آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ملامح الشباب المسلم

ملامح الشباب المسلم

تاريخ الإضافة: 2009/05/29 | عدد المشاهدات: 3469

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رأينا وسنرى طلابنا وشبابنا من ذكورٍ وإناث يتوجهون إلى الامتحانات، ونسأل الله للجميع التوفيق والرشاد، ونسأل الله لطلابنا وطالباتنا وبناتنا وأبنائنا أن يكونوا على مستوى إسلامهم وعلى مستوى دينهم وعلى مستوى الأخلاق المستمدة من قرآنهم وكتاب ربهم، لكنني أحببت وقسمٌ من شبابنا وطلابنا كادوا أن ينهوا امتحاناتهم، وقسمٌ آخر سيتوجه إلى الامتحانات في الأيام القادمة، أحببت والحال هذه أن أقول لهذا الشاب من ذكرٍ أو أنثى:

أيها الشاب هل تعرف صفات الشاب المنشود والذي نريده مواطناً صالحاً ؟ هل تعرفت على ملامح الشاب الذي نبتغيه والذي نطلبه والذي يؤسس لمستقبلٍ منتظرٍ رائعٍ مرضي ؟ هل خطر ببالك في يومٍ من الأيام أن تحدد الملامح للشخصية التي تريد أن تكونها ؟ هل فكرت في هذا ؟ تعالَ من أجل أن نرسم معاً ملامح الشاب الذي نطلبه وننشده ونريده ليكون ذلك ماثلاً في ذهنك دائماً وأنت تدرس، وأنت تمتحن، وأنت تقرأ، وأنت تكتب، وأنت تلهو أيضاً، أريد أن يكون ذلك ماثلاً أمامك، لأن قضية الخارطة الذهنية غدت اليوم قضية مطلوبة، والخارطة الذهنية تعني أن يكون الشيء الذي تريد تحقيقه قائماً في ذهنك، مرسوماً أمام عينيك، حتى تستطيع أن تطبق وأن تنفذ. أنا لا أريد أن أتحدث عن شبابٍ لا يحملون في ذهنهم أو في خلَدهم خارطة ذهنية إيجابية ولا أريد أن أتحدث عن شباب عابث ولا أريد أن أتحدث عن شباب ضائع ومضيع لأنه لم يضع في ذهنه ما يجب عليه أن يفعله على سبيل التعداد وسبيل التبنيد والتفقير وسبيل الخارطة الذهنية المرسومة.

أيها الشاب بالله عليك إلا وضعت في ذهنك هذا الذي سأقوله لك حتى تسعى إلى تحقيقه، وإن كان هذا الذي أريد أن ألقيه عليك اليوم ناقصاً فما عليك إلا أن تتعاون معي وأن أتعاون معك من أجل أن نتممه، فاسمع مني صفات الشاب الذي ننشده.

الصفة الأولى: إيمانٌ بالله راسخ لا يتزعزع: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا﴾ أنت عرضة لشكوك تأتي من مشككين، أنت عرضة لارتيابٍ يأتي من أولئك الذين يحملون الريب والشك ليجعلوه في روعك وفي داخلك لينفثوه في صدرك، إيمانٌ بالله راسخ لا يتزعزع،  قل دائماً وأبداً آمنت بالله رباً، إذا أصبحت فقل: يا رب إني مؤمنٌ بك بعقلي وقلبي وكياني كله: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ أريدك كذلك.

الصفة الثانية: إخلاصٌ قوي لا يعرف المصانعة ولا المراءاة: إياك أن تعمل من أجل فلان، إياك أن يكون فلانٌ همك، إياك أن يكون همك أن يمدحك الناس، إياك أن تسعى من أجل أن ترضي الناس وتنسى الخالق وأن تنسى ربك، إخلاصٌ قوي لا يعرف المصانعة ولا المراءاة، أنا عبد لله، أنا عبدٌ حجرت في الحب عتقي، أنا عبدٌ لله وحده، أنا عبدٌ لربٍ خلقني وسواني وعدلني: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء﴾ فتحرَّ الإخلاص في داخلك، ولطالما ذكرت هذه القصة يوم أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحلي كسرى غنيمة غنمها المسلمون، استلم هذه الغنائم سيدنا عمر رضي الله عنه وقال: "إن قوماً أدّوا هذا لذووا أمانة". لأنهم أخلصوا لله، ما رآهم أحدٌ إلا الله فقدموا هذا الذي قدموه وهم يعملون مخلصين لوجه الله، "إن قوماً أدّوا هذا لذووا أمانة". فأجابه سيدنا الإمام علي وقال له: "عففت وعفت رعيتك". الجزاء من جنس العمل. الصفة الثانية إخلاصٌ لله لا يعرف المصانعة ولا المراءاة.

الصفة الثالثة: عملٌ دؤوب لا ينقطع: لا أريدك أن تنقطع عن عملٍ بدأته، أريدك مثابراً، سبل النجاح مثابرة ثم مثابرة ثم مثابرة، لكن شبابنا اليوم لا يثابرون، يبدأ أحدهم عملاً ما ثم بعد أيام أو بعد أشهر أو بعد سنوات قليلة يفكر في ترك هذا العمل ليبدأ عملاً آخر: ﴿كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً﴾، عليك أن تكون دؤوباً في عملك: ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ انظروا قول الله عز وجل: ﴿فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب﴾ لا تفرغ من عمل إلا وقد وضعت في ذهنك وأمام عينيك أن تبدأ عملاً آخر من غير انقطاع بين العمل الجديد والعمل القديم، يا شبابنا: ﴿فإذا فرغت فانصب﴾ ولا تستسلم ولا تكن متثبطاً وإياك ان تتثاقل. قرأت وذكرت في خطب ماضية يوم وقف عقبة بن نافع على حافة بحر الظلمات المحيط الأطلسي وقال: "اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن بلداً وراء هذا البحر لخضته، اللهم فاشهد". يريد أن يتابع لا يعر ف التوقف.. أنتم اليوم تقفون على حافة بحر العمل بحر السعي لكننا لم نعد نرى من يقول اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن عملاً ما سيكون في خوض البحر لخضته. أصبحنا نخاف من الساقية فضلاً عن أن نخوض البحر، أصبحنا نتوهم البحر أمامنا ولا بحر، أصبحنا نتوهم السراب لننظر إليه على أنه ماء يغرقنا وبالتالي بقينا،

ومن يتهيب صعود الجبال            يعش أبد الدهر بين الحفر

وها نحن شئنا أم أبينا، شئتم أم أبيتم بين الحفر، ولا تنظروا إلى كلام يقال هنا أو هناك في محفلٍ أو في محفلٍ آخر، على أننا أمة اليوم تستحق التقدير، لا، ليس هذا الكلام بصحيح، وإنما نحن اليوم أمة تعيش بين الحفر، انظروا اجتماعاتنا، انظروا اجتماعات المسؤولين منا، إنما هي اجتماعات تسفر عن كلامٍ سمعناه كثيراً ولكن هذا الكلام لم يعد يجدي بمفرده، نريد عملاً دؤوباً مستمراً ومثابراً عليه، وإلا توقعوا أسوأ مما نحن عليه إذا كنا سنتابع نفس الطريق التي نسير عليها اليوم.

الصفة الرابعة: الشجاعة والتضحية: نريد شجعاناً في الرأي، في إبداء ما تعتقد بأمانة، نريدك شجاعاً، نريدك مضحياً من أجل دينك، من أجل بلدك، من أجل القيم التي تريدها وتنشدها، نريدك مُضحياً شريطة أن تكون التضحية ضمن الجماعة ومع الجماعة وضمن عمل متكامل يعمل فيه الجميع، وضمن منطلق الشورى التي أمرنا أن نكون متحلين بها: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ ولا نريد شجاعة فردية لا تمتُّ إلى صلة بالجماعة، أو شجاعة تقوم على اعتقادٍ غير صحيح، أو جماعة تقوم على ثأرٍ وانتقام لشخصانيتكَ، لنفسك، لا نريد هذه الشجاعة، إنما الشجاعة التي نريدها هي الشجاعة التي يمكن أن تعنون، أن تكون بحق في سبيل الله، وفي سبيل الله يعني: (الله)، ويعني الصالح العام ويعني الإنسانية كلها، ورضي الله عمَّن قال:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً                     على أي جنبٍ كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ                     يـبارك على أوصال شـلوٍ ممـزع

في ذات الإله وليس في ذات النفس أو الرغبة أو العنفوان أو الانتقام أو الثأر.

وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة حُنين والناس قد غادروه وهو يقول ويردد بلسان الواثق الشجاع الصامد المضحي: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب). ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله﴾ نريدك شجاعاً.

الصفة الخامسة والأخيرة: العلم: يا أمة الجهل اليوم، العلم هو سبيلنا، وقلت عن العلم ما قلت في الأسبوع الفائت وأنا أتحدث عن تحرير فلسطين، لا بد لنا من علمٍ ومعرفة، لأن أمتنا اليوم بشكلٍ إجمالي تتصف بالجهل شئنا أم أبينا، إن أمة لا تقرأ، إن أمة لا تنتج كتاباً، إن أمة خلت بيوتها من الكتب أمة لا يمكن أن تكون من الأمم التي تولد وتنجب شباباً منشودين كما تحدثنا عن صفاتهم.

فيا أيها الشباب، يا أيها الذاهبون إلى الامتحانات نريدكم علماء، نريدكم أصحاب معرفة، نريدكم مُستهدين بهدي القرآن، وهو يقول لكم على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وقل ربِّ زدني علماً﴾ فهل تقول أيها الشاب صباح مساء وهل تدعو من جملة ما تدعو به تقول: ﴿وقل ربِّ زدني علماً﴾ أم أنك عن العلم في غياب وغيبوبة، أم أنك عن العلم في ضياع وتيه ؟ هل تقول في كل صباح: ﴿وقل ربِّ زدني علماً﴾ ؟ تعلّم واسلك سبيل العلم، فمن سلك سبيل العلم سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة، إلى جنة الدنيا مجداً وعزاً، وإلى جنة الآخرة فلاحاً ونجاة من النار وطمأنينة واستقراراً وهو ينظر إلى وجه الله الكريم.

العلمَ العلم، نريدكم على قدرٍ من العلم، نريدكم متفوقين بالعلم، ما بالنا إذا ما ذُكر العلم هربنا من ذكره ؟ ما بالنا إن جلسنا جلسة علم تأوهنا واشتكينا وأصبحنا على ملل لا يعرف مداه إلا الله ؟ ما بالنا أصبحنا نعادي العلم والمعرفة، أترون هذه الدولة المغتصبة التي تسمى إسرائيل، إنها دولة تسعى إلى أن تكون على قدرٍ من المعرفة والعلم، لأنها أدركت أن العلم هو الذي يجعل الأمة ترتفع وأن الجهل هو الذي يجعل الأمة تنخفض وتهوي، بالعلم ترقى الأمم، العلم هو السلاح الأمضى الذي يجب أن يتحلى به شبابنا، واسمحوا لي أن أؤكد على قضية مهمة، أنا أقول العلم ولا أقول الشهادة، وإن كانت الشهادة مطلوبة، ونريدها لكننا لا نريدها لذاتها وإنما نريدها إذا كانت عنواناً على علمٍ ومعرفة، أما إذا كانت عنواناً لجهل مستور أو لجهلٍ كامنٍ في الداخل فنرفضها، نريدها عنواناً لعلم ومعرفة فإذا كانت غير ذلك فلا، لأننا نريد المضمون قبل الشكل، والمضمون هو العلم والمعرفة.

دعني في النهاية أيها الإنسان المسلم أن أقول لك: هل تقرأ في كل يوم ؟ بالله عليك سواء أكنتَ دارساً أو غير دارس، سواءٌ أكنت خرجت من المدرسة من الصف الأول أو الثاني أو العاشر أو... أو أنت ما زلت في المدرسة والجامعة، هل تقرأ كل يوم ؟ هل تمرر الأيام وأنت تودع فيها قراءة أم أنك في إعراضٍ عن هذا، وبالتالي إذا كنت لا تقرأ فقل لي بربك كيف تكون على علم وكيف تكون على معرفة ؟ إذا كنت لا تفتح كتاباً، إذا كنت لا تقرأ مجلة، إذا كنت لا تقرأ صحيفة، إذا كنت لا تنظم وقتك من أجل أن تترك وقتاً كافياً، نصف ساعة مثلاً للقراءة، فبالله عليك ممن تطلب إذن أن يكون عالماً، وممن تطلب أن يكون على معرفة ؟

يا أمتي، المُسِنُّ فينا يقول: قد مضت الأيام وينتظر الموت ولا قراءة، والشاب يلمع أمامه المال ويقول: لن تجدي القراءة وإنما يريد أن يحصل على المال، وبين الشاب والمسن رجلٌ ينظر أولاده فيريد أن يطمئن عليهم من أجل المال وجنيه لا أكثر ولا أقل، كلنا غدا مشغولاً، هذا بالموت، وهذا بالمال، وهذا بالولد، أما أن يكون مشغولاً بما خُلق له فهذا قد ابتعدنا عنه، وأنت خلقت للمعرفة، أوليس الله قد قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ وأسمى العبادة العلم، ولذلك قال ابن عباس: "ليعبدون، ليعرفون". فتعرفوا وتعلموا.

صفات الشباب المنشودة: إيمانٌ بالله راسخ لا يتزعزع، إخلاصٌ لله لا يعرف المصانعة ولا المراءاة، عملٌ دؤوب لا ينقطع ومثابَرٌ عليه، شجاعة وتضحية من أجل الله ومن أجل القيم ومن أجل البلد، علمٌ ومعرفة نستمر على طلبهما ما حيينا، فالعلم فريضة من المهد إلى اللحد، والعلم فريضة منذ الوعي وإلى أن ينتهي بك النفَس في هذه الحياة، وأقول لكم زيادة على ذلك، وإنها لقصة سمعتها من أحد الأشياخ يوم قال مريدٌ لشيخه: يا سيدي هل في الجنة طلب علم ؟ فقال الشيخ نعم. فقال التلميذ: والله لو لم يكن في الجنة طلب علم لقلت إن نعيمها ناقص. نعم النعيم في العلم.

سهري لتنقيح العلوم ألذُّ لي           من وصل غانية وطيب عناقِ

العلم هو الكشف، والكشف هو اللذة، فلنكن بالعلم متلذذين، ولنسعَ إلى أن نتعلم، ففي كل حرفٍ حسنةٌ وأجرٌ وتقدمٌ وتطورٌ وتحديث. أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 29/5/2009

التعليقات

شاركنا بتعليق