آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من آفات التَّماسك

من آفات التَّماسك

تاريخ الإضافة: 2023/12/01 | عدد المشاهدات: 217

أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

هَتَفَ رَجُلٌ يَشتغلُ بالإعلام، هتفَ إليَّ، وقال: هل من كلمةٍ تُوجِّهها للأمة ? قلتُ له: ليسَ لديَّ ما أُوجِّهه إلا تلكَ الآية الكريمة: (واعتَصِموا بحبلِ الله جميعاً ولا تَفرَّقوا واذكُروا نعمةَ اللهِ عليكُم إذ كنتم أعداءً فألَّف بينَ قلوبِكم فأصبحتم بنعمته إخواناً)، فيا أمةَ مُحمَّد: هل أنتم مُتمسِّكون ومُتماسِكون (واعتصموا بحبلِ الله جميعاً) يَعني تمسَّكوا وتَماسكوا، تمسَّكوا بحبلِ الله وهُو القرآن الكريم، وتماسَكوا جميعاً، ائتلِفوا فيما بينكم وكونوا إخوة، وكونوا أصدقاء، وكونوا جماعةً واحدةً، وكونوا على قلبٍ واحد، التمسُّك والتَّماسُك، تمسُّكٌ بحبلِ الله مَتين، وتَماسُكٌ فيما بيننا لا يَضعُفُ ولا يَلين، واحذروا من أن يُصيبَ تَمسُّكُكم وتَماسككم آفة، احذروا الآفات التي تُصيبُ تَماسُككم بسوء وضرر وإيذاء، احذروا هذا الذي يُؤذي تَماسككم. قال لي: وما الذي يُؤذي تَماسُكنا ووحدتنا واتفاقنا ؟ قلت: أمور اجتنبوها.

الأمر الأول الهِجران: (لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهجُر أخاه فوقَ ثلاث) هكذا قال سيدُ الكائنات عليه الصَّلاة والسَّلام: (لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث) ثمةَ مُسلمون هَجروا إخوانهم أكثر من سَنة، وأكثر من ثلاثِ سنوات، فضلاً عن ثلاثةِ أيام، هل أنتَ ممن يهجر أخاه على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدُّول ؟ يقول عليه الصَّلاة والسلام: (من هَجَرَ أخاه فوقَ ثلاث فماتَ دخل النار) هذا كلام المصطفى يا إخوتي، كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هجر أخاه سنة) هكذا قال أيضاً سيدُ الكائنات: (مَن هجر أخاه سَنة فهو كَسَفْكِ دَمِه) كأنَّه سَفَكَ دَمَه، كأنه قتله، أعيدوا النَّظر في علاقاتكم فيما بينكم على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الدُّول، إني لأرى الهجرَ وقد استفحل فينا على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات وعلى مستوى الدول وهذا ما آذى تماسكنا وأثَّر عليه سلباً، وبالتالي فلن يكونَ أمامنا فَرَج من حيثُ النَّصر ومن حيثُ الغَلَبة ومن حيثُ القوة ومن حيث التمكين.

الأمر الثاني الذي يُؤذي التَّماسك هو التحريش: هكذا سمَّاه النبي الاعظم عليه الصلاة والسلام قال لنا: (إنَّ الشيطان) اسمعوا يا أمة محمد إن كنتم فعلاً أمة محمد: (إنَّ الشيطانَ قد أَيِسَ - يعني يأس - أن يعبده المصلون في جزيرة العرب) لن تعبدوا الشَّيطان بعد الآن صراحةً، ولكن رضيَ الشَّيطان بدلاً من أن تعبدوه رضي بالتحريش فيما بينكم، فالتحريش الذي بينكم كعبادة الشَّيطان، بل هو أشدُّ، التحريش أن يُفسِد المسلمون بعضهم على بعض، أن تُحرِّض مسلماً على مسلم، لماذا ? لأنه يخالفك في المذهب، لأنه يخالفك في الطائفة، لأنه يخالفك في العِرق، تُحرِّض عليه، تَتِّهمه، تقول هذا يجب أن يُحرَّض عليه، وربما وصل الأمر إلى أنك تدعو إلى قتله، وإلى سفك دمه، (إن الشَّيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش فيما بينهم) وانظروا أيها الإخوة كم نحن مُحرَّشون، وكم نحن مُحرَّضون، وكم نحن على استعداد في كل لحظة من أجل أن نتَّهم المسلم الآخر، ولعله يقف بجانبه في المسجد أن اتهمه وأن أقول عنه بأنه مفسد وضالٌّ وخارجٌ عن الجماعة، التحريش فيما بيننا، إلى متى سنحترم كلمة التوحيد لا إله إلا الله ؟ هذا أسامة بن زيد رضي الله عنه وعن أبيه، وتعرفون القصة، لما كان في سرية، وكان أمامه مُشرك وأراد أن يقتله، فقال هذا المشرك: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقتله سيدنا أسأمة ثم لما عاد، والقصة طويلة، ثم لما عاد وأخبر النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم غَضِب وقال: يا أسأمة أقتلتَه وقد قالها ? أقتلتَه وقد قالها ? قال: لا إله إلا الله، أقتلته وقد قالها ? قال يا رسول الله لقد قالها خوفاً. قال يا أسامة: أفلا شققتَ على قلبه ? أقتلتَه وقد قالها ? وفي روايةٍ أخرى: (ما تصنعُ يا أسامة بلا إله إلا الله يوم القيامة إذا واجهتكَ وقالت لك: لِمَ قتلتَ من قالَني، مَن تلفَّظَ بي ؟ لمَ قتلت هذا الذي قالني، هذا الذي أعلنني، لمَ قتلتَ ؟ بالتحريش، ومن التحريش التكفير، فـ: (ما من امرئٍ يُكفِّر أخاه إلا ارتدَّت عليه) عندما تقول لأخيك الذي يُخالفك في المذهب، يخالفك في الطائفة، يخالفك في العِرق أنت كافر، ستعودُ عليك لأنك تكون حينذاك أنت الكافر، إلا ارتدت عليه ما لم يكن صاحبه كذلك، لماذا يُكَفِّر بعضُنا بعضاً ? انظروا وسائل التَّواصل الاجتماعي، هذا يقول عن الشيعة إنهم كفار، وهذا يقول عن الجماعة، عن السنة، عن الصوفية بأنهم كفار، وهذا يقول عن السَّلفية بأنهم كفار، ما أسرعنا في التكفير الذي يُودِي بنا إلى النار، إلى نار الدُّنيا قبل نار الآخرة، إلى العذاب الذي نعيشُه اليوم. نحن نعيش عذابَ التَّفرقة، نعيشُ عذاب التَّشرذم، "الكُفرُ حَقُّ اللهِ ثم رسولِه" هكذا قال الإمام ابن القيم:

الكُفرُ حَقُّ الله ثمَّ رسولِه                 بالشَّرعِ يثبتُ لا بقولِ فُلانِ

نُثبِتُ الكفر بأقوالنا، الله هو الذي يُكفِّر، ورسوله هو الذي يُكفِّر، أما أنتَ فلا، "الكُفر حَقُّ اللهِ ثم رسولَه بالشَّرعِ يثبتُ لا بقولِ فُلان"، انتبهوا إلى أنفسكم، فلعلَّكم تَكفُرون من حيث لا تشعرون، لأنكم من حيث لا تدرون ما تصنعون بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ما تصنعون بكلمة التوحيد يقولُها فلانٌ وفلان وأنت لا تعتبرُ هذه الكلمة، ولا تُقيمُ لها اعتباراً، لكنَّ الله يعتبرها، لكنَّ محمداً عليه الصَّلاة والسلام اعتبرها، (أفلا شققتَ على قلبه)، (أقتلتَه وقد قالها).

من الأشياء التي تُؤذي التَّماسك التَّرويع، التَّخويف، (لا تُرَوِّعُوا المسلم) لا تُخوِّفوه، (فإنَّ رَوْعَةَ المسلمِ ظُلمٌ عَظيم) هكذا يقول المؤتَسى به عليه الصلاة والسلام، أنتم أتباعه، أنتم تقولون بأنكم أتباعُ محمد عليه الصلاة والسلام، هذا ما يقوله محمد يا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام: (لا تُروِّعوا المسلم، فإنَّ روعةَ المسلم ظُلمٌ عظيم) لا تُروِّعوه بالاتِّهام، لا تُروِّعوه بالأخبار، بالشَّائعات، لا تُروِّعوه بالنَّظريات الفاسدة، لا تُروِّعوه بأخبار الغَلاء، ولا بأخبار البَلاء، طَمئنوه، طمئنوا بعضَكم، قولوا لبعضٍ: لا تحزنوا إنَّ الله معنا، قولوا لبعضكم سيَهدينا ربُّنا، قولوا لبعضكم، أمِّنوا بعضَكم، (المؤمِن مَن أَمِنَه النَّاس) فضلاً عن المؤمنين، (لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مُسلماً) أن يُخوِّفَ مُسلماً، كلنا يُخوِّفُ كُلَّنا من لا شيء، ولا يذكِّر كلُّنا كُلَّنا بالله عَزَّ وجل، أَفَيجُوزُ هذا ؟!

أعودُ لما بدأتُ به: (واعتَصموا بحبلِ اللهِ جَميعاً ولا تَفرَّقوا) جميعاً (ولا تَفرَّقوا واذكُروا نعمةَ اللهِ عليكم إذ كُنتم أعداءً فألَّفَ بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) فأصبحتم بالإسلام إخواناً، الإسلام نعمة، فهل أنتم إخوانٌ يا إخوتي ? هل أنتم إخوان فيما بينكم ? هل تقومون بحقوقِ وواجباتِ الأخوة فيما بينكم ? هل أنتم مُتحقِّقون ? (مُحمَّدٌ رسولُ الله والذين معه أشِدَّاءُ على الكُفَّار) الكفار الصَّهاينة المجرمين اليوم (رُحماءُ بينهم) أين الرحمة بينكم أيتها الدُّول المسلمة، أيها الأفراد المسلمون، أيتها الجماعات المسلمة، أيتها الطوائف المسلمة، أيتها المذاهب المسلمة: أين رحمتكم فيما بينكم، وأين شِدتكم على الكفار، إني لأرى الآية وقد انعكست، وكأنَّكم أصبحتم رُحماءَ بالكُفَّار المجرمين المناهضين للشَّريعة الغَرَّاء، أصبحتم رُحماءَ بهؤلاء، وأشِدَّاءَ على بعضِكم، هكذا أصبحتم، والعياذُ بالله.

أسألُ اللهَ عَزَّ وجل أن يَرُدَّنا إلى (واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعاً) رَدَّاً جميلاً، وعلينا أن يُحاسِبَ كُلٌّ منا نفسَه من أجل أن يتأكَّد فيما إذا كان ممن يتحقَّق بهذه الآية أو لا، أسأل اللهَ أن يجعَلَنا مُتمسِّكين مُتماسِكين، نِعْمَ مَن يُسأَلُ رَبُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهُنا، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 1/12/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/oFCC71AogO/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق