آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
حوار مجلة النورس الصادرة في بيروت

حوار مجلة النورس الصادرة في بيروت

تاريخ الإضافة: 2024/04/19 | عدد المشاهدات: 2787

النورس : كلنا يعلم أن الإسلام حثَّ على طلب العلم، بل جعله فريضة على كل فرد. فأي فروع العلم قصد بذلك ؟ وهل هو العلم الديني فقط، كما يتصور البعض ؟
د.عكام : العلم مقترن بالعمل، وهو أساسه وركيزته، وحيثما كان الأمر بالعمل، كان الأمر بالعلم، وإذا كنّا مستخلَفين على الأرض إصلاحاً ورعايةً وقيوميّة، فالعلم الذي يمكّننا من ذلك فرضٌ علينا جميعاً، كالعمل، نتقاسمه اختصاصاً، وننهض به أمراً من الله تعالى، لا تفريق في الوجوب بين اختصاصٍ وآخر. وليس العلم المفروض محصوراً بما يقوّم العبادات الصّرفة، من صلاة، وزكاة، وحج، وإنما هو عام شامل لكل العمل الإصلاحي العام، في مختلف مجالات الحياة ومستوياتها وصُعدها. وعلى هذا؛ فليس هناك علم ديني، وآخر غير ديني، مادام الدين شاملاً تاماً كاملاً له إشعاعات على كل ما يمكن أن يصدر عن الإنسان، من أجل أن يعمر الأرض، أو يهيّئها للإنسان المنشود، فالعلم فريضة على كل مسلم، حيث كانت رسالة المسلم.
النورس : هل يصيب من يحاول تفسير بعض الظواهر الطبيعية، والحقائق العلمية المكتشفة حديثاً، تفسيراً دينياً اعتماداً على القرآن الكريم والسنة النبوية ؟ وماذا لو أن نظريات جديدة دحضت النظريات السابقة ؟
د.عكام : القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد، ودستور كامل للإنسان، وليس كتاب فيزياء، أو كيمياء، أو تشريح، أو أحياء؛ بالرغم من إشارات متكررة جاءت فيه تتعلق بهذا، لكنها لا تعدو أن تكون أمثلة جيء بها للاستدلال على قدرة الخالق، وتثبيت حاكميته على المخلوق بشكل عام،والإنسان بشكل خاص. وعلى علماء التجريب الإفادة منها، لتطوير ما وصلوا إليه من نظريات في ميادين علومهم هذه. ومَثَل القرآن في هذا - ولله المثل الأعلى - مَثَل قانون اجتمع على وضعه علماء القانون والتشريع الفاهمون، لكنهم وهم يضعون المواد، احتاجوا من أجل ترسيخ القوانين، إلى تمثيل مرئي في عالم الزراعة مثلاً، فاستعانوا باختصاصيين فيها، ليكون المثال صحيحاً علمياً. وكذلك القرآن الكريم، اعتمد في التوجيه والمخاطبة على أمثلة مرئية ملموسة، قائمة ومستندة إلى سنن موضوعة من قبل الخالق، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون مخالفة لمكتشفات العلم، بل على العلم أن يحاول حتى يتطابق في النهاية مع المعطيات القطعية للأمثلة العلمية في القرآن الكريم.
ونريد أن نذكر هنا احترازاً مفاده: أن من يفسر القرآن تفسيراً علمياً ينبغي ألا يطرح تفسيره على أنه المراد حتماً من الآية القرآنية، وإنما يقدمه على أنه محتَمل من محتملات الآية، وحسب ما وصل إليه فهمه، فإن أظهر العلم خطأ تفسيره، بقيت الآية بمعزل عن أن ينسب الخطأ إليها، وحاشاها، فهي لا تقرر قطعاً إلا الصواب، ولكن البشر في اكتشافاتهم متقلبون.
النورس : لا يزال الكثيرون يحجمون عن استخدام بعض المخترعات الحديثة، كالتلفزيون مثلاً، لكونهم يخلطون بين هذه الوسيلة "الاختراع" وبين تلك المادة التي تعرض فيها، متناسين أنها يمكن أن تكون، وينبغي أن تكون، أداة للتعبير عنهم، وعن آرائهم، وأفكارهم. هل الطريقة الصحيحة للتعامل مع الوسائل المذكورة هي مقاطعتها ؟
د.عكام : لا أعتقد أن هناك كثيرين يفعلون هذا الذي قلتَ، بل هم، في رأيي، قلة قليلة، هذا أولاً. بعدها، لا بد من القول بأن الإسلام كان صريحاً جداً في التمييز بين الوسيلة والأداة بحد ذاتها، وبين توظيفها واستخدامها، وإن الحكم إنما يدور على الثاني، ولا علاقة له بالأول، لأن متعلقات الأحكام هي أفعال المكلفين. فالشِّعر من حيث كونه أوزاناً وتقاطيع لا حكم له، ولكن استخدامه في الهجاء والبغاء والفساد، هو الذي يحيله إلى فعلة محرمة ممنوعة، واستخدامه في الفضائل والمكارم والتوجيه إليها، يجعله مشجَّعاً عليه من قبل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بعد القرآن الكريم، فقد قال لحسان بن ثابت: " إيه وروح القدس معك "، " لا يفضض الله فاك ". إذاً، الموقف الصحيح هو الدعوة إلى استخدامها في ما ينفع الإنسان، ويساهم في إيصاله إلى تحقيق الغاية التي وجد من أجلها: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات/56.
النورس : الحديث عن العلم يقودنا إلى الحديث عن العقل، إذ يحاول بعض الفقهاء أن يلغوا دور العقل، أو يحجموه في أصغر حيز ممكن، ظناً منهم أنهم يُعلون بذلك من قدر الإيمان المطلق، ما هو رأيكم في هذه القضية ؟
د.عكام : لن أسمي ذاك الذي يلغي دور العقل فقيهاً، لأن الإسلام قائم على مخاطبة العقل، واعتباره مناط التكليف، وقد دعا القرآن الكريم الناس كافة، والمسلمين خاصة إلى إعماله حتى أقصى درجاته، وحضّ على حركته، المتجلية بالنظر، والتفكر، والتدبر، والتعلم. ويسهل على من له أدنى إلمام بآي من الذكر الحكيم، أن يذكر لك كثيراً من الآيات المتعلقة بهذا، فقد وردت كلمة " العقل " بمشتقاتها في القرآن الكريم في تسعة وأربعين موضوعاً، ووردت مادة " الفكر " في ثماني عشرة آية، ووردت مادة " العلم " في نحوستمائة آية، وكلمة " التدبر"، و" الرشد " في ثلاث وعشرين آية، وكلمة " القلب " و" الفؤاد "، وهما بمعنى العقل، في ست وأربعين آية. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: " قد أفلح من رُزق لُبَّاً "، وكان كثيراً ما يَسأل عن عقل الرجل، من أجل أن يتعرف عليه، أو يُعرِّف به. حتى الإيمان، إن لم يكن عن عقل واقتناع، رُفض، ودعي المؤمن إلى الإيمان مجدداً على أساسه: ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا ) النساء/136. وأغتنم هذه الفرصة لأدعو المسلمين وغيرهم إلى تأسيس الفكر من خلال العقل والوعي العمليين، وآمل أن نستجيب، ونبدأ الطريق.
النورس : في عالم يتسم بالصراعات وتتسارع فيه الأحداث والتغيرات، هل يكتفي المسلمون، أفراداً ودولاً، بدور المتفرج الخاسر حتماً، أم أن لكل منا موقفاً ودوراً ؟ وكيف يمكن أن يكون مثل هذا الدور ؟
د.عكام : دور كلٍ منا في عالمنا اليوم مستمد من مبدئه وعقيدته، وإذا كنا مسلمين فالإسلام دين التطوير، والتغيير نحو الأفضل لبني الإنسان قاطبة. وأول ما يجب علينا فعله أن نجلِّي حقيقة الإسلام، نظاماً وأحكاماً، في ميادين الحياة كافة، عبر الوسائل الإعلامية المختلفة. وأن ننتقل نحن الأفراد من الإيمان المدّعى إلى الإيمان المحقق، ومن السلوك البعيد إلى السلوك القريب، الذي يتفيأ ظلال الإسلام في نصوصه الأصلية، ليشكّل كل واحد منا دعوة عملية للآخرين، فالناس أحوج ما يكونون إلى نماذج واقعية، منها إلى ادعاءات عريضة، وشعارات واسعة، ويوم نستبدل بالشعارات الفكر البنَّاء الواقعي، نكون قد خطونا في طريق الحياة المبتغاة الهادفة. وأما الدول، فدورها يكمن في البحث الجاد عن السبل التي تلم شعثها، وتجمع شملها، وعليها أن تجسِّد الدين محوراً أساسياً للالتفاف حوله، وألا تزهد في اعتباره العامل الأقوى في لقائها، وديننا يختلف عن الدين المستبعَد من المحاور اللقائية في الغرب، لما لهذا الأخير من واقع تاريخي مرير في علاقته مع العلم والسلطة والسياسة. والدول الإسلامية، إن التقت على أرض إسلامها، أنبتت فيها حصانةً لثرواتها وطاقاتها وقدراتها الحسية والمعنوية، وقد استُنفدت محاور اللقاء من قبل غيرنا إلا الدين. وعلينا أن نقدمه محوراً ناجحاً، ونقطة تمركز هامة، وهذا يتوقف على فهمنا له، وحسن تقديرنا إياه، والمهم في الأمر، أن نفكر فيه دون أن نبحث في أثنائه عن تبريرات لتخبطات مختلفة، ستظهرها النهايات الزمنية على حقيقتها، فتكون محاولات للارتباط والتبعية لغرب أو لشرق.
النورس : تشهد بعض المجتمعات الإسلامية خلافات حادة بين أفرادها، تأخذ طابعاً دموياً في كثير من الأحيان، ما هو حكم الشرع في من يكفر المجموع، ويشهر سلاحه في وجوههم، فرداً كان أو جماعة ؟
د.عكام : هنالك قواعد اعتمدتها في هذا الميدان، أودُّ ذكرها، فلعلها تحمل في طياتها الجواب على هذا السؤال:
1- نعتمد الظاهر في قبول الإسلام، ونترك الباطن لعليمه.
2- لا نريد أن يُتخذ رأي عالم سابق، أو مفكِّر لاحق، حاكماً على بقية الآراء والفهوم المستنبطة.
3- جميع الآراء والاستنباطات، المستمَدة من الكتاب والسنة، عبر وسائل صحيحة عقلاً وشرعاً، مقبولة.
4- نحن دعاة إلى الإسلام، ولسنا قضاة على الناس، ولا يهمني إطلاقُ حكم الكفر على الكافر، وإنما الذي يعنيني أن أدعوه إلى الإسلام، بالحكمة والموعظة الحسنة.
5- نسعى إلى رسم المحيط الأوسع للدائرة الإسلامية، وفق أعمِّ المعطيات القرآنية والنبوية، فنحن دعاة استيعاب، ولسنا هواة استبعاد.
النورس : تصدى كثير من علماء المسلمين في العصور الأولى لمسألة العلاقة بين الفرد والدولة، وبينوا الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه القضية، كالطرطوشي الذي يقول: " هرج ساعة شر من ظلم ستين سنة ". لماذا لا يتصدى الفقهاء المعاصرون لمثل هذه القضايا بشكل مركز وشامل ؟
د.عكام : لا أجد لهذا السؤال جواباً أفضل من خطبة أبي بكر الصديق، يوم تولى الخلافة: " أيها الناس إني قد ولّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم". وهذا يعني أن لكلٍّ من الدولة والأفراد واجبات حيال الآخر: فالدولة ملزمة بالاحتكام إلى شرع الله في شؤونها، وبالتزام خط الشورى، والعدالة، والمساواة، والفرد ملزم بالطاعة، فإذا ما رأى انعتاقاً، من قِبَل الدولة،من الدين، علنياً صريحاً، رفض الطاعة ودعا إلى الإسلام، دون أن يخاف في الله لومة لائم، مراعياً أخلاق الإسلام في صيانة الدماء وحقنها، وحفظ الأعراض، فلا إثارة، ولا رعب، ولا تخويف. وأعتقد أن علماءنا، وإن بحثوا في هذا الأمر، إلا أن أبحاثهم لازالت غامضة إلى حد ما، ولا زال مثل هذا الموضوع يحتاج إلى وضع النقاط عليه بشكل أفضل.
النورس : من خلال معايشتكم لأوضاع المسلمين في مناطق مختلفة من العالم، كيف ترون مستقبل الإسلام والمسلمين ؟ مع الشكر الجزيل لفضيلتكم على تكرمكم بالإجابة على الأسئلة، وجزاكم الله كل خير.
د.عكام : المستقبل مرهونٌ بالحاضر، يعتمد عليه، ويُرى من خلاله، وحاضر المسلمين يحتاج إلى:
1- إيمان محقَّق.
2- وعمل صحيح كامل شامل.
3- ووحدة تقوم على أسس متينة مستمدة من مصادر الدين الحنيف.
وبعبارة أخرى : المستقبل للإسلام إن سعى المسلمون إلى إيجاد النموذج المقنع على مستوى الفرد ومستوى الجماعة، والإقناع ينبثق من تكامل نظري وعملي، ابتداءً بالمعرفة ونظامها، مروراً بالتقنية وأخلاقها، والحياة وفنها، والروح وأبعادها، وانتهاءً بالدولة الصائنة لحقوق الأفراد، الراعية لشؤون الجماعة وحقوقها. وعلى المسلمين أن يجهدوا في تقديم مذكرة تفسيرية عالمية اللغة والصلاحية،حتى يمكن استخلاص قانون عام يحكم الإنسان في كل أحواله. وأهم مميزات هذا القانون: أن يعكس شخصية الإنسان، زماناً ومكاناً وتطلعاتٍ وأهدافاً وآفاقاً وغيباً. فالحياة تعاش على مستويين: معنوي ومادي، يوجّه الأولُ الثاني، ومن خلال هذا يبرز الإسلام قادراً على توجيه دفة الحياة بشكل عام. المستقبل مرهون بالإعداد والتخطيط، فمن فعل هذا ربح، ومن أعرض عن هذا خسر: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون ) الأنبياء/105. أي: القادرون على عمارتها، مَنْ كانوا. فهل نحن ممن نستشرف هذا ؟ آمل، وإن كان الواقع لا يسعفني.
في النهاية:
لا يسعني إلا أن أتقدم بشكري لمجلتكم " النورس " آملاً أن تكون جسراً خيراً، يربط بين مختلف الآراء، لتتكامل ثقافتنا الإسلامية العربية أمام إنساننا في عصرنا الراهن، ومتمنياً لكل طاقمها دوام العطاء والازدهار.

التعليقات

شاركنا بتعليق