آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


كلمة الشـــهر

   
إن الله يفصل بينهم يوم القيامة

إن الله يفصل بينهم يوم القيامة

تاريخ الإضافة: 2017/01/25 | عدد المشاهدات: 1305
قرأت قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنَّصارى والصَّابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة: 63، وقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصَّابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) الحج: 17. وكانت القراءة هادئة متأنِّية فعساها تكون جواباً مقبولاً على سؤالٍ وجَّهه لي أحدهم مفاده: هل غير المسلمين بعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ومَنْ يُلحق بهم إلى الجنة أم إلى النار ؟ لكنه قال بعد قراءتي: ما فهمت قصدك ومرادك ومرماك، وما وصلني الجواب المُبتغى، أرجوك وضِّح وفصِّل. فقلت: أولاً: لا ربط بين الإسلام والجنة والنار، بل الربط السببي في هذه القضية بين الإيمان وبين الجنة والنار، واسمع معي إلى الآية التالية: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً...) وهيهات أن تجد آيةً في القرآن الكريم على خلاف هذا السِّياق والربط السببي المشار إليه. ثانياً: حقيقة الإيمان المطلوب لا يحيط بها إلا الله، فأنَّى لك أيها الإنسان الحُكم على هذا أو ذاك بالجنة أو بالنار وأنت عاجزٌ كلَّ العجز عن معرفة ما يؤدِّي إلى الجنة جزاءً، أعني ذاك الإيمان المستقرَّ في القلوب والصدور وهي صناديق لا يملك مفاتيحها بحق إلا خلَّاقها، فأنت تستطيع أن تقول: المؤمن يدخل الجنة والكافر المكذِّب يدخل النار، لكنك لن تستطيع أبداً أن تقول: إن فلاناً مؤمن وسيدخل الجنة، وإن فلاناً مكذب وسيدخل النار، فإنك إن قلت هذا كنتَ منازعاً ربك فيما تفرَّد به عزَّ شأنه. ثالثاً: يا أيها الناس لستم مُكَلَّفين بالحكم على بعضكم باستحقاق الجنة أو النار في الدنيا، بل إن الأمر ليس إليكم إطلاقاً، وإنما هو إلى الله جلَّ وعلا يحكم به يوم الحساب حيث لا حاكم ولا ديَّان إلا هو، وقد أعلمنا بذلك صراحة ونصاً عندما قال: (إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد)، فهو وحده الذي يفصل لأنه شهيد على كل شيء صدر عن العبد من قولٍ أو فعلٍ مع النية التي قبعت خلفهما، والغاية التي نُصبت بعدهما، إذاً: إياك يا أيها الإنسان والحكمَ على الآخر (مَنْ كان) بالجنة أو بالنار مآلاً، فإنك إن حكمت حكمتَ بغير علمٍ كافٍ يحيط بالدَّقائق والنيَّات والغايات، فيا ويلك وأنت تخالف وصية الله لك إذ قال: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) الإسراء. فبالله عليك يا هذا اتَّئد وتأنَّ واعمل على إصلاح نفسك بالمجاهدة، وإصلاح غيرك بالحكمة والموعظة الحسنة، واعلم علم اليقين أن ثمَّة من يحصي عليك الصغيرة والكبيرة والحركة والسَّكنة والنبضة ومن باب أولى القول والفعل والعبارة والإشارة، فاجتهد في ضبطها وفق مرادات الله جلَّ شأنه حتى إذا وقفت بين يديه يوم الحساب كنت ممَّن ثقلت موازينه، فاللهم سدِّد خطانا واجعل مرضاتك مبتغانا، وهيئ لنا من أمرنا رشداً يا رب العالمين. حلب 27 ربيع2 1438 25 كانون2 2017 د. محمود عكام

التعليقات

شاركنا بتعليق