آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


نــــــــــــدوات

   
افتتاح الندوة العلمية العالمية: جلال الدين الرومي .. رائد الفكر الإنساني والتصوف

افتتاح الندوة العلمية العالمية: جلال الدين الرومي .. رائد الفكر الإنساني والتصوف

تاريخ الإضافة: 2008/04/21 | عدد المشاهدات: 3092

برعاية وزارة الثقافة ومحافظة حلب، افتتح في قاعة المحاضرات بصالة الأسد الرياضية بحلب صباح يوم الاثنين: 21/4/2008 الندوة العلمية الدولية: "جلال الدين الرومي رائد الفكر الإنساني والتصوف" بمشاركة باحثين من الأردن والأمارات ومصر والجزائر وتونس وتركيا وسورية.

وقد ألقى الدكتور الشيخ محمود عكام كلمة في حفل الافتتاح، فيما يلي نصها: 

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة: قد يسألني إنسان ويقول لي: ما الفائدة من حديثٍ اليوم عن صوفية وصوفيين، ونحن نعيش في زمنٍ صعبٍ، ونحن نعيش في زمنٍ لا أعتقد أن به حاجة من أجل أن نتحدث عن صوفية ؟

فكرت في الجواب على هذا السؤال المحتمل المتخيل، وإذ بي أقول بيني وبين نفسي: الحديث عن الصوفية حديثٌ عن أمان، لأن الصوفية إن دخلت الحياة فقد دخلها الأمان.

ولعل هذا السائل يتابع فيقول: كيف يدخل الأمان عبر الصوفية والصوفيين ؟ أقول لأسباب أربعة: واقبلوا مني هذه الأسباب، وبعد ذلك ناقشوها وحاوروها:

السبب الأول: الصوفية أخلاق: فمن زاد عليك بالتصوف زاد عليك في الأخلاق، ومن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك في التصوف، فإذا كانت الصوفية أخلاقاً، فأعلى الأخلاق هي الرحمة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتصف بالرحمة وإنما كان الرحمة ذاتها، لأن الله عز وجل قال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول عن نفسه: (إنما أنا رحمة مهداة)، فإذا كان التصوف أخلاقاً، وإذا كانت قمة الأخلاق هي الرحمة، فأحرِ بالرحمة عندما تُبسط على المجتمع أن يحلَّ الأمان على هذا المجتمع الذي نعيش فيه، لذلك كرر معي أيها الإنسان بأن الصوفية أمان، ما دامت الصوفية أخلاقاً.

السبب الثاني: الصوفية هي استقرار الداخل: الصوفية تسعى من أجل أن يستقر داخلك، وهل تريدون أماناً أقوى من أن يستقرَّ داخل الإنسان ؟! الصوفية تجعل في قلبك رباً، وإذا استقر ربك في قلبك، فأنت الأمان، وأنت الاطمئنان، وأنت المؤمِّن وأنت المؤمَّن، وكلنا يعلم بأن الصوفي: هو ذاك الذي لا يتوجه إلا إلى ربه، ولا ينظر إلا ربه، ولا يرى في الكون إلا ربه، ولا يتحدث إلا عن ربه:

فإن تكلمتُ لم أنطق بغيركمُ        وإن سكتُّ فشغلي عنكم بكم

أنْتـُم فُرُوضـي ونَفـلـي    أنْتـُم حَديثـي وشُغْلـي   

يـا قِبْلَـتِي في صلاتـي     إذا وَقَفــْتُ أُصـلّـي

إلى آخر ما يمكن أن يقال في هذا الميدان.

السبب الثالث: الصوفية إحسان: والإحسان في رأيي: هو أداء للأفعال المطلوبة والأفعال المرغوبة على وجهٍ تستشعر فيه مراقبة مَنْ يراقبك ويطَّلع عليك ويراك ويعلم متقلَّبُك ومثواك.

فالصوفية إحسان، ونحن بحاجة إلى إحسان، والإحسان هو أداء أمثل لما يجب أن تقوله ولما يجب أن تفعله، كيف يكون الأداء أمثلاً فيما تقوله وفيما تفعله ؟ حينما تستشعر مَنْ يراقبك، فإذا استشعرت مراقبة ربك لك، أو كما قال بعض الصوفية: "حينما تستشعر مراقبةَ مراقبةِ الله لك"، حينما تستشعر بأن الله يراك عند ذلك تتقن عملك، والإتقان أمان، أما الفوضى فغير أمان، ولذلك: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

السبب الرابع: الصوفية تزكية: قبل أن أتحدث عن هذا السبب بشيء من التفصيل أقول: هناك من يقول، أو كان بالأحرى هناك من يقول: هل العلم هو قيمة القيم أم أن هنالك قيمة تحكم قيمة العلم ؟

الجواب: الحقيقة أن هنالك قيمة تحكم قيمة العلم، فالعلم ليس بحد ذاته قيمة القيم وإنما هنالك قيمة تحكم هذا العلم، هذه القيمة التي تحكم العلم هي التزكية، لذلك جاء في القرآن الكريم: ﴿يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم﴾، والتزكية أن تجعل العلم – أنت أيها العالم أنت أيها الباحث – أن تجعل العلم في منفعة الناس، فإن جعلت العلم في مضرة الناس أو في حيادية من حيث المنفعة ومن حيث الضر فلست أنت بذاك الإنسان المزكَّى، الصوفية تزكية والصوفية هي التي تضع قيمة أعلى من العلم للعلم من أجل أن يكون العلم في بناء الإنسان وليس في خراب الإنسان.

أناشد الإخوة المهتمين بالصوفية والتصوف: أن يكونوا عاملي أمان، لأننا إذ نتحدث عن الصوفية نرجو أن يكون حديثنا حديثاً مطمئناً، وحديثاً مؤمِّناً. فيا إخوتي: يا أيها المهتمون بمولانا وبغير مولانا، أناشدكم الله أن تنشروا عبر كلمات الصوفية، وعبر أشعارها ومصطلحاتها، وعبر كل ما يمكن أن تحمله من معانٍ طيبة، أن تنشروها على الناس ليس من خلال اللسان فحسب، ولكن من خلال الجنان، من خلال الواقع، من خلال الحركة، من خلال السلوك، بلادنا بحاجة إلى شخصين اثنين يندمجان في شخص واحد: بحاجة إلى سلفيٍ واقعي واعٍ، وإلى صوفي صاحب قلب وصاحب حنان، يندمج هذان الشخصان في شخص واحد. هذا ما تحتاجه بلادنا، وآمل أن نكون تحت راية الشخصية التي نتنادى إليها: شخصية عالمة وشخصية مزكَّاة، اجتمع فيها العلم والتزكية.

أشكركم وأبارك لكم ندوتكم، وأسأل الله أن يوفقنا إلى كل خير وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

شاركنا بتعليق