آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من دلائل الكفر وبيناته

من دلائل الكفر وبيناته

تاريخ الإضافة: 2011/12/30 | عدد المشاهدات: 3075

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

قال لي أحد الإخوة الذين يحضرون، حدثتنا وكلمتنا عن الإيمان ودلائله وبراهينه، ثم تحدثت عن آثار وثمار الإيمان فهل هنالك حديثٌ عن بينات الكفر وعن ثمار ونتائج الكفر ؟ قلت له: لا شك، ما دام الله قد قال: ﴿والله خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير﴾ وإذا ما أردت أن تتعرف على نفسك إذا كنت مؤمناً أو غير مؤمن فمن خلال البينات، إذا كنت ترى نفسك قد أقمت البينات التي ذكرناها الأسبوع قبل الفائت فأنت مؤمن، وإن لم تكن متحققاً بهذه البينات فلست بمؤمن، ولن أقول فأنت كافر، لأن للكفر بينات أيضاً ومن لم يقدّم بينات الإيمان فليس بمؤمن، لكن لن نقول بأنه كافر لأن للكفر بينات كما للإيمان بينات، فما بينات الكفر وما دلائل الكفر وما براهين الكفر وما علامات الكفر ؟ وقبل أن أذكر هذه البينات التي حصرتها ورأيتها واستخلصتها من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبلها من آي القرآن الكريم، قبل أن أذكر البينات لا بد من أن أذكر وأقول على مسامعكم حديثاً أردت أن يكون معروفاً من قبلكم، هذا الحديث جاء في سنن الترمذي وأريدكم أن تقفوا حياله لتروا أنفسكم من أي الفئات المذكورة في هذا الحديث أنتم ؟ يقول صلى الله عليه وآله وسلم، يقول سيد الكائنات، يقول معلم البشرية: (ألا إن بني آدم خُلقوا على طبقاتٍ شتى: فمنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً) فمن أي الطبقات أنت ؟ ربما قلت لي وما أدري فيما إذا كنت سأموت كافراً أو سأموت مؤمناً ؟ أقول لك من أجل هذا سأبين لك دلائل الكفر، وقد بينت لك دلائل الإيمان فإن كنت تطبّق دلائل الإيمان وعلاماته فستموت بفضل الله وكرمه مؤمناً، وإن كنت تطبق بينات الكفر ودلائله وعلاماته فأسأل الله عز وجل ألا تموت كافراً وأن تستدرك فتتوب، فما بينات الكفر ؟

البينة الأولى: قتل المسلمين بعضهم بعضاً، وقد جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) بينة من بينات الكفر وأنا لا أريد أن أعلِّق على حالنا التي نعيشها، هل ترون بأننا نقدّم بينة الإيمان التي هي التعاون كما ذكرنا في الماضي، فمن بينات الإيمان التعاون على البر والتقوى ومن بينات الكفر أن يقتل وأن يضرب بعضنا رقاب بعض، فانظروا ماذا ترون، والأمر إليكم والحكم إليكم، وأنا لا أتحدث عن مرحلة راهنة، أتحدث عن مراحل سابقة ومراحل راهنة، لقد استسهلنا أن يقتل بعضنا بعضاً، لقد استسهل كل منا أن يقتل الواحد منا الآخر لأدنى سبب ولأتفه سبب ومن أجل دريهمات ومن أجل شتيمة ومن أجل سب ومن أجل نظرة ومن أجل مخالفة في المذهب ومن أجل مخالفة في الرأي ومن أجل... وعددوا أسباباً لا نهاية لها تدفعنا من أجل أن يضرب بعضنا رقاب بعض، لا أريد أن أعلّق والحكم إليكم، البينة الأولى قتل المسلمين بعضهم بعضاً.

البينة الثانية: أن يبيع المسلم دينه بعرض من الدنيا، سواء أكان هذا البيع للشرق أو للغرب، للداخل أم للخارج، لهذه الجهة أم لتلك، وكم باع من هم من بني جلدتنا دينهم بدنياهم في الداخل أو في الخارج بدريهماتٍ، بملايين، باع دينه بعرض من الدنيا، ودليلي على هذه البينة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم: (بادروا بالأعمال فتناً) أي بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تأتي الفتن، سابقوا الفتن قبل أن تسابقكم : (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا) يسرّه أن يكون مع الزعيم الفلاني أو مع الملك الفلاني، وأن يكون مُستأجراً من قبل الزعيم الفلاني والرئيس الفلاني يبيع دينه بعرض من الدنيا، يبيع إيمانه، أوليس الإيمان صدقاً ؟ يبيع إيمانه فهو ينقل الخبر الكاذب وهو يعلم أنه كاذب لقاء دريهمات، لقاء مال، لقاء عرض من الدنيا يبيع وطنه، وحب الوطن سبب ودليل وعلامة من علامات الإيمان، يبيع وطنه بعرض من الدنيا يبيع عرضه يبيع دماء إخوانه يبيع، يبيع... (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا).

البينة الثالثة: الجحود والإنكار والعناد، تكلم الإنسان تقنعه أو تأتي له بالبينة المقنعة، تكلمه بمنطق تحدّثه برشد تقيم عليه الحجة، وبعد كل ذلك لأنه باع دينه بعرض من الدنيا يلتفت إليك ويقول: كلامك غير صحيح: ﴿وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً﴾ هكذا قال سيدنا نوع عليه الصلاة والسلام، كلما دعا قومه بالبينة، وكل الأنبياء دعوا أقوامهم بالبينة والمنطق، بالمحجة البيضاء، لكن أقوامهم الذين لم يؤمنوا بهم كانوا معاندين، كفروا بسبب العناد أقاموا البينة على أنفسهم بالكفر بعنادهم واستكبارهم وجحودهم، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع قومه فقال لهم: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن جيشاً خلف هذا الوادي يريد أن يغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ؟ قال الجميع بلسان واحد: ما جربنا عليك كذباً. فقال: إني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد، وإذ بهؤلاء الذين يريدون أن يثبتوا كفرهم من خلال بينة العناد قالوا: تباً لك يا محمد ألهذا جمعتنا). وكذّب من كذّب، وأقام البينة على كفره من خلال عناده. وأقام سيدي رسول الله البينة عليهم بأنه صادق، وأنه أمين وأنه ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وحاشاه عليه ألف صلاة وألف سلام.

البينة الرابعة: عدم القبول للعظة والتنكر للواعظ، والملل ممن يدعوك إلى خيرك والإعراض عمن يريد لك الخير: ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم﴾ لا ينتفعون بعظة، إن كنت تنتفع بعظة فلست بكافر، وإن كنت لا تنتفع بعظة وتريد ممن يعظك أن يسكت لتقول باطلك وقد علمتَ بأنه يقول الحق.

يا إخوتي ببساطة هذه بعض بينات الكفر، وانظروا أنفسكم إن وجدنا فينا صفة أو بينة أو خصلة من هذا فلنتب إلى بارئنا، وقد أراحنا ربنا يوم أرسل لنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأرسل لنا القرآن الكريم يبلغنا إياه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلنحاسب أنفسنا إن كنا ننتمي لمحمد وللقرآن الذي أنزل مع محمد، ولنتحاكم إليهم وأنا جاهز من أجل أن نحاكم أفعالنا وأقوالنا من خلال ديننا وإلى قرآننا وإلى رسولنا، تعالوا من أجل أن نتحاكم، وأقول لكم تعالوا، لأنكم تقولوا بأنا مؤمنون، وأنا أقول بأني مؤمن، ومن فمك أدينك، ومن فمي تدينني، فهيا حاكموا أنفسكم ومَن معكم على دينكم، على قرآنكم، إلى ما قاله نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وفق الأصول والقواعد المحددة الممنطقة الصحيحة، ومن خلال الاعتقاد بأن ديننا فيما يتعلق بتشريعه ينبغي ألا نفوت هذه الصفات الثلاث ونحن نذكر أي حكم شرعي إن خلا الحكم الشرعي المنسوب إلى هذا الدين إلى الصفات الثلاث التي سأذكرها فلا يمكن أن يكون في رأيي حكماً شرعياً، إن خلا الحكم الشرعي من العدل ومن الرحمة ومن المنطق القاعدي الذي أصّله، واتفق عليه علماؤنا السابقون منهم واللاحقون، إن خلا أي حكم شرعي من العدل والرحمة وصدق الانتساب الحق وصدق الانتساب الصحيح عبر القواعد المؤصلة المنطقية المتفق عليها فليس هذا الحكم بشرعي، لذلك فلنتب إلى ربنا، وأعود بكم إلى الحديث الأول فلنتب إلى ربنا حتى نكون من الطبقة التي تولد مؤمنة وتحيا مؤمنة وتموت مؤمنة، وإلا فالقضية في خطر، ومن منا لا يريد أن يختم له بالإيمان ؟ أتريد وأنت بين خيارين على سبيل المثال، أتريد أن تولد مؤمناً وتحيا مؤمناً وأن تموت كافراً ؟ أم تريد أن تولد كافراً وتحيا كافراً وتموت مؤمناً ؟ لا شك بأن العبرة بخواتيمها، والعبرة بالخاتمة، فإذا كنا نريد أن يختم لنا بالإيمان فلنخشَ الله ولنتق ربنا ولننظر ما يرضي ربنا لا ما يرضي سواه. وما كان لله فهو المتصل شئت أم أبيت وما كان لغيره فهو المنفصل.

يا رب ردّنا إلى دينك رداً جميلاً، واجعلنا ممن يقيم بينات الإيمان، واجعلنا ممن ينصح من يقيم بينات الكفر ليكون ممن يقيم بينات الإيمان، نعم من يُسأل ربنا، ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 30/12/2011

 

التعليقات

شاركنا بتعليق