آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
وسائل القضاء على القلق

وسائل القضاء على القلق

تاريخ الإضافة: 2010/12/17 | عدد المشاهدات: 4497

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

جاءني شاب فشكا إليَّ ما يلي: قال لي: أشعر بالقلق وبالاضطراب وبالتوتر، ولا يكاد هذا الأمر يفارقني. قلت له: هذا الذي تتحدث عنه لعل أكثر الشباب والرجال والنساء يعيشونه بل ويسكنهم ويسكنونه.

أخي العزيز أيها الشاب أيها القلق أيها المضطرب:

هنالك وسائل للقضاء على هذا الاضطراب الذي تعيشه، والتوتر الذي تحياه والقلق الذي ينتابك أحيايين كثيرة، هنالك أدوية.

فالدواء الأول: هل لك جلسة خاصة بينك وبين ربك ؟ تدعو ربك الذي قال لك: ﴿وقال ربكم ادعوني استجب لكم﴾، ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب﴾ هل تدعو ربك في جلسة سرية بينك وبينه ؟ هل تتوجه إليه توجه العبد المحتاج المضطر وهو الذي قال: ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾ وهو الذي قال على لسان رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند الإمام أحمد: (من لم يدعُ الله غضب عليه) ما لي أراك معرضاً عن دعاء ربك ؟ ادعُ ربك لكن شريطة أن يكون الدعاء بينك وبينه.

الله عز وجل يقول كما جاء في سنن ابن ماجه في الحديث القدسي: (من ذا الذي دعاني فلم أجبه ؟ من ذا الذي سألني فلم أعطه ؟ ومن ذا الذي استغفرني فلم اغفر له ؟) من منكم اختلى بربه فاستمر مضطرباً وقلقاً ومتوتراً مَنْ ؟ ولعلكم تسألون عن وقت هو أفضل من أوقات أخرى، هذا الوقت يكون في جوف الليل فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال كما في الترمذي: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر)، هيا من أجل جلسة مع الله عز وجل كما يقال في لغتنا العامية تفضفض فيها إلى ربك، تقول لربك يا رب إني ضالٌ فاهدني، يا رب إني مضطر فاجعلني مطمئناً، يا رب إني متوتر فاجعلني آمناً بيني وبين نفسي.

الدواء الثاني: العمل والجد والنشاط، نحن أمة كسولة، والكسول سيكون مضطرباً، والكسول سيكون متوتراً وقلقاً، والذي يعيش في الفراغ ولا يعمل سينتابه كل هذا الذي ذكرنا، هيا فاعمل صالحاً، أتقن عملك. أنت تاجر فأتقن تجارتك، أنت مسؤول فأحسن مسؤوليتك، أنت مدير فأحسن عملك في الإدارة، أنت موظف فاتق الله في وظيفتك وكن نشطاً، العمل يبعد عنك القلق: ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ العمل الصالح المتقن الذي عنوانه الإحسان، والإحسان هو الإتقان بدافع مراقبة العبد ربه، أتقن عملك ولا تتدخل فيما لا يعنيك فقد جاء عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وإذا تدخلت فيما لا يعنيك ستكون مضطرباً وقلقاً ومتوتراً شئت أم أبيت، أنت تتدخل فيما لا يعنيك في سياسة، لا تعنيك اقتصادٍ، لا يعنيك في جارٍ، لا يعنيك، هيا إلى العمل والجد والنشاط وعدم التدخل فيما لا يعنيك وهذا دواءٌ ثانٍ أيها الإنسان المضطرب القلق.

الدواء الثالث: هلا اتخذت صديقاً صدوقاً، هلا اتخذت إنساناً تأتيه عندما يلفحك هجير الحياة ؟ هل لك صديق صادق ناصح أمين ودود خلوق، العرب قديماً قالت: لا بد لك من ذي مروءة يتوددك ويتوجعك. هل لك صديق ؟ اذكر الأصدقاء:

وما أكثر الإخوان حين              نعدهم لكنهم في النائبات قليل

أتدرون ما قال الإمام علي كرّم الله وجهه ؟ قال يصف أخاً يجب أن تتخذه أنت:

إن أخاك الحق من كان معك                 ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك                 شتت فيه شمله ليجمعك

عندما تشعر أن لك صديقاً صدوقاً صادقاً تطمئن، لكنك اليوم تقر أنت بلسانك بأن اليوم ما عاد أحد لأحد، وما عاد الأب لولده، ولا الولد لأبيه، ولا الأم لابنتها، ولا البنت لأمها، أنت تقول هذا. كم نرى من أخٍ يعيش في بحبوحة وله أخ يعيش في ضنك ولا ينظر إليه. نرى هذا في مجتمعنا، اتخذ صديقاً صادقاً صدوقاً، رحم الله الشافعي حين قال:

سألت الناس عن خِلٍّ وفيٍ           فقالوا ما إلى هذا سبيلُ

تمسك إن ظفرت بذيل حرٍ                   فإن الحر في الدنيا قليل

ابحث عن صديقٍ يصدقك، يكتم سيئاتك وينشر حسناتك، أصدقاؤك اليوم ينشرون سيئاتك ويكتمون حسناتك، يغارون ويحسدون، يشتغلون بالنميمة، يضحكون في وجهك ويعبسون عندما تغيب عنهم ويغيبون عنك.

الدواء الرابع: الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نعم هكذا قال النبي، هكذا قال معلمنا، هكذا قال قائدنا عليه الصلاة والسلام كما جاء في مسند الإمام أحمد جاء رجل من أعظم الرجال في عهد النبي يسمى أبي بن كعب قال يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ أي كم أجعل نسبة الصلاة عليك بالنسبة للدعاء ؟ فقال له النبي ما شئت. قال الربع ؟ قال إن شئت وإن زدت فهو خير، قال: النصف ؟ قال إن شئت وإن زدت فهو خير، قال: الثلثين ؟ قال إن شئت وإن زدت فهو خير، قال: أرأيت إن جعلت الصلاة عليك صلاتي كلها دعائي كله ؟ فقال النبي: (إذاً تُكفى همك ويغفر ذنبك). والصلاة على النبي معايشة، لا أريدك أن تمسك بالسبحة وأن تقول اللهم صلِّ على النبي. بلسانك. لكن أريدك أن تتخيل وأن تستحضر هذا النبي أمامك أولست في التحيات تخاطب النبي بكاف الخطاب تقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ؟ ولا تقول السلام على النبي، إذاً تذكر النبي بكاف الخطاب، تستحضر النبي، أم أنك في غفلة عن هذا ؟ إذاً المفروض أن تكون في حالة شهود مع النبي، الصلاة على النبي معايشة ومَن أكثر من ذكر شيء كان ذلك دليلاً على حبه هذا الشيء ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره ومن أحب شخصاً أكثر من ذكره، فالصلاة عليه معايشة والمعايشة توصلك إلى الحب والحب يوصلك إلى التمثل والتمثل يوصلك إلى أن تنظر إلى الدنيا على حقيقتها إلى أن تكون محفوظاً بلسانك وعينك وقلبك لأنك تكثر من ذكر هذا النبي العظيم الذي هو قدوة: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾.

الدواء الخامس والأخير: هذه هي حقيقة الدنيا، الدنيا دار ابتلاء وإن ظننت أنها دار بقاء فقد خاب ظنك، هذه هي حقيقة الدنيا هي دار ابتلاء ودار تعب فتعرّف إلى الدنيا على حقيقتها أوليس قال من قال:

جبلت على كدرٍ وأنت تريدها               صفواً من الأقذار والأكدار

ومكلِّف الأيام ضد طباعها          متطلب في الماء جذوة نار

هذه حال الدنيا، ولقد ابتلي فيها الأكابر قبل الأصاغر، ابتلي الأنبياء، ابتلي آدم ونوح وإبراهيم وهود وإسماعيل وصالح ويونس وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ابتلوا وهذه دار ابتلاء هي حال الدنيا، لذلك الله عز وجل قال: ﴿أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين﴾ تعرّف عليها، على حقيقتها، ولا تنظر إليها على أنها دار قرار، ما هذه الدنيا بدار قرار، تعرف إلى الدنيا على حقيقتها حتى لا تفاجئ حتى لا تتوتر حتى لا تضطرب، هي هذه الدنيا.

أيها الأخ المسلم أريدك مطمئناً أريدك مستقراً، يا من تعيش في هذه البلاد أريد أن أرى آثار اطمئنانك في بلادنا من حيث التقدم والازدهار، من حيث العطاء، أريد أن نرى آثار استقرارنا في هذه البلاد التي هي أمانة في أعناقنا نريد أن نعمل نريد أن نشتغل نريد أن نجد نريد أن نسعى نريد أن نكون على مستوى زماننا عملاً ونشاطاً وسعياً وجداً وحباً في الإتقان والعمل، نريد أن نكون كذلك، لذلك أقول لك خذ هذه الأدوية التي ذكرتها، ادع الله بينك وبين نفسك، اعمل بنشاط وجد فما فاز بالجنة إلا الجسور، اتخذ صديقاً صادقاً صدوقاً ناصحاً أميناً وفياً يحبك كما يحب نفسه، ثم أكثر من الصلاة على النبي بينك وبين نفسك أيضاً ثم أخيراً اعلم أن هذه الدنيا هي هي، هي دار ابتلاء ولا يمكن أن تكون دار إقامة.

لا طيب للعيش ما دامت منغصة    لذاته بادكار الموت والهرم

لدوا للموت وابنوا للخراب، هذه حقيقة الدنيا ومن عرفها على حقيقتها اطمئن واستقر ولم يتضجر، فاللهم وفقنا من أجل أن نكون مطمئنين عبر هذا الذي ذكرت يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في الجامع الأموي الكبير بحلب بتاريخ 17/12/2010

 

التعليقات

فاطمة الزهراء

تاريخ :2011/01/05

كلما قرات لفضيلتكم مقالا أرتاح كثيرا وأبكي حتى الصباح لكن الله عز وجل احاطكم بالمحبين من حولكم فما حال من كان يدور في حلقة مفرغة وحده انا مؤمنة بالله عز وجل لكنها حقيقة وواقع مر شكرا جزيلا لطيبتكم

فاطمة الزهراء

تاريخ :2011/01/07

فضيلة د محمود ماحال من يعيش على حبوب مهدئة كي يتعايش مع من حوله أبحث دون جدوى حولي واتمنى لو كنت أبي أو أخي ماكانت هذه حالي الحمد لله على كل شئ وشكرا لسعة صدركم

حامد الخير

تاريخ :2011/09/22

جزاكم الله عنا خير الجزاء

شاركنا بتعليق