيها الرجل إذ تدخل بيتك فكن طفلاً مع أطفالك، وإذ تخرج من بيتك فكن رجلاً مع الرجال.
لعل الواحد منا لا يطبق هذا الذي قلناه عن عمر وإنما يقوم بعكس الأمر فهو في بيته رجل لا كالرجال، وإذا خرج إلى الرجال رأيته مهزوماً يركض على وجهه يخاف أن يقول بأنه مع الحق وللحق، لاعبوهم ولاطفوهم، تذكروا حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للأقرع بن حابس وقد دخل عليه هذا الرجل ووجده يقبل الحسن والحسين وقد وضعهما في حضنه الشريف، فقال الأقرع: يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قلت واحداً منهم ! فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أو أملك إن نزع الله من قلبك الرحمة، من لا يَرحم لا يُرحم)، ويروي أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكم ذكرنا هذا الحديث كان ساجداً فاعتلاه الحسين فبقي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ساجداً حتى نزل الحسين من تلقاء نفسه ثم رفع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رأسه من سجوده فسأله الصحابة عن سر التأخر في السجود فقال: (إن ابني هذا ارتحلني، فخشيت أن أعجله حتى يقضي حاجته) إذا أحب المربى المربي فطوبى لك أيها المربي.
القاعدة السادسة: قوّوهم واعتنوا بأجسادهم، علموهم الرياضة علموهم الرماية علموهم ركوب الخيل، اجعلوا من أجسامهم أجساماً صحيحة، أبعدوا عنهم ما يؤذي أجسامهم أبعدوا عنهم كل هذا الذي يعبث بأجسادهم، أبعدوا عنهم الأكل والشراب الذي يسبب المرض ويؤذي الجسم والأعضاء، أريدكم أن تُعنوا بأجساد أطفالكم وصحتهم، فصحتهم وأجسامهم أمانة في أعناقكم.
القاعدة السابعة: لقنوهم حب الوطن، حب الأرض التي يعيشون عليها ولا سيما حينما نتحدث عن أطفال يعيشون في بلاد الشام، فبلاد الشام بحد ذاتها مباركة وطيبة وكما جاء في سنن النسائي: (إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام، طوبى للشام) علموهم حب الأرض، علموهم حب الوطن من أجل أن يدافعوا عن الأرض والوطن، علموهم حب فلسطين علموهم حب الأماكن المقدسة وما حولها، علموهم أن مكة حبيبة إلينا وأن المدينة حبيبة إلينا، وأن ما حول مكة حبيب إلينا وأن ما حول المدينة حبيب إلينا، وأن بلاد الشام حبيبة إلينا وأن الأرض كلها نحبها أوليست الأرض كلها مسجداً ؟ هكذا جُعلت كما جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب صحيح مسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ)، علموهم أن يحبوا أوطانهم ويدافعوا عنها، وأن تكون أوطانهم سائرة في درب العزة والكرامة، علموهم أن نظافة الوطن عبادة، وأن الدعوة والسعي من أجل أن يكون أبناء الوطن عفيفين عبادة، علموهم أن الدفاع عن الوطن أمام كل تيار يريد أن يلتهم أبناء الوطن وعقيدتهم وصحتهم أن مواجهة هذا التيار عبادة، علموهم أن المسجد يجب أن يكون أنموذجاً يحتذى من حيث المكان ومن حيث الطهارة ومن حيث الرعاية، علموهم أن يزيحوا الأذى عن الطريق، أوليست إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ومسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).
أناشدكم الله العناية بالطفل إذ يكون الطفل ولدكم، وإذ يكون الطفل قد أوكل إليكم تربيته، وإذ يكون الطفل تلميذكم، وإذ يكون الطفل في مدرستكم، وإذ يكون الطفل قريبكم، وإذ يكون الطفل مواطناً من مواطنيكم، وإذ يكون الطفل إنساناً يعيش على أرض فسيحة هي أرض الكرة الأرضية كلها.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا من أجل أن نعنى بأطفالنا وبالتالي نعنى بمستقبلنا، اللهم تقبل منا ما كان صالحاً وأصلح منا ما كان فاسداً وأصلحنا ظاهراً وباطناً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت بتاريخ: 13/6/2008
التعليقات