آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
صفات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

صفات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

تاريخ الإضافة: 2011/05/20 | عدد المشاهدات: 3686

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

وكما في كل أسبوع نذكر الشهداء بالرحمة، ونخصّ منهم أولئك الذين جهدوا إلى أن يدخلوا إلى فلسطين في ذكرى النكبة عبر البوابات الحدودية: مارون الرأس، ومجدل شمس، وعين التينة، وسواها، نسأل الله أن يوفقنا من أجل أن نكون جادين في تحرير الأراضي المحتلة، أن نكون جادين في إعادة بيت المقدس إلى أهله وفي إعادة كل الأراضي المحتلة إلى أهليها، وأيضاً فها نحن أولاء ندعو الله عز وجل أن يحمي أوطاننا من كل مكروه وأن يؤمّننا في أوطاننا وأن يعلي شأن شبابنا وأن يجعلنا في هذا الوطن من المتضامنين على رفعته وازدهاره وتقدمه وتحسنه.

أعود للموضوع، تحدثت في الأسبوع الماضي عن التوبة، وناشدت الدولة والشعب من أجل أن يتوبوا، وقلت إن في التوبة فلاحاً في الآخرة، وبالتالي إذا كان ثمة فلاح في الآخرة فسيكون هنالك نجاح في الدنيا، وكذلك إن التائبين يحبهم الله عز وجل، ومن أحبه الله عز وجل تولاه، هذا ما قلناه في الأسبوع الماضي، ونسأل الله عز وجل أن يزيدنا توبة إليه من كل خطيئة وذنب وإثم.

لكنني اليوم توقعت سائلاً يسألني: مَنْ الذي يذكرني بالتوبة ؟ ومن الذي يوضح لي ممّ أتوب ؟ توقعت أن يسألني أحد من الناس هذا السؤال، وفعلاً سُئلت، وها أنذا أجيب:

الذي يذكرك بالتوبة وما الذي تتوب منه، هم أولئك الذين قال عنهم ربي عز وجل: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون على الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ الذي يُذكّرك بالتوبة هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وهم الذين قال عنهم ربي عز وجل بأنهم مفلحون، وبالتالي إذا كانوا مفلحين فسيدلونك على طريق الفلاح.

الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أولئك الذين يحرضونك على التوبة، ويبنون لك ما الذي ستتوب منه أيها الإنسان المسلم.

الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم الذين سيقفون في الوسط بين الدولة والناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يأمرون الدولة بالمعروف وينهونها عن المنكر، ويأمرون الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر، يقفون في الوسط، يذكّرون هؤلاء بواجباتهم ويذكرون أولئك بواجباتهم، لا يجاملون هنا، ولا يُراؤون هناك، ولا يجاملون هناك ولا يراؤون هنا، لا يجاملون مع الدولة ولا يراؤون مع الناس، وتلك مشكلة كبيرة، ولا يجاملون مع الناس ولا يراؤون مع الدولة، وإنما هم قومٌ سنذكر صفتهم فيما بعد، هم قومٌ امتثلوا أمر الله عز وجل فكانوا أمة همّهم ووظيفتهم أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر، وهؤلاء كما قلت لا يجاملون ولا يراؤون، فإن جاملوا أو راءوا هؤلاء أو ذلك، الدولة أو الناس وقع المجتمع في فخّ اللعنة، ووقع المجتمع في فخ الانحطاط والتدهور، وذلك كما بين سيدي وسندي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسبما جاء في أبي داود عندما قال: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله لم يستجب) - لا هذا الذي من الدولة ولا هذا الذي من الناس - فلا يمنعه ذلك - عدم الاستجابة لا تمنع هذا الآمر بالمعروف بلسانه فقط - أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، - جامل وراءى - فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: ﴿لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك﴾ إلى قوله ﴿فاسقون﴾، أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر لكن بلسانهم فحسب، ثم بعد ذلك بقيت الأمور، إن مع الدولة أو مع الناس على حالها، المجاملة كما هي، والعلاقات كما هي، والمؤاكلة كما هي، والمشاربة كما هي، ثم قال سيدي رسول الله: (كلا والله، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً) وزاد في رواية: (أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعننكم كما لعنهم).

القضية واضحة، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر في الوسط يدعون هؤلاء يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويدعون أولئك ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.

اليوم يقف هذا الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ليقول له الناس عليك أن تأمر الدولة بالمعروف وتنهاها عن المنكر، أما نحن فلا تقرب حياضنا، حتى إذا ما أمرهم بالمعروف أو نهاهم عن المنكر هبّوا في وجهه وقالوا له لا، ابقَ على أمرك بالمعروف في جهة واحدة، وكذلك عندما يتجه هذا الإنسان على الدولة ليأمرها بالمعروف أو لينهاها عن المنكر وإذ بها تقول له اتجه إلى الجهة الأخرى فقط، ونحن لا تقرب حياضنا ولا تقرب جدارنا ولا تقرب وجيبتنا.

أيها الإخوة: الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر يتوجهون على أولئك ليذكروهم بواجباتهم، ويتوجهون إلى هؤلاء ليذكروهم بواجباتهم، وليس بالضرورة أن يقول هذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر للناس بأنني آمر الدولة بالمعروف وأنهاها عن المنكر حتى ترضوا عني، وإلا اختلَّت صفة هي صفة الإخلاص، هكذا يريد الناس، يريد الناس أن يكلمهم هذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ليقول لهم لقد أمرتُ الدولة بالمعروف ونهيتها عن المنكر فهل أنتم راضون عني، نحن نبتغي مرضات ربنا، وكذلك ربما إذا توجه على الدولة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالت له الدولة: هل توجهتَ إلى الناس ؟ ويجب عليَّ أن أقول توجهت إلى الناس وأيم الله، وهكذا سنقع، وقد وقع جلُّنا في إرضاء هؤلاء أو إرضاء أولئك، ونسينا الذي يجب أن نرضيه وهو ربنا، ونسينا الذي يجب أن نخلص إليه وهو إلهنا وهو مستعاننا وهو ملاذنا.

لعل هذا السائل أيضاً يقول لي: بمَ تأمر، أي ما هو المعروف الذي تريد أن تأمر به الدولة ؟ وما هو المنكر الذي تريد من الدولة أن تنتهي عنه ؟ وكذلك ما المعروف الذي تريد أن تأمر الناس به، وما المنكر الذي تريد أن تنهى الناس عنه ؟

ثمة معاريف كثيرة، وثمة منكرات كثيرة، لكنني أتوجه اليوم بمعروف هو الأكبر بالنسبة للدولة، وبمنكرٍ هو الأفظع بالنسبة للدولة، وأتوجه بمعروف هو الأكبر بالنسبة للناس، وبمنكر هو الأفظع بالنسبة للناس.

أما المعروف الذي أريد أن أوجه الأمر به للدولة هو: العدل، أنا آمر الدولة بالمعروف الذي هو العدل، وأنهاها عن المنكر الذي هو الظلم: ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ العدل هو المعروف الأكبر الذي أتوجه به إلى الدولة، والظلم هو المنكر الأفظع الذي أتوجه بالنهي عنه على الدولة.

وأما الناس فالمعروف الأكبر يا ناس هو الأمانة، كن أميناً، والمنكر الأفظع الذي أنهى الناس عنه هو الخيانة، الأمانة، انظروا دوائرنا، وانظروا مستشفاياتنا، وانظروا، وانظروا... فسترون أن الأمانة لا أقول غائبة وإنما شبه غائبة، حتى لا أظلم إذ أُعمّم، هذا يخون وظيفته، وهذا يخون طلابه، وهذا يخون مرضاه، وهذا يخون أستاذه، وهذا يخون كتابه، وهذا يخون دراسته، وهذا يخون عمله، وهذا يخون زبونه... وهكذا دواليك، المعروف الأكبر الذي أتوجه به إلى الدولة هو العدل، وها أنذا أقول: أيتها الدولة الكريمة عليكِ بالعدل، عليك أن تتحرّي هذا الدستور الذي هو معمول به في بلادنا هل ينتسج بنسيج العدل ؟ أنا أرى أن الدستور بحاجة إلى تعديل حتى يكون فيه العدل نسجه، وحتى يكون فيه العدل قائماً، وها نحن الآن نكرر دعوة الدولة من أجل العدل من أجل الإسراع في ما لم يصدر حتى الآن، ونشكرها على ما أصدرته سابقاً، لكننا نلحُّ على إصدار ما يحقق العدل في الدستور من خلال ما يُسمى بالحريات، والأحزاب، والمادة الثامنة من هذا الدستور. والمنكر الذي ننهى الدولة عنه هو الظلم.

أيها الإخوة:

كتب والٍ لعمر بن عبد العزيز إلى عمر يطلب منه مالاً من أجل أن يُصلح خرابَ مدينته التي هو والٍ عليها، فأرسل إليه عمر كتاباً قال له فيه: "قد فهمتُ كتابك، حصّن مدينتك بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم، فإن ذلك يرمُّها".

علينا أن نكون أمناء، أنت أمينٌ على وطنك أيها الإنسان، أنت أمينٌ على دراستك، أنت أمينٌ على أحجار هذا الوطن إياك والخيانة، إياك واللعب بمقادير وثروات هذا الوطن، العدل هنا هو المعروف الأكبر، والظلم هو المنكر الأفظع، والأمانة هنا هي المعروف الأكبر والخيانة هي المنكر الأعظم.

أخيراً: مَن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟

عليه أن يتصف بصفات أربع، اسمعوها، فإني أرى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر قد كثروا، وأضحى كل واحدٍ منا يأمر بالمعروف من غير أن يتلمَّس في نفسه فيما إذا كان يتمتع بصفات الآمر بالمعروف أو الناهي عن المنكر، هذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يتصف:

أولاً: بالعلم، لا أمرَ بمعروف، ولا نهيَ عن المنكر من غير علم، هل أنت على علم بأن هذا الذي تأمر به هو معروف ؟ وهل أنت على علم بأن هذا الذي تنهى عنه هو منكر ؟ أم انك تأمر بالهوى وتنهى عن الجد، أم أنك سمعت من هنا أو من هناك، أو لعلك تعلمت من التلفاز، فالتلفاز ليس وسيلة علمية يا هذا، أو لعلك سمعت من محلل سياسي، أو محلل اقتصادي، إياك أن تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر من غير علم.

ثانياً: الإخلاص، أنت تأمر بالمعروف من أجل الله، وتنهى عن المنكر من أجل الله، لا من اجل أن يرضى أو أن يغضب ذاك:

إنا نقتل كي يرضى الإله بنا                  ولا نقاتل كي يرضى بنا عمر

الإخلاص، أين الإخلاص أيها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ؟ لعلك تريد أن ترضي فلاناً، أو لعلك تريد أن ترضي الناس، أو لعلك تريد أن ترضي الدولة، أو لعلك تريد أن ترضي مَن حولك من غير قناعة ومن غير علم، الإخلاص: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾.

ثالثاً: الرفق، الرفقَ يا ناس: ﴿فقولا له قولاً ليناً﴾، ﴿فبما رحمة من الله لِنتَ لهم﴾، (من يُحرم الرفق يحرم الخير كله) هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم. برفقٍ يا هذا، لما كنا فيما بيننا غير رفيقين جاءنا التعنيف من الخارج، فها هو الرئيس الأمريكي يعنفنا، وها هو الرئيس الفرنسي يعنفنا، وهذا هو الرئيس الألماني والبريطاني يعنفنا، لما فقدنا الرفق فيما بيننا عوقبنا بالتعنيف من أعداء الله وأعداء الإنسانية، وأنا هنا أقول: إن أغلب الحكومات الغربية لا يُرجى منها أي خير، وهي عدوة لله وللتاريخ وللإنسان، ولا يهمها إلا أن تلبي مصالحها، وهي بهذا تريد أن تكون في خدمة المحتل الأثيم إسرائيل.

عليك أن تعلم بأن هذا المعروف معروف وأن هذا المنكر منكر من خلال دينك من خلال شرعك وأن تكون مخلصاً وأن تكون رفيقاً رقيقاً لطيفاً.

رابعاً: أن تعمل بما تأمر به: ﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب﴾ أنت تطالب اليوم المسؤول الكبير أن يكون عادلاً فهل أنت عادل في أسرتك، في عملك، بالله عليك ؟ طبّق هذا الذي تدعو الآخرين إليه وقد تمكنت منه على أنه معروف فهل أنت تطبق هذا وتعمل هذا في جمهورية نفسك وذاتك ؟ بالله عليك حاسب نفسك قبل أن تتجه إلى الآخرين، بالله عليك أيها الإنسان أريدك أن تكون قوياً على ذاتك، فإن كنت قوياً على ذاتك فسيقويك ربي عز وجل على أخطاء غيرك، وإن لم تكن قوياً على أخطاء ذاتك فستضعف أمام أخطاء غيرك ففاقد الشيء لا يعطيه.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر على أساس من علم وإخلاص ورفق ولطف، وأن نعمل بهذا الذي نقوله وبهذا الذي ندعو إليه: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾.

اللهم اجعلنا يا ربنا من المفلحين، اللهم احفظ بلدنا من كل مكروه، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا متضامنين متعاونين متآخين متباذلين، اللهم احفظ بلادنا من كل نية سيئة تأتينا من الخارج أو من الداخل يا رب العالمين، يا إلهنا يا رجانا استودعناك بلدنا وأنت الذي لا تضيع لديه الودائع، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ  20/5/2011

التعليقات

hussein.tmo

تاريخ :2011/08/20

الله يقويك يا كبير

شاركنا بتعليق