آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
حوار مجلة النورس الصادرة في بيروت

حوار مجلة النورس الصادرة في بيروت

تاريخ الإضافة: 1996/01/01 | عدد المشاهدات: 2875

تاريخ : 1996

النورس : كلنا يعلم أن الإسلام حثَّ على طلب العلم ، بل جعله فريضة على كل فرد . فأي فروع العلم قصد بذلك ؟ وهل هو العلم الديني فقط ، كما يتصور البعض ؟
د. عكام : العلم مقترن بالعمل ، وهو أساسه وركيزته ، وحيثما كان الأمر بالعمل ، كان الأمر بالعلم ، وإذا كنّا مستخلَفين على الأرض إصلاحاً ورعاية وقيوميّة ، فالعلم الذي يمكّننا من ذلك فرضٌ علينا جميعاً ، كالعمل ، نتقاسمه اختصاصاً وننهض به أمراً من الله تعالى ، لا تفريق في الوجوب بين اختصاصٍ وآخر . وليس العلم المفروض محصوراً بما يقوّم العبادات الصّرفة من صلاة وزكاة وحج ، وإنما هو عام شامل لكل العمل الإصلاحي العام ، في مختلف مجالات الحياة ومستوياتها وصُعدها . وعلى هذا ؛ فليس هناك علم ديني ، وآخر غير ديني مادام الدين شاملاً تاماً كاملاً ، له إشعاعات على كل ما يمكن أن يصدر عن الإنسان ، من أجل أن يعمر الأرض ، أو يهيئها للإنسان المنشود ، فالعلم فريضة على كل مسلم ، حيث كانت رسالة المسلم .
النورس : هل يصيب من يحاول تفسير بعض الظواهر الطبيعية ، والحقائق العلمية المكتشفة حديثاً ، تفسيراً دينياً اعتماداً على القرآن الكريم والسنة النبوية ؟ وماذا لو أن نظريات جديدة دحضت النظريات السابقة ؟
د. عكام : القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد، ودستور كامل للإنسان ، وليس كتاب فيزياء أو كيمياء أو تشريح أو أحياء بالرغم من إشارات متكررة جاءت فيه تتعلق بهذا ، لكنها لا تعدو أن تكون أمثلة جيء بها للاستدلال على قدرة الخالق ، وتثبيت حاكميته على المخلوق بشكل عام ، والإنسان بشكل خاص . وعلى علماء التجريب الإفادة منها ، لتطوير ما وصلوا إليه من نظريات في ميادين علومهم هذه . ومَثَل القرآن في هذا - ولله المثل الأعلى - مَثَل قانون اجتمع على وضعه علماء القانون والتشريع الفاهمون ، لكنهم وهم يضعون المواد ، احتاجوا من أجل ترسيخ القوانين ، إلى تمثيل مرئي في عالم الزراعة مثلاً ، فاستعانوا باختصاصيين فيها ، ليكون المثال صحيحاً علمياً . وكذلك القرآن الكريم ، اعتمد في التوجيه والمخاطبة على أمثلة مرئية ملموسة ، قائمة ومستندة إلى سنن موضوعة من قبل الخالق ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون مخالفة لمكتشفات العلم ، بل على العلم أن يحاول حتى يتطابق في النهاية مع المعطيات القطعية للأمثلة العلمية في القرآن الكريم . ونريد أن نذكر هنا احترازاً مفاده : أن من يفسر القرآن تفسيراً علمياً ينبغي ألا يطرح تفسيره على أنه المراد حتماً من الآية القرآنية ، وإنما يقدمه على أنه محتَمل من محتملات الآية ، وحسب ما وصل إليه فهمه ، فإن أظهر العلم خطأ تفسيره ، بقيت الآية بمعزل عن أن ينسب الخطأ إليها ، وحاشاها ، فهي لا تقرر قطعاً إلا الصواب ، ولكن البشر في اكتشافاتهم متقلبون .
النورس : لا يزال الكثيرون يحجمون عن استخدام بعض المخترعات الحديثة - كالتلفزيون مثلاً - لكونهم يخلطون بين هذه الوسيلة " الاختراع " وبين تلك المادة التي تعرض فيها ، متناسين أنها يمكن أن تكون - وينبغي أن تكون - أداة للتعبير عنهم وعن آرائهم وأفكارهم . هل الطريقة الصحيحة للتعامل مع الوسائل المذكورة هي مقاطعتها ؟
د. عكام : لا أعتقد أن هناك كثيرين يفعلون هذا الذي قلتَ ، بل هم في رأيي قلة قليلة هذا أولاً . بعدها لا بد من القول بأن الإسلام كان صريحاً جداً في التمييز بين الوسيلة والأداة بحد ذاتها ، وبين توظيفها واستخدامها ، وإن الحكم إنما يدور على الثاني ، ولا علاقة له بالأول ، لأن متعلقات الأحكام هي أفعال المكلفين . فالشِّعر من حيث كونه أوزاناً وتقاطيع لا حكم له ، ولكن استخدامه في الهجاء والبغاء والفساد ، هو الذي يحيله إلى فعلة محرمة ممنوعة ، واستخدامه في الفضائل والمكارم والتوجيه إليها ، يجعله مشجَّعاً عليه من قبل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بعد القرآن الكريم ، فقد قال لحسان بن ثابت : " إيه وروح القدس معك " ، " لا يفضض الله فاك " . إذاً ، الموقف الصحيح هو الدعوة إلى استخدامها في ما ينفع الإنسان ، ويساهم في إيصاله إلى تحقيق الغاية التي وجد من أجلها : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
النورس : الحديث عن العلم يقودنا إلى الحديث عن العقل ، إذ يحاول بعض الفقهاء أن يلغوا دور العقل ، أو يحجموه في أصغر حيز ممكن ، ظناً منهم أنهم يُعلون بذلك من قدر الإيمان المطلق ، ما هو رأيكم في هذه القضية ؟
د. عكام : لن أسمي ذاك الذي يلغي دور العقل فقيهاً ، لأن الإسلام قائم على مخاطبة العقل ، واعتباره مناط التكليف ، وقد دعا القرآن الكريم الناس كافة ، والمسلمين خاصة إلى إعماله حتى أقصى درجاته ، وحضّ على حركته ، المتجلية بالنظر والتفكر والتدبر والتعلم . ويسهل على من له أدنى إلمام بآي من الذكر الحكيم ، أن يذكر لك كثيراً من الآيات المتعلقة بهذا ، فقد وردت كلمة " العقل " بمشتقاتها في القرآن الكريم في تسعة وأربعين موضوعاً . ووردت مادة " الفكر " في ثماني عشرة آية . ووردت مادة " العلم " في نحو ستمائة آية . وكلمة " التدبر " و " الرشد " في ثلاث وعشرين آية . وكلمة " القلب " و " الفؤاد " وهما بمعنى العقل ، في ست وأربعين آية . والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال : " قد أفلح من رزق لُبَّاً " وكان كثيراً ما يَسأل عن عقل الرجل ، من أجل أن يتعرف عليه ، أو يُعرِّف به . حتى الإيمان ، إن لم يكن عن عقل واقتناع رُفض ، ودعي المؤمن إلى الإيمان مجدداً على أساسه : ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا ) . وأغتنم هذه الفرصة لأدعو المسلمين وغيرهم إلى تأسيس الفكر من خلال العقل والوعي العمليين ، وآمل أن نستجيب ، ونبدأ الطريق .
النورس : في عالم يتسم بالصراعات وتتسارع فيه الأحداث والتغيرات ، هل يكتفي المسلمون أفراداً ودولاً بدور المتفرج الخاسر حتماً ، أم أن لكل منا موقفاً ودوراً ؟ وكيف يمكن أن يكون مثل هذا الدور ؟
د. عكام : دور كلٍ منا في عالمنا اليوم مستمد من مبدئه وعقيدته ، وإذا كنا مسلمين فالإسلام دين التطوير ، والتغيير نحو الأفضل لبني الإنسان قاطبة . وأول ما يجب علينا فعله أن نجلِّي حقيقة الإسلام ، نظاماً وأحكاماً ، في ميادين الحياة كافة ، عبر الوسائل الإعلامية المختلفة . وأن ننتقل ، نحن الأفراد ، من الإيمان المدّعى إلى الإيمان المحقق ، ومن السلوك البعيد إلى السلوك القريب ، الذي يتفيأ ظلال الإسلام في نصوصه الأصلية ، ليشكّل كل واحد منا دعوة عملية للآخرين ، فالناس أحوج ما يكونون إلى نماذج واقعية ، منها إلى ادعاءات عريضة ، وشعارات واسعة ، ويوم نستبدل بالشعارات الفكر البنَّاء الواقعي ، نكون قد خطونا في طريق الحياة المبتغاة الهادفة . وأما الدول ، فدورها يكمن في البحث الجاد عن السبل التي تلم شعثها وتجمع شملها . وعليها أن تجسِّد الدين محوراً أساسياً للالتفاف حوله ، وألا تزهد في اعتباره العامل الأقوى في لقائها ، وديننا يختلف عن الدين المستبعَد من المحاور اللقائية في الغرب ، لما لهذا الأخير من واقع تاريخي مرير في علاقته مع العلم والسلطة والسياسة . والدول الإسلامية ، إن التقت على أرض إسلامها ، أنبتت فيها حصانةً لثرواتها وطاقاتها وقدراتها الحسية والمعنوية ، وقد استُنفدت محاور اللقاء من قبل غيرنا إلا الدين . وعلينا أن نقدمه محوراً ناجحاً ، ونقطة تمركز هامة ، وهذا يتوقف على فهمنا له ، وحسن تقديرنا إياه ، والمهم في الأمر ، أن نفكر فيه دون أن نبحث في أثنائه عن تبريرات لتخبطات مختلفة ، ستظهرها النهايات الزمنية على حقيقتها ، فتكون محاولات للارتباط والتبعية لغرب أو لشرق .
النورس : تشهد بعض المجتمعات الإسلامية خلافات حادة بين أفرادها ، تأخذ طابعاً دموياً في كثير من الأحيان ، ما هو حكم الشرع في من يكفر المجموع ، ويشهر سلاحه في وجوههم ، فرداً كان أو جماعة ؟
د. عكام : هنالك قواعد اعتمدتها في هذا الميدان ، أودُّ ذكرها ، فلعلها تحمل في طياتها الجواب على هذا السؤال :
1- نعتمد الظاهر في قبول الإسلام ، ونترك الباطن لعليمه .
2- لا نريد أن يُتخذ رأي عالم سابق ، أو مفكِّر لاحق ، حاكماً على بقية الآراء والفهوم المستنبطة.
3- جميع الآراء والاستنباطات ، المستمَدة من الكتاب والسنة ، عبر وسائل صحيحة عقلاً وشرعاً، مقبولة .
4- نحن دعاة إلى الإسلام ، ولسنا قضاة على الناس ، ولا يهمني إطلاقُ حكم الكفر على الكافر ، وإنما الذي يعنيني أن أدعوه إلى الإسلام ، بالحكمة والموعظة الحسنة .
5- نسعى إلى رسم المحيط الأوسع للدائرة الإسلامية ، وفق أعمِّ المعطيات القرآنية والنبوية ، فنحن دعاة استيعاب ، ولسنا هواة استبعاد .
النورس : تصدى كثير من علماء المسلمين في العصور الأولى لمسألة العلاقة بين الفرد والدولة ، وبينوا الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه القضية ، كالطرطوشي الذي يقول : " هرج ساعة شر من ظلم ستين سنة " لماذا لا يتصدى الفقهاء المعاصرون لمثل هذه القضايا بشكل مركز وشامل ؟
د. عكام : لا أجد لهذا السؤال جواباً أفضل من خطبة أبي بكر الصديق ، يوم تولى الخلافة : " أيها الناس إني قد ولّيت عليكم، ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم " . وهذا يعني أن لكلٍّ من الدولة والأفراد واجبات حيال الآخر : فالدولة ملزمة بالاحتكام إلى شرع الله في شؤونها، وبالتزام خط الشورى ، والعدالة، والمساواة . والفرد ملزم بالطاعة، فإذا ما رأى انعتاقاً من قِبَل الدولة من الدين علنياً صريحاً رفض الطاعة ودعا إلى الإسلام ، دون أن يخاف في الله لومة لائم ، مراعياً أخلاق الإسلام في صيانة الدماء وحقنها ، وحفظ الأعراض ، فلا إثارة ، ولا رعب ، ولا تخويف . وأعتقد أن علماءنا وإن بحثوا في هذا الأمر إلا أن أبحاثهم لازالت غامضة إلى حد ما ، ولا زال مثل هذا الموضوع يحتاج إلى وضع النقاط عليه بشكل أفضل .
النورس : من خلال معايشتكم لأوضاع المسلمين في مناطق مختلفة من العالم ، كيف ترون مستقبل الإسلام والمسلمين ؟ مع الشكر الجزيل لفضيلتكم على تكرمكم بالإجابة على الأسئلة ، وجزاكم الله كل خير .
د. عكام : المستقبل مرهونٌ بالحاضر ، يعتمد عليه ، ويُرى من خلاله ، وحاضر المسلمين يحتاج إلى :
1- إيمان محقَّق .
2- وعمل صحيح كامل شامل .
3- ووحدة تقوم على أسس متينة مستمدة من مصادر الدين الحنيف .
وبعبارة أخرى : المستقبل للإسلام إن سعى المسلمون إلى إيجاد النموذج المقنع على مستوى الفرد ومستوى الجماعة والإقناع ينبثق من تكامل نظري وعملي ، ابتداءً بالمعرفة ونظامها ، مروراً بالتقنية وأخلاقها ، والحياة وفنها ، والروح وأبعادها ، وانتهاءً بالدولة الصائنة لحقوق الأفراد ، الراعية لشؤون الجماعة وحقوقها . وعلى المسلمين أن يجهدوا في تقديم مذكرة تفسيرية عالمية اللغة والصلاحية ، حتى يمكن استخلاص قانون عام يحكم الإنسان في كل أحواله .
وأهم مميزات هذا القانون : أن يعكس شخصية الإنسان زماناً ومكاناً وتطلعاتٍ وأهدافاً وآفاقاً وغيباً . فالحياة تعاش على مستويين : معنوي ومادي ، يوجّه الأولُ الثاني ، ومن خلال هذا يبرز الإسلام قادراً على توجيه دفة الحياة بشكل عام .
المستقبل مرهون بالإعداد والتخطيط ، فمن فعل هذا ربح ، ومن أعرض عن هذا خسر: ( ولقد كتـبـنـا في الزبـور من بـعد الـذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون ) . أي : القادرون على عمارتها مَنْ كانوا .
فهل نحن ممن نستشرف هذا ؟ آمل ، وإن كان الواقع لا يسعفني .
في النهاية : لا يسعني إلا أن أتقدم بشكري لمجلتكم " النورس " آملاً أن تكون جسراً خيراً ، يربط بين مختلف الآراء ، لتتكامل ثقافتنا الإسلامية العربية أمام إنساننا في عصرنا الراهن ، ومتمنياً لكل طاقمها دوام العطاء والازدهار .

التعليقات

شاركنا بتعليق