آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
حوار مجلة لها الصادرة في لندن

حوار مجلة لها الصادرة في لندن

تاريخ الإضافة: 2002/01/13 | عدد المشاهدات: 2226

تاريخ : 13/11/2002 العدد 112

هل التمثيل جائز في الإسلام؟ وماذا عن الغناء والأعمال الأخرى? ما هو اللباس الشرعي للمرأة ? وما هي الأعمال التي تصلح لها ? كل هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الشيخ الدكتور محمود عكام في الحوار الآتي:
* ما هي الأعمال التي حللها الشرع للمرأة وما هي الأعمال التي حُظرت عليها ? وهل من فرق بين الأعمال التي تمارسها المرأة قبل الزواج أو بعده ؟
لا فرق في رأيي بين الرجل والمرأة في العمل عامة, فحلال العمل حلال للرجل والمرأة وحرام العمل حرام للرجل والمرأة. وما أظن أن هناك أعمالاً تحل لأحد الجنسين وتحرم على الآخر, فإن قلت لي: هل يجوز للمرأة مثلاً أن تعمل سائقة سيارة كبيرة? قلت لك: إن كانت المرأة لا تستطيع وغير قادرة. وسأقول لك أيضاً: لا يجوز بالنسبة إلى الرجل غير القادر. حتى إذا ما حدثتني عن أعمال أخرى ذات مسؤولية نوعية كالقضاء والولاية العامة, أجبتك بأن القضية لا تتعلق بالجنس وإنما المتعلق فقط هو الكفاءة, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: " إنما النساء شقائق الرجال " ، وهذا بعد قول الله جل شأنه : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ).
* ما رأيك في ظاهرة مجالس النساء الدينية ؟
لا أستطيع الإجابة بتفصيل ما دام السؤال مجملاً عاماً , لكنني أقول : إنني مع المجالس الدينية للنساء ولكن بشروط وضوابط:
أولاً: أن تكون منهجية تدور حول كتاب موثوق أو أفكار محددة موثوقة بالنسبة للإسلام الحنيف.
ثانياً: ألا تكون هذه المجالس تابعة لشيخ أو لمرشد كما يقال , حتى لا تصطبغ بصبغة فلان أو فلانة , وإنما المراد استفادة عامة خالصة لوجه الله عز وجل.
ثالثاً: حبذا الاجتماع والمجلس على أمور تهم النساء وقضاياهن , والبحث في حلولهن بشكل جاد من القرآن الكريم والسنّة المشرفة , ولا أريد لهن أن يقتصرن في هذه المجالس على معطيات عامة وقصص ذات تأثير عابر.
والخلاصة: كل مجلس لا يطور المرأة نحو المثل الأمثل سيكون وبالاً على المجتمع , وبالتالي تركه خير من القيام به.
وعلى كل فقد أصدرت كتاباً بعنوان " المرأة في منظور إسلامي " بإمكانكم الإطلاع عليه.
* ما هو اللباس الشرعي للمرأة المسلمة ? وما هو الجائز من أنواع اللباس التالية : البنطال - خمار الوجه - اللباس الأسود الذي يغطي كامل الجسم ؟
اللباس الشرعي للمرأة هو ما يستر عورتها ستراً مقبولاً , أي يعده العرف الاجتماعي ستراً , وقد حدد الفقهاء الفاهمون سابقاً صفات لهذا اللباس فقالوا : يجب أن يكون سابغاً ساتراً غير وصَّاف ولا شفاف , فإذا تحقق هذا فلا عليك بعدها إن لبست المرأة البنطال, أو الأسود, أو الأبيض أو... أو. وأما " الوجه " فليس بعورة باتفاق الفقهاء والعلماء , وهذا لا يعني أن نمنع المرأة من تغطيته إن رغبت , أو كان العرف الاجتماعي يقول به , لأن الإنسان ابن بيئته , وشتان بين المسموح والواجب , وبين الجائز والمفروض.
اللباس: مُفرّز مدني , ولا علاقة للدين الحنيف بلونه أو شكل خياطته وحياكته أو طريقة استخدامه, ولا سيما أن الإسلام دين عالمي جاء للناس كافة عامة ، كما أن المهم في اللباس الانسجام مع المجتمع الذي تعيش فيه المرأة هذه أو تلك.
* هل هناك من ألوان محببة للباس المرأة دون غيرها من الألوان ؟
أؤكد هنا على أن اللباس مُفَرز مدني من حيث اللون وطريقة التفصيل , وهذا يختلف من بلد إلى آخر وبحسب العرف , وما ينطبق على المرأة ينطبق على الرجل , فلكل منهما مطالب - في ما يخص اللباس - بأن يستر عورته التي حددها الشارع الحنيف بشكل يتناسب والمجتمع الذي يعيش فيه. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: " أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلّف " وأنا أفهم التكلف نشوزاً عن المجتمع وأعرافه , ومحاولة لتميز غير مقبول بشكل عام . والشرع الإسلامي في ما يخص لون اللباس , يسلم ذلك للأعراف الاجتماعية , فما أقرته الأعراف يقره الشرع , ولتلبس المرأة اللون الذي تريد ما دام ذلك ضمن إطار عرف مجتمعها, والشرع أحكم من أن يتدخل في اللون الذي تفرضه البيئة والمناخ والطقس والطبيعة والحرارة والبرودة وما إلى ذلك.
* هل يجوز للمرأة أن تتزين بأدوات التجميل ؟
على المرأة أن تتزين أمام زوجها لأن ذلك أدعى إلى تحصيل السرور في قلبه وعينيه , وقد دعا الإسلام على لسان رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم المرأة إلى أن تكون محط ارتياح للرجل : " إن نظر إليها سرّته , وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " . أما التزين بشكل عام , ولا سيما عند الخروج إلى الشارع والأسواق والأعمال والوظائف , فأنا أرى أن هناك نوعين من التزين:
الأول تزين لا يلفت النظر , وإنما هو من أجل المحافظة على صحة البشرة والجسد والعين والوجه وما سوى ذلك , وهذا جائز, وأما التزين الذي يراد به زيادة على ما سبق في النوع الأول بمعنى أن تتجمل المرأة بأدوات التزين , بحيث تظهر الزينة جلية وتلفت النظر فهذا غير جائز , لأنه تحريض على الوقوع في الفتنة , فتنة النظر غير المباح إلى المرأة , ورحم الله امرءاً أعان أخاه على طاعة ربه , بل على العكس, ستعينه على طاعة هواه , وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال : " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " .
* ما مصير المرأة غير المتحجبة في الآخرة ؟
مصير المرأة غير المتحجبة في الآخرة أمر في علم العزيز الغفور, لكننا ومن باب الاستئناس بالآثار الواردة من قرآن كريم وسنّة نبوية نقول : إن كانت المرأة غير المتحجبة رافضة للحجاب إنكاراً واستهتاراً به فهذه آثمة إثماً كبيراً , وربما كان مصيرها عذاباً مقيماً ، أما إن كانت غير محجبة ولكن على سبيل الضعف والكسل والتقصير فهذه خاطئة وإثمها أقل بكثير من سابقتها , وحسابها على الله تعالى إن شاء غفر لها وإن شاء عذبها . وعلى كل فأنا لا أريد أن أفيض في ما يتعلق بفعل الله الرحيم , فالله هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين والحسيب العظيم والمتولي المطلق الفرد الصمد يوم يبعث من في القبور , بيد أني أسأل الله لمثل هؤلاء النساء أن يتوب الله عليهن وعلينا وأن يوفقنا جميعاً لطاعته ورضاه.
* هل ميز الدين الإسلامي المرأة الجميلة وخصوصاً في موضوع الزواج ؟
الجمال معتبر بشكل عام في الإسلام وغير الإسلام, لأنه معتبر فطرة والإسلام لا يقف في مواجهة الفطرة, فـ " الله جميل يحب الجمال " كما جاء في الحديث الصحيح . أما بالنسبة لجمال المرأة واعتباره في الزواج فقد أقر ذلك ديننا الحنيف أيضاً , فالمرأة في المنظور الإسلامي تنكح ويرغب بالزواج منها لجمالها وهذا غير مستنكر , بل قد يكون مطلوباً , إلا أن هذا الاعتبار يجب ألا يكون وحيداً , وألا يكون الأول . والاعتبار الأول الذي على أساسه تطلب المرأة للزواج ويرغب بها هو الدين , ومن ثم ليس ثمة مانع أن يطلب فيها جمال ونسب ومال, وقد قال صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " ولقد قدمنا اعتبار الدين على ما سواه لأن الدين يعتني بالروح والداخل والقلب , والإنسان بروحه وقلبه قبل أن يكون بجسمه وجسده ورحم الله الشاعر إذ قال :

أقبل على النفس واستكمل فضائلها

فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

* ما حكم مهنة التمثيل في الإسلام بين الشروع والتحريم , خصوصاً بالنسبة للفنانات ؟
التمثيل فن , أصله مشروع لأنه وسيلة إيضاح وآلية تعليم وتبيان ، والتمثيل ضرب مثل بالحركة والفعل , فإذا كان ضرب المثل بالكلمة والعبارة جائزاً مشروعاً - وقد ضرب الله الأمثال الوفيرة في القرآن الكريم - فإن التمثيل بالحركة والفعل - ومن باب القياس على التمثيل بالحركة - جائز لا إشكال فيه . بيد أننا وكما اشترطنا في التمثيل بالكلمة أن تكون الكلمة نظيفة عفيفة لا فحش فيها ولا سوء وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء " فكذلك يشترط في التمثيل بالحركة : النظافة والطهارة والعفة وعدم الفحش وعدم البذاءة وعدم العهر . ولا نفرق في حل التمثيل النظيف بين رجل وامرأة . أما إذا خالف التمثيل هذا الشرط غدا انحطاطاً وفحشاً , والله عز وجل نهانا عن الفحش والسوء . نحن مع تمثيل فكرة نافعة تحمل قيمة رفيعة اجتماعية , ومع تمثيل قصة واقعية أو متخيلة ذات مضمون إنساني بنّاء تحمل أيضاً قيمة إنسانية نافعة ناجعة , أما إذا اتجه الأمر إلى سوى ذلك أو إلى عكس هذا فالأمر خطر وجلل وفتن شريرة . الإسلام لم يقف ضد الفن بل يشجع الفن ، ولكن هيهات أن نخلط بين الفن وبين الترهات والفساد , وعندها يقف الإسلام ضده, لأن الإسلام خير كله .
* هل تعتبر جميع الفنانات خارجات عن الدين والشريعة ؟
نحن لا نخرج أحداً عن الدين , وإنما الإنسان نفسه هو الذي يتحكم في نفسه دخولاً وخروجاً، ومن نحن حتى نقول لهذا أو لذاك : أنت داخل الدين أو خارجه ?! لكننا نقول : إن الفنان أو الفنانة أو السياسي أو السياسية أو الاجتماعي أو الاجتماعية , عندما يرغبون أو يرغبن في الانتساب لهذا الدين وينتسبون وينتسبن فعلاً فهم وهن مؤمنون ومؤمنات لكنهم حينما يؤكدون ويؤكدن بقول أو بفعل أن الإسلام لا يعني لهم ولهن شيئاً فما تريد مني يا سائلي أن أقول عنهم وعنهن ساعتها ? هل تطلب مني أن أدخل في الدين من يصر على الخروج منه ?! وزيادة على ما سبق : نحن نسعى إلى إدخال من شرد لا إلى تشريد من دخل , وبعبارة أخرى : لو أن هنالك ألف احتمال لخروج الفنانة أو الفنان من الدين ، وهناك احتمال واحد لدخوله فيه , فإن ديننا أمرنا أن نغلب احتمال الخير على احتمالات الشر ولو تعددت, وقد قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) وقال: (عذابي أصيب به من أشاء ) .
* هل هناك تفضيل لممثلة دون أخرى بحسب الأدوار التي تؤديها ؟
الدور المفضل في التمثيل للفنانة هو الدور المشروع الذي تنطبق عليه الشروط التي ذكرناها في الإجابات السالفة , بغضّ النظر عن التفصيل في طبيعة الدور في إطار القصة أو العرض , وأعيد الكلام هنا فأقول : ما المانع أن تمثل فلانة أو فلانة دور الأم في مسلسل أو في فيلم يعرض قصة عن بر الوالدين , إذا تقيدت هذه الممثلة بقيود الطهر والعفاف ? وكذلك ما المانع أن تمثل دور البنت أو الأخت أو.. أو , مع التقيد بالشروط السالفة ? لكننا نستدرك فنقول : إن هنالك أدواراً لا يمكن أن تكون مشروعة لعدم إمكان تطبيق الشروط عليها , فمثلاً لا يمكن أن نقول : يجوز للفنانة أن تمثل دور راقصة ولكن بشروط , لأن أصل الدور خالٍ من القيمة الإنسانية المطلوبة إسلامياً.
* التمثيل هل كان له وجود في الإسلام سابقاً ؟
التمثيل فعل إنساني قديم كان مع الإنسان إذ وجد الإنسان , واستمر وسيستمر إلى قيام الساعة ، فالطفل الصغير يمثل حينما يقلد والده وهذا أمر فطري , البنت الصغيرة تمثل حينما تأخذ دور الأم مع لعبتها , وهكذا . والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج عن الإطار الإنساني في هذا الشأن فقد كان صلى الله عليه وسلم يحبو كأنه الجمل ويطلب من الحسن والحسين أن يحملا عليه , فيقول عمر بن الخطاب لهما - للحسن والحسين - : نعم الجمل جملكما . فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " ونعم الحملان هما ". أليس هذا تمثيلاً ? أليس نقل صورة من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نبي آخر ضربه قومه فأدموه , كما روى ابن مسعود فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحكي نبياً من أنبياء بني إسرائيل ضربه قومه فأدموه فجعل يمسح الدم عن جبينه ويقول : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " , أليس هذا تمثيلاً ? ولا سيما أن ابن مسعود قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحكي , والحكاية بالفعل والتقليد هي التمثيل بعينه.
* هل يندرج التمثيل تحت ذنب الكذب ؟
بعد الأمثلة التي ذكرناها لا نستطيع أن نجعل التمثيل كذبا ً, لأن التمثيل حكاية ونقل صورة فعلية, وضرب مثل بالحركة . الكذب نقل غير الواقع لغرض شرير , أو ترتيب مخالف لما عليه الواقع لغاية فاسدة , فأين منه التمثيل الذي حددناه وأطَّرناه ? وهل إذا أعدت ترتيب قصة جرت في سالف الأيام فحاكيتها ومثلتها من خلال شخصيات أو أشخاص اليوم لتجلية القيمة التي تحملها القصة بشكل أقوى يكون كذباً ?! حاشا ثم حاشا.
* ما حكم الشريعة في تمثيل الأدوار الشريرة وأدوار الميسر وإدمان الخمرة ؟
الأدوار الخيّرة والأدوار الشريرة وأدوار مزاولة المنكر كلها تمثيل والتمثيل فن حلاله حلال وحرامه حرام , ولو أننا أردنا تمثيل غزوة بدر مثلاً فقام بعضنا بدور حمزة وقام آخر بدور أبي جهل فهل تمثيل دور أبي جهل يكون حراماً ؟ طبعاً لا . وكذلك على سبيل المثال : إذا أردنا تمثيل قصة متخيلة لتجلية قيمة رعاية الواجب , فمثّل بعضنا دور الشرطي الأمين الثقة القائم بعمله خير قيام ومثّل آخر دور السارق فهل يكون تمثيل دور السارق حراماً ? طبعاً لا . أعود فأقول : مثِّل ما شئت ، ولكن لا تخالف الشرع في عملك , ولتكن غايتك نبيلة تهدف إلى إظهار الفضائل والمحاسن ، واجتنب التشهير والفحش.
* يقول أهل الفن : أن مشاهد التعري والمشاهد العاطفية من شأنها أن تخدم العمل . ما رأيكم في ذلك ؟
لا توصل الرذيلة إلى الفضيلة , والشر لا يؤدي إلا إلى الشر, وهيهات أن يكون العهر في خدمة الطهر. لسنا وصوليين ولسنا مع إطلاق القاعدة الميكيافيلية القائلة " الغاية تبرر الوسيلة " وهل نضمن حصول الغاية النبيلة إذا سلكنا لتحقيقها طريقاً غير نبيل ? أما نخشى أن يسقط كثيرون في وحل تلك الوسيلة ؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائل : " إن الله لم يجعل دواءنا فيما حرم علينا " . الوسيلة غير المشروعة مرفوضة كما الغاية غير المشروعة , همنا كل مشروع ورفضنا لغير المشروع.
* وماذا عن مشاهد العنف التي باتت تسري في بعض أفلامنا العربية والتي أغلب جمهورها من فئة الشباب ؟
العنف ليس مرفوضاً على إطلاقه , لكنه إذا أحسن استخدامه كان له دور في البناء , فلو أننا وظفناه لصالح الردع لكان جيداً , ردع المجرم عن جريمته , وردع الخائن عن خيانته , وردع الانتهازي عن انتهازيته , وهكذا وليس ثمة مانع من تصوير وتمثيل مشاهد لعقوبة الزاني وعقوبة الخائن وهي مشاهد عنيفة لكنها تردع وتمنع . أما مشاهد العنف التي تولد الولع بالجريمة وتثير كوامن الإجرام لدى الإنسان الرائي فهذا ما لا يرضى الشارع الحكيم به . على أننا حين نتحدث عن العنف يجب أن لا ننسى الذين يقع عليهم العنف الحقيقي فنناصرهم ونعاونهم ونذكر هنا إخوتنا الفلسطينيين الذين يمارس عليهم العنف بأبشع صوره وأشكاله من قبل الإسرائيليين ، يقتلون وتسلب أراضيهم وتجرف زراعتهم ويرمى أطفالهم الأبرياء بالرصاص الغاشم وتحتل مدنهم وقراهم . ولعلنا حين نعرض أفلاماً توثيقية عن مثل هذه الجرائم نساهم في دعوة الإنسان أياً كان إلى مناصرة الحق والمظلوم . يا ناس : العنف والرعب انفعالان طبيعيان لا نريد نبذهما وإبادتهما , لأن ذلك غير ممكن , لكننا نريد توظيفهما لتحقيق خير وإنجاز عدالة وإقامة حرية واعية , وهكذا.
* أفتى أحد شيوخ مصر أن الزواج في الأعمال التمثيلية هو زواج حقيقي . ما رأيكم في ذلك ؟
قد لا يكون الزواج التمثيلي زواجاً حقيقياً لأنه ظاهر من غير باطن , وفعل من غير نية , وقول لا يستند إلى إدارة جادة صادقة , لكننا نميل إلى عدم فعله ولو تمثيلاً وذلك من باب درء الشبهات ودفع الاحتمالات السلبية , ولا سيما أن التصريح بألفاظ عقد الزواج في التمثيل لا يخدم الفكرة أو بمعنى آخر ليس له من أثر إيجابي على توضيح المعنى المطروح والمقدّم , فالأمور بآثارها والقضايا بنتائجها ، وصدق رسول الله القائل : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " والقائل : " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى " .
* ما حكم الشريعة في تمثيل الأدوار الوطنية ؟
الأدوار الوطنية أدوار شرعية ودينية , والوطن قيمة عالية عظيمة في منظور الدين الإسلامي الحنيف, وحب الوطن من الإيمان , وما أحوجنا إلى الإكثار من هذه الأدوار التي تنمي في نفوس شبابنا حب الوطن وخدمة الوطن ورعاية الوطن وصيانة الوطن , وهل ثمة محتضن أغلى من الوطن ?! نحن مع الأدوار الوطنية وحكاية الشخصيات التي ساهمت في استقلال الوطن وبنائه , نحن مع الأفلام والتمثيليات والمسرحيات والمسلسلات التي تقدم ما ينفع الوطن والدفاع عنه , ورحم الله شاعرنا القائل:
بلادٌ أَلِفناها على كل حالة
وقد يُؤلَفُ الشيء الذي ليس بالحسن
وتُستَعذَبُ الأرض التي لا هوى بها
ولا ماؤها عذب ولكنها وطن
* وماذا عن تمثيل الأدوار الدينية ؟
الأدوار الدينية لا تقل أهمية عن الأدوار الوطنية , بل الأدوار كلها الدينية والوطنية والاجتماعية متداخلة، ما دامت تهدف إلى تحقيق الخير وتنميته في داخل الإنسان , وما دامت تعزز حب الإنسان للإنسان وحب الإنسان لربه وحب الإنسان لأرضه وحب الإنسان للقيم الأخلاقية من صدق وأمانة ووفاء . والأدوار الدينية هي أدوار الفضيلة , لكننا نشترط فيها أمرين : أولاً: التوثيق وأمانة النقل . ثانياً: حسن الإخراج وقوته ودقة الانتقاء ومناسبته , لأن المضمون الجيد يحتاج إلى شكل يناسبه.
* من هم الذين لا يجوز إظهار صوتهم وصورتهم على شاشة التلفزة ؟
هم باختصار الشخصيات التي تشعر بأنها إن جسدت ومثّلت وشخّصت ضعفت وظهرت بأقل من حقيقتها وتدنت مكانتها الرفيعة , فمن من الممثلين يمكن أن يجسد على سبيل المثال نبياً من الأنبياء أو رسولاً من الرسل ? ولا أستطيع أن أحدد قائمة بأسماء من يجوز إظهار صوتهم وصورتهم , ومن لا يجوز , لكنني أنصح المخرجين وأهل السيناريوهات بعرض أعمالهم قبل التنفيذ على المجامع العلمية الفقهية والمختصة ليأخذوا الرأي والفتوى , وبذلك تتعاون مؤسسات المجتمع معاً , وإذ يخرج العمل موافقاً عليه من قبل مؤسسات المجتمع سيكون له حسن قبول عند الناس أو عند أغلب الناس.
* لعب ممثل أجنبي دور السيد المسيح عليه السلام ثم اعتزل التمثيل ليبقى في صورة جميلة أمام الناس . هل من شروط يجب أن توضع لممثل الأدوار الدينية ؟
ليس ثمة شروط شرعية على ما أحسب , بيد أن استئناسات يمكن أن تذكر في هذا الميدان . ومن جملتها أن يكون ممثل الشخصية الدينية مؤمناً بالشخصية التي يجسدها وبمبادئها , فذلك أدعى إلى حسن الأداء , وأن يكون مؤمناً بالقيمة التي يريد تشخيصها ، كما أرى أن يكون هذا الممثل غير معروف لدى الناس بسيرة سيئة من حيث الأخلاق والسلوك , لأنه بعد تمثيله الدور الديني سيعود إلى ما كان عليه من الفجور والعهر ، وهذا ما سيجعل الناس يضطربون , أو بالأحرى ينفرون ويشمئزون - حسب قانون المنعكس الشرطي - من الشخصية الممثَّلة بسبب الشخصية الممثِّلة . وثمة أمر يجب أن يراعى - في رأيي - ألا وهو الدقة الموضوعية في محاكاة الشخصية الدينية الممثلة من جانب الممثل ، لأننا نخشى من إضافات غير موثقة تصبح في النهاية هي المعالم الراسخة في ذهن الناس عن تلك الشخصية الدينية وتكون في حقيقتها غير المعالم الحقيقية للإنسان المثل المراد تقديمه للناس في التمثيل.
* ما مدى مصداقية الأعمال الدينية كفيلم " الرسالة " للمخرج مصطفى العقاد ؟
يجب أن يتحرى الكاتب والمخرج الصحة في نقل الواقعة التاريخية المراد تمثيلها وإخراجها , والتحري هذا يستلزم ويستتبع سؤال المختصين وطلب رأيهم , وعرض العمل عليهم . وأعتقد أن مخرج فيلم "الرسالة " قام بهذا الذي أشرنا إليه , فقد أشرف على العمل ذوو اختصاص في ميدان التاريخ والسيرة واللغة , كما عرض المخرج فيلمه على مجمعات ومؤسسات دينية كالأزهر والنجف , وقد رأينا ذلك مسجلاً في مستهل الفيلم عندما شاهدناه.
* ما رأيك في الأفكار التي تطرح اليوم في الأعمال التلفزيونية والسينمائية ؟
لا يمكنني أن أستعرض الأفكار التي تعرض في الأفلام والمسلسلات لكنني أجيب بما يلي , فأقول : نحن مع الفكرة التي تخدم الإنسان , وتخدم قيمه وفضائله , نحن مع الفكرة التي تنشر الأمانة وتعمم الصدق , وتنشد السلام والطمأنينة , نحن مع ما يبني الأسرة ويقوي روابط أفرادها في ما بينهم , نحن مع كل عمل يسعى للبناء وفق معطيات السماء الموثوقة . وأما الأفكار التي تجانب هذا الذي ذكرنا فنحن ضدها , نحن ضد الرذيلة ونشرها , وضد الانحطاط وترويجه , وضد العهر وبسطه , وضد الفساد الأخلاقي وبثه , وهكذا... وصدق الله تعالى القائل : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ) كما صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " , والقائل أيضاً : " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً , ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً ".
* ما هو حكم الإسلام في الغناء? وهل صوت المرأة عورة ؟
الغناء إجمالاً حلاله حلال وحرامه حرام , أما تفصيلاً فنقول : إن كان الغناء يدعو إلى الخير وحب الإنسان وخدمة الوطن وبناء علاقة مع الوطن فَنِعِمَّا هو , وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم شعر حسان بن ثابت الداعي إلى الخير ومحبة الدين ودعا له وقال : " اللهم أيده بروح القدس " وألقى على كعب بن مالك بُردَته بعدما سمع منه قصيدته المعروفة بانت سعاد , ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التغنّي بالقرآن فقال : " تغنوا بالقرآن فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا " , وقال أيضاً : " زينوا القرآن بأصواتكم " وهكذا . أما إذا كان الغناء يصب في مصب دعم الرذيلة والفحش واللهو المحرم والكلام الذي لا طائل تحته , فهو حرام . نعم , إذا كان الغناء يخرب اللغة بالكلمة المعوجة , ويخرب الخلق بالدعوة إلى ارتكاب الفاحشة , فهذا حرام لا شك في ذلك ولا ريب , الغناء فن وفن راقٍ , لكنه كغيره من الفنون يجب أن يكون في خدمة الإنسان , في خدمة الفضيلة , في خدمة البناء وحسن العلاقة مع الله ومع الإنسان ومع الأرض . لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستمع إلى نشيد بعض الصحابة فيسر لأن النشيد - أي الكلام المغنى الموزون , وهو الغناء - يحرض على استقرار الروح مع بارئها, ويؤدي إلى حسن تناغم النفس مع الخير, ويؤمن عاطفة تتجه إلى إشاعة الأمان والاطمئنان في المجتمع . وأغتنمها فرصة هنا لأقول مناشداً أولي الفن والأمر أن ينقذوا شبابنا من غناء فاحش وموسيقى ناشزة ورقص مفسد وفن هابط . أنقذوا يا هؤلاء أولادنا وأجيالنا من ضياع , فالغناء الذي يقدم لهم لا يحرك لديهم إلا نوازع الجنس الساقط والتعلق بالترهات , وكفانا ما رأيناه من شبابنا وشاباتنا من ضحايا لهذا الذي يسلط عليهم من فساد باسم الفن والغناء والتطور والتقدم.
* ما حكم الإسلام في التمثيل الإذاعي ؟
التمثيل الإذاعي يخضع للضوابط التي ذكرناها في التمثيل المرئي , بمعنى أن التمثيل يجب أن يخلو من الفحش ومن الطعن ومن اللعن , ويجب أن يكون خادماً للكلمة الطيبة والعمل الخير . نعم ، التمثيل مقبول كيفما كان , بل هو مما ندعو إليه شريطة أن يكون مؤصلاً على أسس الشريعة الإسلامية وقواعد الدين الحنيف , والإسلام يقر كل ما يمكن أن يصدر عن الإنسان من فنون ولا يلغيها ولا يستأصلها , لكنه يدعو إلى إخراجها بإحسان , وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ".
* ما هو جواز عمل المذيعة في الدين الإسلامي ? وهل هناك شروط لعملها هذا في حال جوازه ؟
يجور للفتاة وللمرأة أن تعمل مذيعة في المذياع أو في الرائي " التلفزيون " وليس ثمة ضوابط خاصة لجواز هذا العمل بذاته , بل إن الضوابط المطلوبة هي الضوابط العامة للمرأة من حجاب وحشمة وعدم إثارة أو تحريض على فتنة وسواها . ويبقى أن نردد ما ذكرناه في ثنايا إجابتنا السابقة : القضية ليست صلاحية للمرأة لعمل دون عمل , وإنما القضية : أن على الرجل والمرأة في الإسلام التقيد بأحكامه حيثما كانا وحيثما عملا , فقد أمرا أن يعملا صالحاً , ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان موافقاً للشريعة وخالصاً لوجه الله , قال صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه " . وإذا ما أردت يا سائلي مستنداً مباشراً لهذا فسل كتب حياة الصحابة تنبئك عن نساء كثيرات مؤمنات كن خطيبات ومعلمات وموجهات , بل وذوات نوادٍ أدبية وشعرية.
* هل من الجائز اعتماد الآلات الموسيقية الغربية في الموشحات الدينية التي تباع الآن في الأسواق ؟
الآلات الموسيقية شرقيّها وغربيّها تابعة وليست متبوعة , بمعنى أن ما قلناه في الغناء نقوله هنا, وملخصه : إذا كانت الكلمة نظيفة والهدف نبيلاً فلا جناح عليك إذا وافقت ذلك بموسيقى , أو بآلة موسيقية شرقية أو غربية , وهذا ينطبق على ما ذكرت في السؤال , إذن فالأمر جائز ومسموح ضمن الضوابط الآنفة الذكر.

* كيف تفسّر ظاهرة الفنانات المعتزلات المتحجبات والتي تزداد مع الوقت ? هل صحيح أن هناك تمويلاً خارجياً هو المسؤول عن اعتزالهن ؟
ظاهرة الفنانات المعتزلات والمتحجبات ظاهرة طبيعية , فهناك معتزلون ومعتزلات ممن كانوا يرتكبون الخطايا في ميدان آخر غير التمثيل والفن , بيد أنهم غير معروفين ولا مشهورين , لكن هؤلاء أعني الفنانين والفنانات أردناهم بعنوان " ظاهرة " لأنهم مشهورون وحركاتهم وحركاتهن مرصودة ومشهودة عبر وسائل الإعلام والمجلات , وإلا فمتى كانت التوبة شيئاً ملفتاً للنظر أو شيئاً غير مألوف ?! فهناك مئات التائبين والتائبات يومياً في ميادين مختلفة من الحياة ، وميدان الفن لا يعدو أن يكون ميداناً من هذه الميادين الحياتية . فأنا أعرف عدداً كثيراً من الشيوعيين تابوا وآبوا , وأعرف كذلك عدداً وفيراً من السكِّيرين أو الذين يتناولون الخمر صباح مساء وتابوا أيضاً , وها أنا ذا أستغل الفرصة لأنادي نفسي وكل المسلمين وكل الناس بأن يتوبوا إلى الله من معاصٍ يرتكبونها وآثام يفعلونها فقد قال الله تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) . وأما قضية التمويل , فلو صح ذلك , وأنا لا أعلم حقيقة الأمر , فإن الأمر جدّ طبيعي بل هو أمر مستحسن , ما دام المال يستثمر لخدمة الفضيلة والأخلاق , ما المانع من أن يكون المال تحت تصرف الفكرة النظيفة ? علماً أن الأصل هذا , فالمال بإمرة الفكرة وليس الفكر بإمرة المال.
* لماذا تكثر ظاهرة تلك الفنانات في مصر خصوصاً ؟
لا أسمي هذا الذي يجري كثيراً ما دامت الفنانات المعتزلات لا تتجاوز نسبتهن إلى سائر الفنانات منذ عشرين سنة والى الآن 10%. وأن يكون ذلك في مصر أكثر من غيرها فذاك أمر طبيعي أيضاً لوفرة عدد الفنانين والفنانات فيها أولا ً. ولكونها - أي مصر - أقدم الدول العربية اقتحاماً لهذا المجال - مجال الفن - ثانياً , وربما كان السبب الثالث الحرية المتوافرة في مصر للتعبير عن الرأي , وأقصد بالتوافر ارتفاع معدلها عما هو عليه الوضع بقية الدول العربية.
* بعض تلك الفنانات صرحن أن حجابهن كفيل بغفر ذنوبهن السابقة , هل هذا صحيح ؟
الكفيل بغفران الذنوب هو الله , لكننا نقول : التوبة الصادقة هي التي يمحو الله بفضلها وسببها الذنوب والآثام عن العبد , فقد قال : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاًَ فأولئك يبدّل اللهُ سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً . ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً ) . ونحن بدورنا نسأل الله أن يتوب على المسلمين ليخرجوا من خطاياهم , ويتوب على غير المسلمين ليتوبوا إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة . ويجب أن نؤكد أنه لا أحد يستطيع الجزم بأن الله قد غفر له , لكنه يرجو ويأمل ويطمع ويبعد عن نفسه القنوط, شريطة التوبة والندم على ما مضى , قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) .


دمشق - انتصار منصور

التعليقات

شاركنا بتعليق