آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
حوار جريدة السياسة الصادرة بالكويت

حوار جريدة السياسة الصادرة بالكويت

تاريخ الإضافة: 1996/06/25 | عدد المشاهدات: 5254

25/6/1996

السياسة : هل لنا بدايةً أن نتعرف على المراحل المبكرة واللاحقة من التكوين الفكري والمعرفي لديكم ؟
د. عكام : لقد درست في الثانوية الشرعية في حلب، بدءاً من الصف الأول الإعدادي وانتهاءً بالصف الثالث الثانوي، وكانت مناهجها تضم معالم جيدة، وملامح أفقية شاملة للعلوم الإسلامية المختلفة، من فقه وحديث وتفسير ولغة عربية وسواها، رافق ذلك قراءاتٌ مختلفة خصوصاً، ودروس كنت أحضرها على عدد من الأساتذة الأفاضل، والتحقتُ بكلية الشريعة بدمشق، فأفدتُ كثيراً منها، لأنني داومت بشكل منتظم وجادٍّ، وكنت حينها منكبَّاً على تحصيل علوم الآلة، من نحو وصرف ومنطق، اعتقاداً مني أنها تشكِّل أساساً مهمَّاً للتكوين المعرفي العلمي، وتُقوِّي المحاكمةَ الصالحة لإنشاء الأحكام الصحيحة لدى الإنسان .

السياسة : اختيارك السوربون للدراسات الإسلامية من أي منطلق جاء، وما الذي أضافه هذا الاختيار إلى تجربتكم المعرفية والعلمية ؟
د. عكام : كانت جامعة السوربون، التي قضيتُ في رحابها سنواتٍ أربع، نافذةً أطللت من منها على منهج التفكير لدى عالم متطور في تقنيته، يحاول المناظرة بينها وبين الفكر الإنساني، ليظهر متفوقاً فيهما معاً، وأكـثر مـا شـدَّ انتباهي هـناك الاهـتمام الكبـير بـ: " الأنـثـروبولوجـيا "، أو علم الإناسة كما يترجمها بعضهم، وقد جهدت في التعرف على مقومات هذا المنهج، وانطلقت منه في كتابة رسالتي لنيل الدكتوراه : " الحاكمية والسلطة في الفكر الإسلامي السياسي " . وإني على ثقة أن الدارسين الأوائل في تاريخنا الإسلامي كانوا روَّاداً، من أئمة الصحابة، ومروراً بأئمة الحديث وأئمة الفقه، إلى أواخر القرن الخامس الهجري ، فقد وقفوا أمام الإنسان كما علمهم القرآن الكريم، وخاطبوه معرَّى عن كل صفة، لينطلقوا من خلال نظراته الأساسية، إلى نفسه وإلى ما حوله، لتكوين أساسيات تفكيره، ولابد من تسجيل كلمة شكر للأستاذ الدكتور " محمد أركون "، الذي ساهم في إغناء تطلعاتي لهذا المنهج .

السياسة : يواجه الإسلام تحديات شرسةً لتشويه صورته النقية، والإساءة إليه بشتى السبل، وحجب صوره دون الوصول إلى عوالم الشرق والغرب، وفي حمأة هذه الهجمة المسعورة يروِّج البعض مقولة أن الإسلام يُلزم أتباعه بنسق فكري وسلوكي " مناقض تماماً لكل عناصر الميراث المشترك لسائر الأمم والشعوب " وهو نسق في زعمهم يناقض العلم ويحارب العقل ويروج للغيبية الفكرية والسلوكية . فما هي الحجج اليقينية التي يمكن سوقها للرَّد على هؤلاء الغلاة الموتورين وأمثالهم ؟
د. عكام : الإسلام دين الإنسان أنَّى كان هذا الإنسان، يُحدِّد له المنطلق، ويرسم له الطريق والمنهج، ويبين له الغاية، ويلفه بما يناسب إنسانيته ويرقِّيها ، أما المنطلق فهو إرادة الخير للناس كلهم، تجلى ذلك من خلال الإيمان بالله المطلق الخالق العليم الرحيم، عبر رسله ورسالاته للناس كافة، وإقامة الحجة عليهم من أنفسهم ، وأما الطريق والمنهج فإسلامٌ كامل تام للجسم والروح والعقل فرداً وجماعةً، يغني التصور بالعقيدة السديدة، الواصلة إلينا بخبر يقيني عن الله عز وجل شأنه، أو عن مبلغه الصدوق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويُغني المواقف بتشريعاته المجيدة، فما من علاقة يُصدرها الإنسان إلى جهة من الجهات، إلا والإسلام يغطِّيها التغطية المناسبة لإنسانية الإنسان، فإن كانت مع الناس فبالتشريعات والأخلاق التي تأخذ اسمها من طبيعة هذه العلاقات، فهناك أحكام وتشريعات تنصب على قضايا المال تسمى بالمعاملات، وأخرى تغلف قضايا الأسرة تسمى بالأحوال الشخصية، ورابعة تهتم بالجريمة يُطلق عليها اسم الحدود· ومــا يرتبط بالسياسة والدولة يسمى : " السياسة الشرعية " وغيرها .
وميزة العبادة في الإسلام أنها تحفز كل دواخل الإنسان من أجل أن يتهيأ لفعل الخير، وحينما نتحدث عن الأخلاق في الإسلام فما من فضيلة إلا ودعا إليها الإسلام وحثّ عليها، وما من رذيلة إلا ونهى عنها وحذر منها ، وأما غاية الإنسان في الإسلام فإنه يرتقي به ليجعل منه خليفةً عبداً صالحاً أميناً . فالخليفة يعني: أنه خُلق على الكوكب الأرضي ليقوده تكليفاً في مسار الخير، ومن خلاله يؤدي ويحقق الأمانة التي نادت بحملها السماوات والجبال ، والعبد يعني : الارتباط الأقوى بالإله المطلق عبر طريقي الخضوع والحب ، والصالح : ذاك الذي يمتلك المؤهلات اللازمة من معرفة كونية وتاريخية تستندان إلى معرفة نصيّة فما أروع إنسان الإسلام بمنطلقه وطريقه وغايته . وأين هو من افتراء يُفترى عليه مفاده أنه ذو نسق خاص ضيق لا يصلح به لتشكيل إنسان كوني عام ألا ساء ما يحكمون ؟

السياسة : ما واجب العلماء والمفكرين الإسلاميين تجاه الأزمات والنكبات التي حلت بالعالم الإسلامي وفككت كيانه ؟
د. عكام : واجب العلماء في كل آن ومكان هو ذاته لا تبديل فيه ولا تغيير، وملخصه التبيان، والجهر بالحق، وتقديم المسار الأقوم للمجتمع بلغة المجتمعات كافةً، ببيان مأخوذ من التنزيل الإلهي والشرح النبوي له، ذلك أن الله تعالى قال : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الإسراء/9 . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" بُعثت بالحنفية السمحة " كما ورد في مسند الإمام أحمد .
ويتصف البيان بالوضوح والاستيعاب ومواكبة الزمان والمتغيرات والشمول والتمام حتى لا ينفصم الإنسان موضوع البيان ومحل تطبيقه، وأعتقد أن علماءنا سابقاً ساهموا مساهمةً فعالة حين دونوا آلاف الكتب التي تتخذ من الإنسان موضوعاً في كل متعلقاته ومجالاته، وما المدارس الفقهية والعقيدية قديماً وحديثاً إلا دليلٌ على ذلك .

السياسة : برز في السنوات الأخيرة مفهوم " العلمانية " وهو مذهب يدعو إلى عزل الدين عن الدنيا وفك الارتباط بين الأديان والسياسة والاقتصاد والسلوك أي بمعنى عزل الديانات عن الحياة السياسية . فما هو موقف الإسلام من هذه الدعاوي ؟
د. عكام : إذا كانت " العلمانية " مشتقة من العلم فنحن علمانيون، وإذا كانت تعني الصراع بين العلم والدين فنحن مجانبون، إذ الإسلام دينٌ يدعو إلى العلم، بل إن التزامه جاء نتيجة التعلم والمثاقفة والتعليم . كيف يُعزل الإسلام عن الحياة وهو دينها وراسم ملامحها ؟! ولئن كانت هنالك صراعات بين دين سواه وبين العلم في فترة ما فإن هذا لم يكن ليحدث بين الإسلام والعلم وبين الإسلام والحياة الواعية المتطورة . وهب أننا عزلنا فما هي حدود الحياة ؟ وما هي حدود الإسلام ؟ وما نفعل بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تتعلق بالحياة اقتصاداً وسياسةً واجتماعاً وأسرةً وما أكثرها ؟! والمهم في النهاية أن نقرر أن الإسلام دين ودنيا وسع الحياة الدنيا والآخرة، أغنى التصور بالعقيدة، وغطى المواقف بأنسب الأحكام مع الإنسان، فكان بذلك اللبوس الصالح للإنسان في كل زمان وأينما حلَّ في المكان .

السياسة : في وقتنا الراهن نجد صداماً بين " الديني " و " السياسي " فيما يخص شؤون الحكم والدولة، إذ إنّ " السياسي " غالباً ما يتهم " الديني " بعدم امتلاكه مقومات الدولة نظرية وواقعاً، فما مدى صحة هذا الكلام ؟
د. عكام : الصدام بين " الديني " و " السياسي " مفتعل من قبل الثاني، ذلك أنه وضع في تصوره قبلاً، أنّ الدين لا يمتلك مؤهلات الحكم، فما بال المتدين يُطالب به وهو غير قادرٍ عليه ؟ ولو أنّ السياسي اطلع على ما لدى الديني، وأعني هنا المسلم، لوجد خلاف ما تصور وظن ووهم . والمشكلة في هذه القضية، مشكلة استيرادٍ كامل لمفاهيم الغرب وتصوراته وتاريخه، وإلا فما هي أسس الدولة الحديثة التي لا نراها في الإسلام ؟! وهل تجانب ما اعتمده الإسلام في هذا الميدان من شورى وعدالة ورعاية الحقوق العامة والخاصة ؟ و ما كُتب في الفكر الإسلامي، حول مقومات الدولة الإسلامية، لا يغاير تلك التي تقوم عليها الدولة الحديثة، بل يزيد عليها عنصر الإيمان بالله، الذي يمنحها المؤيد الداخلي، وقوة المراقبة من المرؤوس على رئيسه، ومن الرئيس على مرؤوسه . وما في الدولة الحديثة من حسنات، لا يعدو أن يكون ظلالاً لمقومات دولة الإسلام، ودونكم الخلافة الراشدة، فادرسوها بعناصرها ومقوماتها .

السياسة : شغلت قضية الشباب في كل زمان ومكان أذهان المفكرين وعلماء النفس والاجتماع والفلاسفة فكيف تجلى المنهج الإسلامي في علاج مشكلات الشباب برأيك ؟
د. عكام : أما الشباب فالإسلام دينهم، وما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا شباباً . استخرجَ طاقاتهم ووجهها في مسار التكوين السليم الخاضع للعقل الفاهم الواعي، فلا طيش ولا فوضى ولا عدوان ولا إفساد . وما الشباب إلا مجموعة صفات هي الشجاعة والنشاط والعاطفة القوية والمسؤولية الوقادة . أما الشجاعة فالإسلام يطلبها للذود عن الحياض عقيدة وعرضاً وأرضاً، وللجهاد حيث الدعوة والقتال لنشر دين الله الحق، وإبعاد المستكبرين الذين يعيقون المسير بقوتهم وعدتهم الباغية الطاغية، والذين يسعون لاستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير فيما يخص الإنسان منطلقاً وطريقاً وغايةً وهدفاً . والنشاط والإعداد : ما أكثر الآيات والأحاديث الداعية إليه، وما أظن كتاباً حوى "العمل " و " الجهاد " و " الدعوة " وهذه من مفرزات النشاط وكذلك " التفكير " وهو أعلى درجات النشاط، الذهني كالقرآن الكريم . بل إنه نادى أتباعه بالحركة السريعة ليستفرغ طاقة أهل الطاقة: ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) آل عمران/133، ( وسابقوا إلى مغفرة من ربكم) الحديد/21، ( وعجلت إليك ربي لترضى ) طه/84 .
وأما العاطفة التي تشكل حجر الأساس في عالم الشباب فقد غذاها الإسلام عبر الإيمان بالله المطلق الكبير الرحيم، وزرع في أرضها الحب الكبير الذي يستنفذها جيدةً جادَّةً فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم - على سبيل المثال - " أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله إياي، وأحبوا آل بيتي لحبي " رواه الترمذي .
أخيراً : الشباب مسؤولية، وقد نماها الإسلام في تربة الشباب، وأنبتها نباتاً حسناً فما من عمل تقوم به ابتداءً من سن دخولك عالم الشباب إلا والمسؤولية تطوق رقبتك وحدك دون سواك، ولتعلم أن أمامك موعداً ستلقى الله فيه ليسألك عن ساعاتك ودقائقك وثوانيك : " لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع " ومن جملتها " عن عمره فيما أفناه " كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ... " .

التعليقات

شاركنا بتعليق