أما بعد ، أيها
الإخوة المؤمنون :
كثيراً ما نطلب النتائج من غير أن نفكر في ضرورة اتخاذ الأسباب التي تؤدي إلى هذه
النتائج ، على سبيل المثال : كثيراً ما نُفَكِّر في النصر ونطلبه وكثيراً ما نطلب
الشفاء ، ولكننا قلَّما نفكر في السبب الذي يؤدي إليه وفي الطريق التي توصل إليه ،
قَلَّما نفكر فيما يؤدي إلى الشفاء وفي السبيل التي توصل إليه . كلنا يفكر ويطمع
بالنصر ويسأل الله عز وجل النصر ، ويقول في دعائه : اللهم انصرنا ، ويقول وهو أمام
حضرة نبيٍ من الأنبياء أو وليٍ من الأولياء : اللهم إنا نسألك نصراً مؤزراً ، وهذا
مطلب مشروع ، لكن مشروعيته تتكامل عندما نفكر بنفس القوة في السبب الذي يؤدي إلى
هذا .
حينما نتحدث عن النصر كنتيجة لا بد أن نفكر في الأسباب ، ومن جملة أسباب النصر :
التوبة . لأن الله إذ ينصرنا يطلب منا أن نتوب إليه وأن نكون من التائبين ، ولذلك
أتوجه إلى نفسي وأتوجه إلى كل أفراد مجتمعي وإلى كل القائمين وأولياء الأمور
الراغبين بالنصر والحصول على النصر ، الساعين إلى الرفعة والحصول على الرفعة ، أقول
لهؤلاء جميعاً : توبوا إلى الله عز وجل ، فإن التوبة إلى الله طريقٌ جادة من طرق
النصر وسبيل هامة من سبل النصر ، فلا بد من أن نستشعر الأسباب والمقدمات والطرق
والسبل حتى تكون النتيجة التي نطلبها معقولة من حيث النقل والعقل . أقول لإخواننا
جميعاً - وأنا إذ أخاطب كل أفراد المجتمع وشرائحه لا أريد بهذه المخاطبة تحريضاً
ولا تهييجاً ولا أريد أن أكون أمامكم بطلاً وأنا أخاطب رجل الدولة أو ولي الأمر ،
لكنني ويشهد الله حينما أخاطب هؤلاء جميعاً أبتغي فيما أبتغي وجه الله عز وجل وأريد
النصح والخير لهؤلاء كافة عامة - لذلك أتوجه من أجل التوبة إلى كل أفراد المجتمع
أقول لهم : ألا تريدون النصر ؟! سيقولون نعم نريد النصر ، إذا كنتم تريدون النصر
فتوبوا إلى الله والخطاب موجه للجميع ، موجهٌ للحكام ، مُوَجَّهٌ للموظفين ، موجهٌ
للتجار ، موجهٌ للآباء ، موجهٌ للأمهات ، موجهٌ للشباب ، موجهٌ للنساء ، لا يمكن
لمجتمعنا أن يطلب النصر وأن نرى العهر في الشوارع ، لا يمكن لمجتمعنا أن يطلب النصر
وأن نرى الظلم في أروقة القضاء ، لا يمكن لمجتمعنا أن يطلب النصر وأن نرى شبابنا
ضائعين تائهين يبحث الواحد منهم عن لذة رخيصة بطريق حرام ، لا يمكن لمجتمعنا أن
يطلب النصر وأن نجد في جنودنا من يعرض عن ربه ومن يتناول على سبيل المثال المآثم
والمحارم ، لا يمكن مجتمعنا أن يطلب النصر وأن نجد الوالد أو الأب يظلم ولده وكذلك
الولد يظلم أباه والأم تظلم ابنتها والبنت تظلم أمها ، لا يمكن لمجتمعنا أن يطلب
النصر ممثلاً بشيوخه على المنابر أو أساتذته في المحاريب وهم في غفلة عن توبة
مطلوبة لحصول النصر ، وليعلم الجميع أن التوبة مفتوحة الأبواب وأن الله عز وجل كما
ورد في الحديث : " يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده في النهار
ليتوب مسيء الليل " . أيها الحكام توبوا ، أيها الجنود توبوا ، أيها القضاة توبوا ،
أيها الشيوخ توبوا ، أيها المثقفون توبوا ، ولو بلغت ذنوبكم عنان السماء فإن الله
عز وجل سيتوب عليكم ، الله يحفزنا على التوبة فقد جاء في الحديث الذي يرويه ابن
ماجه : " لو بلغت ذنوبكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم " وجاء في حديث آخر يرويه
البزار والطبراني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " المؤمن واهٍ راقع " -
أي مذنب تائب - " واهٍ راقع فسعيد من وقع على رقعه " أي من لقي الله وهو تائب ، وقد
جاء في الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الله يقبل توبة العبد
ما لم يغرغر " تشجيع وتحفيز ودعوة من رب السماوات والأرض للعباد ، أيها العباد :
ألا تريدون النصر على النفس والعدو والقهر والفقر والظلم ؟! نعم نريد . إذا كنتم
كذلك هيا فاسلكوا سبيل النصر ، ومن جملة السبل ، بل هنالك سبيل هامة هي التوبة ،
فتوبوا إلى الله عز وجل ، واعلموا أن الله عز وجل يفرح بتوبتنا وعندما يفرح الله
بتوبتنا فسينصرنا لأن الله إذ يفرح بتوبتنا لا يمكن أن يُسَلِّط علينا من لا يفرح
به ، ولقد ورد في الحديث ما يشجعنا على التوبة كما جاء عند الأصفهاني حسب ما يروي
صاحب الترغيب والترهيب : " إذا تاب العبد من ذنوبه أنسى الله عز وجل حفظته - أي
ملائكته الحافظين - ذنوبه ، وأنسى جوارحه ومعالم الأرض ذنوبه حتى يلقى الله وليس
عليه شاهد من الله بذنب " إذا تبت من ذنبك نسي الحفظة بفضل الله هذا الذنب ، ونسيت
الأرض ونسيت جوارحك حتى لا تشهد عليك يوم القيامة .
أيها الإنسان المسلم : ورد في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال أيضاً عن رب العزة جلت قدرته : " عبدي ! قم إليَّ امشِ إليك ، وامشِ إلي أهرول
إليك " ولقد روى الحاكم وقال عنه صحيح الإسناد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال : " إذا علم الله من عبده ندامة على ذنبه غفره الله له قبل أن يستغفره له عبده
" . أرأيتم إلى هذا التشجيع والتحريض ؟! لِمَ لا نتوب ونحن نريد النصر ونبتغي
الرفعة بحقٍ وعدلٍ ، لِمَ لا نتوب والله عز وجل يدعونا للتوبة ، ولقد جاء في الحديث
الذي يرويه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمرة لسيدنا معاذ بن جبل
: " يا معاذ ! استغفر الله عز وجل عند كل حجرٍ وشجر ، يا معاذ ! واعمل بجانب كل
سيئةٍ حسنة ، السِّر بالسر والعلانية بالعلانية " أي إذا عملت سيئة معلنة فاعمل
بجانبها حسنة مُعلَنة ، وإذا عملت سيئة سرية فاعمل بجانبها حسنة سرية أيضاً ، السر
بالسر والعلانية بالعلانية . توبوا أيها المؤمنون ، تب أيها العالَم ( استغفروا
ربكم إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً ) حالنا أيها الإخوة - وأنا لا
أريد أن أُقَرِّع أو أن أشتغل باليأس - حالنا لا يدل على حال استغفار ، ذنوبٌ هنا
وذنوبٌ هناك ، معاصٍ هنا ومعاصٍ هناك ، عُهرٌ هنا نراه بأم أعيننا ، وبعد ذلك كيف
نتجرأ ونطلب النصر ، ظلمٌ هناك وظلمٌ هنا ، كيف نطلب النصر ؟! هنالك عدلٌ يذبح ثم
نطلب النصر ، هنالك فضيلةٌ يُراقُ دمها ثم نطلب النصر ، هنالك تضييع لقدرات شبابنا
ثم نطلب النصر ، هنالك جحود ثم نطلب النصر ، هنالك إلحاد ثم نطلب النصر ، هنالك
عداوة للدين ثم نطلب النصر ، هنالك عداوة للإنسان ثم نطلب النصر ، هنالك ضياعٌ
لشبابنا وبناتنا ثم نطلب النصر !
التوبة سبيلٌ من سبل تحقيق النصر فـ : ( توبوا إلى الله جميعاً ) ولا أقول هذا إلا
من باب النصيحة ، توبوا إلى الله أيها الحكام ، استغفروا ربكم أسمعونا وأسمعوا
شعوبَكم استغفارَكم ، وأسمعوا من حولكم وأمامكم استغفارَكم ولجوءَكم إلى ربكم ،
فنحن بحاجة إلى عين دامعة من خشية الله نراها على وجه ذي مسؤولية ، ونحن بحاجة إلى
قلبٍ خاشع نتلمس تلك النبضات من رجل أوكل الله إليه أمور العباد ، ونحن بحاجة إلى
رؤية مستمدة من فضل الله ورحمته وعطفه نراها في وجه من تولى مهام تربية الشباب في
الجامعة والمدرسة والثانوية .
وأخيراً : أقول لكل واحد منا ولنفسي أولاً في كل يوم قبل أن تنام أريدك بينك وبين
ربك أن تقول : يا رب اجعلني من التائبين ، اغفر لي ، تولَّني ، حاسب نفسك على ما
فعلت فإن فعلت إثماً فقل استغفر الله وإن فعلت صلاحاً قل اللهم هذا فضلك فزدني من
فضلك . شبابنا بحاجة إلى جلسة بينهم وبين ربهم ، وهذه الجلسة هي التي تنتج شجعاناً
وفرساناً ، وقلت على هذا المنبر أكثر من مرة : حينما نمتدح الصحابة نقول عنهم بأنهم
رهبان بالليل فرسان بالنهار ، ورهبنة الليل هي التي تجعل من ذاك الذي تبتَّل فارساً
بالنهار ولا تنفصل إحدى الصفتين عن الأخرى ، لا فروسيةَ في النهار إن لم يكن هنالك
تَبَتُّلٌ بالليل ، وتبتلُّ الليل هو الذي يدعم فروسية النهار ، فيا شباب توبوا إلى
الله وقولوا في كل لحظة استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ، فإنه لا يغفر الذنب
العظيم إلا الرب العظيم ، تب علينا يا ربنا فنعم الرب أنت ونعم الحسيب أنت ، نعم من
يسأل أنت أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات