آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
معالم الشخصية المسلمة – 2 –

معالم الشخصية المسلمة – 2 –

تاريخ الإضافة: 2021/08/01 | عدد المشاهدات: 860

 

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون:

قُلنا إن مِلامح الشَّخصية المسلمة: (نور الذِّكر، وقُوة الفكر، وسَعَة الصَّدر، ورُوح العصر)، وأرجو أن نعملَ على أن نتحقَّق بهذه السِّمات لتكونَ شخصيتنا شخصيةً مُسلمة بامتيار.

تحدَّثنا في الأسبوعِ الفائت عن نُورِ الذِّكر.

أما قُوةُ الفِكر: أتدرونَ أيها الإخوة مَن هو الأقوى فِكراً وعَقلاً، وتعلمونَ أنَّ الفِكر هو حركةُ العقل الجادَّة، أو بعبارةٍ أخرى: الفِكرُ إعمالُ العقل، وأعتقدُ أنَّ إعمالَ العقل في وقتنا اليوم بشكل جِدِّي أضحَى قَليلاً ونادراً، فالعقلُ في إجازة، وإعمالُ العقل غَدَا عملاً يكاد يقارب المستحيل. أتدرون من هو الأقوى فكراً، بِلا شك وبلا تردد الأقوى فكراً على الإطلاق هو الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، الأقوى فِكراً هو سيِّدُ الكائنات عليه الصَّلاة والسلام، يقول التابعي وَهْبُ بن مُنَبِّه: "قرأتُ واحداً وسبعين كتاباً من الكُتبِ النَّازلة على الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام فوجدتُ في جميعِها أنَّ مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم أرجحُ النَّاسِ عَقلاً وأفضلُهم رأياً" هكذا كانَ النبيّ، فهل أتباعُ النبي اليومَ هُم أرجحُ الناس عقلاً ؟! أو هم من الرَّاجحينَ في مَيدانِ العقل وهم أصحابُ آراءٍ فاضلة، هذا ما يُمكن أن تحكُموا عليه أنتم من خِلال واقعكم.

أيها الإخوة: حَضَّ القرآنُ الكريم الإنسانَ على الفِكر، على إعمالِ العقل، حضَّه على الفِكر، حضَّه على أن يُعملَ عقله وأن يفكر في التاريخ من أجل غايةٍ نَبيلة، هي الاعتبار: (أفلم يَسيرُوا في الأرض فينظروا كيفَ كانَ عاقبةُ الذين من قبلهم ولَدارُ الآخرةِ خيرٌ للذينَ اتَّقوا أفلا تعقلون)، حَضَّ القرآنُ الكريم الإنسانَ على الفِكر والتفكُّر في نفسه: (وفي أنفسِكم أفلا تبصرون) وإذا فكَّرتَ في نفسك وصلتَ إلى غايةٍ نبيلة هيَ أنك عرفت نفسك، و: (من عَرَفَ نفسَه فقد عَرَفَ ربَّه)، كما قال الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام. حضَّ القرآن الكريم الإنسانَ المسلم على الفِكر وعلى التفكر في علاقته مع الإنسان الآخر: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) فهل فكَّرت أنت أيها الإنسان في علاقتك مع الإنسان الآخر وأنَّ هذا التفكير يُوصلك ويجبُ أن يوصلك لتكون علاقتك مع الآخر علاقة تعارف وتآلف، أما اليوم فلا أرى مَن يفكِّر في هذه العلاقة تفكيراً سليماً كما يريدُ القرآن لأنَّ العلاقة أصبحت مع الإنسان الآخَر ليست تعارفاً ولا تآلفاً وإنما أضحت اتِّهاماً واقتتالاً وسفكاً وانتهاكاً، وهذا ما يحصل بين النَّاس وبين المسلمين، وللأسف الشديد، هل علاقتُك إذ فكَّرتَ فيها كما حَضَّك القرآن مع الإنسان أينما كان من أجلِ أن تَصِلَ إلى التَّعارف وإلى التَّآلف وإلى التَّعاون أم إن كل واحدٍ منا - إلا من رحم الله - علاقتهم فيما بينهم علاقةُ تناحر وتنافر، وانظروا ما وصلنا إليه، علاقةُ المصلي مع المصلي علاقة تنافر، علاقة المزكي مع الفقير علاقة تنافر.

حضَّ القرآنُ الإنسان على التفكر في الكون من أجل أن يَصِلَ إلى غايةٍ هي الإعمار والبناء: (هو أنشَأَكُم من الأرضِ واستعمَرَكُم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إنَّ ربي قريبٌ مُجيب) هذه غايةُ التفكير في الكون، أما نحن فانظروا للأسف كيفَ فكَّرنا وهذه آثار تفكيرنا، خرابٌ ودَمار حيثما مشيت، هذه آثار تفكيرنا فهل هذا تفكير ؟! لا وربِّ الكعبة، إِنْ هذا إلا اعتداءٌ على العقلِ والفكر، إِنْ هذا إلا انتهاكٌ لقُدسية العقل، إِنْ هذا إلا اعتداءٌ وقتلُ وتقتيلٌ للكون، علاقتك مع الكونِ إذ فَكَّرتَ فيها كَما أَمَرَكَ القُرآن (استعمَرَكُم فيها) جعلَكُم تعمرونها، أما نحنُ منذ عشرةِ أعوام وإلى الآن هَل استعمرنا بلدنا هل قُمنا بإعمارها أم أننا خرَّبناها مادةً ومعنىً، خَرَّبنا نفوسنا، خَرَّبنا روابط ما بيننا، خَرَّبنا الأبنية والمساجد والمدارس، خَرَّبنا هذا الذي ترونه بأُمِّ أعينكم، ما هكذا تُوردُ يا سعدُ الإبل. ما هكذا يكونُ الفِكر ولا التَّفكير.

أعودُ فأقول: قُوَّةُ الفِكر، والأقوى فِكريَّاً في الدُّنيا كُلِّها هو الرَّسولُ الأعظم عليه الصَّلاةُ والسَّلام، ولذلكَ قال: (تفكُّرُ سَاعةٍ خَيرٌ من قِيامِ لَيلة) هل تجلسُ بينك وبين نفسك وتفكِّر، هل تجلسُ بينك وبين ذاتك لتفكِّر فيما فعلتَ في التَّاريخ وفيما تفعل الحاضر وفيما ستفعله في المستقبل، لتكون النهايات والنتائج خَيِّرَةً كتلك النتائج التي أنتجها سيدنا وحبيبنا وقرة عيوننا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

فيا أمتي ويا أيها المسؤولون في أمتي، ويا أيها الشيوخ، ويا أيها الموجهون، ويا أيها المربُّون: أقسمتُ عليكم بالذي خلقكم إلا تابعتم التفكير الجاد الذي يؤدي إلى الاعتبار في التاريخ والذي يؤدي إلى معرفتك نفسك، والذي يؤدي إلى التعاون والتراحم والتآلف والتعاضد مع الناس، والذي يؤدي إلى الإعمار، إلى إعمار الكون، إلى إعمار البلد، إلى إعمار الأرض، والذي يؤدي في النهاية إلى أن تقول كما قال هذا الذي فكر وتدبر: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) اللهم وفق أمتي ووفق شباب أمتي ووفق كل أفراد أمتي من أجل أن يفكروا وأن يكون تفكيرهم ينتج خيراً عميماً على بلادهم وعلى ما حولهم وعلى من حولهم، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 30/7/2021

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/76J_ZrPAQw /

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق