آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
حوار مجلة المحاور

حوار مجلة المحاور

تاريخ الإضافة: 2001/08/01 | عدد المشاهدات: 2062

تاريخ آب 2001

السؤال : أتساءل ويتساءل المتسائلون كيف نفسر على ضوء القرآن هذا القتال الشرس بين المسلمين والمسلمين في مواقع مختلفة من العالم كالجزائر وأفغانستان ؟
الجواب : بالنسبة لما يحدث في الجزائر أو في أفغانستان غريب عن القرآن وأضواء القرآن ، وما أظن أن له علاقة بإسلام المتقاتلين أو بدينهم بل القضية - في رأيي - تصفية حسابات لها كبير اتصال بالعشيرة والعرق والديمقراطية والحرية وحقوق المواطنة وأشياءَ وأشياء ... أقول هذا بالرغم من أن بعضاً أو كثيراً من هؤلاء يرفع شعار الإسلام ليضعه عنواناً تبريرياً على ساطوره أو سيفه ، إلا أن شعاره هذا ظهر زيفه لكل الناس الذين يعرفون الإسلام ديناً عادلاً ، ومبدأ يربط الإنسان بالإنسان ربطاً أميناً وفياً ، ولكنه وفي نفس الوقت استغل استغلالاً سلبياً من قبل المعادين للإسلام ليجعلوا من هذا الأخير ديناً دموياً يحب اتباعه وبالتالي فليرفض من قبل المجتمع الدولي إذا متطلعاً إنسانياً وصيغته تعايشية مطروحة ويسوق لهذا الرفض حتى في بلاد المسلمين أنفسهم وهاهي بوادر الرفض هنا أخذت
تلوح بالأفق .
يا ناس إذ يقتتل هؤلاء وهم مسلمون ، فلا يعني إن الذي حرضهم على الاقتتال والشراسة هو الإسلام ، فالرجل بقاتل حمية ، ويقاتل للشهرة ، ويقاتل ليُرى مكانه وهو مسلم ، في كل هذه الأحوال حسب الظاهر ولكن الإسلام منه بريء ، وإنما المسلم الحق هو من يقاتل في سبيل الله الذين يقاتـلونه ويعتدون عليه ويمنعونه من بث كلمته المحسنة النافعة للإنسان ، فـهل هؤلاء يدخلون تحت هذه الراية ؟؟
وبناء على هذا المعيار فليس القتال في الجزائر أو في أفغانستان بإسلامي حتى ولو ادُّعي . وابحثوا أيها المعنيون بالدراسات الاجتماعية والنفسية عن دافع آخر غير الإسلام ، وأخبرونا ، وإياكم والاكتفاء بالظاهر المدَّعى ، فالحصيف من وعى لا من صَدَّق المُدَّعَى .

السؤال : والآن بعد أن تعرفنا على وجهة نظركم ، في حدود رؤيتكم كيف يصار إلى إنهاء هذه المهازل التي تولد حمامات الدم هنا وهناك ؟
الجواب : إنهاء هذه المهازل منوط بوعي الدولة مهمتها ورسالتها ووظيفتها ، وكذلك بوعي الشعب
عامة دوره ورسالته ، بمعنى آخر لابد في مثل هذه الأحوال من ديكتاتوريات عادلة على مستوى الدولة ومستوى الشعب ، فالدولة تلاحق وتنزل أقسى العقوبات بالمخالف وبمن يسبب القلاقل ، وعلى الشعب أن يعين الدولة في هذا بالدلالة وإعلان الموقف الجريء الواضح حيال هذه المهازل وصانعها . لكن المشكلة يا سائلي أن بين الدولة والشعب فجوات وفجوات ، ويأتي هؤلاء القتلة ومرتكبو الآثام لينفذوا وبشكل غير مباشر مآرب الدولة القاسية بحق الشعب ، ومآرب الشعب القاسية بحق الدولة ، والفجوات التي ذكرتها جاءت نتيجة غياب الحرية والديمقراطية والتفاهم الاجتماعي ، فالشعب مقهور بدولة لم يخترها والدولة ناقمة على شعب لا يواليها موالاة الخانع الخاضع . إنهاء المهازل منوط بفهم السياسة فهماً واعياً ، وإدراك الإبعاد الديمقراطية لعلاقة الحاكم بالمحكوم وقديما قالوا : " الطغيان يولد العصيان " وكِلا الطغيان والعصيان ينتجان دماً مسفوحاً وبغير حق وإهدار حرمة إنسان بغير عدالة . لقد قصرنا في عالمنا العربي والإسلامي الذي هو جزء من العالم الثالث في تربية الإنسان على احترام الإنسان وتقديره وحرمة دمه وفظاعة الاستخفاف به ، ولو أننا أدخلنا في وعي إنساننا أهمية الإنسان - مَن كان - في الإسلام ، وحرمته عند الله لما حدث الذي حدث ، ولو أننا وبقوة أشرنا بأصابع الاتهام إلى الخاطئ في " صفين " و " الجمل " لما تكررت " صفين " وأمثالها ، لكننا جاملنا وخفنا من تخطئة الخاطئ فكان الأطراف كلهم أبطالاً فمن شَتَم وسَفَك فهو مجتهد ومأجور ، ومن ظُلم وشُتم وقتل فهو مجتهد ومأجور أيضاً ، أفيجوز هذا ؟؟ !!

السؤال : وخروجاً من هذا المأزق ، ما السبيل إلى توليد حوار إسلامي إسلامي وصولاً إلى المجتمع الإسلامي الحضاري الموعود ؟
الجواب : أنا أدعو دائما إلى فهم عراقيل الوحدة الإسلامية والعربية أولاً ، ومن ثم يصار إلى إزالتها ، وأخطر هذه العراقيل أمور :
أ- عدم معرفة الأطراف الإسلامية بعضها بعضاً .
ب- ادِّعاء كل طرف من الأطراف أن الحق المطلق معه وأنه مع الحق المطلق .
ت- إهمال التاريخ دراسة ونقداً ، والاكتفاء بدراسة وجدت على سبيل التعالي به وهذا يؤدي إلى " الانتقاء الوهمي " والزيادة في قصه والحذف من أخرى وهكذا ...
ث- تقصير شديد في تربية طفلنا على الأريحية والتلقائية اللتين هما أهم تجليات الفطرة التي فُطر الناس عليها .
ج- تحويل المذاهب الفقهية الفَهمية إلى مذاهب سياسية مُؤطَّرة مفرِّقة مقيدة .
ح- الحزبية الوافدة علينا ، ولعلي في هذا المقام أذكر بالمقولة التي رفعتها عنواناً لمسيرتي : لنلتق دون ألقاب أفلا يكفينا الإسلام ؟؟ والحزبية هذه تطورت في بلاد من صدروها إلينا لكنها تأخرت وتخلفت في بلادنا ، ففي الغرب أصبحت الأحزاب برامج ومهمات إصلاح ، وأما في بلادنا فتعمقت الأيدلوجية فيها ، وهذا يفرز التفرد وعدم السماح لحزب آخر بالمشاركة إلا في حدود صغيرة وصغيرة جداً .
هذه مجمل العراقيل فإن أزلناها وصلنا إلى مشروع مجتمع حضاري موحد . واسمح لي أن أعلق بكلمة عن المجتمع الحضاري لطالما رددتها :
الحضارة لا تقوم على شتم الحضارات ، ولكنها تقوم على تحمل شتم أشباه الحضارات .

السؤال : هل تعتقدون أن رجال الدين الإسلامي أو ما اصطلح على تسميتهم ( المشايخ ) يمتلكون الرؤية الواضحة للإسلام الحضاري ؟
الجواب : الرؤية الواضحة للإسلام الحضاري مبثوثةٌ معالمها في القرآن الكريم ، والسنة الشريفة ، وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وآل بيته وأصحابه المختارين ، وما هي بعصية أو شاقة على الاستيعاب ولكنها تتطلب فيمن يود امتلاكها والتمكن منها ، قراءة جادة لهذه المصادر وتدبراً واعياً لها وصدقاً إيمانياً في التوجه لتحصيلها . وما أبغي في طرح هذه المقولات بلاغة على حساب الإبلاغ لكنني على يقين أن من قرأ القرآن بأدوات اللغة العربية والسياق والعبر التاريخية ومعطيات العلوم الأخرى دون سابق تأطير أو تمذهب وصل إلى معالم الرؤية الحضارية المنشودة . لقد جربت بنفسي هذا فرأيتني أمام تعريف للحضارة قَبله وأقرّه عدد من مفكري الغرب والشرق وأغتنم الفرصة لأسجل هنا هذا التعريف للحضارة المستقى من معين الإسلام :
الحضارة : حضور ووجود من خلال ممارسة لمنهاج إنساني الموضوع ، رباني المصدر ، يستوعب الإنسان فرداً - عقلاً وقلباً وحركة سلوكية - والناس جماعة ، بتمام وكمال ، ومواءمة بين الزمان والمكان ، وتوازن بين الفرد والجماعة لتصب هذه الممارسة في غاية مناسبة ، وتوصل إلى هدف جاد على المسارين الدنيوي والأخروي ضمن مسار استيعابي واقتدار على التلقي والتوريث والمتابعة والاستمرار ( انظر كتابنا : من مقولات الفكر الإسلامي ، والحضارة مفهوما إسلامياً ) .

السؤال : هل ترون معنا بأن صور المستقبل تؤذن بزوال إسرائيل كيف ومتى ؟
الجواب : حين أُعلق الأمل بالله أجدني أنظر إلى مستقبل يؤذن بزوال إسرائيل ، لأن إسرائيل ظالمة آثمة باغية طاغية معتدية ، ودولة هذه صفاتها ، وقد قامت على باطل لن تدوم طويلاً فللباطل جولة ثم يزول ، وللحق جولات وصولات وهو يبقى . لكنني حين أنظر إلى الأمر بعين السنن والتكاليف والعمل والسعي المطلوب منا نحن الذين وقع علينا الظلم والحيف والجور أراني غير متفائل ، فما الذي قدمناه حتى نحوز النصر ؟ وما الذي فعلناه حتى نحرز الغلبة ؟ وما الذي أديناه حتى ننتظر بيقين العلو العادل في الأرض ؟ بل على العكس ، لقد عمل أغلبنا ضد النصر العادل ، نتفرق متعادين ، ونتعادى متفرقين ، يظلم بعضنا بعضاً ، ويعمل بعضنا ضد بعض ، نستحل حرمات بعضنا ، من عرض ودين ومال ، يهتم كل منا بشؤونه الخاصة والخاصة جداً على حساب الشؤون العامة الهامة ، يتسلل بعض منا لِواذاً ليبتسم في وجه الظالم طالباً القرب منه على حساب أخيه المظلوم مثله ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال : " تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " قالوا : أَمِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟! قال : " لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: " حب الدنيا وكراهية الموت " .
ستزول إسرائيل وهذا أكيد ولكن هل ستتم الإزالة على أيدينا أم يستبدل الله بنا قوما آخرين ثم لا يكونون أمثالنا ، ولست في عدم التفاؤل بائساً لأني أؤمن بالتوبة وجدواها ، وأنها لمن صدق في طلبها سريعة الأثر والتأثير ، لكن المشكلة كما قلت مرة : نحن في ظلام دامس ، وواثقون من بزوغ الفجر إلا أن المشكلة هي أننا لا نعرف في أي ساعة من الليل نحن .

السؤال : وعلى صعيد المعاملات الاقتصادية هنالك إشكاليه البيع ( بالوعدة )ما رأيكم الشرعي بذلك ؟؟
الجواب : إن كان المقصود به البيع تقسيطاً ، أو البيع لأجل بزيادة في الثمن ، فهذا جائز شرعاً ، لأنه يدخل تحت مفهوم البيع بشكل عام والله عز وجل قال : ( وأحلَّ الله البيع وحرم الربا ) وليس في الأمر شبهة رباً ، لأن القاعدة الاقتصادية تقول : إذا كان الثمن مقابل البضاعة أو العروض التجارية مع الزمن فهذا جائز ، والبيع " بالوعدة " ثمن مقابل بضاعة وزمن ، وبالتالي فهو جائز .

وأخيرا أشكر " المحاور " مجلة واعية هادفة ، وأشكر المحاوِر الأستاذ الإعلامي الفاضل أحمد ماهر عيدو وكل العاملين في هذه المجلة لا سيما أولئك الذين يعملون في مكتب حلب الشهباء ولنعيش الوطن فينا هَمّاً إيجابياً ، ولنعش جميعاً في الوطن متحابين متآلفين والله معنا وهو ولينا .

التعليقات

شاركنا بتعليق