آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
دروسٌ من الهجرة النبوية الشريفة -2-

دروسٌ من الهجرة النبوية الشريفة -2-

تاريخ الإضافة: 2023/07/21 | عدد المشاهدات: 312

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

قلنا ونؤكد: التاريخ عامَّة للاعتبار، وتاريخ محمد عليه الصلاة والسلام للاقتداء والائتساء والاتباع، والهجرة النبوية الشريفة فَصْلٌ عظيم من فصول هذا التاريخ العظيم تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته، وقد ألمحنا في الأسبوع الفائت إلى دروسٍ من هذا الفصل، من الهجرة النبوية الشريفة، وكان الدرس الأول أنَّ الهجرة تضحية، والتضحية دليل الاعتناق القوي والالتزام الثابت بالمبدأ، والدرس الثاني قلنا إن تاريخنا مرتبط بحركة إيجابية متجددة هي الهجرة، وعلينا أن نعيش الهجرة في كل مسافة زمنية، في كل يوم، (والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).

أما الدرس الثالث من الهجرة النبوية الشريفة، والدرس من أجل أن نتعلم ونطبق، من أجل أن نتعلم وننفذ ونتبع ونقتدي. الدرس الثالث: الثقة بالله عز وجل: لتكن أنت أيها المسلم واثقاً بربك، واثقاً بنصره، واثقاً بعطائه، واثقاً بفضله، واثقاً بأنه سيُخرجك من هذا الذي ألمَّ بك، وهذا يتبع درجة إيمانك، الرسول عليه الصلاة والسلام لما دخل غار ثور مع سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وجاء المشركون يلاحقونه، حتى وصلوا أعلى الغار وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لو طأطأ أحدهم رأسه رآنا، لو نظر أحدهم إلى أخمص قدمه لرآنا. فكان الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، (لا تحزن إن الله معنا) فهل من قائلٍ لهذه الكلمة اليوم منكم أيها الإخوة لأهله، لولده، لجاره، وقد ألمَّ بنا ما ألمّ من ضيق، من شدة، من قسوة، هلا قال بعضنا لبعض: ما ظنك - يا فلان - بأمة الله ربها، ما ظنك ببلدٍ الله ربه، (لا تحزن إنَّ الله معنا) لا تحزنوا أيها المسلمون، لا تكونوا أصغرَ من الابتلاء، كُونوا أكبرَ من الابتلاء، استعينوا بربكم وثِقوا بربِّكم، وادعُوا ربكم وأنتم موقنون بالاجابة. المشكلة أنَّ الابتلاء الذي يَحُفُّنا، وأنَّ القسوة التي تَكتنِفنا، وأنَّ ما يأتينا من ألمٍ معنوي ومادي أصبح أكبرَ منا، وأكبر من إيماننا، على إيماننا أن يبتلعه، لكن المشكلة أن الذي ألمَّ بنا ابتلع إيماننا فنسينا ربنا حتى وإن دعونا ربنا دعوناه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)، (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) ندعوا الله ولكننا لسنا موقنين بالإجابة، ليس لنا إلا الله، فعلينا أن نتوجه إلى الله. قلت لكم أكثر من مرة: نتخذ السَّبب المشروع بكاملِ أوصافه، ولكنَّنا لا نعتمدُ على هذا السبب، نعتمد على مُسَبِّبِ الأسباب، نعتمدُ على الله عزَّ وجل، نشربُ الدواء ولكننا لا نعتقد أنَّ الدواءَ هو الشَّافي، بل الشَّافي هو الله عز وجل، حتى الطعام لا يُشبِعك، إنما الذي يُشبعك هو ربك جَلَّت قدرته، والطعام سَبَبٌ:

ونادَتِ الأسبابُ في أفلاكها                  إنَّ اللهَ مِن ورائها

ثقوا بالله، عَلِّموا أولادكم الثقة بالله جَلَّت قُدرته، قوموا في الليل وقولوا يا ربّ فَرِّج عنَّا ما نحن فيه بقلوبٍ يقظة، بقلوبٍ مُطمئنة، بقلوب مُنفتحة، قوموا ليلَكم، صَلُّوا صلواتكم وأنتم تستحضرون هَيْبةَ الله، وأنتم تَستحضرون رحمةَ الله، وأنتم تستحضرونَ عَطاءَ الله، وأنتم تَستحضرونَ أنَّ الله عز وجل عندَ ظَنِّ عبده به، فليَظُنَّ هذا العبد بالله عَزَّ وجَلَّ ما شاء، (لا تحزن إنَّ الله معنا)، ضعوا هذا شعاراً في حياتكم، ضعوه في صُفوفكم، في دُوركِم، في محلاتكم، في متاجركم، في شوارعكم، في أحاديثكم: (لا تحزن إنَّ الله معنا).

الدرس الرابع من هذا الفصل العظيم، من تلك السيرة المنوِّرة المنوَّرة الحُب: مَحبةُ الصَّحابة النبيَّ صلى الله عليه وسلم، الحبُّ حُبَّان، ولكن قلوبنا أعتقد لم تذق هذا الحب ولا ذاك، لم تذق هذين الحبين، الحب حبان: حُبٌّ عقلي، وحُبٌّ قلبي، الحُبُّ العقلي يدفَعُك للاتباع:

تعصي الإلهَ وأنتَ تزعمُ حُبَّه            هذا لعمري في القياسِ بديعُ

لَو كانَ حُبُّك صادقاً لأطعتَهُ             إن المحبَّ لمن يُحبُّ مُطيعُ

الحبُّ العقلي يدفعُك للاتِّباع، للاقتداء، والحبُّ القلبي يدفعك للتضحية من أجل المحبوب، وها هو ذا الإمام علي كَرَّمَ اللهُ وجهَه ينامُ على فراشِ النبيِّ وقد علم بأنَّ قريش سَخَّرت أربعين شاباً من شَبابها ليأتوا إلى مكانِ نومِ النبي صلى الله عليه وسلم ويضربوه ضربةَ رجلٍ واحد، فكانَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن قال يا عَلي نَمْ في فراشي، حتى يُمَوِّه على المشركين، وحتى يعتقد المشركون بأن محمداً في فراشه، وقد ضَحَّى الإمام علي بنفسه من أجل هذا رضي الله عنه وأرضاه. وكذلك سيدنا أبو بكر عندما دخل غار ثور قبل النبي فاستكشفَ الأمر، هل هنالك من ضررٍ يمكن أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ?! قائلاً للنبي: يا رسول الله حَسْبُك، لا تدخل حتى أستكشفَ ما في الغار، فلربما كان هنالك من أذىً فأتحمَّله، ودخل سيدنا أبو بكر ورأى الثقوب رضي الله عنه فَسَدَّ هذا الثُّقبَ وسَدَّ ذاك الثُّقب، ثم لم يبقَ معه ما يَسُدُّ به ثُقباً آخر فوضعَ رجله على هذا الثُّقب، وإذ بثعبانٍ يلدَغُه، يلدغُ سيدنا أبا بكر، وإذ بأبي بكرٍ يبكي وهو ساكت، ويعتصرُ الدُّموع، وتنهمر الدموع على خَدِّ رسول الله الذي كان مُضطجعاً في حِجر سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، فيقول النبي: ما لك يا أبا بكر ? فيقول أبو بكر لُدِغتُ يا رسولَ الله. فيضعُ النبيُّ يَدَه الشَّريفة على مكانِ هذا الذي لُدِغَ فيه وإذ به يذهب الألم. صلوات الله وسلاماته عليه، ورضي الله عن سيدنا أبي بكر. الحب القلبي يدفعك للتضحية، الآن قل لي أيها المسلم، قل لي بربك: هل تحبُّ النبي ؟ هل تُحبُّه حباً عقلياً، أم حُبَّا قلبياً ? إن كنت تحبه حباً عقلياً فبرهان ذلك الاتباع، فهل تتبعه أنت في حياتك، في صلواتك، في خلواتك، في سلوكاتك، أم إنك غائب عن هذا ?! بل تكتفي بالحب في أنك تقول: أحب النبي، بأنك تسمعُ قصائدَ في مدح النبي، الحبُّ العقلي يدفعك للاتباع، والحب القلبي يدفعك للتضحية، تقول: والله يا رسول الله، لو استلزمَ الأمرُ لفَدَيتُك بروحي، بمالي، بنفسي، بولدي، لو أنني يا رسول الله رأيتُك، ومقابل هذه الرؤية أفتدي، أقدِّم أولادي وأقدم نفسي وأقدم مالي لفعلتُ ذلك، فهل أنت على استعدادٍ لهذه التضحية ?

الهجرة دروسٌ كثيرة، الهجرة حب، الهجرة تضحية، الهجرة افتداء، الهجرة عطاء، الهجرة اقتداء، الهجرة حالةٌ راهنة يومية نقومُ بها كما قلت لكم، نهجر السيئة إلى الحسنة، ونهجر الحسنَ إلى الأحسن.

أخيراً لا يَسَعُني إلا أن أقول لأولئك الذين أحبوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار: طِبتُم، وطابَتْ محبتكم، طِبتُم يا هؤلاء رضيَ الله عنكم جميعاً، ولقد استقبلتُم النبيَّ صلى الله عليه وسلم يومَ جاءَ المدينة المنورة، استقبلتموه بحُبٍّ، استقبلتموه بنشيدٍ سيبقى هذا النشيدُ هو النشيدُ الخالد، بل النشيد الأخلد، وما أعظَمَه من نشيد حين قالَ الجميعُ وقلوبهم تتكلَّم قبل ألسنتهم، وحَناجِرهم تصدحُ بصدقٍ وأمانة تُعبِّر عما استقرَّ في دواخلهم:

طلعَ البدرُ علينا من ثَنِيَّاتِ الوداع

أيها المبعوثُ فينا جئتَ بالأمر المطاع

جئتَ شرَّفتَ المدينة مرحباً يا خير داع

أنتَ تقولُ هذا الكلام، فهل تستشعرُ الحبَّ أو بعضَ الحب الذي كان مركوزاً في قلوب أولئك رضي الله عنهم وأرضاهم ? أيها الإخوة: باختصارٍ شديد: لا وجودَ لنا إلا بالحب، لا وجودَ لنا الا بالاتباع، لا وجود لنا إلا بالثقةِ باللهِ عَزَّ وجَل، اعملوا ما شئتم فلن تصلوا إلى مرحلةٍ حضارية منشودة، لن تصلوا إلى ذلك إلا بشيءٍ واحد، ألا وهو: (قُل إن كُنتم تحبونَ الله فاتَّبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) اتبعوا هذا النبي وأعلنوا وَلاءَكم لهذا النبي، لصاحبِ الهجرة، أعلنوا ولاءكم للهجرة الشريفة، وقولوا بقلوبكم ومن قلوبكم، وبألسنتكم:

يا هذه الدُّنيا أَصِيخي واشهَدي           إنَّا بغيرِ مُحمدٍ لا نقتدي

اللهمَّ صَلِّ وسَلِّم وبارك على صاحبِ الهجرة، وعلى صاحبِ المولد، وعلى صاحبِ النُّورِ الأعظم، وعلى مَنْ غنى له الناس بصدقٍ من قُلوبهم: (طلعَ البدرُ علينا من ثَنياتِ الوداع)، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، نِعمَ مَن يُسأل أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 25/7/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/lWa0YixWSa/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق