آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
أخلاق يجب أن يتحلى بها الشباب

أخلاق يجب أن يتحلى بها الشباب

تاريخ الإضافة: 2011/06/17 | عدد المشاهدات: 5278

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

نذكر الشهداء كلّهم بالرحمة، وندعو لوطننا بالحماية والحفظ والرعاية، وأن يجعله الله في كنفه وإحسانه وفضله ومنّه.

ثم بعد ذلك أيها الإخوة:

إني لأتوجه منذ زمن طويل وما زلت في خطابي إلى الشباب، والشباب بالنسبة لي هم المعنيون الأساس والأوائل في حديثي وتوجيهي، ذلك أن الشباب هم العماد وهم الجبال والأوتاد، إن خسرنا الشباب خسرنا أنفسنا، وإن ربحنا الشباب ربحنا أنفسنا، إن ربحنا الشباب ربحنا الحاضر والماضي والمستقبل، وإن خسرنا الشباب خسرنا الحاضر والمستقبل، فيا أيها الشباب أريدكم ان تبنوا أنفسكم، وأريدكم في أيام الأزمات ان تستغلوها لتمحّصوا أنفسكم ولتعيدوا الكرّة بعد الكرّة في تمحيص أنفسكم وبناء أو إعادة بناء أنفسكم، وها أنذا قد خطبت منذ ثلاثة أسابيع خطبة عن صفات الشباب المؤهَّلين لتحرير بيت المقدس، وذكرت بأن صفات هؤلاء الشباب: العدل، والرحمة، والشجاعة، والأمانة، والإخلاص.

ثم خطبت خطبة بعدها تحدثت عن شعارٍ أريد للشباب أن يضعوه أينما كانوا، سواء أكان هذا المكان موقعاً على الشبكة العالمية، أو كان هذا المكان عملاً أو صفاً أو إذاعة أو مجلة أو حركة أو سيارة... وقلت بأن هذا الشعار نريد أن نحققه لا أن نبقيه شعاراً، وهو: إرضاء الديّان وبناء الإنسان وخدمة الأوطان.

ثم تحدثت في الأسبوع الماضي وهمّي هو الشباب تحدثت عن التقوى، عن هذه الكلمة الرائعة العظيمة التي نحب أن نمدح وأن نُمتدح بها، وقلت إن التقوى صلاحٌ عام للظاهر والباطن، يكون هذا الصلاح بالإيمان والعبادة والحب والخُلق الحسن والانصياع لأمر الله عز وجل واتقان العمل.

وها أنذا اليوم أتمِّم هذه الرباعية لأقول قبل ان أذكر ما أريد أن أذكره لهؤلاء الشباب: اتقوا الله، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في عقلكم، في قلبكم، فأنتم مُكرَّمون، خُلقتم لأمرٍ كريمٍ ورفيع وعظيم، ولا أريدكم أبداً أن تستهينوا بأنفسكم أو أن تحقِّروا أنفسكم، فأنتم خلق الله المُسوَّى الذي نفخ الله فيه، أنتم كبار، وأنتم عظام، وأنتم مؤهَّلون لقيادة، وأنتم مؤهلون لأن توجهوا، وأريد أن يكون على بالكم هذا الذي ذكرنا من خلال الخطب التي ذكرت عناوينها، أريد ان يحاسب كل منكم نفسه صباح مساء، هل هو ذاك الشاب الذي يحبه الله ورسوله ؟ هل هو ذاك الشاب الذي يفخر به الوطن بكل أطيافه ؟ هل هو ذاك الشاب الذي يسعى من أجل مستقبل مزهر لهؤلاء الأطفال معه والذين يلقاهم في بيته سواءٌ أكانوا إخوته أو أبناءه أو أحفاده أو أبناء إخوانه...

أيها الشباب أتريدون ختاماً هو بمثابة المسك ؟ إذاً احفظوا عني هذه الصفات التي أريدكم ان تتحلوا بها، وبذلك تكتمل الدائرة عبر خطبٍ أربع، أريدكم أن تتذكروها دائماً، هذا اليوم أريد أن تنظروا أنفسكم لتتصفوا بالإضافة إلى ما ذكرنا بالصفات والأخلاق التالية:

أما هذه الصفات التي أحثُّ نفسي عليها وأحثكم عليها، وقد ذكرتها في يومٍ من الأيام بشكلٍ عابر، لكنني سأقف عندها اليوم بعض الشي: نور الذكر، وقوة الفكر، وسعة الصدر، وروح العصر.

أيها الشاب: هيا إلى نور الذكر، هيا إلى قوة الفكر، هيا إلى سعة الصدر، هيا إلى روح العصر.

الأمر الأول، نور الذكر: هل لك ذكر أيها الشاب ؟ هل لك وِرد ؟ هل أنت ممن يذكر الله، وبالتالي يظهر آثار هذا الذكر على وجهه وقلبه وأفعاله وسلوكه ؟ للذكر نور فهل أنت ممن يسطع نور الذكر عليه، سأقول لك من أجل أن أشجعك على الذكر حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والآخر عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، أما الأول، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم عن رب العزة جلت قدرته: (عبدي اذكرني بعد الفجر ساعة وبعد العصر ساعة أكفِك ما بينهما) أتريد أن تُكفى من الله الهمَّ والغم والتعب والأرق والحاجة إلى الناس ؟ (عبدي اذكرني بعد الفجر ساعة وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما)، وأما الحديث الثاني فقد جاء في الدارقطني أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: (يا رب وددت لو أني أعلم من تُحب فأُحبَّه ؟ فقال الله عز وجل: إذا رأيت عبدي يكثر من ذكري فأنا أذنت له وأنا أحبُّه).

هل تذكر الله عز وجل ليس فقط باللسان وإنما باللسان والقلب ؟ هل تذكر الله الذي قال لك كن نافعاً ؟ هل تذكر ربك الذي قال لك كن راحماً ؟ هل تذكر ربك الذي قال لك كن عبداً شكوراً ؟ هل تذكر ربك الذي قال لك انفع الناس ؟ إن ذكرت ربك فستكون أنت كما كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان رحمة مهداة فهل أنت رحيم ؟ إذاً أنت تذكر ربك، اذكر ربك من أجل أن يظهر نور الذكر عليك، ونور الذكر أثرٌ طيب يفوح منك كما يفوح الأريج الرفيع العظيم من الزهرة الفواحة.

الأمر الثاني، قوة الفكر: يعني أن تعمل عقلك بقوة في أمورٍ جادّة هامّة، أريدك أن يكون لك مشروعٌ عظيم، أنت عظيم أنت كبير أريدك أن تكون صاحب مشروعٍ كبير، قوة الفكر أن تعمل عقلك في أمرٍ جاد هام، فكِّر بقوة كيف تخلّص العالم من الفقر، فكر بقوة كيف تخلّص العالم من الجهل، فكر بقوة كيف تخلّص العالم من الشحناء والبغضاء والتفرقة والقتل والتدمير والضياع والتسكع، أنت معني ومسؤول، أين مشروعك الذي ينقذ الإنسانية من أخطالٍ وأخطاءٍ ألمَّت بها، من ضياعاتٍ لفَّتها، من أمور قاسية حامت حولها، أنت معني، قوة الفكر من أجل أن تنقذ الإنسان، انظر نبيك، أوليس نبييك عليه أفضل صلاة وأفضل سلام جاء للعالمين لينقذهم من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن كل ما يشوب الإنسان إلى كل ما يجعل الإنسان إنساناً عظيماً راقياً، هل تفكر أم أنك مقتصر في إعمال عقلك على أمورٍ معيشية بسيطة ؟ هل تفكر بهذا الإنسان الذي بجانبك ؟ هل تفكر بوطنك من أجل أن يكون وطناً عزيزاً كريماً ؟ هل تفكر بإخوانك ؟ وأنا أخاطب الجميع لا أفرّق بين إنسان وإنسان، أنا آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المنكر، أخاطب الجميع بدءاً من قمة الهرم إلى القاعدة، من الرئيس إلى المرؤوس، من الوزير إلى المدير إلى الموظف إلى العامل... فالكل معني ما دام يتّسم بسمة الشباب، والشباب ليس مرحلة عمرية وإنما حالة يعيشها الإنسان، شعورٌ بحالة قوة، بحالة استنفار لكل تلك القوى التي تكمن فيك، لذلك قوة الفكر.

الأمر الثالث، سعة الصدر: هل أنت واسع الصدر ؟ أريدك ان تفحص نفسك على قوله تعالى على سبيل المثال: ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾ فهل أنت ممن يكظم غيظه ويعفو عن الناس ؟ أريدك أن تفحص نفسك أيضاً على حديث قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند أحمد ومستدرك الحاكم، وانظر هذا الحديث وأرني كيف تعاير نفسك عليه ما النتيجة: (صل من قطعك) نحن نقطع من يصلنا فكيف نصل من يقطعنا ؟ (واعفُ عمّن ظلمك، وأعط من حرمك) هذه معايير سعة الصدر فهل انت واسع الصدر ؟ ونحن نظلم من يعفو عنا، ولا نقدم العفو لمن ظلمنا، ونحن نقوم بحرمان من يعطينا، فكيف نعطي من حرمنا ؟ إذا أردت أن تكون واسع الصدر فكن كذلك: (صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأعط من حرمك) عند ذلك ستكون واسع الصدر، قال سيدي رسول الله حديثاً أحبُّ لشبابنا دائماً أن يتذكروه، فقد جاء في الترمذي أن نبينا قال: (لا تكونوا إمَّعة) شبابنا اليوم، ولا أقول الجميع أراهم يعيشون حالة الإمعة، (تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا) الكل معني بالخطاب لا أفرّق بين جندي ومدني، ولا بين رئيس ومرؤوس، ولا بين أستاذٍ وطالب، لا أفرق بين واحد وواحد، فالكل أبناءٌ للوطن الذي نريده أن يكون آمناً مطمئناً معطاءاً مزدهراً مجيداً عزيزاً كريماً سيداً، من منكم لا يريد هذا لهذا الوطن، وإلا فهو خائن ومن الخيانة بمكان. نور الذكر وقوة الفكر وسعة الصدر.

الأمر الرابع، روح العصر: الصوفية الحقة تعرّف الصوفي فتقول: "الصوفي هو ابن زمنه"، وبعضهم يقول: "الصوفي هو ابن ساعته"، وبعضهم يقول: "هو ابن نفَسه". حقوقٌ في الأوقات يمكن قضاؤها وحقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها، حق الوقت عليك الآن أن تسمع الخطبة فلا تشتغل بسوى ذلك، عندما تكون في الامتحان فحقّ الوقت أن تكتب بشكل جيد، حق الوقت أيها الطالب الآن أن تدرس، حق الوقت الآن أيها التاجر عندما تكون في متجرك أن تتاجر بصدق وأمانة.

روح العصر عليك أن تعيش عصرك وأن يكتب عليه بأنك تنتسب لعصرنا هذا، كثيرون أولئك الذين يقدّمون إسلاماً لا يتناسب والعصر الذي نعيشه، علماً بأن الإسلام مُصلِح لكل زمان ومكان، ففي الإسلام كلام يصلح لعام ألفين وأحد عشر، ويصلح لعام ثلاثة آلاف وأحد عشر، لكن هؤلاء لا يقدّمون ما يصلح لهذا الوقت، بل إنهم ليتكلمون بكلامٍ لا يمكن أن تستقبله القلوب والأجسام استقبال الساعي للتنفيذ، لذلك يقول الإمام علي كرم الله وجهه كما جاء في البخاري: "حدّثوا الناس بما يعرفون" حدثوا الناس بثقافتهم الراهنة "أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله ؟".

أيها الإخوة: أيها الشباب أريدكم وأريد نفسي أن نكون دائماً على مستوى عصرنا، أن نعرف المخاطَب وأن نعرف الخطاب وأن نكون جريئين في نقل ما اقتنعنا به لا نخاف إلا الله: ﴿يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله﴾ لكن بعد أن يتعرفوا على الحق ويتأكدوا من أنه الحق، بعد أن يرجعوا إلى علماء مخلصين أتقياء موثقين محققين: ﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم﴾، ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾.

أذكّركم بنور الذكر، بقوة الفكر، بسعة الصدر، بروح العصر، ضعوا هذا في ذهنكم، والكلام إما أن يكون حجة علينا وإما أن يكون حجة لنا، وإني لأرجو الله أن يكون حجة لنا وألا يكون حجة علينا.

اللهم إني أسألك بحق أسمائك وصفاتك أن تجعلنا في وطننا ممن يتمتع بنور الذكر وقوة الفكر وسعة الصدر وروح العصر، اللهم أمنا وآمنا في أوطاننا، اللهم أسألك لوطننا الحفظ والحماية من كل مكروه من كل سوء من كل شر من كل تخريب من كل تضييع من كل تفجير من كل ما يؤذيه، يا رب العباد، يا إلهنا يا رجانا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 17/6/2011

التعليقات

ahed salman

تاريخ :2014/05/11

ان الكلمات رائعةةةةةةةةةةةة وهي كلمات مأثورةةةةةةةةةة أشكركم على هذه الكلمات

شاركنا بتعليق