نشرت جريدة الجماهير الحلبية الصادرة بتاريخ الأربعاء : 8/12/2004 وفي زاوية قلعة بلا أبواب المقال التالي :
التدخين ممنوع بأمر من الدين والعقل والمجتمع
ما من شك في أن هناك , مقاصد أساسية
تجب المحافظة عليها ورعايتها , وفعل مايدعمها وهجر مايسيء إليها وينتقصها , وقد
اتفقت الأديان السماوية والمذاهب الأرضية جميعاً على ضرورة الحفاظ عليها
والعناية بها , لأنه - أي المقاصد - في النهاية مضمون الإنسانية المنشودة
وحقيقتها السوية .
والمقاصد هي : النفس - العقل - المال - النَّسل - الدين , الذي هو مجموعة قيم
نبيلة وفضائل حميدة ، من صدق , وإلفة اجتماعية , وحرية وعدالة وأمانة .
وحين ننظر التدخين فإننا نجده في مواجهة هذه المقاصد ضاراً بها :
فأما ضرره على النفس :
فبيِّن وواضح , وقد أكد وأثبت العلماء أنّ المادة المدخنة تحوي مواداً مسرطنة ,
وأخرى رافعة للضغط , وثالثة مهيجة للسعال ومضيقة للقصبات , ورابعة مثبطة للدم
من أجل نقل الأوكسجين , وخامسة تحوي عناصر سمية ذات أثر سلبي على النطاف ,
والله تعالى يقول : ( ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) , والصحة الجسدية ماهي
إلا أمانة عندك أيها الإنسان , فارعها وكن وفياً لها , ولا تؤذها وستُسأل عنها
في الدنيا والآخرة .
قال صلى الله عليه وسلم : " لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن
جسده فيما أبلاه , وعن عمره فيما أفناه , وعن ماله من أين اكتسبه , وفيمَ أنفقه
, وعما عمل فيما علم " ويقول صلى الله عليه وسلم : " من تحسّى سماً فقتل نفسه ,
فسُمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " رواه البخاري
وأما ضرره على العقل :
فلا شك في أن الجسم السليم في العقل السليم , فإذا مرض الجسم - كما عرفنا - مرض
العقل , هذا بالإضافة الى أثر التدخين في إضعاف التفكير , وتثبيط حركة الدماغ
الإيجابية , ودوره في إيجاد الإدمان , والإدمان يؤدي الى تحجيم العقل , وإلى
جعله يدور في فلك هذا الذي أدمن عليه لتحصيله وتأمينه كيفما كان وبأي وسيلة .
وكل المعاني وردت هادفة إعماله وتنشيطه , فما بالنا نشتغل بما يثبطه ويهبِّطه
.
وأما أذيته للمال :
فالمال أمانة ومسؤولية , وهو محور الاقتصاد ومحله , والأصل فيه أن يكتسب بالطرق
المشروعة وينفق فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع , وعلى الإنسان والإنسانية
.
وإلا أي إذا صرف فيما يعود بالضرر , كان فتكاً وتدميراً للإنسان وتضييعاً
للأمانة .
قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله ينهاكم عن قيل وقال , وكثرة السؤال ,
وإضاعة المال " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع :
وعن ... وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه " .
فهل يجوز لك أيها المدخن أن تنفق في اليوم خمسين ليرة سورية على الأقل , فتضر
بها نفسك , وتمنعها عمن تعيل , أو عن فقراء عائلتك وفقراء وطنك , أو عن دعم
أراضينا وأوطاننا المحتلة لازالة الاعتداء عنه .
أين الإحساس بالمسؤولية والشعور بها ,وأين رعايتك لأمانة نعمة المال !!?
وأما ضرره على النسل :
فالأمر جدّ والبحث مؤكِّد ومؤكَّد , فالدخان يضعف القدرة الجنسية ,ويشوِّه
الأجنة ,ويضر بالرضّع , وعلى كلٍ فالأطفال الآن ,والأطفال القادمون يناشدون
المدخنين من أجل أن يقلعوا عمّا يضر بالجميع ,وبالبيئة فهم يريدون مساحات في
الحياة نظيفة طاهرة يرتعون فيها ويعيشون في مناخاتها الطيبة , حتى يؤدّوا رسالة
الخير للإنسانية خير أداء
وضرره على الدين :
الذي هو مجموعة قيم كما أسلفنا , أكيد .
فالصدق قيمة نبيلة تشكل جزءاً مهماً من الدين يفترسها الدخان ويمزقها شر ممزق
ولطالما لجأ المدخن الشاب والطالب والكبير إلى الكذب ليخفي عن موجهه وأبيه
ومربيه هذه الفعلة الشنيعة , وقد شعر بها كذلك .
وأما الألفة الاجتماعية فأجدِرْ بالدخان أن يفسدها ويقضي عليها , لأن المدخن
يضر بمن حوله ويؤذيهم , وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن أقربكم مني مجلساً
يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً , الموطؤون أكنافاً , الذين يألفون ويؤلفون , ولا
خير فيمن لايألف ولايؤلف" والمدخن ماهو إلا جليس سوء إذ يدخن مشبه به.
فقد قال صلى الله عليه وسلم : " مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك
ونافخ الكير , فحامل المسك إما أن يحذيك وإما تبتاع منه ,وإما أن تجد منه ريحاً
طيبة , ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك , أو أن تشم منه رائحة كريهة " .
ومن القيم الجميلة التي يُشوِّهها التدخين " الحرية " , فالمدخن أسير وعبد
لإدمانه ,وكم من مدخن باع قيماً بدخان ,وكذلك كم من مدخن هجر المبادئ ليحصل على
دخان .
عدت لأهوائك عبداً وكم تستعبد الأهواء أربابها
وماأظن في نهاية المطاف أن أحداً منّا
ينكر ضرورة استبعاد الدّخان من محافل ومجالس الجد والبحث والتقدير والإكبار
والرقي ,واستفتِ قلبك أيها المدخن وإن أفتوك وأفتوك .
أخيراً : لنكن نحن من نوجّه متماسكين :
- بالتزامنا بما نقول : ( لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون ) ولنكن مثلاً طيباً يحتذى به , وأنموذجاً خيراً لهم .
- بتوثيقنا , إذ نتكلم ونعلّم , رقماً وحكماً وزماناً , فنحن إن لم نوثق , فلن
يثق سامعنا وطالبنا بنا .
- بمتابعة التحذير من الدخان , وما يشابه الدّخان , من مواد وتصرفات وسلوكيات
كالسرعة في القيادة , والإسراف في الطعام ,والإمعان في العناية باللباس
,واللانظافة والإهمال ...
أملي أن نقلع عن كل سيئ , ونفعل كل حسن في عالم لا دخان فيه ولانار , ولافساد
ولاإيذاء ولتكن تلك الأبيات ختاماً طيباً :
إياك من عادة تلقيك في محن ولاسيما ما
فشا في الناس من تتن
مفتّر الجسم لانفعٌ به أبداً ويورث الضّرَ والأسقامَ في البدن
أفتى بحرمته جمعٌ بلا شطط فاحذر مقالةَ مَنْ يرميك بالفتن
فلايغرنك منْ في الناس يشربه فالناس في غفلة عن واضح السنن
ياويح زوجته من نتن ريحته فكم تقاسي عناءً طيلةَ الزمن
يسر شاربه ماضر صاحبه لامرحباً بسرور عاد بالحزن
يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ماليس بالحسن
والسلام عليكم .
حلب
الجماهير
الاربعاء : 8-12-2004
التعليقات