تاريخنا وتاريخهم
أما بعد :
و أؤكد حمدي لله عز وجل على الإنسان إذ كنته مخلوقاً فلله الخلق ، و أؤكد
شكري لربي عز وجل على الإسلام إذ سلكته مأموراً فلله الأمر ، و أؤكد حسن
الثناء على الله عز وجل على الدعوة إذ شرِّفت بها فلله الفضل .
أيها الأحبة :
في سلسلة نحن و الغرب تحدثنا عن حالهم و حالنا ، و عما يطلبونه منا و عما
نطلبه منهم .
و اليوم حديثنا عن تاريخنا و تاريخهم ، و قبل أن نستعرض علائم تاريخنا و
تاريخهم ، و قبل إلتقاط النقاط البارزة المعنونة لتاريخنا و تاريخهم لا
بدَّ من أن نقول أمراً :
نحن لا نبغي في حديثنا سباباً و لا شتماً ، و لا نبغي فضيحة و اضطهاداً ، و
إنما نريد نقداً من أجلنا ومن أجلهم ، فنحن أمة رُبينا على أن نكون أمة
نصيحة ، أمة نقد لا تبغي من وراء ذلك إلا الخير ( إن أريد إلا الإصلاح ).
أيها الإخوة :
تاريخنا و تاريخهم ، و ليسمحوا لي أن أكون ناقداً ، و ليسمح لي الغرب أن
أكون ممن يضع النقاط على الحروف ، و سأعرض ملامح تاريخهم ، و ملامح تاريخنا
، و والله إني لأعلم أن ذلك أمر يطول ، و لكن أما و أني قد وعدت من أمامي ،
فلا بدَّ من الإشارة و لو بالإيجاز و لا بدَّ من أن أذكِّر أيضاً إخوتي في
عالمي بأن يرجعوا دائماً إلى صفحات الكتب من أجل أن يستلهموا ، و من أجل أن
يدرسوا ، و من أجل أن يطَّلعوا .
أيها الإخوة :
تاريخنا فتح و تسامح ، و تاريخهم استعمار و اضطهاد .
و اعذرني أيها الغرب في عالم اليوم ، فلعلك تستغرب ، أو لعلك تريد ألا
أفاتحك ، و لكن لا بدَّ من المفاتحة ، و لا بدَّ من أن أضع عنواني للمفاتحة
( ربِّ افتح بيني و بين قومي بالحق و أنت خير الفاتحين ) .
1- تاريخنا فتح و تسامح ، و تاريخهم استعمار و اضطهاد :
أما الفتح و التسامح فإنكم أيها الإخوة قادرون على رؤيته من خلال استعراضه
، نحن الذين عشنا تاريخنا في صفحات الكتب من خلال رجالاته يوم حملوا قول
الله عز وجل : ( الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصَّلاة و آتوا الزكاة
و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر ) ، و لكن الغرب حملوا في استعمارهم
جشعاً و طمعاً و ترفاً و بطراً ، حملوا في استعمارهم لهذه البلاد التي
دخلوها ادعاءً عريضاً بأنَّهم أمام بشر لا يستطيعون العيش بمفردهم ، فكان
الادعاء مخالفاًَ للواقع ليأتي الواقع على عكس ذلك ، ليأتي الواقع
استغلالاً من قِبَلِ هؤلاء و عرق و دماء المستَعمرين .
لن ننسى أبداً صفحات استعمارهم في كل البلاد التي دخلوها ، تلك الصفحات
التي لم تعرف لوناً إلا السواد ، و لن ننسى صفحات فتحنا ، و صفحات تسمحنا
تلك الصفحات التي لا تعرف إلا البياض ، و البياض الناصع ، و سلوا التاريخ ،
و لا مجال من أجل أن نستعرض التفاصيل في موقفنا هذا .
شتّان بيننا و بينهم يوم دخلنا الأندلس و يوم أخرجونا منها ، دخلنا الأندلس
فاتحين ، و كانت الأندلس أيام حكمنا بغض النظر عن بعض المثالب كانت فردوساً
شهد بذلك الغرب و الشرق ، و لكنهم يم أخرجونا شهد التاريخ بفظاعة أفعالهم
،
و شهدت صفحاته بقسوة ما فعلوه ، و أقاموا محاكم التفتيش التي لا تزال رائحة
الدماء البريئة تفوح تخرج من صفحاتهم هناك .
ولما حكمتم سالت بالدماء الأبطح
لما حكمنا شهد الناس بعدلنا
2- تاريخنا ليس فيه قطيعة بين العلم و الدين
و إنما العلم طريق إلى الدين ، تاريخنا مبتدؤه من قول الله للإنسان : (
اقرأ ) من أجل أن يكون العلم طريقاً إلى دين متين ، إلى إيمان قويم ،
طريقاً إلى اعتقاد سليم ، و لكن القطيعة في العلم و الدين في تاريخكم .
أنتم الذين أردتم أن تفصلوا الدين عن العلم ، و لن ننسى ما تسجلونه في
كتبكم يوم قام بعضكم يدعوا إلى قضايا علمية فكانت نهايته الموت و الإعدام ،
و كانت نهايته أن الناس ابتعدت عن طريق العلم من أن تسلِّم لحاكمية الكنيسة
آنذاك على أساس من إلغاء العقل و التفكير و العلم و البيان .
تاريخنا جمع بين العلم من أجل أن يكون طريقاً إلى الدين ، و جمع بين خلاصة
العلم لتكون بعد الدين داعمة لهذا الدين في داخلنا ، و الله عز وجل وصف
المؤمنين ( و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً و على ربهم يتوكلون ) .
علم يوصل إلى الدين ، و علم يأتي من أجل أن يدعم الدين ، و لا يزال العلم
اليوم في كل ساعة ، و في كل لحظة يؤكد مقولات ديننا ، و يبطل مقولات دينكم
، لن ننسى هذا التاريخ لأننا نريد أن نتحدث بعد ذلك عن مواقفنا حياله .
3- تاريخنا تاريخ الزهد و تاريخهم تاريخ البطر و الترف
تاريخنا يحمل في طيَّاته ، في ثناياه ، في سجلاّته زهداً ، و يحمل نموذجاً
، و نماذج ، و لكن تاريخهم يحمل بطراً و ترفاً و رئاء ، تاريخنا يريد أن
يسجل في أسماعنا ، و في شغاف أفئدتنا أننا ننتمي لأناس لم يريدوا من هذه
الحياة إلا العدل ، و إلا المساواة و إلا الإنسان من أجل أن يكون سعيداً
مسروراً ، لكن تاريخهم يريد لنا أن نسجل عنهم أنهم ما كانوا في تاريخهم
يريدون إلا الاستغلال و الجشع و الطمع ، و ما كانوا يريدون في تاريخهم إلا
البطر ، إنهم أناس يمثلهم كسرى و قيصر في تاريخهم ، يمثلهم صولجان رصّعت
بالذهب ، رصِّعت بجواهر ....
و تاريخنا يمثله رجال ناموا على الأرض فأثَّر الحصير في جنبهم ، و قال
سيِّد تاريخنا ، سيِّد التَّاريخ محمَّد صلى الله عليه و سلم : " ما أنا و
الدنيا إلا كراكب استظلَّ تحت ظلِّ شجرة ثم راح و تركها " .
تاريخنا يحمل من خلاله رجاله دعوة للناس من أجل أن يلتفتوا إلى العقل ، إلى
الروح ، و هذه مكونات الإنسان الأساسية ، و تاريخهم يحمل دعوة في أحسن
أحوالها من أجل أن تتساوى البطون ، و شتَّان بين تاريخ يملؤه رجال يدعون
إلى مساواة في العدالة ، إلى حرية في التفكير من أجل أن يسعى الإنسان إلى
بناء ذاته ، و بين تاريخ يملؤه رجال سعوا إلى تفاوت البطون من خلال
رأسمالية أوجدوها ، أو إلى تساوٍ في البطون من خلال شيوعية ركزوها ، و لكن
جذورها لا تحمل التركيز فلقد نفضها التاريخ المعاصر ليجعلها هباءً منثوراً
، و ما مثلها إلا كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار .
4- تاريخنا له مبتدأ ، و تاريخهم لا مبتدأ له :
تاريخنا إنما نتحدث عنه ، و إنما نذكره من أجل أن نحدد ابتداءه ، و من أجل
أن نحدد مستنداته ، و مبتدأ تاريخنا ( اقرأ ) في غار حراء ، و ميتدأ
تاريخنا محمد صلى الله عليه و سلم يوم نادى في كل الكون : ( إني رسول الله
إليكم جميعاً ) ، و:
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، و من تاريخنا لن نوقف المبتدأ هنا ، و
كنا نتحدث عن مبتدأ بارز ذي نقطة علامة في هذا التاريخ ، و تاريخنا يمتد من
أجل أن يشمل بصمات الحنيفية السمحة ليستقر و ليرقى إلى ما سجله الأنبياء
عليهم الصلاة و السلام ، فتاريخنا يصعد من خلال أصلاب الطَّاهرين كما عبر
المصطفى صلَّ الله عليه و سلَّم ليكون إلى آدم من خلال أنبياء ، ومن خلال
علماء ، و من خلال زهَّاد ، و من خلال واعين ، و من خلال حركات إنسانية
صادقة .
و تاريخهم ليس له مبتدأ ، فمن أين نبتدأ تاريخ الغرب ؟ و من أين نبتدأ
تاريخ هؤلاء ؟ و هم يريدون اليوم أن يلملموا التاريخ الحسن ، و أن يلملموا
نقاطاً ضوئية في تاريخ البشرية لينتسبوا إليها ، و لكن ذلك لن يكون لأن
التاريخ ليس ذاك الذي تسجّله الأيدي في فترة من الفترات ، و إنما التاريخ
هو الذي ينشئ أجيالاًَ من خلال العقيدة ، و المبدأ ، و من خلال العلم ، و
الانتماء ، و من خلال الواقع ، و من خلال النظرة المتطلعة للمستقبل .
5- تاريخنا تاريخ مبادئ واعية واعدة ، و تاريخهم تاريخ مبادئ فاسدة :
تاريخنا فيه مبادئ واعية واعدة ، نحن الذين نادينا بالأمر بالمعروف و
بالنهي عن المنكر ، نحن الذين نادينا بالعدالة ، بالسياسة الراشدة ، نحن
الذين نادينا و قلنا لكل الناس : إيّاكم في حربكم ، إيّاكم في فتحكم أن
تمثِّلوا أو تغدروا ....
اقرؤوا وصيَّة أبي بكر رضي الله عنه ....
و في تاريخهم مبادئ فاسدة ، ففي تاريخهم الوجودية ، و في تاريخهم
الداروينية ، و في تاريخهم البلشفية ، و في تاريخهم الرأسمالية ، و في
تاريخهم الثورة الصناعية ، و إن كانت نقطة ضوء تسجَّل في لائحتهم إلا أنها
نقطة مشلولة ، إذ أنها لم تلامس الإنسان في كل كيانه ، و إنما رعت الإنسان
في مادته ، و رعت الإنسان في جسمه ، و رعت الإنسان في معدته كما يقول إقبال
رحمه الله .
سيظلّ التاريخ حاسماً فاصلاً ، و سيظل التاريخ نقطة نريد أن نرتكز إليها ،
لننطلق منها لا لنخلد إليها ،؟ سيظلّ التاريخ حداً فاصلاً ، و مخبراً من
أجل التحدث عن معادلات إنسانية أفرزها هذا المخبر التاريخي ليدلل على صحة
مبادئ ، و فساد مبادئ أخرى ، فلقد دلّل التاريخ بقسميه على أننا أمة أنجبت
مبادئ واعية ، على أن تاريخنا الذي نريد أن نعيده ليس بمفرداته ،
و إنما بروحه بثوابته ، بثوابت الإنسان فيه ، بالثوابت المبدئية التي ترعى
الإنسان ، هو الذي ينبغي أن يتبنى اليوم . و أن تاريخهم ينبغي أن ينظر إليه
على أنَّه تجربة إنسانية انفصلت عن السماء ، فعاشت تيهاً في الأرض ، و عاشت
حيرة و قلقاً و ضياعاً .
لا أريد أيها الغرب أن أعيش من أجل أن أجترَّ لكنني في حوار موضوعي سبقته
بحديث عن أوضاعنا و أوضاعكم ، و عمَّا تطلبونه منَّا ، و ما نطلبه منكم ، و
يستتبع البحث دراسة تاريخيّة فأنا ضمن دراسة ، و ليس في مجال اجترار ، و
أنا أكره الاجترار لكنني أريد التبيان .
إذاً كيف تحدثنا عن دماء في تاريخكم ؟ كيف تحدثنا عن أمور تخالف مسيرة
الإنسان في تاريخكم ؟
أقول و بكل صراحة - و ليسمع شبابنا ، و ليسمع مثقّفونا ، و ليسمع أولئك
الذين يبحثون عن حلٍّ لأمتنا ، من أجل أن ترقى ، و من أجل أن تكتمل مع
سلسلة التاريخ النورانية - :
إن تاريخنا و إن كان فيه دماء إلا أنَّ هذا التاريخ تاريخ واقعي ، سجَّلناه
بأمانة ، و نقلناه بثقة ، و قلنا لمن أخطأ في تاريخنا من رجالنا أخطأت ، و
قلنا لهؤلاء الذين أراقوا الدماء : إن هذه الإراقة ليست مقبولة في عرف مبدأ
أقررتم به و تبنيتموه . فهل أنتم قائلون يا أيها الغرب لتاريخكم نقداً يمكن
أن يغيّركم اليوم لتسيروا في ركب تاريخنا .
نحن نتحدّث عن تاريخنا بكلِّ حرية ، و تاريخنا مكشوف ، و تاريخنا و إن كان
فيه نقاط سوداء ، لكن النقاط البيضاء تفوق السوداء ، و دائماً إنما ينظر
إلى الإنسان ، و إلى المجتمع ليس على أنه خالٍ من أيّ عيوب ، و لكن على
أنّه مجتمع غلبت حسناته سيئاته ، و تاريخنا إن نظرتم إلى الدماء فيه نظرنا
إلى القرآن فيه ، و إن نظرتم إلى القتل فيه نظرنا إلى الإحياء فيه ، و إن
نظرتم إلى ظلم تجسّد فيه نظرنا إلى عدل شهدتم أنتم و نحن بهذا العدل من
خلال رجالنا .
أنتم أيّها الغرب تدعمون الباطل فعلامَ ؟ و نحن دعمنا الحقّ في تاريخنا
بالرغم من أنّه في مواجهة مبادئنا فعلامَ ؟ لأننا نريد الإنسان الواقعي
الصحيح ، و أنتم تريدون الإنسان المثاليّ الذي يحوي في داخله تناقضاًَ
ليرعى جسده ليس إلا .
دعموا الباطل ، و لا يزالون يدعمون ، و في تاريخهم نقطة تكاد أن تكون سوداء
فاحمة أكثر من أي نقطة أخرى ، علامَ الدعمً للباطل ؟ و نحن الذين قال
قائلنا _ و هو ابن رواحة ، يوم جاءه يهود يريدون أن يقدّموا له المال حتى
يتجاوز و يعطيهم أكثر من غيرهم من اليهود _ : " و الله إنّكم لأبغض خلق
الله عندي و لكن هذا لا يحملني على أن أظلمكم " ، نحن الذين قال كتابنا
الكريم : ( و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )
، نحن الذين قال قائلنا في تاريخنا العظيم ، و قد كان هذا القائل عم حين
حكم بين ابن عمرو ابن العاص و بين القبطي فأعطى الحق لصاحبه ووضعه في نصابه
، و قال للقبطي : خذ حقك من هذا . ثم قال له : ضع هذا العصا عل رأس أبيه ،
فلولا أبوه لما قال لك هذه الكلمات : (( أتسبقني و أنا ابن الأكرمين )) .
مقولات تاريخنا : ( إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، و لكن مقولات تاريخكم
: إن أكرمكم في التاريخ أبيضكم ، و إن أكرمكم في التاريخ أغناكم .... هذه
هي مقولات تاريخكم .
تدعمون الباطل .. فعلامَ .. لماذا تدعم إسرائيل أيّها الغرب ؟
لماذا تدعم صربيا أيّها الغرب ؟
لماذا تدعم روسيا أيّها الغرب ؟
لماذا دعمتم في تاريخكم أناساً لا حقَّ لهم في الدعم سوى أنَّهم قالوا :
إنَّا للمسلمين أعداء أفيجوز هذا أيُّها الغرب ؟
أنتم الذين تدعمون الباطل اليوم ، و نحن الذين ننادي بالحق و العدل ، نحن
الذين ننادي بأن يكون الإنسان صاحب عدالة ، لا فرق بين هذا وذاك .
و تحلو قصة علي رضي الله عنه ، و لو أنها كانت في تاريخهم لبيضوا صفحات
تاريخهم ، لو كانت في تاريخهم لغزونا في عقر دارنا بها . و ما أجملها من
قصّة و ما أحلاها من و اقعة .. احفظوها ، و رصِّعوا التاريخ بها و قدِّموها
نموذجاً فالآخرون يقدمون لنا نماذج مخترعة ..
علي رضي الله عنه و أرضاه لما جاء متحاكماً أما عمر مع يهودي _ فلتسمع
اليهود _ فقال عمر : يا يهودي قم فاجلس أمامي ، و يا أبا الحسن قم فاجلس
أمامي . أيها المجتمع الدولي ، يا محكمة العدل الدولية ، يا مجلس الأمن ..
أيتها الأمم المتحدة هل من دعوة من أجل أن تجلس البوسنة و الهرسك مع صربيا
بعدالة تامّة بدعم متساوٍ ، و بنظرة متعادلة ، نحن لا نريد أن نتحدث عن
البوسنة لأنّهم مسلمون ، بل لأنهم مظلومون ، و ما لم نكن دعاة من أجل أن
يرتفع الظلم فإننا سنكون ضدَّ الإنسان ، و نحن لا نقول لإسرائيل كفِّي عن
فلسطين ، لأن فلسطين مسلمة ، و لكن لنك ظالمة ..
يا إسرائيل .. لما دعا عمر علياً و اليهودي ، تغيَّر وجه أبي الحسن ، تنتهي
المحاكمة ، يُحكم لأبي الحسن ، و أبو الحسن يُحكم له دائماً في التاريخ ،
لكن عمر يبقى متسائلاً : ما بالك يا أبا الحسن ؟ أغضبت لأني دعوتك إلى مجلس
القضاء بجانب خصمك ؟ أبو الحسن يقول :
لا يا أمير المؤمنين ، نحن في مجلس قضاء و حكم ، ناديت اليهودي فقلت : يا
يهودي ، و ناديتني بكنيتي فقلت لي : يا أبا الحسن ، و الكنية ضرب من
التعظيم ، كان ينبغي أن تقول يا علي قم فاجلس أمامي . و عندها قال عمر
قولته الرائعة _ و إنَّا لنقولها في كلِّ آن و مكان _ : نِعم البيت بيت
النبوة ، منكم جاءنا الهدى .
إنها كلمات ينبغي أن نخرجها من قلوبنا ، فبيت النبوة هو البيت الذي يتسع
للعالم الخيّر من أجل أن يسير على هدىً و نور ، و من أجل أن يحيا الإنسان
سليماً من كلِّ مكروه ، يقضي على إنسانيته ، هل في تاريخكم هذا ؟ !
و في النهاية أيها المستغربون لعلكم تذكرون سوءات تاريخنا فلأنه مكشوف
أمامكم ، و إلا فماذا تعرفون عن هذه البقعة الجغرافية ؟
6- تاريخنا مكشوف لهم ، و تاريخهم غير مكشوف لنا :
و واقعنا لا يسعف تاريخنا ، و واقعهم يسعف ادعاءهم من أجل هذا يتحدثون
متفوقين في عصر مادي ، و نتحدث لاهثين وراءهم على أنهم متفوقون علينا لأننا
لم ننظر للإنسان على أنه إنسان متكامل ، و إنما نظرنا للإنسان من خلال
الأشياء ، فبقدر ما عليك من أشياء بقدر ما تكون إنساناً ، فلهثنا وراءهم و
تفوقوا علينا ، و صدَّقنا ادعاءهم ، و كذَّبنا تاريخنا ،
و عشنا في معادلات قاهرة غير مرضية .
فلننظر التاريخ من جديد ، و أؤكد أننا نريد أن ننظر التاريخ لا على أنه
نقطة أو وسادة لننام عليها ، و لكن نريد التاريخ جذوة يتَّقد في داخلنا
ليحركنا في مسار صحيح يضع أمام الإنسان مبدأه السليم :(و ما خلقت الجن و
الإنس إلا ليعبدون)
نضع أمام الإنسان غايته و هدفه ، نضع أمامه أنَّ له موعداً مع الله الذي
خلقه و صوَّره من أجل أن يحسن عمله ، نريد أن نجعل من التاريخ جذوة في
داخلنا تتقد لتحركنا في مواجهة الظلم و الظالمين ، في مواجهة السلام الذي
لا يقوم إلا على الظلم ، و إذا كان السلام المنشود لا يقوم على ظلم فإنَّ
إسرائيل في كل وجودها ظالمة .
و إن إسرائيل و إن صربيا في أفعالها ظالمة ، سلوا من يستطيع أن يحاكم
الأمور ، و قد قلت في الأسبوع الماضي : نحن على استعداد من أجل أن نتبين
الأمر ، فإن كانوا على حق تركنا لهم ، و إن كانوا على باطل فماذا عسانا أن
نقول إلا أن نردد قولنا بإصرار : الحق حق و لو كنا ضحاياه ، و الباطل باطل
، و لا نرضى أبداً أن نكون رعاياه فضلاً عن أن نكون ضحاياه ، و الميتة
واحدة ، فإما أن تكون في سبيل حق ، و إما أن تكون في سبيل باطل ، و شتّان
بين من يسعى إلى أن يختم حياته بقول الله عز وجل : ( و لا تموتن إلا و أنتم
مسلمون ) و بين من يسعى إلى أن يختم حياته بظلم و قهر للعباد ! أكرر دعوتي
للغرب ، فلست سباباً و لا شاتماً ، و لست صيّاحاً ، و لست بذلك الذي يلعن
أو يرفث ، و لكنني أريد حواراً فهل من رجال على استعداد للحوار ؟ الكلمة
حدُّ صريحة ، فهل الناس على استعداد من أجل حوار ؟ هذا ما نريد أن نقوله
للدنيا
الأمل كبير في أن تكون بلادنا مشاعل خير لكل رواد الحق لكل طلابه ، أملنا
كبير بأن يكون شبابنا ينادون بكل المعاني الخيرة ليس ادعاءً و إنما حقيقة ،
تنادي كل الناس أن هلمُّوا فالنور ساطع ، و الظَّلام دامس .
اعذرني أيُّها الغرب ، فلقد طويت صفحة الحديث معك في هذه السلسلة .
لست من أولئك الذين يحملون العداء ، و لست من أولئك الذين يحملون أيَّ موقف
غير إنساني حيالك ، لكنني أريد المقابلة من خلال أسلوبية الحق ، و من خلال
طريقة الحق ، و من خلال هدفية الحق ، و من خلال غائية الحق ، فهل أنت على
هذا الاستعداد قادر ؟
أرجو الله أن يوفقنا لمسيرة خيِّرة في بلادنا . و أرجو الله أن تكون بلادنا
رائدة خير في طلب العدل ، في طلب الخير ، في طلب كل ما يوافق الإنسان ، و
أرجو لشبابنا أن يوفّقوا ليدعموا تاريخنا المضيء بحاضر مضيء ، حتى ينشدوا
مستقبلاً مضيئاً ، فالمستقبل و الحاضر و التاريخ يجب أن يكونوا مضائين
بالنور نفسه الذي لمع في غار حراء من خلال ( إقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
النور واحد ، و التاريخ منور بهذا النور ، و الحاضر فلننوره بهذا النور ، و
المستقبل لننظر إليه على نه سينور بهذا النور .
اللهم لا تحرمنا حاضراً سعيداً ، و لا مستقبلاً خيِّراً معطاءً ، فقد
أكرمتنا بتاريخ مجيد ، فكما أكرمتنا بالتاريخ أكرمنا بالحاضر و المستقبل يا
رب العالمين . نِعمَ مَن يُسأل أنت ، و نِعمَ النصير أنت .
أقول هذا القول و أستغفر الله العظيم .
التعليقات