أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون
:
لا شك في أننا نعلم جميعاً بأننا نعيش هذه الأيام ذكرى ولادة الحبيب الأعظم محمد
صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قيل : إن أيَّ احتفال يجب أن تكون له غاية ، وإن
أيَّة ذكرى يجب أن تكون لها غاية أيضاً ، وأجمل غايات الاحتفال ، وأجمل غايات
الذكرى أن تعيش مع ما توجده عليك هذه الذكرى وذاك الاحتفال ، بمعنى آخر : أجمل
الغايات أن تُذَكِّرك الذكرى بفرائضها المناسبة ، وأن يُذَكِّرك الاحتفال بالواجبات
المنسجمة مع هذا الاحتفال ، وإذا كنا نحتفل بميلاد النبي محمد صلى الله عليه وآله
وسلم تُرى ما الفريضة التي يجب أن نتذكرها حتى نُحقق من الاحتفال غايته ، وما
الواجب الذي يجب أن نتذكره أيضاً حتى نحقق من الاحتفال غايته .
إن هناك فريضة - أخشى من أن تكون مَنسيَّةً - يتناسب ذكرها مع الذكرى ، ويتناسب
التذكير بها مع الذكرى ، هذه الفريضة هي محبة النبي عليه وآله الصلاة والسلام ،
فمحبة النبي فريضة ، وما أدري إن كان المسلمون يفكِّرون في الاحتفال أو قبل
الاحتفال أو بعد الاحتفال بهذه الفريضة ، ويفكرون أيضاً فيما إذا كانوا يطبقونها أو
لا !
أيها الإخوة : محبة النبي عليه وآله الصلاة والسلام فريضة علينا ، وإذا لم نُمَحِّص
أنفسنا حيال هذه الفريضة ، فنحن مقصرون في أدائها ، وبالتالي : يا معشر المسلمين ،
يا معشر المؤمنين ! تعالوا لنتذكر الفرائض في أيام الذكريات وفي غيرها . محبة النبي
عليه وآله الصلاة والسلام فريضة من الله علينا كباقي الفرائض لا فرق بينها وبين
الفرائض الأخرى ، ودليلنا على أن محبة النبي فريضة قول الله عز وجل : ﴿ قل إن كان
آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها
ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله
بأمره ﴾ (التوبة : 24)
وأما حديث النبي الذي يرويه البخاري ومسلم وسواهما فهو دليل أيضاً على أن محبة
النبي فريضة يجب أن نتذكرها وأن نَعِيَ فيما إذا كنا نقوم بها ، هذا الحديث يقول
فيه صلى الله عليه وآله وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده
ومن الناس أجمعين " هذا مستند الفريضة .
وأحب أن أذكر أنموذجاً عن الحب ، عن واحد من الصحابة المحبين ، وكيف كان يتعامل مع
هذه الفريضة ، والقصة مشهورة معروفة ، إنه ثوبان رضي الله عنه وأرضاه ، جاء مرة إلى
النبي عليه وآله الصلاة والسلام فقال : " يا رسول الله ! والله إنك لأحب إلي من
نفسي ، وإنك لأحب إلي من ولدي ، وإني لأذكرك في بيتي فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك
، وإن لأتذكر موتي وموتك فأقول : إنك في الجنة مع النبيين ، وأني في مكان آخر ،
فأبكي خشية أن لا أراك بعد الممات " فلم يرد عليه النبي عليه وآله الصلاة والسلام
بل نزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى على قلب النبي محمد عليه وآله الصلاة والسلام
: ﴿ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ﴾
(النساء : 69)
فتبسم ثوبان واطمأن ثوبان إلى أنه سيلقى النبيَّ حتى بعد الممات لأن المرء مع من
أحب . هذه قصة أنموذج ، وقصص الصحابة كثيرة غزيرة وفيرة من أجل أن تطَّلعوا عليها
لتروا كيف كانت محبة هؤلاء لسيد الكائنات عليه أفضل صلاة وأفضل سلام ، وأريدكم أن
تطلعوا وتُطلِعوا أولادكم ، وأن تطلعوا تلاميذكم ، وأن تطلعوا بناتكم ، وأن تطلعوا
زوجاتكم ، وأن تطلعوا من حولكم على هؤلاء وكيف تعاملوا مع هذه الفريضة ، فريضة محبة
النبي عليه وآله الصلاة والسلام .
وبهذه المناسبة خطر ببالي أن أنادي الشعوب المسلمة ، أن أنادي الحكومات المسلمة ،
أن أنادي الشعوب العربية ، أن أنادي الحكومات العربية لأقول لهم وأذكرهم بأن فريضة
محبة النبي عليه وآله الصلاة والسلام هي عليهم أيضاً ، يجب أن يستوعبوا هذه الفريضة
وأن يتذكروها ، وأخاطب الجميع من دون استثناء : يا أيها الحكام ، يا أيها المسؤولون
، يا أيتها الشعوب ! إن محبة النبي عليه وآله الصلاة والسلام - ما دمتم تقولون عن
أنفسكم إنكم مسلمون – هي فرض فأرونا قيامكم بهذه الفريضة ، على أقل تقدير من خلال
الكلام ، نريد أن نسمع بأنكم ملتزمون بهذه الفريضة ، وما المانع يا حكامنا ، ومن
أجل أن تتقربوا من الله ومن الشعوب ، ما المانع بأن يعلن كل واحد منكم قيامه أو
تمسكه بهذه الفريضة ليقول بلسانه ، ليوجه الناس وإلى الناس بأنه يحب رسول الله
امتثالاً لأمر الله وامتثالاً لأمر إسلامه وفرائض إسلامه ، وإذا كنتم تحبون رسول
الله فأنا أقول : إن ثمرة المحبة هي الاتباع ، أو على أضعف تقدير استشارة ، إن لم
تتبع فاستشر ، نحن اليوم في أزمات كثيرة ، نحن اليوم أمام مشكلة فلسطين ، نحن اليوم
أمام مشكلة العراق ، نحن اليوم أمام مشكلة الوحدات الوطنية في البلاد العربية
والإسلامية ، نحن اليوم أمام مشكلة كشمير ، نحن اليوم أمام مشكلة السودان ، نحن
اليوم أمام مشكلة جنوب لبنان ، نحن اليوم أمام مشكلة تهديداتٍ أمريكية لسورية ، نحن
اليوم أمام مشكلات كثيرة ، وهذه المشكلات المعنيُّ بها أولاً هم الحكام ، من أجل أن
يحلوها حلاً عقلياً منطقياً ، وأنا أدعوهم من خلال فريضة محبة النبي عليه وآله
الصلاة والسلام واتباعه إلى حل مثل هذه المشاكل ، أو على أضعف تقدير إلى استشارة
سنته ، لأن سيد الكائنات – يا ناس هذا إيمان ، يا ناس هذه حقيقة – لأن سيد الكائنات
يقول في جملة ما يقول : " لقد تركتكم على مثل المَحَجَّة البيضاء ليلها كنهارها "
ويقول : " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وسنتي " وهناك رواية : "
كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فلن نضلَّ ، ولن تضلوا إذا استشرتم النبي عليه وآله
الصلاة والسلام وإذا اتبعتموه ، ففي خارطة الطريق التي تطرح اليوم في فلسطين
استشيروا النبي إن قال لكم إن هذا في صالحكم فطبقوها ، وإن قال لكم عبر سنته ليس
هذا في صالحكم فارفضوها حتى ولو كانت أمريكا هي التي تريد منا أن نطبقها ، استشيروا
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأزمة العراقية ، في الحكومة الانتقالية ، في
التهديدات الأمريكية ، في مُرادات أمريكا الشريرة لنا ، واسألوه : يا سيدنا يا رسول
الله ! كيف يجب أن نتعامل مع هذه المشكلات ، استشيروه عبر سنته وسيرته وأحاديثه ،
وكلامي هذا ليس كلاماً دينياً بحتاً وإنما هو كلام ديني دنيوي سياسي اجتماعي عقلاني
. كلنا يستشير ، كلنا يحاول أن يقرأ كتباً لمفكرين ، وهذا أمر جميل ! لكن لماذا يا
إخوتنا ، يا حكامنا ينصح بعضكم بعضاً بحسب ما أسمع بقراءة الكتاب الفلاني للمفكر
الغربي الفلاني ، ويقول الناصح للمنصوح : اقرأ هذا الكتاب فقد ساعدني كثيراً في حل
مشكلاتي الداخلية والخارجية ، ثم بعد ذلك تراه فيما يخص النبي عليه وآله الصلاة
والسلام يقف هامداً ! نريد أن نحلَّ هذه المشكلة بكل وضوح وصراحة . من هو النبي في
رأيك ؟ ماذا يمثل النبي عليه وآله الصلاة والسلام في رأيك ؟ ما موقفك مع هذا الرجل
العظيم الكريم محمد عليه وآله الصلاة والسلام ؟! لعلي قلت لكم على هذا المنبر منذ
سنتين أو أكثر ، نقلت لكم عبارات لمفكرين غربيين ، ولعسكريين غربيين ، ولسياسيين
غربيين ، هذه العبارات مفادها وفحواها باختصار: بأنهم استفادوا أو أفادوا من النبي
عليه وآله الصلاة والسلام ، ولا أريد أن أعيد هذه العبارات ، لكني أعيد عبارة
الأديب الفرنسي " فولتير " الذي قال بالحرف الواحد : " فجمال الشريعة الإسلامية
وبساطة قواعدها الأصلية جذبا إلى الدين المحمدي أمماً كثيرة ، والذين لا يقرؤون
التاريخ الإسلامي لا يستحقون الاحترام ، والذين يسبون محمداً عليه وآله الصلاة
والسلام لا يستحقون الحياة " فما بالنا نُصَدّق الذي يَسبُّ محمداً أو نتعامل مع
الذي يسب محمداً تعاملاً أنيقاً ، ونهمل تعاملنا البنَّاء مع محمد ذاته عليه وآله
الصلاة والسلام . إنها دعوة للجميع من أجل اتخاذ موقف مأخوذ من أصح كتاب هو القرآن
، موقف سليم حيال النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام . أيها الإخوة ، أيها
الحكام ، أيها الشعب : ندائي لنفسي ولكم أن نتذكر في هذه المناسبة فريضة إسلامية
عظيمة هي محبة النبي عليه الصلاة والسلام ، ومحبة النبي تدفعنا من أجل أن نتبعه ،
أو على أضعف تقدير من أجل أن نستشيره ، وتدفعنا من أجل أن نُعمِّمَه على أنه أسوة
وقدوة ، قدوة تفرز ضرورة الاتباع منا له ، وأسوة تفرز الحب منا له عليه وآله الصلاة
والسلام ، القدوة تدفعنا للاقتداء ، والأسوة تدفعنا للحب مع الاقتداء . هذه هي
الفريضة المناسبة التي توحي بها ذكرى الاحتفال بمولد النبي عليه وآله الصلاة
والسلام ، وآمل من أصحاب القرار وآمل من كل قطاعات الدولة في كل الدول العربية
والإسلامية أن يحتفلوا وأن يذكر بعضهم بعضاً بهذا النبي وبضرورة محبته ، ليس في
المسجد فقط ، لا نريد أن نُحَجِّر واسعاً ، ولا أريد لأهل المساجد فقط أن يحتفلوا
بمولد النبي ، ولكن أريد لطلاب الجامعة وأساتيذها ، أريد لطلاب المدارس ومدرسيهم ،
أريد لجنودنا وضباطنا أن يحتفلوا بمولد النبي ليس من أجل نصب الزينة ولكن من أجل
تذكر الفريضة ، فريضة محبة النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، وفريضة حب النبي عليه
وآله الصلاة والسلام لأننا شئنا أم أبينا لا بد من أن نعلن بأننا منسوبون لهذا
الرجل العظيم ، للسيد السند العظيم محمد عليه وآله الصلاة والسلام ، لا بد من أنعلن
جميعا : الضابط في ثكنته ، والأستاذ في جامعته ، والمدرس في مدرسته ، والشيخ في
جامعه ، والتاجر في غرفة تجارته ، والصانع في مصنعه ، وهكذا كلنا يجب أن يعيش
الاحتفال ليس من أجل المولد أو القصائد والأناشيد ولكن من أجل التذكر والذكرى ، من
أجل تذكر الفرائض ومن أجل اتخاذ المواقف ، هذا ما نبتغيه ، وإنها لنصيحة لنفسي
ولإخواني على مختلف مستوياتهم على مختلف مسؤولياتهم أينما كانوا لا أستثني منهم
أحداً لأنني أريد الخير للجميع ، أريد منهم أن يعلنوا انتسابهم ، فورب الكعبة إن
انتسابنا لهذا النبي شرف لنا ، وعزةٌ لنا ، ورفعةٌ لنا ، ونصرةٌ لنا ، ورضي الله عن
الشافعي ، هذا الرجل القرشي الهاشمي حينما قال :
ومما زادني
شرفاً وعزاً وكدت بأخمصي أطأُ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صَيَّرت أحمد لي نبياً
الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله في شهر مولدك ، عليك ألف صلاة وألف سلام ، واقبلنا جميعاً خداماً على أعتابك ، فالخدمة في أعتابك عز ورفعة ، شرف ومكانة ، اللهم إنا نسألك الثبات على محبتك ومحبة نبيك ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات