أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
قلنا في الأسبوع الماضي إن أهم ما يميز الإنسان سمواً ورقياً عن سائر المخلوقات الأخرى شعوره بالمسؤولية، والشعور بالمسؤولية هي الأمانة التي تحمّلها الإنسان والتي عرضها الله على السموات والأرض والجبال، إذا كنت تشعر بالمسؤولية عن نفسك وعن غيرك، عن تصرفاتك وعن أقوالك فهذا مظهرٌ ومؤشرٌ ودليلٌ وبرهانٌ وعلامة على أنك إنسان.
حين يستشعر الواحد منا مسؤوليته يستشعر إنسانيته، وحين لا يستشعر الإنسان مسؤوليته سيفقد إنسانيته، أنت مسؤول أنت تستشعر مسؤوليتك إذاً أنت إنسان، أنت لا تستشعر مسؤوليتك ولا تشعر بها فأنت لست إنساناً حتى ولو كنت في صورة إنسان، يقوى هذا الشعور بالمسؤولية إذا علمت أيها الإنسان بأنك مُحاسَب، محاسبٌ في الدنيا والآخرة، لأن الإنسان سيحاسب في الدنيا مِن قِبَلِ مَنْ بعده، مِن قِبل الأجيال، من قبل أولئك الذين سيذكرونه، ولا تظنن أيها الإنسان أنك بمعزلٍ عن أن تُذكر، ستُذكر: ﴿واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين﴾ فإما أن يكون لك لسان صدقٍ في الآخرين، وإما أن يكون لك غير ذلك لا سمح الله. سيتقوى شعورك بالمسؤولية عندما تعلم بأنك ستحاسب في الدنيا والآخرة: ﴿فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين﴾ أمامك حساب، (يا ابن آدم) كما جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه الطبراني (يا ابن آدم: ما غرّك بي، يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت، يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟) ما منكم من أحدٍ إلا سيخلو الله به، كلنا سيحاسب في الدنيا والآخرة ولذلك علينا أن نجعل من هذا الحساب الآتي مقوياً لشعورنا بالمسؤولية حتى تتعمق فينا إنسانيتنا، ويزداد الشعور بالمسؤولية قوة أيضاً عندما نعلم أن الجزاء من جنس العمل في الدنيا قبل الآخرة، من ظَلم فسيُظلَم، من قَتل فسيُقتَل، من اعتدى فسيُعتَدى عليه في الدنيا قبل الآخرة. ذكرنا الجزاء من جنس العمل عندما يكون العمل إيجابياً خيّراً، ووعدنا أن نتحدث عن بعض الأعمال السلبية التي سيكون جزاؤها من جنسها، فاحذر أيها الإنسان وإياك أن تفعل هذه الأفعال التي سنذكرها لأن الجزاء من جنس العمل، استشعر مسؤوليتك عن أفعالك إن كانت خيرة فتابع واستحضر الجزاء، وإن كانت شريرة فابتعد واجتنب وانتهِ واستحضر الجزاء حتى تبتعد أكثر، في الفعل السيئ استحضر الجزاء حتى تبتعد أكثر وفي الفعل الخيّر استحضر الجزاء حتى تفعل بقوة أكثر وبإخلاصٍ أكبر.
هل يفكر الواحد منا وكلنا أصحاب مسؤولية حينما يريد أن يفعل فعلاً ما هل يفكر بمسؤوليته عن هذا الفعل وأن الله سيسأله، وأن الأجيال ستسأله، وأن الناس سيسألونه ؟ هل يفكر قبل أن يفعل إن كان الفعل خيراً أو كان الفعل شريراً ؟ فإنه إن تساءل قبل أن يفعل فسيفعل الخير بقوة أكبر وإن فكر وتساءل قبل فعل الشر فسينتهي عن فعل الشر.
يحدثني إخوتي عن هذا البلد الذي نعيش فيه، يقول لي وهو أخٌ يشغل منصباً في عالم ملاحقة الجرائم والمجرمين ومتابعة المخالفات يقول لي: ما رأيتُ مثل حلب في كثرة الجرائم وكثرة الأفعال اللا مسؤولة، وكثرة الأقوال اللا مسؤولة. منذ يومين ارتُكبت جريمتان حول هذه المنطقة، وفي غيرها من المناطق جرائم وجرائم. وبعد هذا وهذا نقول لأنفسنا مخادعين بأن البلد بخير والحمد لله. صحيح إن البلد بخير لكن يجب أن نفحص حال البلد كما يفحص الواحد منا جسمه، حينما تذهب إلى الطبيب وحينما تقوم بالتحليل ويظهر لك شيء يخالف ما يجب أن تكون عليه وتسمع أحد الناس يقول لك الحمد لله فأنت بخير، فإنك ستحزن منه، بل إنك ستنفر منه لأن وضعك ليس بخير فلماذا يقول لك هذا بأنك بخير ؟ هل يقول هذا من أجل ألا تتداوى وبالتالي حتى تموت ؟ أم يقول هذا الكلام وهو يضحك عليك ؟
ينبغي أن نقرر بأننا لسنا بخير شئتم أم أبيتم وإن كان الواحد منكم يقول عن نفسه بأنه بخير إن كان يعني أنه هو بشخصه أو أنه هو بماله بخير فهذا كلامٌ خاسرٌ ينبغي ألا يكون كلامنا، ينبغي أن نستشعر مسؤوليتنا عن الجماعة، أن نستشعر مسؤوليتنا عن طلابنا، عن أساتذتنا، عمن حولنا، عن أرضنا عن أطفالنا عن مدارسنا، ادخلوا مدارسكم وقولوا بعد أن تدخلوا هذه المدارس إن كنا بخير أو إن لم نكن بخير، جولوا في شوارعكم، ادخلوا محالّكم، ادخلوا متاجركم، ادخلوا أسواقكم وانظروا إليها نظرة الإنسان الذي يستشعر المسؤولية وبعد ذلك قرروا إذا ما كنا بخير أو إذا لم نكن بخير، أطفالنا يعيشون حالة تسيب، الأمهات لم تعد تسأل عن أولادها، الآباء مشغولون بأمورٍ إن قلنا عنها بأنها وهمية، فالوهم يخجل لأنها أقل من الوهم أو أبشع من الوهم، بل هي بالنسبة للوهم كنسبة الوهم إلى الحقيقة.
أيها الناس: هيا وفكروا بمسؤولياتكم عن مجتمعكم، عن أطفالكم عن أولادكم، فنحن لسنا بخير شئنا أم أبينا، سأتكلم عن أربعة أمور إن فعلها الإنسان كان الجزاء من جنسها وهي أمورٌ ليست خيّرة، كما وعدتكم الأسبوع الفائت.
الأمر الأول: نسيان الله عز وجل: ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾، هل أنت تنسى الله ؟ ربما قال لي بعضهم: أنا لا أنسى الله عز وجل أنا أذكر الله كل يوم كذا مرة. أقول لك يا أخي ليس الذكر الذي نتحدث عنه هو أن تقول بلسانك: الله، أو أن تقوم بجسمك بالصلاة. نسيان الله هو الواقع الذي نعيشه، من منا يذكر الله عز وجل حينما يبيع ليتذكر ما الله طلب منه أن يتقيد به في بيعه ؟ من منا يذكر الله عز وجل في تعليمه، في تدريسه، في حكمه، في ثقافته، في علاقته مع أولاده، في علاقته مع أبيه، في علاقته مع أمه... ؟ من الذي يذكر الله عز وجل منا وهو في سفره لمَ هو مسافر ؟ من منا يذكر الله عز وجل في مسجده وهو يصلي ؟ من منا يذكر الله عز وجل وما الله يريد منه وهو يخطب خطبة الجمعة، لأن الله سيسألنا عما أردنا من خطبتنا هذه التي نقوم بها يوم الجمعة، ذكر الله من أجل أن نوضح ما يعنيه نسيان الله هو أن تذكر الله في كل قولٍ تريد أن تقوله وفي كل عملٍ تريد أن تعمله، أن تذكر ما أراده الله منك في هذا العمل من ضوابط، من شروط، من سمات، من صفات، أن تذكر ما يريده الله منك أن تحققه في فعلك هذا الذي تريد أن تفعله وفي قولك هذا الذي تريد أن تقوله: ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾، والجزاء من جنس العمل وقد حصل، فها نحن نسمى بالنسبة للحضارة اليوم بالمنسيين، من يذكرنا ؟ ﴿فأنساهم أنفسهم﴾، نحن لا نذكر أنفسنا حتى يذكرنا غيرنا، نحن أناسٌ مَنسيُّون من الخارطة، اذهبوا وجرِّبوا، اذهبوا إلى بلدٍ أجنبي وقولوا له بأنكم مسلمون، أو بأنكم من البلد العربي الفلاني، سيسألونكم وأين يقع هذا البلد ؟ وما الذي تعنيه كلمة مسلم ؟ ربما عرف أن الإسلام يدل على العنف والتطرف والإرهاب والقتل والتدمير لأن هذا الذي وصل إليه من الإسلام، وحينما تحدثه عن النظافة في الإسلام، وحينما تحدثه عن العدل في الإسلام، وحينما تحدثه عن المحبة في الإسلام، وحينما تحدثه عن التسامح في الإسلام، سيقول لك: وأين يطبَّق هذا ؟ وستقف أنت أمامه محتاراً، فعلاً أين يطبّق هذا ؟ أأشير إلى البلد الفلاني ؟ أأشير إلى الدولة الفلانية ؟ وأين هذه الدولة وهذا البلد من التحقق بهذا الذي تحدثت عنه على أنه من الإٌسلام إلا أنه لا يوجد شيء منه البتة في هذا البلد أو ذاك البلد، لذلك نحن أيها الإخوة، وأؤكد بأننا مَنسيُّون حتى عند أنفسنا، أتحدث أمام الناس وأقول إن الإسلام دين العلاقة الطيبة فيما بين الآباء والأبناء، انظروا إلى علاقاتنا اليوم بين الآباء والأبناء، العلاقة لا تمتُّ إلى الطيب بصلة، أتحدث عن الإسلام وأننا نحن الذين نتمتع بهذا الدين، إسلامنا يدعو إلى بر الآباء والأمهات، يدعو إلى العدل أين العدل ؟ يدعو إلى السماحة أين السماحة، يدعو إلى القوة أين القوة ؟ يدعو إلى العلم، أين العلم ؟ وهكذا دواليك: ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾، أنساهم أنفسهم فلم يعودوا يعرفون تحديد أنفسهم، إذا أردت أن تعرِّف نفسك أنت هل تستطيع أن تقدم نفسك ؟ ستقدّم ما تريد أن تتصوره عن نفسك لكنك لا تعرف نفسك وبالتالي أنت نسيت نفسك: ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾ هل تستطيع أن تحدد وتعرف نفسك ؟ حدد لي نفسك وقدّم لي نفسك من أنت ؟ ستقول عن نفسك بأنك مسلمٌ مؤمن. لكنني إن سألتك سؤالاً صريحاً وأردت أن تكون صادقاً معي فهل أنت مسلمٌ مؤمن فعلاً ؟ ستقول بينك وبين نفسك لا لست مسلماً مؤمناً بالمعنى الصحيح، إذن أنت نسيت نفسك وذكرت تعريفاً لإنسانٍ تتوهمه على أنه أنت لكنه ليس أنت، ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾.
الأمر السيئ الثاني: الخداع، وما أكثر ما يخدع بعضنا بعضاً، إن خدعت خُدعت شئت أم أبيت في الدنيا قبل الآخرة، والله عز وجل يقول: ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً﴾ ما يخدع الخدَّاع إلا نفسه، يقول أحد الفلاسفة الأقدمين: "يستطيع المتمكن من نفسه أن يخدع الآخرين لكنه أبداً لا يستطيع أن يخدع نفسه". كل أولئك الذين يخدعون الآخرين في داخلهم نداءٌ هو نداء الفطرة ويحاولون كتمه باستمرار يقول لهم: لا، أنتم كذابون. ويحاول هذا الذي يخدع الآخرين أن يخفي هذا الصوت وأن يكتم هذا الصوت وأن يقضي على هذا الصوت. من منا لا يخدع نفسه حينما يقدّم نفسه على أنه إنسانٌ مثقف، لا يرضى أحدٌ منا أن يُقال عنه بأنه ليس مثقفاً، من منا لا يخدع نفسه حينما يتحدث عن وطنية يتمسك بها، هل أنت وطني ؟ ستقول لي: نعم أنا وطني. ولكنك بقولك هذا تخدع نفسك لأن الوطنية تتطلب منك أكثر مما تفعله بمئات المرات، لكنك لا تفعل شيئاَ يجعلك تنتسب للوطنية بصدق، لكنك تخدع من حولك وتقول عن نفسك بأنك وطني، إن سألتك هل أنت تحب الله ؟ هل أنت تحب رسول الله ؟ هل أنت في هذا الشهر المبارك عندما تحتفل وتصلي على النبي وتقول اللهم صل على محمد، فهل أنت تحب محمداً ؟ ستقول لي نعم أحب محمداً لكنك في هذا القول:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
لكننا نعد المحب هو الذي يقول أنا مُحب، ويحكم هذا الذي يقول أنا محب لا يمكن أن يكون محباً لمجرد أنه يقول إنه محب لأن الحب ليس ادِّعاءً، لأن الحب عطاء، لأن الحب تضحية، لأن الحب بناء، لأن الحب عدل، لأن الحب حفظ أمانة، لأن الحب حسن خلق، لأن الحب عفةٌ في طعمة، لأن الحب يعني أن تقدم لأخيك هذا الذي يحتاجه، لأن الحب أن تفتدي دينك بكل ما تملك: (يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إن قلت لكبير الأغنياء في حلب: ثمة من يريد أن يبيد المساجد كلها في حلب لكنه سيمتنع عن ذلك إن قدمت له نصف مالك، ما أظن أن هذا الذي يسمى كبير الأغنياء سيوافق، بل سيقول لهذا الذي سيهدم ويخرّب: خرِّب، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وسيأتي هذا الغني للشيخ ليقول له يا شيخنا: تحدث عن هذا الرجل الطاغية وادعُ عليه وسيرفع هذا الغني يده وراء الشيخ ليقول آمين بصوتٍ مرتفع ويظن أنه فعل ما يجب أن يفعله. ولكنه في قرارة نفسه يُدرك بأنه خدّاع ويدرك بأنه مدّعٍ في ميدان الحب. القضية ليست كلاماً وليست مظاهر، القضية قضية حقيقة.
الأمر الثالث: القذف، الشتم، من شتم شُتم، من سبَّ سيأتيه السب أيضاً، هؤلاء الذين يقذفون المحصنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة، الجزاء من جنس العمل، من منا لا يقذف ؟ اختبر يومك واختبر لسانك من الصباح إلى المساء، هل أنت ممن يحفظ لسانه من القذف والشتم والغيبة والنميمة لأن الغيبة التي نقع فيها إن أردنا أن نضع لها تقسيمات فيكاد يكون أكثر من نصفها قذفاً وطعناً للآخرين من غير دليل ومن غير برهان إلا أننا تعودنا أن يهاجم بعضنا بعضاً في عرضه، في دينه، في وجوده، وهل تتورع عن أن تهاجم إنساناً لا تعرفه بمجرد أن صديقك يتحدث عن هذا الرجل فإنك ستشاركه في السوء، أما إذا جاء وقت المدح والخير والكلام الحسن عند ذلك ستقول وما شهدنا إلا بما علمنا، أما في السوء فستشهد بما تعلم وبما لا تعلم.
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبانُ
كم في المقابر من قتل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعانُ
لو أن كل واحدٍ منا جرّب يوماً في الأسبوع أن يحفظ لسانه لعاش في يومه هذا سعيداً مسرورا،ً ولطغى سرور هذا اليوم على شقاء الأيام الأخرى لأننا في حاجة إلى مُتَنَّفس في أيامنا وإلى متنفس في أمكنتنا وإلى متنفس في رجالاتنا وإلى هذا الذي يفرّج عنا ما كبت من أمورٍ سيئة تراكمت في دواخلنا.
الأمر الأخير: الظلم، من ظَلَمَ ظُلم: (واتق دعوة المظلوم) كما قال سيد الكائنات في الحديث الصحيح (فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) إن ظلمت فستتلقى دعوة من المظلوم والله عز وجل لن يؤخر إجابة هذه الدعوة من المظلوم على الظالم، فإياك والظلم في بيعك، في شرائك، في حكمك، في علاقتك، في تدريسك، في مواقفك كلها، والظلم يعني مجانبة العدل، والظلم يعني ألا تعطي لهذا الذي أمامك حقه حتى ولو كان هذا عدواً لك، هل فكرتم أن تقرؤوا هذه الآية: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا﴾ حتى تجاه أولئك الذين تبغضونهم وتكرهونهم: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا﴾ من منا يعدل مع عدوه أو مع من لا يحبه ؟ من منا لا يبخس هذا الذي لا يحبه حقه ؟ من منا ينظر إلى الناس من حيث الحقوق على أنهم سواء ؟ لا نفرق بين أحدٍ من الناس في مجال إعطاء الحقوق، الله عز وجل في القرآن الكريم تحدث عن العدل كثيراً لأننا إن اتصفنا بالعدل فسيكون الوضع غير هذا الذي نحن عليه.
ومن باب عدم الظلم، نحن نعترف الآن بأن العدل يجد أشخاصه ومجسديه في بلاد الغرب أكثر مما يجدهم هنا في بلادنا لأن الوالد هنا يظلم ولده ولأن الولد يظلم أباه ولأن الموظف يظلم وظيفته ولأن المدير يظلم موظفيه ولأن القاضي يقوم بظلم المتخاصمين ولأن المتخاصمين يقومون بظلم القاضي، كلنا يظلم كلنا، وما من أحد منا إلا والظلم لباسه وسواء أكان هذا اللباس يُخلع في بعض الأحيان أو لا يخلع باستمرار لكننا نرتدي الظلم ولو كان في اليوم مرة ولو كان في الأسبوع مرة، نرتدي لباس الظلم، فكروا في ألا تظلموا، فكروا في أن تعطوا الناس حقوقهم من خلال الكلمة ومن خلال الفعل ومن خلال المال ومن خلال العرض ومن خلال الدين، فكروا في أن تستسمحوا من الناس الذين ظلمتموهم ولو بكلمة في ظهورهم، عودوا إلى دينكم عودوا إلى هذا الإسلام الحقيقي من أجل أن تعود لنا حالتنا السامية المجيدة من أجل أن يعود إلينا رقينا ومجدنا الذي فقدناه منذ زمنٍ غير قصير.
أسأل العلي القدير أن يوفقنا من أجل أن نستشعر بمسؤولياتنا تجاه من حولنا وتجاه ما حولنا، تجاه النبات والحيوان والجماد ومن باب أولى تجاه الإنسان، ومن باب أولى تجاه الدّيان، اللهم وفقنا لذلك، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت بتاريخ 19/2/2010
التعليقات