أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :
الإنسان يبحث عن الحق ، هكذا يقول
حينما يتكلم بعقله وقلبه وفطرته ، ولكنه إذا ما وصل إلى الحق أتراه يتابع البحث
ـ وعن أي شيء يبحث بعد إذ وصل إلى الحق . أقول للمسلم : هل أنت على الحق أيها
المسلم ؟ الجواب : لا شك نعم . المسلم على الحق لأن الإسلام حق لا شبهة في ذلك
، بعد أن تكون على الحق وتعتقد في أنك على الحق عن ماذا تبحث ؟ أعتقد أن الذي
يصل إلى الحق ويعتقد أنه صار في رحابه يبحث عن ثبات على الحق ، لأن الثبات على
الحق ربما كان أهمَّ من الحق ذاته ، فكم ممن وصل إلى الحق غير أنه زاغ عنه ،
وكم من أُناسٍ حصَّلوا الحق في سعيهم إلا أنهم لم يدوموا عليه ولذلك قال ربي عز
وجل : ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ﴾
آل عمران : 8
فالهداية مطلب لكن الثبات عليها مطلب أهم ، وحينما نتصفح سيرة النبي عليه وآله
الصلاة والسلام فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقدم لنا وصولاً إلى الحق بلا
شك . الله عز وجل قال : ﴿ والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى .
وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى . ألم يجدك يتيماً فآوى .
ووجدك ضالاً فهدى . ووجدك عائلاً فأغنى ﴾
الضحى : 1- 8
وجدك باحثاً عن الحقيقة فهداك إليها ، ﴿ ووجدك عائلاً فأغنى ﴾
الضحى : 8
فهداك إليها يا محمد ، فمحمد على الحق والحقيقة لا شك في ذلك ، لكن هذا النبي
كان يدعو فيقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " كان يدعو ويقول : " يا
ولي الإسلام وأهله ثبتني به حتى ألقاك " فالمسلم الذي يعتقد أنه على الحق بحاجة
إلى أن يتابع السعي من أجل الثبات ولذلك قلت سابقاً : ادعوا الله عز وجل وأنتم
تتوجهون إليه بأن يسددنا ( أي بأن يوصلنا إلى الحق ) بأن يسددنا وأن يثبتنا ،
أن يسدد أبناءنا وأن يثبتهم ، وأن يسدد بناتنا وأن يسددهن ، ولعل قائلاً يقول :
هلَّا فسرت لنا الثبات وأمام أي شيء يكون ؟ سنثبت على الحق ، على الإسلام ، على
الإيمان ، ولكن أمام أيِّ تحدٍّ ؟ لعل التحديات التي يجب أن تثبت أمامها وفي
مواجهتها على الحق تتلخص في ثلاثة تحديات :
التحدي الأول : أن تثبت أمام الترهيب والوعيد . ستُرهَب وستُتَوعّد ، وسيتوجه
إليك بالترهيب والتوعيد ، سيقال لك : إما أن تقلع عن دينك وإما أن تُسَامَ
العذاب ، سيتوعدك الطغاة ، فما عليك إلا أن تثبت وأن تتذكر أولئك الذين
هُدِّدوا وأُوعِدوا فثبتوا . يروي الإمام أحمد عن النبي عليه وآله الصلاة
والسلام أنه كان يُثبِّت أولئك الذين كانوا يُهدَّدون ويوعدون ويقول لهم : "
صبراً آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة " صبراً أمام التهديد ، صبراً آل عمار فإن
موعدكم الجنة ، ويروي الإمام أحمد أيضاً أن هؤلاء المهدِّدِين المتوعدين كانوا
يُلبِسون بلالاً رضي الله عنه درعاً من حديد ويضعونه في الشمس الحارة ، تحت
أشعتها التي تصل إلى أن تذيب شيئاً من الحديد ثم يُسلِمون بلالاً وهو في درع
الحديد المُحمِّى إلى الأطفال والغلمان حتى يطوفوا به شعاب مكة ، وبلال تحت هذا
الوعيد ، وتحت تلك السياط من التهديد كان يقول ثابتاً الكلمة التي أضحت شعار
الثابتين : " أَحَدٌ ، أَحَدٌ " أن تثبت أمام التهديد والوعيد . فيا شبابنا
اثبتوا ، ويا إخوتنا في فلسطين والعراق والجولان ، وفيما بقي من جنوب لبنان ،
وفي كل مكان : اثبتوا أمام تهديد إسرائيل وأمريكا أمام تهديد الطغاة اثبتوا ،
فإنكم على الحق ما دمتم تقولون في جهادكم الله أكبر ، الله أكبر هي عنوان أولئك
الذين وصلوا إلى الحق في جهادهم ، فها نحن أولاء نطالبهم بالثبات عليه . أن
تثبت أمام التهديد والوعيد .
ثانياً : أن تثبت أمام التشكيك . هنالك مشككون ، هنالك مأجورون يراد منهم أن
يشككوا شبابنا في دينهم ، أن يشككوا نساءنا في دينهن ، هناك أقلامٌ استُأجِرت
من قبل الطغاة ، استأجرت من قبل أعداء الله وأعداء الإنسان من أجل أن تشكك في
دين الله ، من أجل أن تشكك في صحة الإسلام ، من أجل أن تشكك في أحقيتنا في
فلسطين ، من أجل أن تشكك بأحقية المسلمين في العراق . ماذا نقول للذين يريدون
الثبات على الحق . نقول لهم : اثبتوا أمام تشكيك هؤلاء . ها هو سيدنا الإمام
علي كرم الله وجهه جاءه مرة من يريد تشكيكه – وأنَّى له ذلك إلا أنه حاول لكنه
باء بالفشل بعد محاولته أمام إنسانٍ وصل إلى الحق وثبت عليه أيَّما ثبات – قال
هذا الرجل للإمام علي : أتؤمن بالجنة والنار ؟ قال : نعم . قال : وهل رأيت
الجنة والنار بعينيك ؟ قال الإمام علي : رأيتهما بعيني رسول الله ، وعينا رسول
الله أوثق من عيني . وها هو سيدنا الصديق رضي الله عنه أبو بكر حينما جاءه من
يريد تشكيكه أيضاً في قصة الإسراء والمعراج فقال يا أبا بكر : انظر صاحبك يقول
إنه أسري به في جزء من الليل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، ونحن نضرب أكباد
الإبل شهراً رواحاً وشهراً غُدُوَّاً ! أجاب الصديق بكلمته المعروفة : إن كان
قالها فقد صدق . رسول الله صادق مصدوق ، والقرآن كلام الله لا ريب في ذلك .
الثبات أمام الترغيب : فهناك من يُرغِّبك ويُطمِّعك ، مَنْ يقدم لك المال
والنساء وهم كثيرون في أزمنتنا ، من أجل أن يراودوا شبابنا عن دينهم ،
يراودونهم بالمال ، يراودونهم بالنساء ، يراودونهم بالفجور ، ولكن أقول لشبابنا
اثبتوا أمام هذا الترغيب وهذه المراودة ، واذكروا قول النبي عليه وآله الصلاة
والسلام كما جاء في الحديث الذي يرويه البخاري عن الذين يُظِلُّهم الله في ظله
يوم لا ظل إلا ظله : " ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب
" قولوها يا شبابنا : إننا نخاف الله ، وإننا نبتغي وجه الله .
من منا لا يعرف ما حدث مع النبي عليه وآله الصلاة والسلام يوم جاءه أولئك الذين
أرادوا مراودته عن دينه فقالوا له كما جاء في سيرة ابن اسحاق : يا محمد ! إن
كنت قد جئت بما جئت به تريد مالاً جمعنا لك المال حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن
كنت تريد نساءً زوَّجناك أجمل فتياتنا ، وإن كنت تبغي ملكاً جعلناك سيداً علينا
. قال النبي كلمته التي أصبحت الدنيا تتغنَّى بها ، أصبح الثابتون من المسلمين
وأولئك الذين يريدون الثبات من غير المسلمين يتغنون بهذه الكلمة : " والله لو
وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى
يظهره الله أو أهلِك دونه " . الثبات أمام التشكيك والثبات أمام الترهيب
والثبات أمام الترغيب ، فانتبهوا يا شبابنا .
ولعل سائلاً يسأل أيضاً : كيف نثبُت ؟ قل لي بربك ؟ حدِّثني عن وسائل ومناهج
للثبات ؟ أقول : بالقرآن الكريم نثبت ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ﴾
آل عمران : 103
الاعتصام بحبل الله أولاً ، ليكن كتاب الله مرجعك . أريد من كل شاب أن لا يترك
يوماً يمر من غير أن يُودِعَ فيه نظراً وقراءةً في المصحف ، لأن النظر في
المصحف طريق إلى الاعتصام به ، وهل القرآن إلا كلام الله ، وبالتالي من استنجد
بالقرآن أنجده ، من تمسك بالمحفوظ حُفِظ ، القرآن محفوظ ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون ﴾ الأنبياء : 12
يا طالبنا ، حتى في يوم الامتحان لا أريدك أن تترك القرآن الكريم ولو أن تقرأ
سطراً من المصحف الشريف ، ارتبط بالقرآن الكريم من أجل أن تثبت . يا ايها الناس
كافة في كل ميادين المجتمع ومجالاته وبُؤَرِه وصُعُدِه : أناشدكم الله أن لا
تتركوا كتاب ربكم . بالقرآن الكريم نثبت ، ثم بعد ذلك بلقائنا بعضنا ، بالتعاون
فيما بيننا ، بتولي الصادقين منا ﴿ اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾
التوبة : 119
، ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾
المائدة : 2
بالتعاون ، باللقاء ، بالاجتماع على الخير ، بالتضامن ، بتحقيق الأخوة نثبت ،
لأن الأخ حينما يشعر أن إخوته معه يثبت على الحق ، لكنه إن شعر بتخلِّيهم عنه
أصبح سهلَ المَنال من قبل أعدائه من أجل أن يفترسوه ومن أجل أن يفترشوه ومن أجل
أن ينالوا منه .
ثالثاً : نحقق الثبات بالدعوة إلى هذا الدين ، بالمبادرة ، فمن لم يبادِر
بالخير الذي يملكه بودر عليه بالباطل الذي يملكه غيره . لأن الخير إن توقف نشط
الباطل ، وإن مشى الخير وسعى فسيزهق الباطل ﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن
الباطل كان زهوقاً ﴾ الإسراء : 81
بالدعوة إلى الخير ، بالدعوة إلى هذا الإسلام . لم لا تمارس الدعوة يا أخي في
عيادتك ، في مكتبك ، في قضائك ، في ثكنتك ، فالدعوة إلى الخير تثبتك عليه ،
والدعوة إلى الإسلام تبقيك عليه ، وتقول لنفسك ما دمت أدعو الآخرين إلى هذا
الدين فلا أقلَّ من أن أثبت عليه حتى تكون دعوتي ناجحة وناجعة ونافعة .
بالقرآن الكريم ، بلقاء الصادقين ، بالتعاون معهم ، بالدعوة إلى هذا الإسلام ،
وأخيراً بالدعاء : لا تنسَ في كل يوم أن تقول عند المساء وفي الصباح : " يا
مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا
من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ﴾ آل عمران
: 8 قل : ربِّ ثبتني على خير
أنت هديتني إليه يا رب العالمين ، ثبت قلبي على دينك ، ثبت سمعي وبصري على دينك
، اجعل في سمعي نوراً وفي بصري نوراً وفي قلبي نوراً وفي مشيي نوراً ، وحيثما
كنت نوراً ، اللهم لا تُخلِني من نورك يا نور النور يا رب العالمين .
أكرر ندائي لإخوتي في فلسطين ، اثبتوا يا أهل فلسطين ، اثبتوا على المقاومة من
أجل دحر عدو لدود ، ويا إخوتنا في العراق اثبتوا على المقاومة التي تتوجه إلى
المحتل ، ويا إخوتنا في الجولان ، ويا إخوتنا في مزارع شبعا ، وفي كل مكان
قاوموا المحتل واثبتوا عليه وراقبوا ربكم وأنتم تقاومون ، وإياكم وإيانا أن
نخطئ في المقاومة فنقتل من لا يستحق القتل ، فنقتل من نهانا الله عن قتله ،
دققوا في هذه القضية فأنا أريدكم وأريد نفسي مسلمين واصلين إلى الحق ثابتين
عليه لا نقول إلا ما يرضي ربنا في أشد الحالات حرجاً ، ولا نفعل إلا ما يرضي
ربنا في أقسى الحالات حرجاً . يا إخوتي الإسلامَ الإسلام ، والتقوى التقوى في
كل أعمالنا ، في مقاومتنا وفي صلاتنا وفي عبادتنا وفي دعوتنا وفي إخوتنا .
وأقول لسورية أخيراً : اثبتي أمام التهديد ، أمام العقوبات التي فرضتها أمريكا
، فستدور الدائرة عليها بإذن الله عز وجل ، وما لنا لا نثبت ! وما الذي نحتاجه
من أمريكا حتى لا نثبت على ديننا ومقاومتنا . نحن في غنى عما تقدمه لنا أمريكا
، أمريكا لا تقدم لنا شيئاً ، أتريدون أن نجعل أمريكا شريكة لله عز وجل ، نحن
لا نطلب إلا من ربنا ، ونحن ندعو بعضنا إلى أن نستقل بأنفسنا عن أعدائنا وحتى
عن غير أعدائنا ، نريد أن نستقل ، أن نأكل مما نزرع وأن نلبس مما نصنع ، وأن
نكون أمة مستقلة لا تحتاج أحداً . لئن فرضوا علينا عقوبات اقتصادية فهذا دليل
على صحتنا وباطلهم ، دليل على حقنا وعلى غطرستهم ، دليل على عدلنا وعلى ظلمهم ،
دليل على حريتنا وعلى فساد قلوبهم وعقولهم ، وإلا ما الذي فعلناه حتى تفرض
العقوبات علينا ! ألأننا دعمنا المقاومة ! وهل ندعم الإرهاب !! لا . نحن ندعم
مقاومة مشروعة تريد إخراج المحتل الآثم من أرض هي ليست أرضه . ما فرضت العقوبات
على سورية إلا من أجل أن لاتثبت سورية على موقفها في دعم المقاومة المشروعة في
كل مكان ، في فلسطين والعراق وحيث ما كانت المقاومة . الإسلام دعم المقاومة ،
مقاومةَ إنسانٍ غيرِ مسلم ، ولكنه معتدى عليه ، ألم يقل ربنا ويبشر المؤمنين :
﴿ ألم . غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيَغلِبون ﴾
الروم : 1 – 2
نحن مع المقاومة ضد المعتدي حتى ولو كان المعتدى عليه لا يدين بديننا ولا يعلن
إسلامنا الذي نعلنه ، نحن ضد الظلم حيثما كان ومع العدالة حيثما كانت ، نحن ضد
ظلم حيوان على حيوان فما بالكم بالنسبة لإخوتنا في فلسطين والعراق وفي كل مكان
. فاللهم بحق محمد وآل محمد انصر العدل وأهله ، انصر الحق وأهله ، أكرمنا يا رب
برؤية الحق منتصراً ، واجعلنا جنود الحق حيثما كنا ، واجعلنا في جهادنا منضبطين
بشرعك وأوامرك ، لا تجعلنا يا رب نجاهد من أجل حَمِيَّة ، ولا من أجل رفعة ،
ولا من أجل أن يرى المكان الذي نصبو إليه ، لكننا يا رب ندعوك لتوفقنا من أجل
أن نجاهد وفق شرعك وفي سبيل إعلاء كلمتك ، من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا
ووفق شرع الله فهو في سبيل الله ، اللهم آمين يا رب العالمين نعم من يسأل أنت ،
ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات