لا تعجب إن قلَّبتَ
الصحف الإسلامية أو شاهدت القنوات الإسلامية الفضائية أو سمعت الإذاعات
المتديِّنة من تكرار كلمة " النصر " على ألسنة الكتاب والمحاضرين والمنتدين ،
فقد غدا الأمر عادة ، ولا تعجب من أن يحتكر المسلمون بشكل عام " نصر الله "
ليجعلوه لهم وحدهم دون غيرهم ، فقد أضحى مثل هذا التصرُّف دَيْدَناً ، ويجب
عليك ثالثاً ألا تعجب من امتيازات يقدِّمها المسلمون على سبيل الادِّعاء المحض
يطلبون على أساسها من الله النصر والغلبة والفتح ليكون لهم وإلا فالمعادلة "
الإنسانية الإلهية " - في رأيهم - مقلوبة وهامدة من أحد طرفيها .
ولكن ألا يحق لنا أن نسأل هؤلاء بعد هذا عن سبب عدم ذكرهم للخسارة والفشل
والخذلان والذلّ وهم في بؤر هاتيك الصفات غاطسون حتى النخاع .
يا مسلمون : النصر لا يكفي لامتلاكه وحيازته ادِّعاء أهليته ، وانتسابٌ مزعومٌ
موهومٌ إلى المتمكنِّين منه في سالف الزمان .
والنصر لا يعطى لمسترسل في الهوان غير معترف به ، والنصر لا يقدم إلى أناسٍ
يطيشون إن أصابوه بل ربما طاشوا إذ يصيبهم وهمه .
بل النصر آتٍ إلى مَنْ وعى سُنَن التاريخ وضبط بها حاضره ، والنصر قادم إلى من
استمسك فعلاً وقولاً بالعروة الوثقى ، التي هي منهاج منفَّذ حقاً ، ربّاني
المصدر ، ووحدة قوية صلبة بين أتباع هذا المنهج ، وعمل دؤوب تظلِّله عناوين
ثلاثة : هي الرحمة الشاملة ، والفهم العميق للإنسان وعلاقاته ، والإتقان الذي
لا ينتابه توقف وليس له انتهاء . النصر قادمٌ إلى أربابه ، ويظهر أننا الآن
لسنا من أربابه ، وإلى أن نصبح من أربابه آمل أن نتكلَّم كثيراً عن الخسارة
ومرارتها ، والخذلان وبشاعته ، والذل وفظاعته ، فعسى نكون في حديثنا عمَّا
يسوؤنا نحث أنفسنا أكثر على التحقق العملي الجاد بما ينفعنا ( وعسى أن تكرهوا
شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) .
1أيار / 2003
د. محمود عكام
التعليقات