آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مواضيع إعمال الفكر

مواضيع إعمال الفكر

تاريخ الإضافة: 2009/09/25 | عدد المشاهدات: 3038

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

لطالما تحدثنا عن ضرورة التفكر، ولو أننا خصصنا من الوقت للتفكر معشار ما نخصصه للطعام والشراب لحسن حالنا، ولأصبحنا أكثر سوية إنسانية مما نحن عليه، ولينظر كل منا نفسَه: كم يتفكر وكم يتدبر، وكم بالمقابل إن جاز لنا أن نقول ذلك كم يتبَطّر وكم يتمختر وكم يتعفر ويعفِّر ويبذّر ويتبذّر ؟! هنالك فرق كبير في الوقت المخصص لهذا والمخصص لذاك، فهل يتفكر الواحد منا وهل يخصص من وقته ولو جزءً بسيطاً من أجل أن يتفكر ؟ أم أنه لم يعد يُعِر لهذه القضية انتباهاً، بل حسبه أنه يأكل ويشرب ويزور ويسهر ثم بعد ذلك يقوم بالواجبات والعبادات بشكل سريع، ومن باب - كما يُقال – فضّ العتب. أما التفكر والفكر فلم يعد هذا من اختصاص الإنسان في عصرنا الراهن وفي بلادنا العربية والإسلامية، ربما قال لي إنسان منكم: وبم نتفكر ؟ وما المقصود من التفكر ؟ وبأي شيء أتفكر ؟

أقول لك: تعالَ من أجل أن نتواصى، علامَ وبمَ نتفكر، وها أنذا أقوم بشرح أو بتبيان ما به يجب أن نتفكر، وقبل أن أبين لك هذا الذي يجب أن نتفكر به أقول لك: بالله عليك لو أنك كنت داعياً أو مدعواً إلى وليمة، حدثني بربك عن الوقت والزمن الذي ستقضيه وأنت تفكر كيف ستلبس عندما تكون مدعواً، وكيف تطبخ وتصنع عندما تكون داعياً، تشاور زوجتك وتشاورك زوجتك، وتشاور صديقك، ولربما اضطررت فهتفت إلى ذاك الذي يعيش في قارة أخرى من أجل أن تستشيره فيما يتعلق بلباسك، أو بطعام الدعوة أو الوليمة، لكنك فيما يخص بناء نفسك، ما فكرت يوماً أن تستشير نفسك، وما فكرت يوماً في أن تستشير صديقك أو أخاً لك أو قريبك أو زوجتك أو ولدك ؟! فهل بعد ذلك تقول لي: نحن في الأماكن التي نحن عليها نراوح، هذه نتيجة طبيعية.

أعود فأقول: تسألني بم أتفكر، فها أنذا أعرض عليك مواضيع من أجل أن تتفكر فيها، وسأعرض عليك النتائج فيما إذا تفكرت في هذه المواضيع، فيا أخي الكريم:

أولاً: التفكر بآيات الله عز وجل الكونية والقرآنية يولد المعرفة: هل تفكرت بآيات الله، بالذي خلقه اللهُ عز وجل ؟ هل تفكرت بآيات القرآن ؟ هل فكرت بآيات الكون ؟ هل نظرت إلى الجبال ؟ هل نظرت إلى السماء فقلت: سبحان من صنع هذا ؟ اللهم علمنا كيف نتصل بك من خلال عظمة صنعك، اللهم علمنا كيف نفهم تفسير هذا الذي خلقت. فالتفكر في آيات الله الكونية والقرآنية يولد المعرفة، من لا يلاحظ لا يمكن له أن يتعرف أو أن يعرف، والتفكر ملاحظة، والتفكر متابعة، فهل تتفكر بآيات الله، وبالتالي بعد التفكر ستتولد المعرفة عندك، لكننا لا نتفكر، وبالتالي فمعرفتنا هيَ هي، بل هي في حالة تناقص، وما كنتَ عليه من معرفة من قبل كان أكثر مما أنت عليه الآن لأنك لم تزود المعرفة بالوقود وهو التفكر بآيات الله.

ثانياً: التفكر في آلاء الله ونعمائه يولد المحبة: هذا الذي أنت عليه، هذا اللباس من نعم الله عليك، هذه الحواس من نعم الله عليك، هذا الكون من نعم الله عليك، استطاعتك أن تأكل وتشرب نعمة، استطاعتك أن تمشي وتذهب، لأن هناك أناساً لا يستطيعون المشي ولا الذهاب، عليك أن تتفكر في آلاء الله ونعمائه ونعمه فستتولد عندك المحبة لربك، وإذا أحببت ربك فطوبى لك، إذا أحببت ربك فسيحبك ربك، وإذا أحبك ربك كان سمعَك وبصرَك ويدَك ورجلَك، كان قوتك، عندها ستكون عبد الله المقوَّى بالله جلت قدرته، فكِّر في آلاء الله: ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾، لذلك قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه الترمذي: (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا آل بيتي لحبي) لما يغذوكم من نعمه. إن أُعطيتَ هدية من قبل إنسان ما، وكانت الهدية ثمينة، فلطالما حدثت بها نفسك وحدثت بها زوجتك وحدثت بها ابنك وأخاك وصديقك قائلاً متباهياً: لم لا أحبه، لهذا الذي أهدى إليك هدية أو قدم لك هدية، لم لا أحبه وقد أهداني هكذا تقول أنت لأخيك وأمك وزوجك، تصور أهداني بيتاً أفلا أحبه، أهداني سيارة، أهداني مزرعة، أهداني مليون ليرة سورية، يا أخي هذا شيء جميل، لكن انظر من أهدى إليك، هذا المُهدي، إن وراء هذا المُهدي، من أهدى إليك هذا المُهدي، انظر من أهدى إليك السمع والبصر، انظر من أعطاك: ﴿ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير﴾ هناك تقول لمن معك أفلا أحبه، أهداني مليون من الليرات السورية أهداني سجادة ثمينة، أهداني بدلة فارهة، أفلا أحبه ؟ لماذا لا تقول هذا بالنسبة لربك وقد أهداك ما أهداك وأنت بكليتك نعمة من نعمه التي لا تُعدّ ولا تحصى على الإطلاق ؟ لم لا تقول هذا لأخيك أفلا أحب الله لأنه أعطاني، لأنه أنعم علي، لأنه أعطاني عقلاً وقلباً، أعطاني حواس أعطاني كل هذا الذي أتقلب فيه من النعم.

ثالثاً: التفكر بوعيد الله وعقابه يولد الرهبة والخشية: ﴿يدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين﴾ تفكر في وعيد الله، لو أنك أوعدت من قبل إنسان ما، أرسلت إليك تبليغة فيها شميمٌ من عقاب، من وعيد، أنت مدعوٌ للأمر الفلاني وإلا فالسجن ثلاث سنوات أمامك، ستعيش في حالة قلق، في حالة رعب، في حالة رهبة، فكّر في وعيد الله لمن قصَّر في حق الله، فكر أيها المقصر في أداء الزكاة، في وعيد الله لمن قصر في الزكاة، لمن منع الزكاة: ﴿يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾، ﴿ما سلككم في سقر. قالوا لم نكُ من المصلين﴾ انظر وعيد الله لمن ترك الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو التعاون، ولمن سبَّ وشتم واحتكر وتبختر وكان مختالاً فخوراً، فكر في وعيد الله فستتولد عندك الرهبة والخوف من أن تفعل ما يستوجب هذا الوعيد: ﴿وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون. ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون. ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون﴾، فكر في وعيد الله من أجل أن تخاف أن تفعل ما يستوجب هذا الوعيد.

رابعاً: التفكر في وعد الله فيما أعد الله من ثواب يولد عندك الطاعة: ﴿إن للمتقين مفازاً. حدائق وأعناباً﴾، اقرأ هذه الآيات وتفكر فيها، تفكر في هذا الوعد فستتولد عندك الطاعة، هناك في الوعيد تتولد عندك الرهبة التي تبعدك عن المعصية، هنا التفكر في الوعد يقربك من الطاعة ويحبب إليك الطاعة: ﴿إن المتقين في جنات ونَهَر. في مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾، ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً. خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً﴾، اقرأ الآيات التي تبشر الطائعين بالوعد والثواب والجزاء العظيم فستتولد عندك الطاعة، تفكر في هذه.

خامساً وأخيراً: تفكر في جفائك لله، وقارن هذا البعد عن الله بقرب الله منك، عند ذلك سيتولد عندك الحياء: أتريد أن يتولد عندك الحياء، والحياء أهم شعبة في شعب الإيمان، والحياء هو وجودك المعنوي فإن لم تستحِ فاصنع ما شئت، والحياء هو القوام الذي يقوم عليه الإنسان، فكر وتفكر في جفائك عن ربك وبقرب ربك منك، ربك يقترب منك وأنت تبتعد عنه، يُحسِن إليك وأنت تسيء إليه، يقول لك يا عبدي، يشرفك، وأنت لا تقول له يا ربي، وإنما تعرض عنه إلى ربٍ سواه، تقول للمسؤول الفلاني بقلبك قبل قالبك يا ربي، وتعترف بالمسؤول الفلاني أنه هو الذي يرفع ويخفض ويعطي ويمنع ويفرق ويجمع، وكان عليك أن تعطي هذا الاعتقاد لربك، فكر في جفائك وفي عطاء الله لك فستستحي، أتريدون أن نتحلى بالحياء الذي هو السمة الأساسية للإنسان، فلنفكر فيما يعطينا ربنا، ولنفكر فيما نقدم لربنا وهذا الذي سنقدمه لربنا هو في النهاية تقديمٌ لنا وعطاءٌ لنا، الله ليس بحاجة إلى عطائك لكنه من رحمته ومن فضله عليك خَلَق ونسب إليك، فتفكر بجفائك عن ربك إن وقفت تصلي وأنت تدَّعي أنك تحب ربك، اختصرت الصلاة إلى الحد الأدنى، وأنت تقول عن صلاتك بأنها مقابلة مع الرحمن الرحيم، بينما إذا وقفت أمام مسؤول لا ينفعك، بل ربما يضرك، تتمنى أن يطول الوقت، والوقت يطول، وتتمنى أن يبقى الرضى عنده حتى لو منعك هذا عن شغلك وأولادك، إن الله يغار يا هؤلاء. تصلي فتتذمر من أن تطيل الصلاة ثم بعد ذلك إن وقفت أمام عبد من عباد الله لا يمتُّ إلى الله بصلة أحياناً تتمنى أن يطول مقامك بين يديه أين الحياء من الله ؟ ندعى لنقابل إنساناً، ندعى لنأكل عند إنسان، غني من أغنياء الناس، نُدعى فنُسر، ويدعونا ربنا إلى مقابلته في الليل ونحن ندعي أنه ربنا ونحبه ثم بعد ذلك نعتذر في اللحظات الأخيرة عن الاستجابة لدعوة ربنا، بينما تلك الدعوة نتحضر لها أياماً وأياماً ونفكر فيما نلبس وفيما نأكل وفيما نذهب، وفي الوسيلة التي تقلنا إلى هناك، وهذا له شكلية، وأريد أن أقول عن أمرٍ جزئيٍ بسيط كنا نتحدث من قبل ويحدثنا من يحدثنا في أن صلاة العيد يُلبس لها الجديد، لكننا اليوم أرى في صلاة العيد، وهذه شكلية بسيطة لكنها مُعبّرة، كل إنسان لا يريد أن يزعج لباسه من أجل صلاة العيد، فهو يذهب إلى صلاة العيد بلباس يريد بعد ذلك أن يضعه للغسيل، أما اللباس الجديد الذي اقتناه فسيكون لغير المسجد، كنا نرى ونحن صغار أن الناس كانوا يأتون لصلاة العيد وقد ارتدوا أجمل ألبستهم، أما اليوم فأرى الشباب هذا يلبس قميصاً وهذا يلبس شبه قميص، وهذا يلبس الكلابية وذاك يلبس شبه كلابية تظهر منها عورته ويظهر منها جسمه، وهذا قد أطلق لحيته لأنه يريد أن يتناولها في التنظيف والحلاقة بعد صلاة العيد، صلاة العيد ومقابلة ربك لا تستأهل أن نلبس الجديد، ولا أن نُعنى بأنفسنا، ولا أن نعنى بنظافتنا، وحتى صلاة الجمعة الواحد منا يأتي إلى المسجد في صلاة الجمعة يلبس ما يفضُّ به العتب، اعذروني إن تطرقت إلى هذه الشكلية لكنني من خلالها أريد أن أنفذ إلى أننا نحن نجفو ربنا عز وجل، والله عز وجل يقترب منا ويدعونا ويقول لنا: تقربوا إلي يا عبادي، فمن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وأنا الفعال المطلق، أنا الجبار، أنا الرحمن، أنا الرحيم، أنا الذي خلقتكم وسويتكم، وأنا الذي أرزقكم وأنا الذي أعطيكم، أنا مسبب الأسباب، فمالي أراكم تذهبون إلى الأسباب على أنها هي مسبب الأسباب وتتركون مسبب الأسباب ؟ لذلك أدعوكم إلى التفكر في هذا الذي ذكرنا، فستتولد عندك المعرفة، ستتولد عندك الطاعة، ستتولد عندك الرهبة، ستتولد عندك الخشية، سيتولد عندك الحياء، تفكروا فبعد التفكر ستكون النتيجة زيادة وصال مع الله مع الكبير المتعال، مع الذي بيده مقاليد السموات والأرض، يا ربنا بحق نبيك وآل بيت نبيك، هيئ لنا من أمرنا رشداً، واجعلنا ممن يتفكر حق التفكر، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 25/9/2009

التعليقات

نور

تاريخ :2009/10/29

اشكركم على هذه الخطبة المفيدة

شاركنا بتعليق