آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


نــــــــــــدوات

   
الفساد وأسبابه وطرق معالجته/ المركز الثقافي العربي في نبل

الفساد وأسبابه وطرق معالجته/ المركز الثقافي العربي في نبل

تاريخ الإضافة: 2011/05/21 | عدد المشاهدات: 4152

شارك الدكتور الشيخ محمود عكام في الندوة التي أقامها المركز الثقافي العربي في نبل حول "الفساد وأسبابه وطرق معالجته"، يوم السبت 21/5/2011 الساعة التاسعة مساء في قاعة المحاضرات بالمركز الثقافي، وقد شارك إلى جانب الدكتور عكام كل من الدكاترة محمود مرشحة وظافر محبك، وقد ألقى الدكتور عكام مداخلة فيما يلي نصها:

لا يسعني في البداية إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل للأستاذ يحيى أمين الشعبة والأستاذ حسين رئيس المركز الثقافي في هذه المدينة، وأسأل الله عز وجل في مستهل كل كلام أن يرحم شهداء الوطن وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأدعوه جل وعلا أن يؤمننا في أوطاننا، وأن يجعلنا متضامنين متحابين متناصرين متباذلين نسعى للخير والصلاح والإصلاح ونبتدئ من أنفسنا لأننا معنيون بذواتنا أكثر من أن نكون معنيين بغيرنا، والله عز وجل يقول: (لا تُكلَّف إلا نفسك وحرِّض المؤمنين)، فإنْ توجه كلٌّ منا إلى نفسه ليعرف قدر مساهمته في إنتاج الفساد الذي يراه يكون قد اختصر الطريق على نفسه وبالتالي يكون قد انطلق من المنطلق الصحيح.

لن أتكلم عن الفساد المالي ولا عن الفساد القانوني فذاك قد بحثة المشاركون الدكتور ظافر محبك والدكتور محمود مرشحة، لكنني سأتحدث عن الفساد من حيث "الفلسفة الفكرية الإنسانية".

قبل أن أعرِّف الفساد، تعلمون أن لكل شيء علة غائية، نقول العلة الغائية للكأس مثلاً أن يُشرب بها، والعلة الغائية للساعة أن أتعرف على الوقت من خلالها، العلة الغائية للورقة أن يُكتب عليها... لكل شيء علة غائية، وللإنسان علة غائية إذا تعطَّلت هذه العلة الغائية أو عُطِّلت حصل الفساد، نقول عن الطعام: هذا طعام فاسد، أي لم يعد هذا الطعام يحقق غايته التي وُجد من أجلها، وإنما أضحى يؤدّي إلى الضرر والإيذاء، فإذا ما تعطلت الغاية التي من أجلها وجد هذا الشيء حصل الفساد، فإما أن يتعطل وإما أن يُعطَّل، إما أن يَفسُد وإما أن يُفسَد، إما أن ينحرف وإما أن يُحرَّف، لذلك الفساد انحراف عن الغاية أو تحريف، وهنالك فاسد انحرف عن غايته وهنالك مفسد حرَّف هذا الشيء أو هذا الإنسان عن غايته.

السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي يضع الغاية ؟

أنا أتكلم من خلال كوني مؤمناً ودارساً للشريعة الإسلامية أقول: إن الذي يضع غايات الأشياء هو خالقها: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الذي خلق هذا الشيء هو الذي يحقق غايته، والذي خلق الكون يحقق غايته، والذي خلقك هو الذي يحدّد غايتك، فنحن نتحدث مع طلابنا نقول لهم: عندما تشتري مكبّراً مثلاً من أجل غاية هي تكبير الصوت، وحينها ستُعطى معه ما يُسمى بالدليل (الكتالوك) وفي هذا الدليل شيئان: توصيف وتوظيف. يرسمها لك ويصفها ثم يبين لك غايتها...

أنت أيها الإنسان ألا يجدر أن يكون معك كتاب أو دليل، وأنت المخلوق الأسمى ؟ الدليل في الأشياء يضعه الصانع. فمَنْ الذي صنعك أنت ؟! بكل بساطة: الله عز وجل. فإذا كان الصانع يضع دليلاً أفلا يجدر بالذي خلقك فسواك فعدلك أن يضع معك كتاباً ؟ هذا الكتاب هو الكتاب السماوي الذي أنزل على الأنبياء الذين هم بمثابة الخبراء، فعندما تقيم معملاً على سبيل المثال ترسل الشركة المصنّعة لهذا المعمل دليلاً وخبيراً، والله عز وجل أرسل دليلاً وخبيراً فالدليل هو "الكتب السماوية" والخبراء هم الرسل الذين أنزل عليهم الكتب، وهذا الكتاب فيه وصفك ووظيفتك، وظيفتي بحسب هذا الكتاب: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي ليعرفون، ثم يتوجهوا إليَّ بالعبادة، لأنك إن لم تعرف من تعبد فكيف تعبده ؟ هذه غايتك، الانحراف عنها فساد، وتحريف الإنسان عن هذه الغاية إفساد، لذلك ذُكر الفساد في القرآن خمسين مرة تقريباً، وذكر الفساد في الأرض من هذه الخمسين مرة أربعين مرة، فالفساد بذاته قليلاً ما يحدث، لكن الذي يحدث هو أن يُفسد هذا ذاك، وهذا جلُّ ما يحدث، فنحن لا نشكو من الفساد لأن الفساد بطبيعته سيكون قليلاً، لكننا نشكو من الإفساد. الجار يُفسد جاره والطلاب يفسدون بعضهم... ربما نستخدم الكمبيوتر في غير غايته التي أنشئ من أجلها، فالذين صدّروا لنا هذه الأدوات لو رأوا كيف نستخدمها لقالوا: ما اخترعناها لاستخدامها هذا الاستخدام... فاستخدام الشيء لغير ما وجد من أجله فساد وإفساد.

وهنا أضع بعض الملامح والمنطلقات:

أسباب الفساد أو الإفساد:

في رأيي من أسباب الفساد ما يلي:

1- الجهل: أنت تجهل غاية الشيء فهذا سبب من أسباب إفسادك إياه.

2- الخوف: فكثيراً ما يكون سبباً من أسباب الفساد، هل أنت مع الأمر الفلاني أم لست معه ؟ تقرأ وجه مَنْ أمامك يهددك يرعبك تقول: أنا لست مع هذا، أنا مع هذا... أنت تابع بحسب المتحوّل الذي أمامك وهو الإكراه. ومن هنا نحن نعاني من أمرين: القهر والبهر: وبالتالي فإننا ننطلق في كلامنا مما يمليه علينا القهر أو البهر.

3- العناد: (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكباراً) المكابرة سبب من أسباب الفساد.

4- غياب المؤيِّد الجزائي (العقوبة).

أسباب الصلاح والإصلاح:

1- العلم: تعلموا أيها الطلاب، أتريدون أن تقضوا على الفساد وتكونوا في مجال الصلاح والإصلاح ؟ إذاً تعلموا، العلم يا ناس، فما زلنا نغوص في بحر الأمية.

2- الجرأة: سبب من أسباب الصّلاح والإصلاح: (فاصدع بما تؤمر) نحن اليوم خائفون، نريد أن نتكلم بما يتكلم به الناس، نريد أن نتكلم بما يرضي صاحبَ السلاح والقوة المادية فحسب..

3- الإخلاص: قل لي من تبغي أنت ؟ إن كنت تبغي ربك فربك سينصرك، لكنك حينما لا تكون مخلصاً في عملك الذي تعمل به فستكون في أتون الفساد، يقول الإمام الحسين: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت به معايشهم، فإذا ما محّصوا بالابتلاء قلَّ الديَّانون".

4- الإذعان للحق والموضوعية: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) يمكن أن تكون أنت المخطئ، هل نحن الآن نعيش في أزمة ؟ نعم هناك أزمة، وقد ضربت مثالاً قبل قليل، فإن قال ميزان الحرارة مثلاً بأن الحرارة ثلاثون، يقول أحدكم أنا أشعر بالبرد، وزوجتي تشعر بالبرد، أقول: الحرارة ثلاثون، يقول كلّم زوجتي فهي تشعر بالبرد.

أسأل من يريد أن يجري معي مقابلة تلفزيونية فأقول: إذا كنتم تريدون أن تقررونني بأمر ما فلن أجري المقابلة، فنحن نريد الإذعان للحق والموضوعية، لا لرأي مسبق الصنع.

أذكر حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم وجدته يبين فيه بعض مظاهر الانحراف عن العلة الغائية أو التحريف عن العلة الغائية، ومآلات ذلك الحَرف والتحريف، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا اتخذ الفيء دولاً) أي المال المكتسب أصبح متداولاً بين بعض الناس وانحرف عن غايته لأنه ينبغي أن يكون لكل الناس بحسب جهده وعمله، (والأمانة مغنماً) المنصب أمانة فصارت مغنماً، (والزكاة مغرماً) علماً بأنها واجبة وحقٌ عليك، (وتعلم لغير الدين) بعضنا يتعلم لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، (وأطاع الرجل امرأته، وعقَّ أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد) الآن المساجد ملئت أصوات، وهي مخيفة مقلقة، (وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرِم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف) المغنيات، (وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع).

كيف نقضي على الفساد ؟ العلم والجرأة والإخلاص والإذعان للحق والموضوعية.

أما الآليِّة ؟

وجدتها في كتاب الله وهي بكل بساطة: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)

يا أيتها الدولة ويا أيها الشعب: عليكم أن تستمعوا للآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر وللداعين إلى الخير.

ولقد كتبت اليوم مقالة بعنوان: (مَنْ نحن ؟) نحن تلك الأمة التي أفرزها المجتمع وأنشأها بأمر من الله يوم قال: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) فأنا اختصاصي وهمِّي آمر بالمعروف وناهي عن المنكر، فلا يكلفني أحدٌ أكثر من هذا فأنا لست سياسياً، وإنما غايتي التي وضعها لي ربي ووضعتها أمامي أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فأنا في الوسط بين الدولة والشعب، والمفروض عليَّ أن آمر الدولة بالمعروف وأنهاها عن المنكر، وأن آمر الشعب بالمعروف وأنهاه عن المنكر، وأكبر معروف يجب أن آمر به الدولة هو "العدل" وأفظع منكر يجب أن أنهى الدولة عنه هو "الظلم"، وأكبر معروف يجب أن آمر به الشعب هو "الأمانة" وأفظع منكر يجب أن أنهى الشعب عنه هو "الخيانة".

وسأكون جريئاً فأقول كلمة حق عند سلطان جائر، وأقول كلمة حق عند شعبٍ جائر، فالدولة في بعض تجلياتها تكون جائرة، وكذلك الشعب في بعض تجلياته يكون جائراً.

لذلك نسأل الله عز وجل أن يوفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ليكونوا جريئين أمام الدولة وأمام الشعب، نحتاج اليوم ليعرف كلٌ منا مكانه، وأنا آمرٌ بالمعروف، ناهٍ عن المنكر للدولة وللشعب، انقدوني إن خالفت العلم أو الإخلاص أو الجرأة أو الإذعان للحق وانصحوني، فإن لم أخالف فأذعنوا واسمعوا وأطيعوا واقبلوا وتوبوا...

يمكن أن أتكلم بالسياسة لكنني لا يجوز لي أن أتكلم بالسياسة على أني صاحب رأي، فالإنسان ثلاثة أنواع حيال أي اختصاص: إما سائل أو مستشكل أو صاحب رأي.

أنا فيما يخص الشريعة الإسلامية صاحب رأي لأني مختص بهذا، لكني فيما يخص القانون لست سائلاً لا يعرف شيئاً وإنما ربما أكون مستشكلاً.

الناس نصَّبوا أنفسهم في كل شيء أصحاب رأي، ولذلك كلنا جاهزون، لأن نكون وزراء زراعة وصناعة وتجارة ومالية واقتصاد...

في النهاية أكرر شكري لكم، وأسأل الله أن نكون دعاة صلاح وإصلاح، ورضي الله عن عمر بن عبد العزيز يوم أرسل إليه واليه يطلب منه مالاً يصلح به خراب مدينته فأجابه عمر قائلاً: يا هذا فهمت كلامك، حصِّن مدينتك بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم، فإن ذلك يرِمُّها.

التعليقات

umhadi

تاريخ :2011/06/17

جزاك الله خيرا والله هذا الكلام ينطق به لساننا من زمان ولكن بدون صوت لاننا لم نتعلم قول الحق ولا العمل بالعدل ولا الاذعان للحق يارب قوي فينا عزائمنا لنصلح فساد قلوبنا فتصلح البلاد بنا

شاركنا بتعليق