آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حاسب نفسك في رمضان

حاسب نفسك في رمضان

تاريخ الإضافة: 2008/08/29 | عدد المشاهدات: 3244

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

منذ أسبوع والناس يسأل بعضهم بعضاً ويسألونني أيضاً: ما برنامجك في رمضان ؟ وما الذي ستقوم به من نشاطات في رمضان ؟ وكنت أجيب، وها أنا ذا أعلن هذه الإجابة في خطبة اليوم. أتمنى وآمل وأرجو وأنشد أن يكون البرنامج في رمضان بالنسبة لنا جميعاً هو: أن ينكفئ كلٌ منا على نفسه، أن يواجه نفسه، أن يحاسب نفسه، أن يقف كما يقال أمام مرآة ذاته، مَن أنا ؟ ما الذي أقوم به ؟ ما الذي أعمله ؟ هل ما أقوم به أقوم به على أساس صحيح ؟ هل ما أتركه أتركه على أساس من علاقة طيبة مع ربي ؟

أخي أيها الصائم القادم: أريدك أن تنكفئ على ذاتك، وأن تتخذ من وقت الصوم والصيام ولاسيما من بعد العصر إلى وقت المغرب إلى وقت الإفطار، وبدلاً من أن تشتغل في إعداد الطعام الكثير الوفير المتنوع، وبدلاً من أن تفكر وأن تذهب حُريرات تفكيرك فيما يجب اجتماعياً أن تُعدَّه من طعام وأن تصنعه من مأكل ومشرب في هذه الفترة بالذات، هذه الفترة التي تسمى فترة الذروة بالنسبة للصائم، الصائم في هذه الفترة من بعد العصر إلى قبيل الإفطار جائع، روحه نشطة، جسمه تعوَّد ترك الطعام، عاطفته الإيمانية مستعدة من أجل أن تسمو وأن ترتقِ. أقول هذا الكلام وآمل أن يكون ورقة عمل بالنسبة لنا لمن أراد في رمضان أن يكون من أهل رمضان.

أخي أيها الصائم القادم: يا مَنْ ستصوم بفضل الله ومنِّه وكرمه، أريدك مواجهاً ذاتك ونفسك، سل نفسك في هذه الفترة من اليوم بعد أن تصلي العصر سواءٌ أصليته في وقته، أي في أول وقته أو بعد فترة بسيطة من أول وقته، اجلس بينك وبين ذاتك في غرفتك، في مسجدك في أي مكان تستطيع أن تلازم فيه نفسك وسَل نفسك أنت بنفسك، وأعتقد أنك ستكون صادقاً مع نفسك، سَل نفسك على سبيل المثال عن صلاتك: هل أنت تصلي باستمرار ؟ أم أنك كما يقول العامة بالنسبة للصلاة تقطِّش وتصلي وقتاً وتترك آخر ؟ إن رأيت نفسك بأنك تصلي وتحافظ على الصلاة ؟ سَل نفسك هل أنت تخشع في صلاتك هل تحقق من صلاتك غايتها: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾، ﴿قد أفلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون﴾ كم صليت وأنت خاشع ؟ وكم صليت وأنت غير خاشع ؟ ذكِّر نفسك بصلاتك وحاسب نفسك على صلاتك، فإن انتهيت من محاسبتك نفسك على صلاتك في يوم أو في يومين عُد على نفسك بالمحاسبة والمواجهة والوقوف والتقويم في الأيام التالية، سَل نفسك بنفسك عن زكاتك، هل أنت ممن يخرج الزكاة كلها ما يجب عليه ؟ أم أنك تخرج بعضاً مما يجب عليك وتوهم نفسك وأنت تعرف حقيقتك بأنك توهم نفسك بأنك تدفع كل الزكاة، ثم إن كنت تدفع كل الزكاة فهل أنت تنفق مما تحب ؟ وهل أنت تنفق من المال الأحب إليك ؟ وهل أنت تخرج الزكاة طيبةً بها نفسك ؟ أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك في رمضان وأنت صائمٌ وأنت تمتلك العاطفة الطيبة الطاهرة الرفيعة المتأججة المتوهجة المتنشطة من أجل القيام بعمل، سَل نفسك.

بعد ذلك في يوم ثانٍ أو في أيام قادمة سَل نفسك عن قراءتك القرآن، عن هذا الكتاب المقدس الكريم العظيم، هل أنت ممن يلازم القرآن في كل يوم ؟ وكما قلت في أكثر من مناسبة هل أنت ممن يلازم هذا الكتاب ولو أن تقرأ سطراً، ولو أن تقرأ كلمة، ولو أن تنظر نظرة، ولو أن تقلِّب صفحة ؟ هل أنت ممن لا يمرر يوماً من أيامه إلا ويودع فيه شيئاً من القرآن، أم أن القرآن بالنسبة لك قرآن رمضاني وقرآن تراويحي ؟ إن كنت تقرأ في كل يوم سَل نفسك السؤال التالي: هل أنت ممن يحسن التجويد والفهم والتطبيق على غرار أولئك الذين تستشهد بهم في حياتك رضي الله عنهم، على غرار الصحابة الكرام الذي حدثنا منهم من حدثنا فقال أحد التابعين: حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن وهو أبو عبد الرحمن السلمي يا شبابنا اسمعوا كيف كانوا يقرؤوا هؤلاء السلف القرآن وكيف تقرؤون أنتم القرآن، "حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن أنهم ما كانوا يقرؤون آيةً من كتاب الله إلا ويتعلمون ما فيها من العلم والعمل قال: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً". لا تقولن لي بأنك أُمّي لا تعرف القراءة فالمسجل موجود، ولا تقولن لي بأنك أمي لا تعرف القراءة أو أنك منشغل ومشغول فأنا لا أطالبك بأكثر من عشر دقائق، لا أطالبك بأكثر من هذا، لا تحتجّ بأي شيء فحجتك في هذا الميدان إن كانت من أجل الترك واهية ضعيفة لا دعم لها.

سل نفسك في الأيام التالية عن دعائك هل أنت ممن يدعو ربه بالسراء والضراء ؟ هل أنت صاحب ذكر ؟ هل لك ورد ؟ يا أخي في رمضان انتبه على نفسك ولاسيما بعد العصر إلى قبيل المغرب هل لك ورد ؟ هل تدعو ربك في كل يوم ؟ هل تتوجه إلى ربك بالدعاء بعد العمل ؟ هل تذكر ربك ؟ هل تستغفر ربك ؟ هل تسبح ربك ؟ إذا كانت الأحجار تسبح ربها وإذا كانت الأشجار تسبح ربها، أفلا تتعلم من الأشجار والأحجار، ثم بعد ذلك إن كنت تسبح وتذكر وتدعو كل يوم فهل تسبح وتذكر وتدعو بخشوع وحضور ؟ وبالتالي هل ترى نتيجة الذكر والتسبيح والدعاء في نفسك وهو الاطمئنان: ﴿الذي آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ أم أنك قلق لأن نوعاً من الطعام اليوم فُقد من على المائدة ؟ أم أنك قلق لأنهم عينوا مديراً أو وزيراً ولا تعرف هذا المدير أو الوزير ؟ أم أنك قلق لأن المادة الفلانية الترفيهية قد غلا سعرها ؟ أرخِصها بتركها. أم أنك قلق لأنه فاتتك حلقة من مسلسل تحب أن تتابعه حتى ولو كان هذا المسلسل دينياً، هل أنت قلق ؟ اسأل نفسك في أيام رمضان بعد العصر وإلى المغرب حاسب نفسك، كوِّن نفسك، واجه ذاتك، أريدك أن تواجه ذاتك في الأيام التالية بعد أن تسأل نفسك عن الصلاة والزكاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء، وأنا لا أقول هذا الكلام إنشائياً، لكني أريد تحديداً وأريد أن أرسله إليكم من أجل أن تستقبلوه بشكل مبنَّد مقعد محدد، سَل نفسك بعد الذكر والدعاء سَل نفسك عن إيمانك، هل أنت مؤمن بربك فعلاً ؟ هل أنت مؤمن ؟ تقول للناس بأنك مؤمن ؟ للإيمان آثار وغايات ومظاهر فهل أنت متحقق: ﴿يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب... ﴾ آمنوا، جددوا إيمانكم، هل أنت مؤمن ؟ وبالتالي تؤمن حق الإيمان بأن الله هو الفعال المطلق، تؤمن حق الإيمان بأن الله هو المشرع المطلق، تؤمن حق الإيمان بأن الله عز وجل هو الذي يعطي ويمنع ويفرق ويجمع ويهبط ويرفع أم أنك تؤمن إيماناً وراثياً وإيماناً تقليدياً وإيماناً ورثته عن أبيك وجدك وإيماناً لا يعدو أن يكون أكثر من كلمة تقولها هنا وهناك، لا يا أخي محِّص إيمانك في رمضان هل أنت مؤمن ؟ وهل أنت متحقق بآثار الإيمان ؟ وهل أنت متحقق بغايات الإيمان ؟ وهل أنت ممن يقول لربه: يا رب، يدعو ربه وهو مؤمن فيقول: أنت الذي تحييني وتميتني، أنت الذي تطعمني وتسقيني، أنت الذي تميتني وتحييني، لئن لجأ غيري إلى غيرك فأنا الذي لا ألجأ إلا إليك، ولئن اعتمد غيري إلى غيرك فأنا الذي لا أعتمد إلا عليك، ولئن لاذ غيري بغيرك فأنا الذي لا ألوذ إلا بك، هل تقول هذا من قلبك ؟ هل أنت متحقق بآثار الإيمان ؟ هل أنت ممن يعتقد تمام الاعتقاد أن الأمة لو اجتمعت على أن تنفعك بشيء لن تنفعك إلا بشيء قد كتبه الله لك ؟ هل أنت هذا ؟

بعد هذا أيضاً في الأيام التالية، سَل نفسك عن عبوديتك ربك هل أنت عابد ؟ هل أنت من عباد الرحمن ؟ سَل نفسك هل تتصف بصفات عباد الرحمن فأنت عبدٌ ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً والذين يقولون...﴾ إلى آخر الآية التي تسمعونها كثيراً وهل العبودية تنبع من ذرَّاتِكَ كلها ؟ هل كل شيء فيك يقول: أنا عبد لك يا رب ؟ هل كل ذرة فيك تستوطن فيها العبودية لربك ؟ أم أنك عبد تعبد الله على حرف، إن أصابك خير اطمأننت، وإن أصابتك فتنة انقلبت على عقبيك خسرت الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ؟ هل أنت عبد لربك كما أنت إنسان تشعر بإنسانيتك، أم إن العبودية غدت عبارة عن كلام إنشائي أو موضوع إنشاء نتحدث عنه في المناسبات التي ليس فيها امتحان ولا ابتلاء كما العبودية حديث شعري نسوقه هنا وهناك من أجل تمليح المجالس ؟

في الأيام التالية سَل نفسك عن عملك، أنت محامٍ هل تقوم بعملك وفق شرعك ؟ هل أنت طبيب هل تتقي ربك في طبك ؟ أنت رئيس هل تقوم برئاستك خير قيام لتجعل العدل نصب عينيك، والعدل أساس الملك ؟ هل أنت وزير وتشعر بأنه يجب عليك أن تبيت ليلتك وليس من شيء عليك تقوم به وأخرته ؟ هل أنت ضابط، هل أنت ظالم أيها الضابط ؟ هل ظلمت أحداً من الجنود ؟ هل أنت جندي ؟ هل تقوم بالدفاع والحماية عن البلاد هل أنت مهما كنت هل أنت قاض وبالتالي تقوم بالعدل حتى ولو دعيت إلى مالٍ أو إلى امرأةٍ أو إلى أو...الخ فهل تنشد العدل في قضائك ؟ سَل نفسك عن عملك هل أنت تاجر تغش ؟ ثم بعد ذلك تأتي إلى صلاة التراويح لتجعل منها شكلية كرنفالية لا أكثر ولا أقل، تبكي إن بكى الإمام وتضج بالدعاء حينما يضج بالدعاء الإمام، ثم بعد ذلك يعود كل شيء إلى ما كان عليه قبل الدعاء إلى الغش إلى الخداع إلى عدم إخراج المال إلى عدم صلة الأرحام إلى عدم إعطاء الفقير إلى عدم التعاون الذي ضرب أطنابه أعني عدم التعاون ضرب أطنابه بيننا فأصبحنا مفرقين، وأصبح المثل ينطبق علينا حينما يُقال:  تفرقوا أيدي سبأ. كل واحد مشغول بنفسه مشغول بتوافهه، بالأشياء التافهة عن أخيه عن غيره. سَل نفسك يا هذا بعد ذلك أنت أيها الطالب: وأنت تسأل نفسك عن عملك هل أنت تدرس ؟ الدراسة أمانة، هل تدرس هل تقوم بأمانة الدراسة ؟ أنت أيها الإنسان الذي انتهى من دراسته هل حققت طموحك المشروع ؟ أم أنك تسيب نفسك لأقدار تدَّعيها وليست بأقدار، كم حققت من طموحك المشروع في لحظتك التي أنت فيها أم أنه لم يعد لك طموح ؟ إنما الطموح هو أن تقضي أياماً في نزهة مع ثلة تضيع فيها الأوقات في كلام فارغ إن لم يكن في عمل غير مشروع في عمل محرم أو في قول مرفوض شِرعةً ومنهاجاً من حيث الشريعة ومن حيث القرآن، كم حققت من طموحك أنت أيها الطالب ؟ أنت تدرس لماذا ؟ ما الغاية من عملك ؟ هل تريد إرضاء ربك ؟ هل تريد أن تنفع الناس ؟ هل تريد خدمة وطنك ؟ أم أنك أيها الإنسان في غفلة عن هذا ؟ فإني  أخاف أن يكشف عنك الغطاء وحينها سيكون بصرك حديداً ولات ساعة مندم، محِّص نفسك يا هذا بعد عملك سَل نفسك في الأيام التالية  سَل نفسك يا أخي عما مضى من عمرك وعما بقي ولا تقولن لنفسك إني في عمر الثلاثين ويبقى الكثير، لا، كثيرون ماتوا في الثلاثين وكثيرون أولئك الذين حققوا في الثلاثين المهمات الصعاب، حققوا في الثلاثين ما لا يمكن أن تتصوره، اقرأ سيرة العظماء من أجل أن تستجلب لنفسك الدوافع والبواعث القوية، اقرأ سيرتهم بدلاً من أن تقرأ سيرة الكسالى أو أن تقارن نفسك بالكسالى بمن هو أقل منك في ميدان العمل والسعي والحركة فترى نفسك عظيماً، أنت عظيم حينما تقارن نفسك واعذرني إن قلت هذا حينما تقارن نفسك بالحقير لكننا لا نريد و نربأ بك أن تقارن نفسك بالحقير ولكننا نريد أن تقارن نفسك بالعظماء حتى تسمو وتعلو وتزداد عطاءً ونفعاً.

سَل نفسك بعد ذلك عن ارتباطك بتاريخك المشرق، في كل رمضان نتحدث عن غزوة الفتح ما علاقتك بغزوة الفتح وما شأنك ؟ إن تحدَّث أحدٌ من بلاد الغرب عن غزوة الفتح قلنا له ما شأنه ليتحدث عن غزوة الفتح أم أنك تبيح لنفسك أن تتحدث عن غزوة الفتح على أنها غزوتك، لكن قل لي بربك ما الذي يربطك بغزوة الفتح وما الذي يربطك بغزوة بدر وما الذي يربطك بنزول القرآن في رمضان هذه أحداث جرت في رمضان فما الذي يربطك بها ؟ أيربطك بها واعذرني إن كررت مثل هذا الأمر أيربطك بها أنك تقاتل أخاك قبل المغرب لأنه قطع عليك الطريق فمنعك من أن تصل إلى المنزل  إلا متأخراً خمس دقائق، تطبِّق المعركة هنا.

بعد ذلك يا أخي سَل نفسك عن خُلق يجب أن تتحلى به وقد جاء رمضان في جُله، في جُل غاياته من أجل هذا، سل نفسك عن تمتعك بالأخلاق الحسنة، هل أنت ممن يتعامل مع أهله باللطف ؟ هل أنت يتحلى بالحديث القائل: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) هل أنت ممن يتمتع بالخلق الحسن مع جاره ؟ هل أنت ممن يتعامل بالخلق الحسن مع أستاذه مع طالبه مع جنديه مع شعبه مع الموظفين الذين هم يعملون عنده، مع الأجراء والصناع الذي يعملون في معملك ومتجرك ؟ هل أنت ذو خلق حسن ؟ هل أنت ممن يخالق الناس بخلق حسن، (فإذا كان صوم يوم أحدكم) هكذا يقول نبيكم عن رب العزة جلت قدرته (فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم  إني صائم)، (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك سكينة ووقار)، (من لا يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

يا أخي كما بدأت الحديث أعيده، أريدك في رمضان أن تنكفئ على ذاتك، وأريدك في رمضان أن تصلي ركعتين كركعتين قرأت عنهما، صلاهما أحد الذين تعجب بهم، أحد الصحابة أحد التابعين، أريدك في رمضان أن تصوم يوماً كهذا الذي صامه عمر وعثمان وعلي... لن أقول كهذا الذي صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقضية بعيدة جداً، كهذا الذي صامه الجنيد والحسن البصري والغزالي والرازي وأولئك الذين نحبهم ونعجب بهم ونقدم أنفسنا من خلالهم وننتمي إليهم بأنهم أجدادنا وأننا أحفادهم، نِعم الأجداد ولن أقول بئس الأحفاد، لا أريد التقريع، ولكنني أقول يا ويح الأحفاد من تقصير ألمَّ بهم فأبعدهم عن الأجداد وأبعدهم عن أن ينتسبوا بجدارة للأجداد.

دعونا في رمضان من شكليات كرنفالية، دعونا من صلاةٍ ليس فيها إلا الضجيج، دعونا من حركاتٍ ليس فيها إلا التوهج الموهوم، دعونا من أمور في رمضان لا تمت إلى رمضان الحقيقي بصلة، وأريدكم وأكرر على نفسي وعليكم أن ننكفئ على ذواتنا في رمضان، صلِّ صلاة مودع، أدِّ زكاة من يعتقد تمام الاعتقاد أن هذه الزكاة حقٌ للسائل والمحروم للفقير في مالك، جعلها الله أمانة عندك ولا تخن الأمانة، ادع ربك وأنت مطمئن القلب، اذكر ربك في كل يوم حتى يذكرك ربي: ﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾ اذكر ربك في كل يوم، انظر إيمانك، انظر هذا الذي تعتقد أنه يميزك عن الذين أشركوا وعن الذين كفروا، اذكر عبوديتك ربك هل أنت عبد لربك ؟ اذكر هذا دائماً، اذكر ما مضى من عمرك ولربما كان ما بقي من عمرك أقل بكثير حتى ولو كان عمرك عشر سنوات، ربما بقي من عمرك أقل بكثير من هذا الذي ذهب من عمرك فما الذي قدمته وما الذي حصلته ؟ وما الذي تريد أن تفعله قبل فوات الأوان، وحينها لات ساعة مندم ﴿ولات حين مناص﴾. انظر يا أخي كم مضى من عمرك انظر انتماءك إلى تاريخك، انظر أخلاقك ختمت بالأخلاق لأن القضية قضية أخلاق، وإنما الأمم الأخلاق، لو قلت لكم واسمحوا لي لو أننا حدثنا إنساناً لا يعرف عن الصيام شيئاً، إنساناً بعيداً عن الإسلام وفرائض الإسلام لو أننا حدثناه عن رمضان وعن الصيام المكتوبين في كتبنا وعن الصائم وصفاته وأخلاقه لوقف مكبراً وقال ما أعظم هذه الفريضة وما أروع من يطبقها وما أعظم هذا الصائم، لكنكم يا إخوتي وسأدع الخيال من أجل أن يأخذ راحته عندكم لكنه إن دخل بلادنا في رمضان فماذا تتوقعون أن يرى منا نحن الذين نصوم رمضان ؟ هل سيجد هذا الذي قرأه مطبقاً أم أنه سيجد كما قال شاعرنا:

ذهبت مشرقةً وسرت مغرباً                  شتان بين مشرق ومغربِ

شتان بين ما قرأ وبين ما رأى، سيرى الأخلاق الحميدة وقد طارت من أرض المسلمين الصائمين، وسيرى الصلاة لا تعدو أن تكون كرنفالاً، وسترى الزكاة حركة مالية ضعيفة فيها المال المستهجن يُقدَّم، وفيها الأغذية الفاسدة تعطى وفيها البضاعة الكاسدة تحسب من الزكاة وتقدم للفقير. يأتيني فقير في يوم من أيام رمضان الماضي فيقول لي قد تجمع لي أكثر من مئة علبة سمنة كل التجار يريدون أن يوزعوا سمنة على أنها من الزكاة ويريدون أن يرضوا تجار السمن على حساب الزكاة والفقير، هذا قال لي تجمع عندي أكثر من عشرين كيلو شاي، وهذا يقول تجمع عندي أكثر من خمسين كيلو سكر وعدس والخ...

يا إخوتي ما هكذا تورد يا سعد الإبل، وما هكذا تعطى الزكاة، يا إخوتي، يا أيها الناس لو أن هذا الذي قرأ عن رمضان ولم يرنا فإن رآنا فسيقول: ما قرأت ليس هؤلاء الذين يطبقون ما قرأت سأبحث عن أناس آخرين يتجسد فيهم ما قرأته، سيقول هذا، فهل نحن على استعداد ؟ ورمضان آتٍ على الأبواب. اللهم بلغنا رمضان وسلمنا لرمضان وسلم رمضان لنا وتسلمه منا مقبولاً، فهل نحن يا إخوتي نحن على استعداد من أجل أن ننكفئ على ذواتنا وعلى أنفسنا في رمضان، هذا ما أدعوكم إليه من أجل أن يكون برنامجكم في رمضان، هذا ما أدعوكم إليه، وإني لآمل أن نكون واعين لهذا الذي نتلقاه، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 29/8/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق