آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
دروسٌ من الهجرة النبوية الشريفة

دروسٌ من الهجرة النبوية الشريفة

تاريخ الإضافة: 2023/07/14 | عدد المشاهدات: 209

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

يُقال إن التاريخ بشكلٍ عام للاعتبار، أنت تقرأ من أجل أن تعتبر، من أجل أن تجتنب الأخطاء ومن أجل أن تتابع طريقك فيما ثبت أنه صواب، (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)، التاريخ بشكل عام للاعتبار، لكن تاريخ محمد، وأعني سيرته، ليس للاعتبار فحسب، ولكن للاقتداء والاتباع والائتساء، تاريخ محمد، أعني سيرته، من أجل دروس نتعلمها، ومن أجل عِظات نتعلَّمها أيضاً ونتعرف إليها ومن أجل دستور نهتدي به صلوات الله وسلاماته عليه، وها نحن أولاء اليوم أمام مقطعٍ من مقاطع سيرته صلى الله عليه وسلم، فما الدُّروس التي يجب أن نستفيد أو أن نفيد منها ? وأعني بالمقطع مقطع الهجرة النبوية الشريفة، لأننا على أبواب استقبالِ عامٍ هجري جديد، وعلى أبواب توقيعِ عامٍ هجري سيمضي، وسيكون هذا العام إضافة زمنية لأعمارنا، فأنت اليوم في العمر كذا، وبعد أسبوع ستكون قد ازددت سنة على عمرك، فما الدروس التي ينبغي أن نفيد منها من خلال هذا الحدث، من خلال الهجرة النبوية الشريفة ? 

أولاً: الهجرة تضحية: والتضحية علامة ودليل وبرهان على أنك تعتنق مبدأك بشكلٍ قوي وصحيح، الهجرة تضحية، والتضحية لا بُدَّ منها من أجل أن تكون برهاناً على اعتناقك الثابت القوي. رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحَّى بوطنه على الرغم من محبته لوطنه، ووقف على أبواب مكة وهو يقول، وكلكم يعرف ذلك،: (والله إنك لأحب بلاد الله عندي، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت) واليوم نحن نريد أن نثبت أنفسنا عند الله معتنقين مؤمنين من غير تضحية أو من غير استعداد للتضحية، أو من غير جاهزية أو جهوزية للتضحية، نحن إن سئلنا: هل تضحي من أجل إيمانك بالله ؟! من أجل مبدئك، من أجل عقيدتك ? أعتقد أن الجواب اللساني سيكون بالإيجاب، لكن الجواب العملي سأراه صعباً جِداً، اسمعوا إلى قول الله عز وجل: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربَّصوا) ضَعْ نفسك أمام هذه الآية، واجعل هذه الآية حاكمتك، فهل أنت تُفضِّل الإيمان بالله على والدك وولدك وأرضك ومالك ? إذاً أنت مستعد للتضحية، وبالتالي أثبتت بينك وبين نفسك بأن إيمانك قوي وأن اعتناقك دينك قوي أيضاً، لأن الله اشترى منك: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة) هذه النفس التي بين جنبيك، وهذا المال الذي بين يديك اشتراه الله منك حينما أعلنت الإيمان به، (إن الله اشترى من المؤمنين) أنت تقول بأنني مؤمن، إذا كنت مؤمناً فقد عقدت صفقةً مع الله فبعتَه نفسك وبعته مالك وبعته كل ما تملك، (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة يُقاتِلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتَلون) هذا درس أول، هل أنت على استعداد للتضحية ?

الدرس الثاني: تاريخنا رُبِط بحركةٍ إيجابية متجددة، لم يُربَط بحدثٍ مضى وانقضى، نحن نؤرِّخ نقول اليوم: السادس والعشرون من ذي الحجة للهجرة، ألف وأربعمئة وأربع وأربعون للهجرة، هكذا نقول، لماذا رُبِط تاريخنا بالهجرة ? لأنَّ الهجرة حركة إيجابية متجددة، يعني يجب أن تنظر إلى نفسك، هل أنت تهاجر في كل يوم ? إن كنت ترتبط بالتاريخ الهجري فعلاً فعليكَ أن تهاجر في كل يوم، تقول لي: كيف أهاجر ? جاء سيد الهجرة الشريفة صلى الله عليه وسلم ليقول كما في الحديث الصَّحيح الصَّريح: (المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده) فهل أنت مسلم ? هذا تعريف المسلم، المسلم: من سِلِم المسلمون من لسانه ويده، إذا طبقنا هذا التعريف على المسلمين اليوم أعتقد أن نسبة المسلمين ستكون في النتيجة قليلة جداً جداً، والمهاجر، أتريد أن ترتبط في التاريخ الهجري ارتباطاً جادَّاً، ارتباطَ مؤمن، ارتباط مُسَلِّم، ارتباط مجاهد ? عليك أن تعيش الهجرة في كل يوم، (والمهاجِر من هَجَر ما نهى الله عنه) تعيشُ يوماً بعد يوم وأنت على ما أنت عليه من بقائك على معصية الله، لم تهجر معصية الله التي ارتكبتها أمس وبقيتَ عليها اليوم، فأين انتماؤك للهجرة ? (المهاجِر مَنْ هجر ما نهى الله عنه) والهجرة في هذا المعنى درجات، أنت تهجر السيئة إلى الحَسنة، وأنت تهجر المعصية إلى الطاعة، وأنت أيضاً تهجر الحَسَن إلى الأحسن وتهجر الفضلَ إلى الأفضل، وتهجُر كل ما يمكن أن يكون جيداً إلى الأجود، نحن لا نتكلم عن النوع الثاني "الهجرة من الحسن إلى الأحسن"، نتكلم عن الهجرة من السيء إلى الحسن، قل لنفسك وحدِّث نفسك منذ سنة وإلى الآن هل هجرتَ ما كنتَ قد ارتكبته أو ما كنت قد لازمته من مَعَاصٍ وآثام وعاداتٍ سيئة وغيبةٍ ونميمة، أم أنك لا زلتَ ترتع في جَنباتِ هذه الرذيلة، أم أنك لا زلت ترتع في فضاء هذه المعصية التي يريد الله منك أن تهجرها إلى الطاعة. (المهاجر مَنْ هَجَر ما نهى الله عنه) درسٌ ينبغي أن نتعلمه من انتمائنا للتاريخ الهجري، وأنا اقول لكم بكل صراحة: سلوا أنفسكم وسلوا أبناءكم: مَن مِنا يهتمُّ بالتاريخ الهجري إلا في رمضان من أجل أن يفطر، إلا في العيد من أجل أن يستقبل العيد، هل يعرف أبناؤنا الشهور الهجرية ? وهل يعرف أبناؤنا وطلابنا، أنا لا أقول ذلك من أجل المعرفة البحتة، ولكن أقول ذلك من أجل الانتماء، من أجل الهوية، أنا أقول هذا من أجل التحقق بهذا الذي نَدَّعي بهذا الذي نقوله بألسنتنا، نحن نقول بأننا ننتمي لصاحب الهجرة، وننتمي للتاريخ الهجري، فأين معرفتنا قبل تحققنا ? أين معرفة شبابنا بتاريخهم الهجري ? إن سألت طالباً أو سألت شباباً أو سألت نساء أو سألت رجالاً أو تجاراً أو مسؤولين، إن سألت عن الشهر الهجري الذي يكتنفهم فما أظنك بحاصلٍ على جواب يفوق نسبةً لا تكاد تُذكَر في المئة، هذا على العَدِّ الكثير، هذا على الاحتمال الأكبر، لذلك علينا أن ننتمي للهجرة، أن نعيش الهجرة، لأن تاريخنا مربوط بها بالهجرة، وبإمكانك أن تتحقق بالهجرة في كل يوم.

درس ثالث وأخير، وسنتابع الدروس في الأسابيع القادمة، من منكم، والكلام بيننا، من منكم في مثل هذه الأيام يقرأ الهجرة وأحداثها، يقرأ كتاباً في السيرة، ليقرأ أولاده، وليقرأ على أولاده وعلى طلابه حادثة الهجرة، أو حدث الهجرة، من الذي يعود إلى كتب السيرة أو الى كتب الحديث من أجل أن يطَّلع على هذا الذي قام به النبي عليه الصلاة والسلام ? مَن منا ؟ أعتقد أن القليل القليل جداً هو الذي يقرأ في كل مناسبة متعلقة بالنبي عليه الصلاة والسلام، يقرأ في كل مناسبة ما وقع بالنبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحادثة أو في تلك الفعلة. عودوا إلى سيدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولعل قائلاً يقول: وما ينفعني، وما الفائدة ? وما الغاية من قراءة سيرة النبي وما يتعلق بالهجرة الشريفة ? أُذكِّرك أيها الأخ المسلم بأن واجبك الشرعي نحو النبي أن تتعرَّف عليه، (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) واجبٌ شرعي عليك أن تتعرف على نبيك، وواجبٌ شرعي عليك بعد التعرف أن تحبه أكثر من ولدك ووالدك والناس أجمعين، واذا لم تعرفه قل لي بربك كيف تحبه ؟ إذا لم تعرفه كيف تحبه ؟ إذا لم تعرف كيف تُصلي عليه ? إذا لم تعرفه كيف تُسلِّم عليه وتقول: السَّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

الهجرة دروس، فهيا إلى هذه الدروس من أجل التعلم والتحقق والتطبيق، اللهم ألحقنا بأولئك الذين هاجروا وكانت هجرتهم لله ورسوله، اللهم اجعلنا من المهاجرين إليك في كل ساعة وفي كل دقيقة وفي كل ثانية، نِعمَ مَن يُسأل أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 14/7/2023

التعليقات

شاركنا بتعليق