آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
وصايا من رمضان

وصايا من رمضان

تاريخ الإضافة: 2009/09/18 | عدد المشاهدات: 3081

أما بعد، فيا أيها الإخوة الصائمون القائمون:

ها نحن أولاء أصبحنا على موعد المغادرة، سيغادرنا رمضان وسنغادر رمضان، وما هو إلا يومٌ أو يومان إلا ونحن ضيوفٌ في شهرٍ آخر في شهر شوال، وقبل أن يغادرنا رمضان تمثلته وتمثلت فيه إنساناً ناصحاً فقلت في نفسي ماذا عسى أن يقول لنا رمضان قبل أن يغادرنا وهذا الذي سأقوله والذي سيكون لسان حال رمضان قلت شبيهاً فيه منذ أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً على هذا المنبر.

أيها الصائمون اسمعوا رمضان وهو يتوجه إليكم ينصحكم يبادلكم التحية تحية الوداع يقول لكم:

أولاً: أما الصيام فلا تتركوه، حتى بعد أن أغادركم حتى ولو أن يصوم الواحد منكم في الشهر يوماً واحداً، ولعلَّ السر في ذلك يكمن في أن صيام يومٍ واحد في الشهر بعد رمضان يذكرنا بالصوم الذي هو أمرٌ مفروضٌ علينا في سائر أشهر العام، وقد قلنا هذا وبيَّنا الفرق بين الصيام والصوم وقلنا إن الصيام امتناعٌ عن المفطرات الحسية وأما الصوم فهو امتناعٌ عن المفطرات المعنوية، الصيام فرض في رمضان مع الصوم والصوم فرضٌ في كل أشهر السنة لذلك يطلب منا رمضان أن نصوم يوماً واحداً على الأقل في الأشهر الباقية من أجل أن يذكرنا صيام هذا اليوم بالصوم من أجل أن يذكرنا امتناعنا عن المفطرات الحسية، امتناعنا عن المفطرات المعنوية، فيا أيها الصائمون في رمضان: أما الصيام فلا تتركوه بعد رمضان ولو أن تصوموا يوماً واحداً في الشهر بغض النظر عن الوضع المناخي أكان صيفاً أم شتاءً أم خريفاً أم ربيعا ً لأننا بحاجة إلى الصوم فعلاً، إلى الامتناع عن المفطرات المعنوية، وما تأكيدنا على الصيام إلا من أجل أن يذكرنا بالصوم، تصوروا أنه منذ يومين في هذه المدينة التي كثرت الجريمة فيها وقع خمسة قتلى في منطقة السفيرة في رمضان، ومنذ عشرة أيام وقع أربعة قتلى في منطقة حيان، وما بين هذا وهذا قتيلٌ يقتل هنا وقتيلٌ يقتل هناك، ونحن نتحدث عن هذا الذي يحدث أرى الناس يحذرون ما يسمى بأنفلونزا الخنازير، ونتيجة هذا المرض وهذا الوباء ونحن مع محاربتنا له والاحتياط منه مات إثر هذا الوباء اثنان في سورية بينما قتل في مدينة حلب بأيدي بعضنا أكثر من ستة عشر رجلاً وامرأة وطفل، ودُخل على مستشفى من المستشفيات فقتل شخص مصاب، أُجهز عليه وهو في المستشفى. لا أريد أن أتحدث عن سائر الجرائم الأخرى لأن جريمة القتل جريمة الجرائم لأن جريمة القتل لا غفران لها على الإطلاق مهما أردنا أن نتحدث عن وضعٍ فلا يمكن أن يكون الحديث عن أي أمرٍ ما أخطر من الحديث عن جريمة القتل.

فيا أيها الصائمون ألا يستأهل منكم الأمر أن نصوم يوماً في كل شهر على الأقل من أجل أن يذكرنا صيامنا بصومنا، وإذا أراد المجتمع الدولي أن يصنف مجتمعاً ما على أنه مجتمع مجرم فسيضع القتل أول المعايير بالنسبة للحكم على هذا المجتمع فيما إذا كان مجرماً أم لا، فإذا ما قدمنا أنفسنا نحن في حلب على أنه قتل منا في هذا الشهر ستة عشر رجلاً أعتقد أننا سنكون في رأس القائمة التي تصنف فيها المجتمعات المجرمة، القضية ليست قضية قتل وتمرّ، القضية قضية زرع جريمة في بلد ما نعيش فيه وسيورث هذا لأبنائنا لأحفادنا وسيتساءل أبناؤنا وأحفادنا عن سبب انتشار مثل هذه الجرائم مع العلم أن المساجد امتلأت يوم أمس بالمصلين، ولذلك اعذروني إن قلت لم تعد هنالك لنا ثقة بهذه الصلاة، ما الذي تجنيه من صلاتك هذه وأنا الذي أتلقى الأسئلة من هنا وهناك، شخصٌ يهتف إليّ يقول لي يا أستاذ كم أصلي قيام الليل ؟ يا أخي إن صليت قيام الليل أم لم تصلِّ الأمر سيان، ولكن حافظ على لسانك من أن يغتاب إنساناً أن تقتله قتلاً معنوياً، حافظ على هذا الفقير الذي أنت مسؤولٌ عنه من أجل أن يكون غنياً عن السؤال، حافظ على أن تكون في بيتك أنموذجاً طيباً، مالي أراك تهرول إلى المسجد لتصلي ركيعات وهذه الصلاة لا تعدوا أن تكون أكثر من شكلية كرنفالية كما قلت في أكثر من مناسبة، ما الذي تفيدنا ؟ وهذا الذي وصل إلى الجهات الرسمية أن ستة عشر شخصاً قتلوا في شهر رمضان في حلب عدا الذي لم يصل.

أما الصيام فلا تتركوه من أجل أن يذكركم بالصوم وإلا لا قيمة لرمضاننا، حاشا رمضان الأصل، ولا قيمة لصلاتنا هذه التي نصليها، يهتف إليّ إنسانٌ آخر يقول: أستاذ أريد أن أصطحب معي إلى المسجد خادمتي الأندونيسية أم الماليزية هل هنالك مانعٌ شرعي ؟ لا ليس هنالك مانع شرعي اصحبها، أصبح الكلام في الفتوى حول هذه الأمور السخيفة التافهة، آخر يسألني يجوز لي أن أعطي ولدي أو أبي من زكاتي ؟  هو لا يريد أن يعطيه من غير الزكاة يريد أن يخرج الزكاة هو لا يخرج كل الزكاة ولا أريد أن أعمم هنالك من رحم الله يخرجون زكاتهم بحسبانٍ دقيق، ربما كان واحد بالمئة اثنان بالألف يحسبون حساباً دقيقاً، أما الصيام فلا تتركوه ليس من أجل الامتناع عن الطعام والشراب ولكن من أجل أن تتذكروا أن صوماً مفروضاً عليكم في سائر أشهر العام، أن تصوم ألسنتكم عن المحارم أن تصوم أعينكم عن المحارم أن تصوم أيديكم عن المحارم أن تصوم أرجلكم عن المحارم من اجل أن تتذكروا هذا.

ثانياً: وأما القيام فلا تدعوه، ولا نريد قياماً كرنفالياً يصلي فيه الإمام ويطيل الدعاء أكثر من نصف ساعة ما أظن أن ثمة أفضل في هذه القضية، وعلى كلٍّ القضية لا نمنعها ولكننا الآن نتحدث عنها بشيء من عدم الاهتمام أو عدم الرضا لأنها لم تنتج الأثر الطيب نحن نريد أن يقوم الواحد منكم بركعتين في بيته بينه وبين نفسه ولينظر من يكلم وهو يصلي ولينظر من يخاطب وهو يصلي. قلت لكم كلمة سمعتها أثَّرت في منذ أكثر من أربعين عاماً مرويةً عن محمد إقبال رحمه الله كان يقول بعد أن وصل إلى حكم باكستان: "اللهم مهما شئت أن تحرمني فاحرمني ولا تحرمني لذة مناجاتك في هدأة الليل" أما القيام فلا تدعوه، القيام الذي يجعل منك في اليوم الثاني إنساناً قوياً في عملك جاداً في سعيك عزيزاً في ربك صاحب سلوك قوي، القيام الذي يجعل منك في اليوم التالي إنساناً نشيطاً، إنساناً يراقب ربه إنساناً لا يغش، إنساناً لا يتعاطى هذا الذي حرمه الله علينا، أما القيام فلا تتركوه ولو أن يصلي الواحد منكم من غير العشاء ركعتين في جوف الليل يبث فيهما ربه أشجانه وآماله وآلامه ويخاطب خالقه وراحمه ليقول له: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، ليقل سيد الاستغفار، ليدعو الله عز وجل بالدعاء الذي يأتي على لسانه من قلبه وليس على لسانه من ذاكرته فحسب.

ثالثاً: وأما القرآن فلا تهجروه، أنا أسمع من بعضكم هذا يقول لذاك قرأت في رمضان ختمتين أنا لا يهمني أن يقرأ الواحد منكم ختمتين أو ثلاث ختمات وإن كان هذا أمراً له ثوابه وأجره من دون شك، ولكن الذي يهمني أن تقرأ آية أن تخصص لكل يوم آية أو كلمة واحدة من هذا القرآن الكريم من هذا الكتاب العظيم لتقف عندها تالياً وقارئاً ومتدبراً لأن التلاوة إحسان النطق ولأن القراءة إحسان الفهم ولأن التدبر إحسان التطبيق، يهمني أن تقف عند آية كل يوم أو عند كلمة في كل يوم، أما القرآن فلا تهجروه هذا القرآن حتى إن كنا نقرؤه أو نتلوه أظن أننا وهذا ما يستشعره كل واحدٍ منا فإننا في حالة هجران لأننا لا نتعامل معه على أنه رسالة الله إلينا على كل واحدٍ منا، الله تحدث عن القتل وأنه جريمة فظيعة وتحدث عن الغيبة وأنها جريمة فظيعة وتحدث عن النميمة وإنها جريمة فظيعة وتحدث عن إيذاء المسلم لأخيه المسلم لجاره ولو لم يكن مسلماً وللمرة الألف أقول انظروا تعاملنا مع جيراننا كلنا يشكو من كلنا، كل جار يشكو من جاره في رمضان أكثر من غيره، هذا ما هو عليه رمضاننا، انظروا الشجارات التي تقع في رمضان ساعة الإفطار ساعة الرحمة كما نريد أن تكون ولكن الواقع بخلاف ذلك.

رابعاً: وأما الإنفاق فلا تقصروا فيه، ونحن مقصرون في الإنفاق الواجب وفي الإنفاق الغير واجب الاختياري، على من تنفق وكم تنفق ؟ هل تنفق كمية محددة تحددها سلفاً أم أنك تترك الأمر لأهوائك الخيِّرة التي ليست بالقوية أو المتوسطة أو الضعيفة ؟ إن جاءتك حالة وبكى قلبك عليها قدَّمت لها بعضَ بعض بعض ما يجب عليك أن تقدمه وبعد ذلك تقول للناس مفاخراً بعملٍ موهومٍ: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾، أين الأخوة يا أخي إذا كان هذا الذي بجانبك إذا كان أخوك إذا كان أبوك إذا كان ابنك بحاجة إلى شيء وأنت تفكر في أن تعطيه من الزكاة وهل يجوز ذلك ؟ أين هذه الأخوة وجارك وصديقك وهذا الذي بجانبك يأتيك وحالته إن عبَّرنا عنها بأنها رثة كان التعبير أقل مما يمكن أن يعبَّر عنه وأنت تنظر إليه لتمطره بالأدعية، هو لا يحتاج إلى دعائك، تعطيه قليلاً قليلاً من المادة ثم تمطره بالأدعيه تقول له: الله يعطيك و يوفقك ويحرسك ويوجه لك الخير. هو لا يطلب الدعاء وأنت لست أهلاً للدعاء واعذرني إن قلت هذا أنت موكل بما أعطاك الله عز وجل من المال أن تنفقه في مصارفه الصحيحة ومن جملة مصارفه الزكاة والصدقات، و: (إنَّ في المال لحقاً سوى الزكاة) وأن تغيث الملهوف وأن تفرِّج عن المكروب وأن تساعد الإنسان وأن تكون على مستوى الأخوة في حدها الأدنى، أنا لا أطالبك بحدها الأوسط أو حدها الأعلى، فأين هذا يا إخوتي، كلنا يريد تلمس ليلة القدر، ليلة القدر ليس شيئاً مادياً تراه حتى إن رأيته قل لي بربك ما الذي ستقوله في ليلة القدر ؟ ستقول: اللهم إني أسألك العفو والعافية. تسأل ربك العفو والعافية وقد سألك ربك مئة أمرٍ ولم تعطِ ربك بعضاً من هذه الأمور، ما هذه الجرأة على الله ؟ والأمر لأخيك الإنسان الذي سيكون معك متماسكاً متعاوناً داعماً سانداً وعلى الرغم من كل هذا فأنت لا تنظر إليه، ليلة القدر هي شعور ينبثق في داخلك بأنك مسلم عاهدت ربك وأنت صادق في هذه المعاهدة على أن تكون مسلماً ملتزماً على أن تحب الله على أن تحب دينك على أن تحب المسلمين على أن تقدِّرهم وأن تعطيهم الذي يحتاجونه، ليلة القدر شعورٌ متمكنٌ في داخلك بأنك مسلمٌ قرآني محمدي مع المسلمين تتعاون مع المواطنين تتعاون تخدم بلدك تحاول أن تكون في خدمة المواطنين أن تسعى من أجل لمِّ شملهم من أجل سد العوز الذي ألمَّ بهم، هذه هي ليلة القدر، ليلة القدر ليست أشعة شمس تصدر من هنا أو تخرج من هناك لكن ليلة القدر بكل بساطة قرار فاتخذ هذا القرار، وهذا القرار يعني أن تكون عبداً لله عز وجل وأن تتحقق بهذا الذي تقوله في اليوم كذا مرة: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ قرارٌ صارمٌ قويٌ حازم تتخذه في هذه الليلة، يا رب آمنت بك رباً آمنت بالقرآن كتاباً آمنت بمحمدٍ نبياً آمنت بهذه الإنسانية على أنها مجالُ عملٍ خيِّر وكل أعمالي خيرة، آمنت بأن هذا الكون هو القرآن الصامت، وأن القرآن هو كونٌ ناطق، انظر هذا الكون فالكون قرآن صامت وانظر هذا القرآن الذي تقرأه وتتلوه فإنه كونٌ ناطق. بين قرآنٍ ناطق وبين كونٍ صامت.

أكرر على مسامعكم وبعد ذلك أترككم لما علق في أذهانكم من شرحٍ لهذا الذي قلت: أما الصيام فلا تتركوه وأما القيام فلا تدعوه وأما القرآن فلا تهجروه وأما الإنفاق فلا تقصروا فيه، هكذا يقول رمضان فإن كنتم تريدون البقاء مع رمضان على أنه صاحب وعلى أنكم من أهل رمضان فاتبعوا وصاياه، وأسأل الله أن يوفقنا لنكون على مستوى رمضان، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا، وكل عام وأنتم بخير، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 18/9/2009

 

التعليقات

شاركنا بتعليق