آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
وسائل تقوية الصحة النفسية

وسائل تقوية الصحة النفسية

تاريخ الإضافة: 2022/02/23 | عدد المشاهدات: 655

أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

أتاني أكثر من شاب يشكو لي "تعب نفسي" بعبارة دارجة يقول لي: إنني تعبان نفسياً، وقد تكرر هذا الأمر أكثر من مرة لذلك قررتُ في هذا اليوم أن أخاطب أولئك المتعَبين نفسياً: قائلاً لهم: إيَّاكم والتعبَ النَّفسيَّ فإنه أشدُّ بكم من التَّعب الجسدي، إياكم وأن يتسلَّلَ إلى نفوسكم وَهْنٌ أو ضعفٌ أو استسلام أو قَلَق أو اضطراب أو نحو ذلك، لا تدَعوا لهذه الأمور مجالاً من أجل أن تأتيتكم على حين غرَّة. صدقوني أيها الإخوة على اختلاف وظائفكم وعلى اختلاف مذاهبكم وأجناسكم وأعراقكم صدِّقوني أنَّ الشيء الذي يسعى إليه الشيطان هو أن يُتعبكم نفسياً، فإذا تَعبتم نفسياً استسلمتم له، وإذا استسلمتم له جعلَكُم عبيداً له يُسيِّرُكم وِفقَ ما يريد، وأعني بالشَّيطان الشيطانَ الحقيقي وأزلامه، وأعني به مَنْ يشتغلُ مع الشيطان مُتآمراً وإياه على الإنسان السوي، أناشدكم الله أن تكونوا من حيث النفس أو من حيث الصحة النفسية أن تكونوا أقوياء، ولئن سألتموني عن مُقوِّمات أو عن كيفية أو عن وسائل تقوية الصحة النفسية لديكم فها أنا أطرح عليكم عِلاجاً ودواءً لهذا الأمر، لكنني قبل أن أطرح هذه الأدوية أقول لكم: لا بُدَّ من إرادةٍ قوية تقبَعُ في داخلكم تَنشُدُ الصحة النفسية وتُصمِّمُ على أن لا تكون ضحية ما أراد الشيطان لكم في هذا الأمر.

الأمر الأول: فعِّل الإيمانَ بالله عَزَّ وجل، كيف تتعبُ أيها المؤمن وأنت تَدَّعي بأنك تُؤمن بالله عز وجل: فعِّل الإيمان بالله عز وجل، إن فعَّلتَ الإيمان بالله ذي الصِّفات المطلقة فكيف تتعبُ نفسياً، عندما يمتلئ قلبك إيماناً بربك كيف تتعبُ نفسياً وأنت تتوجه إليه بطاعة وعبودية، وأنت الذي تقول له آمنتُ بك يا رب، ومَنْ آمنَ بك أمَّنته، الذي يؤمنُ بربه حَقَّ الإيمان يطمئن قلبه: (الذين آمنوا وتطمئنُّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب) فلتكن مُؤمناً حقاً بذلك الإيمان يندحرُ القلقُ والاضطراب، وإذ بالصحة النفسية تكون عندك بنسبةٍ عالية جداً. سحرةُ فرعون لما أسلموا وهُم يرونَ الحقيقة ساطعةً تتجلَّى على أيدي سيدنا موسى، وقفَ أمامهم فرعون وقال لهم: (آمنتم له قبل أن آَذَنَ لكم) هدَّدهم، أرادَ أن يُتعبهم نفسياً، أراد أن يُزيلَ من داخلهم تلك القوة التي تُدعى بالقوة المعنوية النفسية، (آمنتم له قبل أن آذنَ لكم إنَّه لَكبيركُم الذي علَّمكم السِّحر فلأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأُصَلِّبنكم في جذوع النخل ولتعلمنَّ أينا أشد عذاباً وأبقى) هل تُريدون تهديداً أقوى من هذا التَّهديد ؟! هل تُريدون تحدِّياً أقوى من هذا التحدي ؟! لكن أولئك السحرة الذين امتلأت قلوبهم إيماناً أجابوا وقد اطمأنَّت قلوبهم بهذا الإيمان: (قالوا لن نُؤثِركَ على ما جاءنا من البينات والذي فَطَرنا فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياةَ الدُّنيا إنَّا آمنَّا بربنا ليغفرَ لنا خَطايانا وما أكرهتنا عليهِ من السِّحر والله خيرٌ وأبقى) أنتَ لم تُهدَّد بمثلِ هذا التهديد فعلامَ هذا القلق والانهيار، أَلِغَلاءِ سِلعة أم لِنَقص مادة من المواد، أم لِجُرحٍ أصابك، أم لِمَرض انتَابَ غيرك، لماذا هذا الضعف أمامَ هذه الأمور، وهَلْ هُناك تحدٍ أكبر من هذا التحدي الذي أَفرزه فرعون أمام أولئك المؤمنين ؟! فَعِّلوا إيمانكم بربِّكم، صَلُّوا وصلاتكم لتكن وقوداً لزيادة الإيمان في قلوبكم، لا تُصلُّوا صلاةً شَكلية، ولكن فَكِّروا بعدَ الصلاة هل زادتكم الصلاةُ إيماناً، هل زَادكم الصومُ إيماناً، هل زادتكم قراءةُ القرآن إيماناً ؟! بالإيمان نقاوم ما يسمى بالمرض النفسي بمفرزات التعب النفسي.

ثانياً: وحِّد جهة التأثير: المؤمنُ الذي وحَّدَ جهة التأثير ينبغي أن لا يقلق ولا يتعبَ نفسياً، ونحنُ وحَّدنا جهة التأثير، والفعَّال المطلق هو الله (واعلم أنَّ الأمةَ لو اجتمعت على أن يَنفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كَتبهُ اللهُ لك، ولو اجتمعوا على أن يَضرُّوكَ بشيءٍ لم يَضرُّوكَ إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ عليك، رُفِعت الأقلامُ وجَفَّت الصُّحف) الفعالُ المطلق المؤثِّر الوحيد الواحد هو اللهُ، فعَلامَ القلق: (واعلم أنَّ ما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبك، وما أصابكَ لم يكن ليُخطئك) أنتَ الفعَّال يا رب، واعلم أنه لا يَضرُّ ولا ينفع، ولا يُعطي ولا يَمنع ولا يَخفض ولا يرفع إلا الله، ونكرِّر في نهاية كُلِّ خُطبة: لتكُن عقيدتك مُستوحاةً من قولِ الله عزَّ وجل: (وإن يمسسكَ الله بِضُرٍّ فلا كاشفَ له إلا هو وإن يَمسسكَ بخيرٍ فهو على كُلِّ شيءٍ قدير) ونقول: (أليسَ اللهُ بكافٍ عبدَه) وأنتم تُجيبون بلى، لكن أولئك الذين يَشتغلون مع الشَّيطان يُريدون منكم شِركاً في هذه القضية، يُريدون منكم أن تُشركوا معَ الله الأسباب والمظاهر والأشكال، والتجار، وهؤلاء الذين يَعملون والذين يَصنعون، والذين يديرون... لا يا إخوتي، وحِّدوا جِهةَ التَّأثير (فاعلم أنَّه لا إلهَ إلا الله) لا رازقَ إلا الله، لا مُعطيَ إلا الله، لا نافعَ إلا الله، لا ضَارَّ إلا الله، لا مُحيي إلا الله، لا شافي إلا الله، لا مُعافي إلا الله، هكذا تعتقد، وحِّد جهةَ التأثير واطمئنَّ للمصير، مَصيرك مَحتوم، وما دُمتَ قد بدأتَ حياتك مُؤمناً فاعلم أنَّ المصير بخير إن شاء الله. سمعتُ عبارةً أعجبتني تقول هذه العبارة: "الإنسان يطمئنُّ عندما يعرفُ مُستقبله، لكنَّه يطمئنُّ أكثر عندما يعلم أن مستقبله بين يدي الله عزَّ وجل". إن كان مستقبلك بين يدي أبيك فأنت مُطمئن لأن أباك يحبك، إن كانَ مستقبلك بيدِ أمك فأنت مطمئن، لأن أمك تحبك، إن كان مستقبلك بيد صديقك فأنت مطمئن لأن صديقك يحبك، فما بالك لا تطمئنُّ ومستقبلك بين يدي ربك خالقك، الذي إن سألتُك أيُّهم أرحم بك: أبوك أم ربك ؟ ستقول لي ربي. فما بالك تطمئنُّ إلى مستقبلٍ بين يدي أبيك ولا تطمئنُّ إلى مستقبلٍ بين يدي ربك. يا شبابنا، يا عدَّةَ المستقبل: أريدكم أصحَّاء نفسياً، أريدكم من حيث النفس أن تكونوا أقوياء، أريدكم أن يقفَ الواحد منكم أمام هذه التحدِّيات قائلاً: اللهُ معي، الله ناصري، الله شاهدي (وإذا مرضتُ فهو يَشفين) قُولوا لكلِّ هذه المصاعب وإن كُنا نعترف فليست هذه المصاعب التي تَلقونها بالمصاعب التي تُدعى مصاعب حقيقة، أنا أقولُ هذا الكلام من أجل أن لا ننسى فضلَ الله علينا، وأن لا نُنكر نِعَمَ الله علينا، ما بالكم تبحثون عن نِعَمِ الجسد وأنتم تقولون بأنَّكم مؤمنون ولا تشكرون الله على هذه النعمة، وقد قلتُ لكم مرةً على هذا المنبر أنَّ "محمد إقبال" لما استلمَ حكم الباكستان قال: اللهمَّ مهما شِئت أن تحرمني فاحرمني، لكن لا تَحرمني لذة مُناجاتك في هَدأة الليل، الله لم يحرمك لذة المناجاة فلماذا تسمي نفسك محروماً، ولماذا تُسمي نفسك اليوم مُضطراً ومحروماً ومهزوماً، أنا لا أقول بأنَّ هذه المشاكل ليست مشاكل، إنها مشاكل، ولكن لا أريدك أن تتأثر بها، أنت تحت عجلات هذه المشاكل ولا أريدك أن تُطحنَ تحت عجلاتها، أريدك أن تستعين بالله لتكون أقوى من هذه المشاكل.

أخيراً: هل تعدُّون أنفسكم للدنيا أم للآخرة ؟ المشاكل النفسية تقتحمنا لأننا نعُدُّ أنفسنا للدنيا ونحن نتناسى وننسى الآخرة، وكأنَّ الآخرة شيءٌ غريب عنا، ننتظر رفاهية الدنيا لكننا في غيبوبة كاملة عن نعيم الآخرة، ونحن نتغنَّى بكلمةِ الصحابي الجليل الذي قال له النبي: (قوموا إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض) وكان يأكلُ تمرات فقال: لئن أنا حَييت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة، فرمى التمرات وقام إلى ،الجهاد واستُشهد وهو الآن بإخبار الرسول الأعظم في جنة الخلد عند ربه يرزق، نسينا أننا  خُلقنا للآخرة وأنَّ النعيم المنتظر هو نعيم الآخرة، بَيْدَ أننا وللأسف الشديد ننتظر نعيم الدنيا، لا تنتظر فالموت سباق، كم من مُصبحٍ لم يمسي، وكم من مُمْسٍ لم يصبح، فهل أعددتَ لهذا القدر المحتوم العدة أم أنك لا زلت سادراً في وهمك تريد نعيم الدنيا وتنسى نعيم الآخرة: (وأنَّ الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) اللهم إنا نسألك صحة بدنية وصحة نفسية وصحة عقلية وصحة روحية وصحة اجتماعية وصحة معرفية وصحة تربوية يا رب العالمين، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

أُلقِيت في جامع "السيِّدة نفيسة عليها السلام" بحلب الجديدة بتاريخ 18/2/2022

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق