آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مستويات وصيغ التعاون

مستويات وصيغ التعاون

تاريخ الإضافة: 2010/05/21 | عدد المشاهدات: 3323

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

قلت في نفسي لأسألن أحدَ المسلمين هنا أو هناك عن علاقته بهذا الذي يُصلي معه، وعن عنوان هذه العلاقة، فلو سألتك يا أخي عن عنوان علاقتك بهذا الذي يُصلي بجانبك ويدخل معك المسجد ويعيش تحت العنوان نفسه الذي تعيش تحته، هو مسلم وأنت مسلم، هو يؤمن بالله وأنت تؤمن بالله، هو يؤمن بالقرآن وأنت تؤمن بالقرآن، هو يؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنت تؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما عنوان علاقتك به ؟ سيجيبني بأنه أخي، ما الدليل على ذلك ؟ سيقول: قال الله تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾، وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح: (المسلم أخو المسلم) سأقول له متابعاً: إذن هذا الذي بجانبك أخوك، سيقول نعم. سؤالي الآن: ما البرهان على أنه أخوك ؟ كيف تُثبت بالواقع العملي أن هذا أخوك ؟ كيف تؤكد لمن حولك بأن هذا الذي يصلي بجانبك أخوك ؟ ستفكر، لكنني سأقطع عليك التفكير لأجيب: أتريد أن تتعرف على برهانٍ يؤكد أخوتك ؟ أتريد أن تتلمس الدليل العملي على أخوّتك مع هذا الذي بجانبك ؟ بكل بساطة: برهان أخوتك التعاون، هل تتعاون معه ؟ إن كنت تتعاون معه فقد أثبتَّ أخوتك، إن كان يتعاون معك فقد أثبت أخوته، لعل هذه الكلمة لها شيء من الضبابية في الذهن، ما معنى التعاون ؟ التعاون بكل بساطة أن تكون في عونه، وأن يكون في عونك، إذا كنت في عونه وكان في عونك فأنتما أخوان، وإلا فهذا الذي تقول عنه ادّعاءٌ باطل لا قيمة له، ادِّعاء لا يمتُّ إلى الواقع بصلة، أن تكون في عونه وأن يكون في عونك، أن يلبي حاجتك وأن تلبي حاجته، أتريد أن تتعرف على الصورة المنشودة عندما يكون بعضنا في عون بعض ؟ الصورة المطلوبة المرسومة أمامنا هي تلك التي رسمها سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، غاية التعاون أن نصل إلى هذه الصورة والتي سمعتموها كثيراً وجاءت في الصحيحين: (مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) تذكر، نريد أن يكون الكلام محدداً حتى يسهل التطبيق، فإن كان الكلام مجملاً وغير محدد خرجت من هنا وأنت لا تعرف ما الذي يجب عليك أن تطبقه. البرهان على الأخوة التعاون، والتعاون يعني أن تكون في عونه وأن يكون في عونك. إذا كان الواحد منكما في عون أخيه يساعد أخاه، يلبي حاجة أخيه، عند ذلك نصل إلى الصورة التي حثَّنا سيدي رسول الله على أن نصل إليها وهي الصورة التي ذكرتها لكم.

أريد أن أحدثكم اليوم بعد هذه المقدمة عن مستوياتٍ وصيغ للتعاون. هناك تعاون بين الدولة والشعب، وهنالك تعاون بين أفراد الناس. كيف تكون الدولة متعاونة مع الشعب وكيف يكون الشعب متعاوناً مع الدولة ؟ ثم في المستوى الثاني كيف يكون الإنسان متعاوناً مع الإنسان هنا في بلدك، وكيف يكون أخوك هذا الذي تسميه أخاك متعاوناً معك ؟ أتريدين أيتها الدولة أن أقول لك كيف يمكنك أن تكوني في عونٍ للشعب ؟ يكون ذلك بأمرين اثنين: العدل والرعاية.

العدل: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾. الرعاية: جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة).

العدل والرعاية كلمتان اثنتان، تتعاون الدولة مع الشعب وتكون في عون الشعب إذا كان الشعب كذلك.

وأما ما يخص الناس في تعاونهم مع الدولة فأيضاً يكون بأمرين: السمع والطاعة في غير معصية، والنصيحة، وبذلك يكون الشعب متعاوناً مع الدولة.

السمع والطاعة: وقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح أيضاً: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).

النصح: وقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المعروف الذي يرويه مسلم وسواه: (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم). عليك أن تكون ناصحاً، ستقول لي مَن وكيف أنصح ؟ أقول لك: إن كنت متأكداً من نفسك وإن كنت راغباً في أن تنصح فستصل إلى النصيحة، ومن يجاهد من أجل النصح فسيُوفَّق للنصح.

تتعاون الدولة مع الشعب إذا كانت الدولة عادلة وإذا كانت راعية، ترعى وتقوم بمسؤوليتها خير قيام، وإذا كان الشعب يسمع ويطيع في غير معصية، وينصح ولا يتكلم كلاماً في الخلف أو يشتم أو يسب، بل ينصح.

المستوى الثاني التعاون بين أفراد الناس: كيف تكون متعاوناً معي، حتى لا تبقى الكلمة هكذا غير واضحة، أتريد أن تتعاون معي ؟ عليك أن تسلك أمرين:

الأمر الأول: إتقان العمل، فليتقن كلٌّ منا عمله، عليكَ أن تتقن عملي الذي عندك، وعلي أن أتقن عملك الذي عندي. فمثلاً: لي عندك عمل وأنت طبيب، وعملي عندك هو هذا الجسم، وعليك أن تتقن عملي عندك. أنت تاجر، وأكلي وشربي وطعامي ولباسي بين يديك، وعليك أن تتقن عملي عندك، الذي هو الطعام والشراب والسعر، وألا تغش، وعليَّ أن أتقن عملك عندي إذا كنتُ موظفاً، علي ألا أخون، عليَّ أن لا أرتشي، عليَّ أن أشتغل من أجل أن ألبي هذا العمل الذي لك عندي في دائرتي أينما كانت دائرتي، لذلك قلنا في أكثر من مناسبة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) حتى على الذبيحة، فإذا ما كان أحدكم يرغب في أن يذبح فليُحِدَّ شفرته وليُرِح ذبيحته، بإتقانك العمل الذي لي عندك، وبإتقاني العمل الذي لك عندي يكون التعاون ويتجلى التعاون، هذا أمرٌ أول. أتقن عملك تكن متعاوناً، المشكلة وأنتم تعرفون هذا أكثر مني أن الواحد منا لم ولا يتقن عمل أخيه عنده، كلنا يشتغل وهمُّه وهاجسه الربح السريع على حساب جودة العمل، وعلى حساب إتقان العمل، فلا التاجر في عون الموظف، ولا الموظف في عون التاجر، ولا المدير في عون من يُدير، ولا الموظف في عون المدير، ولا الشيخ في عون الإنسان الذي يُصلي، ولا المصلي في عون الإمام... كلنا مُفككون، وكل واحدٍ يبحث عن ربح مستعجل على حساب العمل وجودة العمل والإخلاص في العمل وإتقان العمل والإحسان في العمل، كلنا يريد هذا، ولذلك لا يمكن أن نكون متعاونين، وبالتالي ادّعاؤنا الأخوة ادّعاءٌ باطل.

أما الأمر الثاني فهو أن يقدم كلٌ منا بغض النظر عن عمله ما يحتاجه الآخر منه: ﴿أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يَدُعّ اليتيم. ولا يحضُّ على طعام المسكين. فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يُراؤون. ويمنعون الماعون﴾ ترى جارك في حاجةٍ ما، وأنت تستطيع بشيء من الجهد تلبية حاجته، ثم لا تلبي حاجته، وتمر أمامه متجاهلاً وكأنك لم تعلم بحاله. أبهذا الشكل نُسمّى متعاونين ونُدعى إخوة ؟ ما أظن. علينا أن نُلبي حاجات بعضنا ولو كان ذلك على حساب بعض تحسينياتنا، جارك بحاجة إلى عملية، قريبك بحاجة إلى سكن، وأنت تسكن خمس غرف، ويكفيك من هذه الغرف واحدة أو اثنتان، وقريبك يحتاج إلى أربع غرف، ولا غرفة لديه، أنت لا تفكر ولو للحظة في أن تبيع، وهذا أمرٌ مثالي جداً جداً، نحن الآن نتحدث عنه لنرى الفرق بيننا وبين ما يجب أن نكون عليه، فهل تفكر ولو للحظة، ولو مجرد تفكير، أن تبيع بيتك لتشتري بيتاً أصغر، وبالتالي بهذا الفرق تساعد قريبك الذي يحتاج إلى غرفة أو غرفتين ؟ ما أظن أننا نفكر في هذا، هل فكَّر واحدٌ منكم في هذا ؟ لا، ورب الكعبة حتى ولو كان هذا الذي يحتاج أخاك أو أباك أو ولدك أو أمك... أنت لا تفكر بهذا، وبعد ذلك تقول لي بأن المجتمع الذي تعيش فيه مجتمع أخوة، أين الأخوة يا أخي ؟ كلامٌ يطلق في الهواء ولا رصيد له لا في الواقع ولا في الحياة. الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في صحيح الإمام مسلم: (من نفَّث عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) هل تنفث عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، وما أكثر كُرَبَ من حولك، ويقول سيدي رسول الله: (ومن يَسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة)، أرأيت لو أنك كنت دائناً وكان المدين قد وعدك أن يعطيك الدَّين في اليوم الفلاني، وتأخّر المدين لإعسار، انظر نفسك وهَيجانك، انظر كيف تتحرك حركةً لا تمتُّ إلى دينك ولا إلى نبيك ولا إلى قرآنك بصلة، انظر إلى شكلك كيف يتغير ليتحول من إنسانٍ، لا أقول إلى لا إنسان، لكن أقول إلى إنسان همه الافتراس والانتقام، أين أنت مِن (يسَّر على معسر) ؟! أين أنت من: ﴿وإن كان ذو عُسرة فنَظِرة إلى مَيسرة﴾ وأنت لست بحاجة إلى هذا الدَّين الآن، لكنك لن تعفو ولن تتجاوز، من أنظر معسراً أو وضع عنه أكرمه الله عز وجل في الدنيا والآخرة ويسَّر عليه: (من نفث عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) لأنك بسترك أخاك فأنت متعاون معه: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فهل أنت في عون أخيك ؟ لا، وكلنا يعرف كلنا، هذا كلام سيد الناس، هذا كلام رسولنا الذي نحبه، هذا كلام الذي نرفع الرايات الحمر عندما نسمع أحداً يتكلم عليه ولو كلمة بسيطة، كم رأينا من مظاهرات تنادي بشتم وقتل هؤلاء الذين شتموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا جيد، لكن أين أنتم أيها المدافعون من تطبيق هذا الحديث: (من نفث عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، أين أنت من هذا الكلام الذي يقوله هذا الذي تدافع عنه ؟ يا إخوتي أتدرون لماذا تدافعون عن رسول الله ؟ بلا شك تحبون رسول الله، لكن تحبونه محبة مجانية، وتدافعون عنه لتعوِّضوا بهذه الشكلية عن تقصيرٍ ألمَّ بكم، بل عن انعدامٍ في الاتباع، لكن هذا لا يعوّض. الاتباع لا يعوض في أن تدافع باللسان، وأن تشتم هذا الذي شتم رسول الله، الدفاع عن رسول الله في أن تقتدي برسول الله، الدفاع عن رسول الله في أن تطبق كلام رسول الله لا سيما إذا كان ذلك يتعلق بجارك وأخيك وأبيك وأمك وأهل بلدتك... فأين أنت من وصفٍ للمواطن الصالح، وأين أنت من وصف المسلم المؤمن ؟

التعاون فريضة ونحن ندَّعي الأخوة، وبرهان الأخوة التعاون، والتعاون بين الدولة والشعب، وبين الشعب والشعب، ولا تلوموا أحداً مسؤولاً لا يتعاون معكم، لأنك أنت لا تتعاون مع من هو بحسب الظاهر أقل منك، فلا تلم هذا، ولم نفسك، فأنت المقصر مع أخيك وولدك وجارك وأبيك وأمك وخالك وعمك وصديقك وزميلك بالعمل والدراسة. كلنا أصبح اليوم في زنزانة متجولة، ليس له علاقة بالذي معه حتى ولو كان أباه، ليس له علاقة مع هذا الذي بجانبه لأن كل واحد منا وضع نفسه في زنزانة متجولة، وكلنا يمشي لا ينظر من معه، ولا ينظر هذا الذي بجانبه، وإنما ينظر نفسه التي لا تحبه، التي وصفها الله عز وجل بالأمارة بالسوء لا أكثر ولا أقل، ولو أنه نظر نفسه الراضية المطمئنة لتغير الحال.

أكدوا وبرهنوا على أنكم إخوة، والبرهان ليس كلاماً يقال في مسجد أو حفل أو مناسبة أو في دعوة، لا تظنن أنك حينما تدعوني إلى دعوة أو وليمة أنك حققت التعاون أو أكدت على الأخوة، لا، يا أخي: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

أسأل الله عز وجل أن يحققنا بالأخوة، وأن يجعلنا قادرين على أن نبرهن بالعمل لا بالقول على هذه الأخوة، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 21/5/2010

 

التعليقات

شاركنا بتعليق