آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ملامح السيادة

ملامح السيادة

تاريخ الإضافة: 2012/04/06 | عدد المشاهدات: 3950

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

حينما تمتدح إنساناً أو عندما تريد أن تمدح إنساناً وهذا ما يكون في مجتمعنا فإنك تقول عنه: أصيل وسيد ومن الأكابر، أليس كذلك ؟

أيها الإخوة: أنا أطلب من هذا الذي يمدح إنساناً ما بالأصالة والسيادة أن يبين ما في ذهنه من صفات تحلى بها هذا الممدوح فأصبح يتصف بنظر المادح بالسيادة والأصالة والنّبالة، ولأن سألتني أنت وأحلت السؤال علي وقلت لي: حينما تمتدح إنساناً ما وتذكر هذه الصفات فما الذي يرتسم في ذهنك، سأجيبك، فإن كنت موافقاً على إجابتي فبها ونعمت، وإن لم تكن أو كانت عندك زيادة على هذا الذي سأذكر فأتحفني بها وقدمها فستكون موضوع حوار بيني وبينك.

أيها الإخوة: أتريدون أن أقدّم لكم معالم هذا الإنسان الذي يستحق لقب السيادة او الأصالة، فاسمعوا مني.

أولاً: أيها الإنسان الباحث عن سيادة وعن قيادة عن أصالة،  عليك أن تجتنب خلقين ذميمين أولهما الكذب وثانيهما الظلم، فلا سيادة مع الكذب ولا سيادة لكذاب، ولا سيادة لظالم ولا سيادة مع الظلم، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسلم: (إن الكذب يهدي إلى الفجور ) وهل يستطيع الفاجر أن يكون سيداً ؟ وهل ينتج الفجور سيداً ؟ ويقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند أحمد: (إلا إن الظلم ظلمات) إذا كان الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، فهل ينتج الظلم سيادة ؟ وهل يكون الظالم سيداً ؟ اجتنب خلقين ذميمين: الكذب والظلم.

ثانياً: اجتنب سلوكين ذميمين، إياك وسلوكين ذميمين أما الأول فهو الغوغائية أو الأمّعية أو المشي مع الناس بالعاطفة العمياء أو التصديق من غير تأكد، سمِّها ما شئت، وحسبك أن تسمع حديثاً عن النبي الأعظم يتعلق بهذا السلوك ويدعوك النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أجل أن تجتنب هذا السلوك يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي: (لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن أساؤوا أسأنا، ولكن وطّنوا أنفسكم على إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا ألا تظلموا)، ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾ إياكم ان تكونوا مع الغافلين: ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون﴾ اجتنب سلوك الغوغائية واجتنب سلوك الإمعية، واليوم نحن مبتلون بالإمّعية، هذا يتبع فلاناً من غير تمحيص، وهذا مع فلان من غير تبين، وهذا يصدّق هذا من غير تثبت، وكلنا نجري وراء ما لا نعلم ونقفوا ما ليس لنا به علم: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً﴾ إذاً إياك وسلوكين، السلوك الأول الذي يجب أن تجانبه: الإمعية. والسلوك الثاني الذي يجب أن تهجره: الإيذاء، السيد لا يؤذي، الأصيل لا يؤذي لا بلسانه ولا بقلبه ولا بيده، إن كنت تؤذي فلست بسيد ولست بأصيل ولست بصاحب قيادة حتى ولو سُمّيتَ من قبل كل الناس سيداً فلستَ بسيد، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي: (لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم) إذا كنت تؤذي المسلمين فلستَ بسيد شئت أم أبيت، لن نمنحكَ هذا اللقب ولا هذه الصفة مهما كنت إن كنت تؤذي فلست بسيد، افعل ما بدا لك فإن كنت تؤذي لن تكون مقبولاً في عالم الإنسان كله فضلاً عن أن تكون في عالم الإنسان السيد أو النبيل أو الأصيل، إياك أن تؤذي بيدك أو بعينك أو بلسانك، هذان السلوكان يجب أن نهجرهما إن أردنا السيادة، اجتنب خلقين ذميمين الكذب والظلم، وجانب سلوكين ذميمين الإمعية والغوغائية والإيذاء، هذا هو الشق الأول من شخصية السيد.

الشق الثاني: تحلَّ بخلقين عظيمين، تحلَّ بالحياء والعدل، لا سيادة من غير حياء لأن الحياء كما جاء في البخاري ومسلم على لسان سيد الناس: (والحياء شعبة من الإيمان) وشعبة هامة ولولا أنها هامة ما خصها بالذكر صلى الله عليه وآله وسلم، والحياء هو الوجه الآخر للحياة، حياتك تعني وجوداً مادياً، حياؤك يعني وجوداً معنوياً، ومن لم يكن حيياً فليس بحي حتى وإن تنفس، إن لم تكن على قدرٍ من الحياء فلست بحي، أنت تعيش حياة شكلية لا قيمة لها لا وجود لها، حياة من غير حياء جسدٌ من غير روح، جسمٌ من غير مدد، الحياء هو الوجه الآخر للحياة والوجه الأنسب والوجه الأقوى والوجه الذي يعطي للوجه الآخر وجوده، حياة وحياء، حياة للمادة وحياءٌ للمعنى، وإذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، ولا يمكن أن يكون غير الحيي سيداً، حاشا، وكان سيد الأسياد محمد صلى الله عليه وآله وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها فلمَ يا شباب لا نتحلّى بهذا الخُلُق؟ لمَ يا شبابنا عدلنا عن الحياء فغابت حياتنا حتى ولو كنا نأكل، الأكل ليس دليل حياة منشودة والتنفس ليس دليل الحياة المنشودة وإنما الحياء هو الدليل والبرهان على  الحياة المنشودة.

وأما الخلق الثاني فهو: العدل، وهل قامت السموات والأرض إلا بالعدل ؟ أتريد أن تكون سيداً من غير عدل ؟ والعدل أن تعطي كل إنسان حقه حتى ولو كان هذا الإنسان عدوك: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ اعدلوا حتى مع عدوكم، مَن منا اليوم يعدل مع عدوه ؟ من منا يعدل اليوم مع صديقه ؟ من منا يعدل اليوم في بيته ؟ من منا يعدل اليوم في دائرته ؟ من منا يسعى إلى إنصاف الناس ولو كانوا اعداء ؟ تحلَّ بخلقين اثنين: الحياء والعدل.

واسلك سوكاً واحداً، وعليك بسلوكٍ واحد، أتدرون ما هو ؟ إنه سلوك الرحمة، أليس النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيداً ؟ ومن الذي يستطيع أن يقول عنه - حاشاه - ليس بسيد ؟ هو سيد الأسياد، هو سيد الكونين بجدارة، هو سيد وهو رحمة: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ واسلك سلوك الرحمة مع الكون كله بمن فيه وبما فيه مع العقلاء وغير العقلاء، مع الإنسان والجماد والحيوان والنبات، وأكرر ما قلته عن الرحمة حتى لا تبقى هذه الصفة في ذهنكم ضبابية، أتريدون تحديداً للرحمة ؟ إذاً هو هذا الذي قلناه أكثر من مرة في مناسبات متعددة، الرحمة: عطاءٌ نافع برفق، إن أعطيت ما حولك ومن حولك عطاءاً نافعاً برفق فأنت رحيم، وإلا إن أعطيت ما حولك ومن حولك عطاءاً نافعاً بعنف فلست برحيم، أو إن أعطيتهم عطاءاً غير نافع برفق فلست برحيم، الرحمة: عطاءٌ نافعٌ برفق.

هذه شخصية السيد والأصيل، أذكرِّكم بملامحها، أتريد أن تكون سيداً ؟ اجتنب خلقين ذميمين: الكذب والظلم، وجانب سلوكين ذميمين: الإمعية والفوضوية والغوغائية والإيذاء، وتحلَّ بخلقين رائعين عظيمين: الحياء والعدل، واسلك سلوكاً واحداً هو الرحمة، وكرروا على أسماعكم الحديث الذي لم أجد له نظيراً في عالم التوجيه وقد ذكرناه مرات ومرات وجاء في صحيح البخاري وسواه: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) المعادلة واضحة إن لم تكن راحماً فلن تُرحم، أتريد أن تُرحم وأنت غير راحم ؟ أتريد أن تكون سيداً والرحمة تبتعد عنك شيئاً فشيئاً حتى صارت في أقصى المشرق وأنت في أقصى المغرب: (الراحمون يرحمهم الرحمن) لا نريد كذباً ولا ظلماً، ولا نريد في سلوكنا إمعية ولا إيذاءً، ونريد في أخلاقنا حياءً وعدلاً وفي سلوكنا رحمة، هذه هي ملامح السيد فهل تتصف بذلك إذاً أنت سيد واستعد أن تُمدح بذلك وإلا فتب مما كنت عليه لتكون سيداً بجدارة.

اللهم حققنا بالسيادة المنشودة من خلال ما ذكرنا يا رب العالمين، وفقنا وردنا إلى رحاب دينك الحق رداً جميلاً، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 6/4/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق