آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الكفر نقيض الإيمان - 2

الكفر نقيض الإيمان - 2

تاريخ الإضافة: 2010/10/08 | عدد المشاهدات: 2623

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

أعيد تلخيص ما سبق بصورة مجملة. أيها الإنسان أنت حريصٌ على أن تكون مؤمناً بالله عز وجل، وهذا ما يُسمع منك دائماً، ولو أنه قيل لك إنك كافر لحزنتَ وتضجرت ورفضت.

الإيمان أهم من الإسلام، تحدثنا عن الإيمان وثمراته وعلاماته ودلائله وبراهينه، تحدثنا عن توضيحات عن الإيمان، تحدثنا عن كل ما يمكن أن نكوّن من خلاله صورة متكاملة عن هذا الركن العظيم من أركان ديننا الحنيف، لأن ديننا إسلامٌ وإيمانٌ وإحسان.

وفي مقابل ذلك اضطررنا لحديثٍ عن الكفر بعد أن عرفنا الإيمان وبيَّنا دلائله وثمراته وبراهينه وعلاماته وكيف نقوّيه، اضطررنا لحديث عن المقابل لأن الذي يقابل الإيمان هو الكفر، ومن أجل أن يمحِّص الإنسان نفسه، أتراه مؤمناً أم غير مؤمن، تحدثنا عن الكفر في الأسبوع الماضي وقلنا بأن الكفر يعني أن تنكر وجود الله أصلاً أو أن تجعل مع الله شريكاً، والناس على صنفين كما بين القرآن الكريم: ﴿فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير﴾ ثم ذكرنا الحديث الشريف الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن بني آدم على طبقات، فمنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً) كما روى الترمذي، لذلك القضية تحتاج منا أن نتلمس إيماننا صباح مساء، فإن الإنسان يخشى على نفسه أن يكون - لا سمح الله - وهذا ما لا نأمله، يخشى أن يكون ممن يولد مؤمناً باعتباره ولد في بيئة مؤمنة ويحيا مؤمناً بدافعٍ من مراقبة الناس وليس من مراقبة لكنه إذا أفضى إلى نفسه كان كافراً ومات وهو كافر.

أنتم تقولون بان الإيمان قضية أساسية مفصلية وقضية حاسمة فتنبهوا لإيمانكم وتنبهوا لهذا الذي تحرصون على أن تتصفوا به.

ثم ذكرنا بعض التوضيحات عن الكفر في الأسبوع الماضي، ذكرنا أربعة توضيحات، قلنا: الشرك من الكفر وهو أعظم الذنوب فلننتبه إلى ذلك، وقلنا بأن الأمة حُذّرت من قبل نبيها من الرجوع إلى الكفر: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) ثم ذكرنا التوضيح الثالث الكذب على الله كفر، وأؤكد على الذي قلنا في الأسبوع الماضي فيمكن أن يكون الكذب على الله مبطناً أو غير مشعورٍ به للوهلة الأولى، هذا الذي يقول عن الحرام حلالاً هو يكذب على الله، وأخشى أن يتسرَّب الكفر إليه، وهذا الذي يقول عن الحلال إنه حرام هو أيضاً من أولئك الذين يكذبون على الله عز وجل فليتنبه أولئك الذين يتصدَّرون للفتيا من الشيوخ ومن الناس، لأن الفتيا اليوم هانت على الناس، فكلنا بإمكانه أن يفتي وكلنا يفتي ويعطي الحكم لمن يسأله، هذا الذي يقبع في دكانه يُفتي، وهذا الذي يمشي بسيارته يفتي، وهذا الذي في مكتبه خلف طاولته يُفتي، وهذا الذي يضع على رأسه قبعة يُفتي، وهذا الذي أرخى لحيته يُفتي، أصبحنا نفتي دونما تفهم ودونما اطلاع ودونما تأكد ودونما تحقق في هذا الذي يصدر عن ألسنتنا أو يصدر عنا وللأسف الشديد.

من التوضيحات قلنا الكفر جحود وعناد ولا منطق له، لا يمكن للكافر أن يكون له منطق، أولئك الذين إذا ما قدمت لهم المنطق وضعوا أصابعهم في آذانهم. نتابع التوضيحات هذا الأسبوع عن الكفر.

خامساً: الكفار أعمالهم كسراب يوم القيامة، لا قيمة لأعمال الكفار يوم القيامة، هي يوم القيامة كالسَّراب، وربما قال قائل: لمَ ذلك ؟ أقول لأن الكافر أنكر الله أصلاً، وبالتالي أنكر يوم الله وأنكر يوم الدين فكيف تريد أن تكافئه في يومٍ لا يعترف به ؟ وكيف تريد أن يكافئه الله في يومٍ الله مولاه وسيده ومالكه وهو لا يعترف بالله أصلاً، لذلك أعمال الكفار في يوم القيامة كسراب ولهذا قال الله عز وجل: ﴿والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقِيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفَّاه حسابه﴾. وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأرجو أن ننتبه فالقضية أساسية حتى لا أُفهم خطأ، يا رسول الله: ابن جدعان - رجل في الجاهلية - كان في الجاهلية يصل الرحم ويُطعم المسكين فهل ذاك نافعة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) هو لا يعترف بيوم الدين فكيف ينفعه عمله يوم الدين. لذلك القضية محسومة.

وجاء في صحيح مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها) لأنه يرفض الإيمان بالآخرة ولأنه يرفض الإيمان بالله الذي هو مالك الآخرة الأوحد.

التوضيح السادس: الكافر في غرور ولا تنفعه عِظة، الله عز وجل حصر هؤلاء: ﴿إن الكافرون إلا في غرور﴾ الكافر لا منطق عنده والكافر لا يُذعن وإنما الكافر إن دام على كفره فهو في غرور ولا تنفعه عظة: ﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة﴾ الكافر في غرور ولا تنفعه عظة.

التوضيح السابع: الكافر مهزوم أمام المؤمن الحق، ولا يقولنَّ قائل: لمَ لمْ يهزم الكافرون اليوم أمام المؤمنين ؟ قلت لكم عندما تحدثت عن توضيحات الإيمان فإما أن تكذّبوا الله وإما أن تكذّبوا أنفسكم، الله قال: ﴿وكان حقاً علينا نصر المؤمنين﴾ فإذا كنا غير منتصرين أفيكذب الله أم أنا لسنا مُتحلِّين بصفة الإيمان، وهذا هو الصحيح، وحاشا لله أن يكذب، الكافر مهزوم أمام المؤمن، فالقضية محسومة والمعادلة واضحة: ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً﴾ هل هناك سبيل اليوم للكافرين على المؤمنين ؟ نعم، إذن كيف يقول الله: ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً﴾ ؟ والكافرون اليوم لهم كل السبل على المؤمنين ؟ الجواب: هؤلاء ليسوا مؤمنين على الشكل الذي بيّناه، فإما أن يكون القرآن كاذباً وإما أن نكون نحن على غير الصفة التي اشتُرِطت من  أجل النصر ومن أجل الرفعة ومن أجل المجد وليس فيكم من أحد قادر على أن يقول إن القرآن يكذب، حاشا لله، ما عهدنا على القرآن كذباً، ولكن عهدنا على أنفسنا الكذب والخيانة والمخالفة والبغضاء والشحناء والعداوة فيما بيننا، عهدنا هذا على أنفسنا، عهدنا على أنفسنا أننا نتبع السفاسف، عهدنا على أنفسنا أن بعضنا يضرب رقاب بعض، عهدنا على أنفسنا الضياع والتضييع، عهدنا على أنفسنا التفرقة والتذبذب والتنابذ، عهدنا على أنفسنا ألا ننصاع لأمر ربنا، عهدنا على أنفسنا كل شيء فاسد في حياتنا وهذا ما ترونه ونراه وأنا لا أتكلم عنكم أيها الإخوة أنتم الذين تحضرون وإنما أتكلم عنا نحن الذين نقول عن أنفسنا بأننا مؤمنون.

التوضيح الثامن: الكافر لا يُطاع في كفره، مهما كان إياك أن تطيع كافراً في كفره، تنبه أيها الشاب فربما دُعيت إلى الكفر المبطن وأنت لا تدري فأطعتَ الكافرين في غير الكفر وأوصلتك الطاعة للكافرين في غير الكفر إلى طاعة الكافرين في الكفر فاستهزأت بدينك وقيمك وشريعتك وقرآنك من غير أن تدري في البداية ولكنك ستمعن في النهاية وتنتصر لهواك: ﴿يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيماً﴾ هكذا يقول الله لنبيه، لسيدنا وحبيبنا وسيد الناس صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيماً﴾.

التوضيح الأخير: الكافر لا يُغفر له، ما دام كافراً ومات على الكفر والله عز وجل قال: ﴿إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم﴾ وفي آية أخرى: ﴿وماتوا وهم كفار﴾ ولعل العلة في ذلك، ربما قال قائل لم لا يغفر الله ؟ هل يُعجز الله غفرانه كفر الكافر ؟ نقول له: لا، حاشا لله، الله لا يعجزه شيء لكن الله لا يغفر للكافر ما دام قد مات وهو كافر، لأن الكفر في اللغة الستر، الله يغفر المستور، والمذنب الله يغفر له ذنبه لأن الذنب موجود يستر ذنبه، وإذا غفر الله كفر الكافر فأين الكفر الموجود حتى يستره الله عز وجل، أتريدون أن يستر الله أمراً لا وجود له ؟ لأن الكفر لا وجود له وإذا غفره الله اعترف بوجوده وأوجده، هل ثمة شريكٌ لله ؟ إن غفر الله للمشرك شركه فقد اعترف بوجود الشريك لأن المغفرة تعني الستر لذلك الله عز وجل قال: ﴿إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم﴾.

في نهاية المطاف هما صورتان: منكم كافر ومنكم مؤمن، وأنت اخترتَ أيها المرتاد لهذه المساجد أن تكون مؤمناً فما عليك إلا أن تدمن الاطّلاع على ما يجب أن يتصف به المؤمن حتى تكونه وإلا فالأمر في هذه الحياة وفي الآخرة لا يمكن أن يكون نصف نصف كما يُقال، ليس ثمة نصف مؤمن وليس ثمة نصف كافر وليس ثمة نصف إله وليس ثمة نصف الله وحاشا لله، وليس ثمة نصف يوم قيامة وليس ثمة أنصاف، والأنصاف تضر بالمجتمعات إما أن تكون مؤمناً وإما أن تكون كافراً، الإخلال بالإيمان يوصلك إلى الكفر ورفض الكفر يوصلك إلى الإيمان، وقد بينا لك الشروط، فأنت أمام الصورتين الموضحتين هذا طريق الإيمان وهذا طريق الكفر فاختر وعليك أن تختار بعقلك وقلبك وجوارك وقلمك إن كنت تكتب وسلوكك وأحوالك وأخلاقك، عليك أن تختار إحدى هذين الطريقين إما أن تختار طريق الكفر وإما أن تختار طريق الإيمان: ﴿ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها﴾.

أسأل الله أن يوفقنا لمتابعة اختيار طريق الإيمان وأن يوفقنا من أجل أن نكون مؤمنين به حقاً، وأسأل الله أن يختارنا من أولئك الذي ولدوا مؤمنين وعاشوا مؤمنين وماتوا مؤمنين، وأن لا نكون من أولئك الذين ولدوا مؤمنين وعاشوا مؤمنين وماتوا كافرين، ولا من أولئك الذين ولدوا كافرين وعاشوا كافرين وماتوا كافرين، اللهم استجب دعاءنا يا مولانا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 8/10/2010

التعليقات

شاركنا بتعليق