آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حقوق النبي صلى الله عليه وآله وسلم

حقوق النبي صلى الله عليه وآله وسلم

تاريخ الإضافة: 2003/05/30 | عدد المشاهدات: 4380

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
ها نحن في رحاب الأيام الأخيرة من شهر مولد رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، والسؤال الذي يطرح نفسه : تُرى هل سينسى المسلمون الاحتفال برسول الله بعد شهر المولد ، ولا أعني بالاحتفال المهرجان وإنما أعني بالاحتفال الذكر والحفاوة والتعرف . ترى هل سينسى المسلمون الاحتفال برسول الله بعد شهر ربيع الأول ، أم إنهم انطلقوا من شهر المولد ليستمروا على علاقة طيبة وطيدة مع نبيهم الأكرم محمد عليه وآله الصلاة والسلام ، من أجل ذلك قلت بيني وبين نفسي : لو ذكَّرت نفسك والمسلمين وإخوانك بحقوق المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام علينا حتى تبقى هذه الحقوق ماثلة في أذهاننا ، قائمة في وجداننا ، وحتى نسعى دائماً من أجل القيام بها حيال النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، ولذلك أطرح السؤال التالي وأجيب : ما حق النبي علينا ؟ هل حق النبي علينا أن نحتفل بمولده في شهر ربيع الأول ثم بعد ذلك ننسى وكأن ذكرى المولد كباقي الذكريات الوطنية أو القومية أو حتى الذكريات الشخصية .
إن حق النبي علينا يتجلى في ثلاثة أمور :
الأمر الأول : التعرف عليه . وإنني أؤكد على هذا الحق من أجل أن نتعرف عليه ، وما دام طلابنا قد انتهوا من دراساتهم ، من مدارسهم – أعني طلاب المرحلة الأساسية والثانوية من غير الشهادات – فإنني أتوجه إليهم وإلى أولادهم حتى يضعوا لهم برنامجاً ، من هذا البرنامج سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأؤكد على نقطة أخرى أن تكون السيرة موثوقة صحيحة ، فإننا نسمع بين الفينة والأخرى من يتحدث عن النبي عليه وآله الصلاة والسلام إن على المنبر أو على القنوات الفضائية أو في المساجد أو في الاحتفالات من يأتي وهو يتحدث عن النبي عليه وآله الصلاة والسلام بقصص وحكايات عن النبي ليس لها أساس وليس لها أصل ، لذلك أقول : علينا أن نتعرف على النبي من خلال الأحاديث والكتب الصحيحة فذلك هو الواجب والفرض ، هو الحق ﴿ أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ﴾
(المؤمنون : 69) وإنني بعد أن أطالب الشباب سأطالب طلابنا الجامعيين والذين تقدموا لامتحان الشهادة الإعدادية والثانوية ليكون الخطاب شاملاً لجميعهم من غير استثناء لأقول لهم : تعرّفوا على النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، وأتوجه إلى الدولة ناصحاً وطالباً أن تكون مراكز الدورات على اختلاف توضّعها الجغرافي سواء أكانت تابعة لما يسمى بالشبيبة ، أو تابعة للمساجد ، أو تابعة للمدارس ، أطلب منهم بمحبة وبإرادة خيِّرة أن يجعلوا من بين المواد مادة السيرة ، سيرة النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، لأننا وبكل صراحة إن لم نتخذ رسول الله قدوة وأسوة فلا قيمة لنا إن كنا عرباً أو كنا أكراداً أو كنا أتراكاً أو كنا إيرانيين لا قيمة لنا ، ولا قيمة لأي إصلاح في هذا البلد وفي كل بلد إن جانب واجتنب وابتعد عن مسار سيد الخلق وحبيب الحق ورائد الإصلاح الكوني محمد عليه وآله الصلاة والسلام . أتوجه إلى الدولة لكي تجعل مادة السيرة مادة من جملة المواد في مراكزها الصيفية ، في أماكنها ، كما أتوجه من باب النصح ، ومن باب نصح المحب ، أتوجه إليها من أجل أن تخصص قسماً من الوقت في إعلامها المرئي والمسموع ليكون هذا القسم حاوياً على حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير تعليق ، وإنما يقدم البرنامج على أنه لقطات من السيرة النبوية ، يتلوها مَنْ يتلوها ، يقرؤها مَنْ يقرؤها ، فإن شبابنا - يا دولتنا يا حكومتنا يا طلابنا يا أساتيذنا – فإن شبابنا بحاجة مستمرة إلى أن نؤكد لهم بأن قائدهم وأسوتهم ورائدهم هو النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، وبأنه الشخصية الأولى التي توضع في سجل القائدين وفي سجل الرائدين وفي سجل العظماء ، فهو يَعرُبي عربي إن كنا نخاطب العرب ، هو عربي ومن سلالةٍ أفضلٍ في النسب العربي ، فإذا كنا عرباً ونحب الانتماء للقومية العربية فعلينا أن ندرس هذا العربي الأنظف في نسبه وفي عروبته وفي علاقاته مع العروبة وفي علاقاته مع الإنسانية فهو الأنموذج العربي الأروع حتى نقدمه رمز حضارة معبراً عن العربي الأصيل ، وإن كنا غير عرب – إن كنا أكراداً أو أتراكاً – فرسول الله هو الشخصية الأولى في عالم الإصلاح ، في عالم الوحدة ، في عالم المبدأ ، وكلنا علم منذ أكثر من عشرين سنة وأكثر من ثلاثين أن معهداً للدراسات في أوروبا وفي بريطانيا بالذات درس أكثر من ألف شخصية عالمية تاريخية ومعاصرة وإذ بهم يصلون في النهاية إلى أن محمداً هو الشخصية الأولى في الكون ، هو رقم واحد في الكون ، ونشرت الدراسة باسم رئيس الجمعية مايكل هارت تحت عنوان المائة الأوائل ، وكان الأول محمداً عليه وآله الصلاة والسلام . حق النبي يتجلى علينا في التعرف .
والحق الثاني هو الحب : يا ناس ، يا بشر ، يا إصلاحيون ، يا من تريدون الخير ، يا من تريدون السمو ، يا من تريدون المجد : أحبوا رسول الله ، لأن محبتكم - حسب قاعدة الحب يعبر عن التجانس – لأن محبتكم تعطينا مؤشراً على خيريتكم ، وأنا أدرك تماماً : أننا لو سألنا عقلاء الدنيا وعرضنا أمامهم شخصية النبي محمد لأحبه هؤلاء العقلاء ، لأحبوه من دون تردد لأن النبي شخصية صالحة مصلحة ، خالصة مُخلصة ، قوية مقوية ، قادرة مقدرة ، تبعث في الإنسان الذي يحبه الشجاعة الحقَّة ، والفهم الدقيق والعقل السليم والتفكير المضمون ، ولقد روي عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه كما يروي القاضي عياض في كتابه الشفا أنه قال : " إن عقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تدانيه كل عقول البشر - وأبو بكر الصديق رجل عاقل فاهم قبل الإسلام وبعد الإسلام – ولو أن كل العقول جُمِعت لما عدلت عقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الحب وقد تحدثنا في بداية شهر ربيع الأول وقلنا بأن حب النبي فرض علينا ، وليس أمراً نافلة ، وليس أمراً ثانوياً ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كما جاء في البخاري : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ومن الناس أجمعين " ولأن النبي يقول كما جاء في سنن الترمذي : " أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه ، وأحبوني لحب الله وأحبوا آل بيتي لحبي " .
الحق الثالث : الاتباع ,. عليك أن تتعرف وتحب لتتبع ، تقرأ سيرة النبي فما فعله النبي عليك أن تفعله ، واسمحوا لي هنا أن أقول لكل المعنيين بشؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع ، أقول : والله إني لكم ناصح ، إن اتبعتم النبي في كل عمل تعملونه وفي كل مجال تسلكونه ، فأنا ناصح لأنكم باتباعكم النبي ستصيبون الحقيقة إن شاء الله ، أوليس الله قد قال : ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾
(آل عمران : 31) ، ﴿ استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ﴾ (الأنفال : 24) وليس لما يميتكم فلماذا لا يستجيب سياسيونا واجتماعيونا واقتصاديونا لاتباع النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، واسمحوا لي أن أخاطب إخواننا الفلسطينيين لأقول لهم : ما دمنا و- وحسبي أن أسير إشارة فقط ، أنا رجل لا أعرف كثيراً بالسياسة – ولكن أمامهم ما يسمى بخارطة الطريق ، وهم الآن في تداول أمر هذه الخارطة ، أقول لهم ناصحاً ولنفسي : انظروا إليها وعايروها على كلام النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، وسيرة النبي وسنة النبي ، وأريدكم أن تجلسوا وتجتمعوا بينكم وبين بعضكم على أساس معايرة هذه الخريطة على سنة النبي واسألوا خبراء في هذا الميدان ، أنا لا أقول إن الشيوخ هم الخبراء ، لا . هم بعض الخبراء ، لكني أقول : اسألوا خبراء في ميدان الدين والسنة والسياسة والمعاهدات ، وهذا ما نبغيه ، فإن فعلتم ذلك وأصبتم فلكم أجران ، وإن فعلتم ذلك وأخطأتم فلكم أجر ، أما إن عدلتم عن المعايرة على السيرة النبوية فإن أصبتم فلا أجر لكم ، وإن أخطأتم فعليكم الوبال . هنالك فرق بين من يتبع ويجتهد في الاتباع ويخطئ وبين من يعرض ابتداء وأصلا ويصيب أو يخطئ . نحن مأمورون أن نتبع في كل ميدان من ميادين حياتنا ، في كل مجال من مجالات حياتنا ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ (الأنعام : 38) ورسول الله كان رجلاً أسوة ليس فقط في ميدان الجامع وإنما في كل ميادين الحياة . هذه حقوق رسول الله علينا ، لئن سألتموني أخيراً عن حقنا على رسول الله ؟
حقنا على رسول الله : أن يبلغنا رسول الله بصدق ، أن يبلغنا الرسالة ، وأن يؤدينا الأمانة ، وأن ينصحنا ، وأن يشفع لنا . وإني سائلكم : هل قام رسول الله بتأدية حقوقٍ وجبت لنا عليه ، أعتقد أن جميعنا سيقول : نعم . بلَّغت يا رسول الله الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة . وما من أحد يستطيع أن ينكر هذا ، فرسول الله بلغ ووقف في حجة الوداع أمام مائة ألف وقال بصوته الشريف النظيف : ألا هل بلغت ، ويرفع إصبعه إلى السماء ، والجميع يقولون : نعم . بلغت يا رسول الله . ويقول : ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد . ويرفع إصبعه إلى السماء . بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة .
ولنا حق عليك يا سيدي أن تشفع لنا يوم القيامة ، ما دمنا ثابتين على الإسلام ، ما دمنا مقتنعين بدين الله الذي أنزله عليك ، وسيشفع لنا رسول الله ، وحسبي أن أذكر في هذا المجال حديثين مرويين في صحيح الإمام مسلم ، أما الأول فيقول عليه وآله الصلاة والسلام : " لكل نبي دعوة مستجابة دعاها لقومه في حياته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً " وحديث آخر كان النبي عليه وآله الصلاة والسلام فتلا قوله تعالى على لسان إبراهيم ﴿ رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾
(إبراهيم : 36) ثم تلا قوله تعالى على لسان عيس عليه السلام : ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ (المائدة : 118) ثم بكى ، فقال الله يا جبريل : اذهب إلى محمد وانظر ما يبكي محمداً – والله أعلم – فجاء جبريل وقال : ما يبكيك يا محمد ؟ فقال : أمتي فعاد جبريل فقال يا رب : أمته . فقال الله : يا جبريل قل لمحمد : سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " .
هذا حقنا على رسول الله ، ورسول الله قام وسيقوم بالحق عليه بتمام وكمال ، ولكن يبقى التخوف منا ، هل سنقوم بحق رسول الله علينا ؟ هذا ما أرجو الله أن يوفقنا إليه في الدنيا ، وأن يمتعنا بحقنا على رسول الله وهو الشفاعة بالآخرة .
اللهم ارزقنا اتباع نبيك في الأقوال والأفعال والأحوال والأخلاق ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق