آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
معجزة الإسراء والمعراج : أبعادها وعبرها

معجزة الإسراء والمعراج : أبعادها وعبرها

تاريخ الإضافة: 2009/07/17 | عدد المشاهدات: 3342

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

لا شك في أنكم وفي أننا نعيش جميعاً في هذه الأيام ذكرى معجزةٍ كانت لسيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إنها ذكرى الإسراء والمعراج، وأظن أن جميعكم أو أن أكثركم يعرف عن هذه القصة ما يكفي من أجل أن يأخذ منها عبراً ودروساً.

نحن بالنسبة للتاريخ وذكرياته، نريد أن نجعل من هذه الذكريات مدرسة نتلقى في هذه الذكريات دروساً وعبر نريد أن نتصل بالماضي على أساسٍ من أستاذية الماضي فيما يخص بعضَ ما أفرزه هذا الماضي، نستفيد من الماضي ونقدّم للحاضر ونؤصِّل للمستقبل، وبذلك نكون قد استفدنا من الأزمنة الثلاثة، استفدنا من الماضي كما يجب أن نستفيد واستفدنا من الحاضر كما يجب أن نستفيد واستفدنا للمستقبل كما يجب أن نستفيد.

وباعتبار أن هذه الذكرى من الماضي، فما الذي يمكن أن نستفيده منها ؟ هذه الذكرى حددتُ لها أبعاداً فعنونت هذه الخطبة اليوم: "المعجزة بأبعادها وعبرها"، ومن ثمَّ ستكون هناك مناشدة، فما أبعادها وعبرها التي يمكن أن نَفيد منها ونكون أمامها كالمتعلم الصادق وكالمتعلم الوفي.

الإسراء والمعراج كما قال ربي عز وجل: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾، والمعراج ورد في السنة الصحيحة، في البخاري ومسلم وسواهما، فقد أسرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، ومن هناك عُرج به إلى السموات العلا، وأنا أتوجه إليكم من أجل أن تقرؤوا هذه المعجزة في القرآن الكريم في سورة الإسراء وفي سورة النجم، وفي الحديث الشريف فيما رواه البخاري ومسلم وسواهما، وقبل أن تقرؤوا هذه المعجزة في القرآن والسنة سأضع أمام أعينكم بل سأجعل في مسامعكم هذه الأبعاد والعبر وآمل أن تحتفظوا بها لتكون على بالكم وانتم تقرؤون هذه المعجزة في القرآن والسنة.

تحمل هذه المعجزة أبعاداً وعبراً.

أما البعد الأول، فالبعد الرباني: في هذه المعجزة بُعد رباني، أما رأيتم أن المعرج كان إلى السموات العلا ؟ وهذا يعني يا أيها الإنسان المسلم، وأنا أتكلم مع المسلم اليوم ولا أتكلم مع غير المسلم، أيها المسلم المؤمن بهذه المعجزة أريدك أن تنظر إلى هذا البُعد في هذه المعجزة، هذا البُعد أسميته البعد الرباني، لأن المعراج كان في هذه المعجزة إلى الله عز وجل، والذي عليك أن تفعله أن تجعل نيتك في كل أعمالك متجهة إلى ربك، تعرج إلى ربك دون سواه: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ هذه عبرة أولى من هذا البعد.

أما العبرة الثانية من هذا البُعد: فآمل بل أرجو أن نستمد شرعتنا من السماء التي عرج إليها سيدنا صاحب الذكرى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، اجعل نيتك تعرج إلى الله واجعل أحكامك مستمدة من السماء، وهذا ما يقوله لك البعد الرباني في هذه المعجزة، وآمل أن تضع هذا في ذهنك محددا ً لأن التطبيق لا يمكن أن يكون إلا إذا حُدد وبُنِّد الفكر، فضع هذا في ذهنك.

البعد الثاني هو البعد الاطمئناني: كونوا مطمئنين بأن رسولكم صادق، في هذه القصة يقول ربنا عز وجل: ﴿إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين. وما صاحبكم بمجنون﴾ رسول الله صادق، اطمئن وأرجو أن يكون هذا الاطمئنان دافعاً من أجل أن تتبع هذا النبي الكريم اتباعاً صادقاً واتباعاً أكيداً واتباعاً وفياً، رسول الله صادق، جاء في الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أُتي بالبراق من أجل أن يكون الوسيلة التي يسرى بها إلى المسجد الأقصى، استصعب البراق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال جبريل للبراق: (أبمحمدٍ تفعل هذا ؟ فو الله ما ركبك أحدٌ قط أكرم على الله من محمد).

هذا رسولكم فاطمئنوا، رسولكم أكرم إنسانٍ على الله، رسولكم صادق مصدوق، فإذا كان رسولكم كذلك فلماذا لا تسعون من أجل أن تكونوا على مستوى هذا الرسول ؟ على مستوى التلمذة، على مستوى الاتباع، على مستوى الالتحاق بركب من التحق بهذا النبي اتباعاً وتصديقاً ووفاءً وعملاً وتمجيداً وثناءً...

البعد الثالث، البعد التصديقي: لما جيء إلى سيدنا أبي بكر فقالوا انظر صاحبك فإنه يزعم في ليلو واحدة أنه أُسري به من مكة إلى المسجد الأقصى، ونحن عندما نريد أن نذهب إلى هناك يكلفنا ذلك شهراً ذهاباً وشهراً رواحاً ؟ فقال سيدنا أبو بكر كلمة أتمنى أن يقولها كل واحدٍ منا وهو يعلن ولاءه للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إن كان قالها فقد صدق". ونحن نقول إن كان هذا الأمر الذي تقوله أنت قد قاله الإسلام فنحن معه، المهم أن نتثبت أولاً، وبعد ذلك إن ثبت الأمر، فالأمر صحيح لا غبار عليه: ﴿فلا ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾ إن كان قالها فقد صدق. حينما أُحدِّث إنساناً ما عن الإسلام فينبغي أن يكون موقف هذا الإنسان الذي يستمع، وأنا أقول لكم من أجل أن يكون هذا الذي نتحدث عنه موقفاً لكم وأنتم تستمعون لما تستمعون للفضائيات، للدروس... ليس كل من قال شيئاً عن الإسلام هو من الإسلام من أجل أن تحتفظوا بصدق عقلكم ونجاعة فكركم وحسن انتسابكم وانتمائكم، قولوا هذا: إن كان هذا فعلاً يقوله الإسلام فنحن معه، تأكدوا، تبينوا، كلمة الصديق تعطينا في هذا المجال بُعداً تصديقياً لهذه المعجزة، وليكن هذا الذي قاله الصديق موقفاً لنا حيال ما نسمع عن الإسلام، روي عن سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه لما قيل له: هل رأيت الجنة والنار بعينيك حتى آمنت بهما ؟ فقال: "لقد رأيت الجنة والنار بعيني رسول الله، وعينا رسول الله أوثق من عيني".

البعد الرابع، البعد الوجداني: كان الإسراء إلى المسجد الأقصى، إلى بيت المقدس ، فبيت المقدس ما دام الإسراء كان إليه علينا أن نحبه لأنه يحبنا، فما من ذرة تصطبغ بصبغة الحق إلا تحبك أنت أيها الإنسان، لكن بقي عليك أن تحبها أنت، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عن أحُد: (جبل يحبنا ونحبه). وما ثمة شيء في هذه الأرض إلا ويحبك لكن عليك أن تحبه، لاسيما أن هناك أشياء وأماكن تفضل سائر الأماكن الأخرى، ومن جملة هذه الأماكن المفضلة بيت المقدس، علينا أن نحبه لأنه يحبنا، أوليس بيت المقدس هو أولى القبلتين ؟ أوليس بيت المقدس ثالث الحرمين ؟ أوليس بيت المقدس هو المطار المفتوح على السموات العلا لأن نبينا عُرج به من بيت المقدس ؟ أوليس بيت المقدس هو موطن الخلافة المنشودة ؟ هو مركز النهوض المنشود، هو مركز وعاصمة الخلافة المنشودة لإسلامٍ يُنتظر يحكم الأرض بسلمه وأمانه وعقله وفكره ورشده وسعته ورحمته وحلمه وليس بعنفه واضطرابه وقسوته وشدته، لا، الإسلام يحكم الأرض بسلمٍ وسلام وأمنٍ وإيمان ورحمة ورأفة: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم﴾، البعد الوجداني فلنفكر فيه وليكن المسجد الأقصى وبيت المقدس على بالنا دائماً، قرأت أبياتاً من الشعر لأحد الشعراء أحببت أن أقولها لكم:

يا حماة الأقصى الجريح أفيقوا                     أين أقصاكم الذي تحمونه ؟

     قد ملأتم رحبَ الفضاء كلاماً                     وأثـرتم من الحـديث شجوناً

لكأني بمسجد القدس يدعو                        وينـادي أمـا سمعتم أنينه

أيها المسجد الجريح سلاماً                          لك عهدٌ على المدى لن نخونه

آمل أن يكون هذا العهد بينك وبين ذاتك، بينك وبين ربك لا أن تكون القضية قضية مزاودة، نحن لا نريد كلاماً، وفعلاً أقول هذا وأنا أنظر إلى نفسي، لأني حينما أتكلم وأقول لا أريد كلاماً فأنا أتكلم كلاماً ولكن الله يشهد أنني ما قصدت بهذا الكلام إلا استنهاض العمل لديَّ ولديكم، فالمسجد الأقصى يريد منا عملاً ومعاهدة صادقة معه ولا يريد فقط أن نعقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات.

البعد الرابع في هذه المعجزة هو البعد التاريخي: يكفي أن نذكر في هذا البعد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما ستقرؤونه في هذه القصة التي وقعت فعلاً يكفي أن نذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إماماً بكل الأنبياء.

      لما خطرت به التفُّوا بسيدهم              كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم

صلى وراءك منهم كل ذي خطرٍ            ومـن يَفُز برسول الله يأتمـمِ

البعد التاريخي في هذه المعجزة، هذا الإسلام هو دين كل الراشدين، كل العاقلين كل الفاهمين، إسلامنا لا يقف عند حدود رسالة الإسلام الخاصة التي ولدت مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإنما الإسلام يمتد ليصل إلى آدم، فدين آدم هو الإسلام ودين إبراهيم هو الإسلام ودين نوح هو الإسلام ودين عيسى هو الإسلام ودين موسى هو الإسلام، ودين كل الأنبياء هو الإسلام: ﴿ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾، هكذا قال كل الأنبياء لمن بعدهم من دون استثناء.

البعد الأخير هو البعد العالمي: في هذه المعجزة، الله عز وجل قال: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾، عليك أن تسعى من أجل أن توصل صوتك إلى الأقصى، الأقصى يعني أنه ليس بعد ذلك من مكانٍ ما، الأقصى ليس إلى مسجدٍ أقصى من غيره ولكن إلى المسجد الأقصى الأبعد، فأنت مكلف من خلال المختصين ومن خلال الأصحاب ومن خلال المنظمات ومن خلال الدول أن توصل الإسلام إلى الأقصى، لكننا مقصرون لأننا لا نوصل الإسلام إلى الأقرب فكيف نوصل الإسلام إلى الأبعد ؟ نحن نوصل إسلاماً ليس هو الإسلام الذي جاء به القرآن والسنة لكننا نوصل إسلام عادات وإسلام تقاليد ولا نوصل إسلام تعاليم، ولذلك كل ما أرجوه أن نفيد من هذه الذكرى أن نوصل الإسلام الصحيح الرشيد الرحيم العظيم إلى الأقصى وأن نضع هذا في أذهاننا من خلال أولادنا من خلال طلابنا من خلال أبنائنا من خلال سفاراتنا، سفاراتنا الآن لا تقوم بهذا الدور عليها أن تقوم بهذا الدور، قولي أيتها الحكومات العربية والإسلامية لسفاراتك في الدول على اختلاف أجناسها وألوانها وأعراقها وأديانها قولي لها بأنكِ هنا في هذا المكان أو ذاك من أجل أن تبلغي الإسلام، أولستَ أيها السفير الفلاني في البلد الفلاني مسلماً ؟ أولست تؤمن بالإسراء والمعراج ؟ وهذا ما تعلنه أنت إذن ما موقفك وأنت هناك في البلد الأقصى في المكان الأبعد فما بالك تقصر في توصيل الإسلام الذي أُمِرتَ أن توصله إلى هناك من خلال عملك قبل أن يكون من خلال لسانك، أنا لا أرى أن يكون هناك فرقٌ بين الدعاة في بلدٍ فلاني وبين السفارة للبلد الفلاني الإسلامي، ولكن على الجميع أن يتحدوا ويعملوا من أجل أن يقدموا هذه الرسالة العظيمة العالمية للناس حيث هم، وأعتقد أن الإسلام من مصادره الصافية الصحيحة سيقبله الناس، أما حينما نقدم الإسلام الذي لا يمكن أن يقبله جارك الذي يعيش بجانبك فلن يقبله هذا الذي يعيش بعيداً عنك، فلتتعلموا الإسلام من منابعه الأصلية ثم بعد ذلك بلغوه أولئك الذين تلتقون بهم في مختلف الأصقاع ومختلف البلاد.

المناشدة الأخيرة بعد هذه الأبعاد:

فليعش كلٌ منا إسراءً خاصاً بنفسه إلى بيت المقدس، إلى المسجد الأقصى، لكن البُراقات تختلف، أنت أيها العالم عليك أن تعيش الإسراء إلى المسجد الأقصى ببراق العلم لتضع علمك في خدمة التحرير، أنت أيها الغني عليك أن تعيش الإسراء إلى المسجد الأقصى ببراق المال لتضع مالك في خدمة التحرير، أنت أيها القوي عليك أن تعيش الإسراء إلى المسجد الأقصى ببراق القوة لتضع هذه القوة في خدمة التحرير، وأنا أعني بالتحرير تحرير القدس وتحرير الإنسان من الخنوع والذل والفجور والكذب تحرير الإنسان من كل ما لا يليق بالإنسان، البراقات مختلفة وكلٌ منكم يمتلك براقاً من أجل أن يعيش الإسراء، من أجل أن يكون مُسرىً به، فهل تُسخِّرون هذا البراق وهل تمتطون هذا البراق ليكون في خدمة التحرير ؟ أرجو أن يفكر كلٌ منا بهذا الذي نقول عسانا بعد التفكير أن نخرج بما نرضي به ربنا عز وجل وبما نحقق به إنسانيتنا.

اللهم إني أسألك بحق صاحب المعجزة، بحق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أن تجعلنا على مستوى المعجزة نفيد منها في أبعادها ونفيد من أبعادها العبر التي تعود علينا بالنفع في حاضرنا وفي مستقبلنا، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 17/7/2009

التعليقات

شاركنا بتعليق