آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حقوق جارنا علينا

حقوق جارنا علينا

تاريخ الإضافة: 2003/06/27 | عدد المشاهدات: 4353
أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون : حينما نتحدث عن قواعد آدابنا وعن أخلاقنا نَسُرُّ من أمامنا ، لكننا حينما نطبق أو حينما نُرى في تطبيقنا من قبل من حدثناه عن آدابنا وأخلاقنا يندهش هذا لما يرى من المفارقة والتعاكس بين ما نقول وبين ما نفعل ، فإلى متى سنحدِّث الناس على سبيل المثال عن النظافة ونأتي بأحاديث وآيات لا أروع ولا أفضل ، ولكن إلى متى سيظل حديثنا جميلاً عن النظافة إلا أننا في الواقع غير نظيفين ! وإلى متى سنحدث الناس حديثاً جميلاً – على سبيل المثال أيضاً - عن حسن الجوار ، لكننا في واقعنا نسئ إلى الجوار ، لكننا في واقعنا لا نرعى حرمة الجوار ، لكننا في واقعنا لا نأبه إلى الجوار . بالأمس - أيها الأحبة - استمعت إلى حديثٍ في التلفاز عمَّا جاء به الإسلام عن الجوار وعن حقوق الجوار وعن حسن الجوار فسرني الحديث ، إلا أنني وبعد هنيهة من الزمن قمت بجولة في حي من أحياء حلب في ساعة شبه متأخرة من الليل في الساعة العاشرة أو بعدها ليلاً ، وهذا الحي بسِمَته العامة متديّن ، لكنني وأنا أتجول خطر ببالي ما قلته لكم في البداية ، قلت : ما أجمل ما نسمعه من المسلمين ، ولكن ما أبأس ما نراه من فعل وتطبيق من المسلمين ، وجدت الناس على شرفاتهم ساهرين - وهذا حق لهم - لكنهم في صخب ، يصخبون ، يصطرخون ، يرفعون أصواتهم وكأنهم وحدهم يعيشون ، لا يلتفتون إلى جار لهم يريد أن ينام ، ولا يلتفتون إلى جارٍ آخر مريض ، ولا يلتفتون إلى طفل يريد أن يأوي إلى مهده وإلى فراشه ، على الشرفات يسهرون ، تعلو أصواتهم ، يتكلمون ، هذا مظهر . مظهر آخر : رأيت أمام كل بناية ، كل بيت كومة من الأوساخ رماها أهل هذه الديار أمام بيوتهم ، تفوح منها روائح كريهة لا يلتفتون إلى حسن مظهر الشارع ، المهم أنهم خلَّصوا بيوتاتهم منها ، فلا عليها بعد ذلك إذا ما وسّخت الشوارع ، وإذا ما لوثت الطرقات ، المهم أنهم نظفوا - على حد زعمهم - بيوتاتهم . مظهر ثالث : رأيت أناساً يفرحون ، لا سيما في ليلة الجمعة ، يضربون الدف ، يقولون القصائد - وأنا هنا أتحدث عن المتدينين - يقولون القصائد عبر المكبرات الصوتية ، يقيمون الموالد وأنت حين تسمعهم تضع في حسبانك أنهم لن ينتهوا إلا بعد الساعة الثانية من منتصف الليل إن لم تكن الثالثة ، إن لم تكن الرابعة . مظهر رابع نراه في علاقات الجوار : جار يخطر بباله أن يصلح بيته ، يأتي بأولئك الذين يتولون الإصلاح الحجري ، الإصلاح الخشبي ، الإصلاح المائي ، يأتي بهم في منتصف اليوم ، وقت الظهيرة ليقوم بتشغيل الآلات التي تصدر أصواتاً مزعجة ، وربما خطر ببال هذا الجار أن يقوم بتصليح بيته في منتصف الليل . مظهر خامس : فلان يأتي متأخراً إلى بيته ويريد أن تقوم زوجته المطيعة التي لا يعرف طاعتها إلا في هذا الأمر ولا يختبرها إلا في هذه القضية ، يأمر زوجته أن تعد له الطعام وأن تطبخ ، والإعداد يعني الطبخ ، فتقوم بإرسال الروائح إلى الجيران ، تقوم بِدَقِّ ما يمكن دقه من ثوم ، تقوم بقشر ما يمكن قشره من خضار أو ثمار أو ثوم أو بصل ، يعيش وحده ، ليس بجانبه روح ، ليس بجانبه إنسان . وربما أضفت إلى هذا المظهر مظهراً سادساً : يقوم هذا الرجل ولسان حاله يقول : وهل تستطيع أن تعترض ؟! سأصلي . يقوم فيصلي العشاء متأخراً على شرفة بيته بصوت عالٍ ، هو الآن يصلي ولا يستطيع أحد أن يعارضه ، أتعارض المصلي ؟! يا ويحك . سيرفع صوته وهو يقرأ في صلاة العشاء مما حفظ بتجويد وغير تجويد ، المهم أن يرسل صوته ليقول بلسان حاله لجيرانه : إنني متدين ، وبالتالي مهما عملت فعملي مقبول ، ألست مصلياً ، ألست أرتاد المسجد الفلاني ، اسكتوا لا يحق لكم أن تتكلموا أمام متدين مصلٍِّ . هذه المظاهر أريد أن أوجه عناية المسلمين إلى أمرين ، إلى أمر ديني أولاً ، وأريد أن أوجه المسؤولين ثانياً إلى قانون ، وإلى مراعاة هذا القانون ، وإلى الشدة في تطبيق هذا القانون . أما الأمر الأول : أقول للمسلمين : أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما جاء في البخاري ومسلم ، والحديث متفق عليه ، يقول : " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن . قيل من يا رسول الله ؟ قال : " من لا يأمن جاره بوائقه " والبوائق هي المفاجآت غير السارة ، ونحن لا نأمن بوائق الآخرين ، فهنالك مفاجآت غير سارة ، فيمكن في الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل يمكن لجارك أن يخطر بباله أن يقوم ليطبخ ، ليحيي حفلة ، ليرفع صوت التلفاز ، ليرقع صوت الإذاعة ، ليتسلى مع أولاد وجيرانه وضيوفه ، ليرفع صوته بالصراخ والتأنيب والتأديب على أولاده ، أولاده يلعبون يتركهم ، من لا يأمن جاره بوائقه ، والبوائق المفاجآت غير السارة ، ونحن على انتظار للمفاجآت غير السارة من جيراننا . كما قلت لكم : زيادة على هذا يروي الإمام أحمد وآمل أن ننتبه إلى مثل هذه الأحاديث ، يروي الإمام أحمد أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام قيل له إن فلانة تكثر من صلاتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال : " هي في النار " تكثر من صلاتها ، تكثر منن صيامها بَيْدَ أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، إِنْ برفعِ صوت ، إن بكلام فاحش ، سواء أكان موجهاً للجار أم غير مُوجَّه ، قال هي في النار ، وهل تريدون أكثر من ذلك ؟! يروي أبو الشيخ بسند حسن أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام قال : " من آذى جاره فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل " . يا مسلمون : الغرب تفوق علينا - إن أردتم أن ترضوا أو لا ترضوا - تفوق الغرب علينا بأخلاقه ، بآدابه ، هناك تأمن بوائق جارك أما هنا لا تأمن بوائق جارك ، المفاجآت غير السارة لا تأمنها هنا ، الغرب تفوق علينا في النمط الاجتماعي ، الغرب تفوق علينا في العلاقات الاجتماعية . يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جيرانه " ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في الترمذي : " أحسن إلى جارك تكن مؤمناً " ومفهوم المخالفة : إن لم تحسن ، إن أسأت إلى جارك فلن تكون مؤمناً . يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في سنن الترمذي بسند حسن صحيح : " خير الأصحاب خيرهم لأصحابه ، وخير الجيران خيرهم لجيرانه " . هذا ما أردت أن أوجهه لنفس ولإخواني المؤمنين الذين يحبون الله ورسوله ، والذين يؤمنون بالقيامة وبالعذاب وبالحساب وبالنعيم ، وهل تريدون ترغيباً أو ترهيباً أقوى من ذلك ؟ هل تريدون من النبي عليه وآله الصلاة والسلام فيما يخص الترغيب للإحسان والترهيب من الإساءة للجوار أكثر من هذا ؟! إذاً : لماذا نحن مقصرون ؟ لأننا غدونا أمة قول ، وكما بدأت : حينما نتحدث أمام الناس عن آدابنا نَسُرُّ من أمامنا ، ولكن الذي أمامنا حينما يرى تطبيقنا يُدْهَش ، يطيش صوابه لما يرى من المفارقة بين ما نعمل وبين ما نقول ، وإن كان هنالك من دارسين ميدانيين فإني أطلب منهم أن يدسوا شعورنا ، نحن الذين ندين بدين الإسلام ، وإني على شبه ثقة أن 90 % سيقولون هذا الذي أقول ، سيعبرون عن عدم راحتهم بتعامل جيرانهم ، 90 % إن لم تكن النسبة أكثر سيقولون هذا الكلام ، لذلك بعد أن توجهت هذا التوجه أتوجه إلى المسؤولين ، أتوجه إلى الأمن ، أتوجه إلى الشرطة ، أتوجه إلى المعنيين ، أقول : على أقسام الشرطة أن ترعى هذا الأمر ، وأن تسيِّر دوريات لقمع كل مخالفة تتعلق بإساءة الجار إلى الجار ، لأننا نحن أمة تدنَّينا بالتفاعل الإيجابي مع القانون ، وأصبحنا – لا أتكلم عن كلنا – وأصبحنا لا نُقَوَّم إلا بالعصا ، إلا بالعقوبة ، إلا بالعقاب ، أنادي من على هذا المنبر المعنيين من قانونيين ليرسموا قانون أو قوانين ، كما أتوجه إلى الجهة التنفيذية المنفذة لتكون حازمة وصارمة ، لأنه – يا إخوتي – وبكل وضوح : إذا كنا في هذا المستوى ضعفاء أو متهافتين فلسنا مؤهلين من أجل أن نكون أمة متماسكة ، إذا كان التماسك بين الجار والجار مفقوداً مضيعاً فكيف يمكننا أن نتماسك جميعاً في مواجهة محتل ؟ إذا كان الواحد منا لا يرعى حق الجار فكيف تريدنا أن نكون صفاً كالبنيان المرصوص ؟ المعركة تبدأ من هنا ، وتبدأ من النظافة ، وتبدأ من البر ، من بر الوالدين ، وتبدأ من الصدق في المعاملة ، وتبدأ بحسن الجوار ، وتبدأ بعدم الغش ، وتبدأ بعدم الظلم ، إن المعركة ليست صورة نهائية نرى فيها جنوداً يقاتلون ، لا . لكن الجنود الذين يقاتلون هم طاعتنا ، فضائلنا ، إن لم يكن الجنود يمثلون الفضيلة ويمثلون الطاعة فالمعركة خاسرة ، ليست المعركة كما قلت لكم منذ أكثر من ثلاثة أسابيع ، ليست المعركة عدة مادية فحسب ، لكنها عدة مادية وأخلاقية ، وللأسف فإن الغرب اليوم فيما يخص العدة المادية تفوق علينا ، وفيما يخص العدة الأخلاقية في ميدان التطبيق تفوق علينا ، أما نحن فنتفوق على الغرب بنقطة واحدة هي : أننا إن سئلنا تكلمنا بشكل جيد ، وحكينا عن تاريخ بشكل رائع ، وقلنا : إن عندنا القول الفلاني والقول الفلاني ، ولكننا في التطبيق متفوق علينا ، وقد تفوق الغرب علينا وكلكم يعلم ويدرك هذا ، ونحن بحاجة على أن نحكي حقيقة ما نعيش ولا نريد أن نمدح بما لم نفعل ، وأن نحمد بما لم نفعل ، إن بقينا على هذا فخساراتنا ستتتابع وتتوالى ، ولئن سقطت – وأسأل الله أن يحرر بغداد – ولئن سقطت بغداد فستسقط عواصم أخرى ، لأن سبب الخسارة تمكنا منه ، لأن سبب الخسارات والفشل قد تمكنا منه تمكنا ًجيداً ، الفرقة سبب الخسارة ، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، متفرقون أيَّما تفرق ، عدم رعاية الإنسان سبب الخسارة ، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه نحن كذلك ، وفي أدنى مستوى ، وقس على ذلك كل أسباب الخسارة ستجدنا قد حققنا النسبة العالية في أسباب الخسارة ، وبالتالي كيف ننتظر نصراً لا نبحث ولا نتكلم ولا نمتلك أسبابه . أقول هذا والحزن يملأ صدري ، والأسى يكاد يخنقني ، وأشعر بأن الشجن والشجون غلفت جسدي . الحياة ليست ادعاء ، والحياة ليست عبارة نقولها ، وإني - ويشهد الله - لأخاف كثيراً من ربي وأنا أتكلم على هذا المنبر لأنني أخاف وأخشى من أكون من أولئك الذين يقولون ولا يفعلون ﴿ لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ﴾ الصف : 2-3 يا رب : ردنا إلى دينك رداً جميلاً ، يا رب رد جميعنا من شعوب وحكومات ومسؤولين إلى دينك رداً جميلاً ، وأسأل الله أن يوفق القائمين على هذه الدولة ، وأسأل الله أن يوفق رئيس هذه الدولة من أجل أن نكون جميعاً قوَّالين بالإسلام ، منفذين للإسلام ، مطبقين للإسلام ، وفي نهاية النهاية : تصوروا معي وتخيلوا – والخيال مسموح – تخيلوا لو أننا طبقنا عُشر ما في كتاب ربنا ، وعشر ما في سنة نبينا ، تصوروا تلك الأمة ، إنها أمة تستحق بجدارة أن يقال لها : ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ آل عمران : 110 أما إن بقينا على هذا الوضع ، فلا والله ، لسنا بخير أمة أخرجت للناس ، اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

فتااااة

تاريخ :2008/03/11

إنها خطبة جميلة تحتوي على كل أمور الجار

ضحاوي

تاريخ :2008/03/21

رااائع مووره

شاركنا بتعليق