أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :
ها أنا أقول لكم أيها الإخوة المؤمنون
، أقول هذا ونحن نسمع أكثر من تساؤل من أولئك الذين يكتبون في الصحافة أو من
الذين يقومون ببعض البرامج على التلفاز ، يتحدثون ويقولون : ما حال الوضع
الداخلي في الأمة ، وما حال العلاقات بين أفراد هذه الأمة ؟ وربما صاغ بعضهم
سؤالاً قال فيه : ترى - لا سمح الله - لو أن عدونا - إن كان في ثوب أمريكي أو
غيره اقتحمنا - فهل نحن قادرون على الصمود ، هل وضعنا الداخلي ، هل علاقاتنا
قادرة على أن توجه للمحتل صفعة من خلال تماسك وتعاون وارتباط وعلاقة وطيدة أو
توطّد في العلاقات ؟
كلنا يسمع مثل هذا الكلام ، لكنني أقول ولعل قولي يحمل شيئاً من التكرار لأمور
ذكرناها مبعثرة ، ونريد أن نلملمها في بعض ما نقول .
ألم يأنِ لنا أن نتفحص علاقتنا وعلاقاتنا ! ألم يأن لنا أن نتذكر قبل التفحص
روابط ما بيننا ! ألم يأن لنا أن نعيد النظر في طبيعة الرابطة التي تربطنا !
ألم يأن لنا في أن نتذكر نصوصنا المتعلقة فيما يجب أن يكون بيننا من علاقات !
ألم يأن لنا أن نتعرف على واجباتنا حيال بعضنا وأن نتعرف على حقوق الآخرين منا
علينا ! أقول ألم يأن لنا لأننا - بشكل أو بآخر ، شئنا أم أبينا - مُختَرَقون ،
يستطيع الواحد من أعدائنا أن يُفرِّق بيننا بسهولة ، يستطيع أعداؤنا أن يطبقوا
سياستهم اللعينة " فَرِّق تسد " بسهولة ، أنا لا أريد أن أتحدث عن النخبة
السياسية وعن مؤتمر قمةٍ فشل ، ولا أريد أن أتحدث عن مظاهر يمكن أن لا تعبر عنا
، لكنني أريد أن أتحدث عنا نحن الذين نرتاد المسجد ، ونعلن في كل يوم شهادةً
مفادها : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ونعتبر ذلك كلمة جامعة بيننا . أنا
أريد أن أتحدث عنا ، وبعد الحديث عنا يمكن أن نتحدث عن الحكام ، والنخب
السياسية ، والمسؤولين ، والقمم العربية ، والمؤتمرات التي يحضرها مندوبوا
الدول وهم يشغلون مناصب عالية في دولة ما من دولنا العربية والإسلامية . لا
أريد أن أكثر الحديث عن الإشكالية فكلنا يعيشها ، لكنني أقول : انت أخي وأنا
أخوك ، ولكن ماذا تعمي هذه الكلمة ؟ هذه الكلمة تقوم على ركنين ، على حماية
ورعاية متبادلتين . أنت أخي هكذا تقول ، وأنا أخوك ، هكذا تقول ، عليك أن
تحميني ، هذا ما يجب عليك ، وعليك أن ترعاني ، وعلي أن أحميك وأرعاك ، وهذا ما
يجب علي . عليك أن تحميني من ماذا ؟ تحميني من الغش ، فلا غش ، ورسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم : " من
غشنا فليس منا " احمني من الغش ، احمني من الهجران ، وعليَّ أن أحميك من
الهجران فلا هجران بين أخوين عقد الله أخوتهما بقوله ﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾
الحجرات : 10
وقد وردت كلمة الأخوة والأخ والأخوان والإخوة في القرآن أكثر من تسعين مرة ،
فلا هجران ، روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " لا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي
يبدأ صاحبه بالسلام " احمني من الهجران وعلي أن أحميك من الهجران ، احمني من
التحريش ، من تحريش الشيطان لك تجاهي ، وعلي أن أحميك من تحريش الشيطان لي
تجاهك ، جاء في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن
الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن رضي بالتحريش فيما بينهم "
يُحرِّش بعضنا على بعض ، يتخذ بعضنا الشيطان رفيقاً وقريناً وصديقاً في مواجهة
أخيه الذي قد يخطئ ، ومن قال بأن أخاك معصوم لا يخطئ ، ومن قال بأنك معصوم لا
تخطئ على فرض أن هذا الذي توهمت صدوره من أخيك كان خطأ ، احمني من التحريش .
رابعاً : احمني من الاتهام ، وعلي أن أحميك من أن أتهمك ، جاء في صحيح البخاري
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من دعا أخاه بالكفر أو قال له يا عدو
الله وليس كذلك إلا حار عليه " أي إلا رجع عليه هذا الاتهام على المتهم .
ألا يتهم بعضنا بعضاً ؟ نعم ورب الكعبة . عالم الاتهام فسيح فيما بيننا ، سَلْ
أخاك الذي يصلي بجانبك ، هل تأمن اتهامه لك ، سل نفسك : هل يأمن أخوك الذي يصلي
بجانبك اتهامك له ، هل يأمن بعضنا بعضاً ، احمني من الاتهام ويجب أن أحميك من
الاتهام .
خامساً : لا ترويع ولا تخويف احمني من الترويع والتخويف ، يقول عليه وآله
الصلاة والسلام كما جاء في سنن أبي داود : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً " قلت
لبعض إخواني كلنا أو جلنا يعيش حَذِراً متخوفاً ، إن رنَّ جرس الهاتف أرعبني
وأرعبك ، إن طرق الباب طارق أرعبك وأرعبني ، إن تكلم معي متكلم عبر ورقة أرعبني
وأرعبك ، احمني من الترويع والتخويف ، ويجب علي أن أحميك من الترويع .
احمني من السُّباب . ما أكثر ما ينتشر بين شبابنا وطلابنا وإخواننا الذين
يرتادون المساجد ، يكاد أن يُسَمَّى الواحد منا مِسَبَّاً ، والمِسَب في اللغة
العربية هو الذي يسب كثيراً أو يمكن أن يسمى سِباً ، ما أكثر ما ينتشر السباب
بيننا ، نكاد أن نسمى أمة سبابة يسب بعضنا بعضاً ، ورسول الله يقول كما في صحيح
البخاري : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " احمني من السباب .
احمني من التعدي على عرضي ومالي ونفسي ، أولم نسمع قول النبي صلى الله عليه
وآله وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه " .
احمني من النميمة ، وعلي أن أحميك من النميمة ، فرسول الله يقول : " لا يدخل
الجنة نمام " .
احمني من الغيبة ، وعلي أن أحميك من الغيبة ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضاً ﴾
الحجرات : 12
.
احمني من الحقد والغل وعلي أن أحميك من الحقد والغل ﴿ ربنا ولا تجعل في قلوبنا
غلاً للذين آمنوا ﴾ هذا عنصر الحماية في حق الأخوة وعلاقتها ، إذا ما مَحَّصنا
أنفسنا وفحصناها على أساس من فعلنا أو اجتنابنا لهذا الذي ذكرت مما يجب أن نحمي
أنفسنا والآخرين منه ، أترانا نستحق أن نتسم بالتماسك الدخلي ، أترانا لقمة
سائغة لعدو يمكن أن يخترقنا ! على حسب الوضع الذي نعيشه أُقِرُّ وأعترف وأنت
تقر معي وتعترف بأننا غير قادرين على التماسك والمواجهة والصمود والتصدي لأن
وضعنا الداخلي ضعيف ، لأن علاقاتنا غير مرصوصة ، لأن صفنا مخترق مبعثر ، لأن
كلمتنا مشتتة ، لأن وحدتنا غدت حلماً يراد له أن ينسى ، لأننا في علاقاتنا غير
مؤمنين وغير مسلمين ، ربما كنا مسلمين ومؤمنين في فرديتنا إلا أننا في علاقاتنا
واجتماعاتنا نكاد نكون بعيدين عن ساحة الإسلام . لا أريد أن أصف لكم وضعنا ولكن
أَكِل الأمر إليكم لتصفوا وضعنا وحالنا وعلاقاتكم فيما بينكم . الأخوة حماية
ورعاية .
والرعاية تعني التعاون والتناصح على أرضية من تحبب ، لا أقول على أرضية من حب ،
فالحب أمره بيد الله ، ولكن أقول على أرضية من تحبب ، يروي الإمام مالك في
موطئه عن رب العزة جلت قدرته أنه قال : " طوبى للمتزاورين فيَّ ، طوبى
للمُتَباذلين فيَّ ، طوبى للمتناصحين في ، طوبى للمتحابين في ، اليوم أظلهم في
ظلي يوم لا ظل غلا ظلي " ويروي الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
عن رب العزة أيضاً أنه يقول يوم القيامة : " أين المتحابون في ؟ اليوم أظلهم في
ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " نحن نتحدث عن شرقٍ فيه روحية ، فيه روح ، فيه شفافية ،
فيه علاقات إنسانية يمكن لهذا الشرق الذي يتصف بهذا أن يواجه الغرب المادي ،
الغرب المتشاكس ، الذي لا يعي علاقة الإنسان بالإنسان . هذا ما نتحدث عنه ادعاء
، لكن الواقع لا يفرز هذا ولا يدعم بما ينتجه هذا ، وإنما القضية غدت عكساً ،
فإذا ما أردنا أن نرصد الواقع فقد ذهبت الشفافية من الشرق ، وذهبت العلاقات
الإنسانية من الشرق ، وذهب كل ما يمكن أن يتصف بالروحية ولاروحانية ، وغدا
الوضع ظاهراً ضعيفاً ليس فيه مضمون قوي ، وكما قال إقبال : غدت سَجَداتُنا
جوفاء من غير خشية ، وغدت صلواتنا أشكالاً انعدمت فيها الشفافية التي توقظها
وتنتجها الروح المؤمنة على ما حولنا .
لا أقول هذا من باب اليأس ولكنني أؤكد على هذا من باب الوصف والتشخيص حتى نتعرف
على حالنا فيدفعنا الحال من أجل أخذ الدواء ، لأن حالنا قاسية جداً ، ولأن
الوضع لم يعد يحتمل تأجيلاً ولا إرجاءً . ها نحن نشرب الذل كأساً بعد كأس ،
ونشرب الهوان كوباً بعد آخر ، وها نحن تمتلئ أمامنا الصور التي لا تبشر بخير من
خلال علاقات أبنائنا مع أبنائنا ، ومن خلال علاقات طلابنا مع طلابنا ،
وحكوماتنا مع حكوماتنا ، وعلى ذلك فَقِس .
أسأل الله عز وجل أن يمتعنا بأخوة نعطيها حقها ، وأن يجعلنا ممن يحمي هذه
الفريضة المقررة من الله عز وجل علينا . ليست فرائض الإسلام صلاة وصياماً وزكاة
وحجاً فحسب ، لكن فرائض الإسلام تعاون وتباذل وتناصح وتآخٍ ، علاقة طيبة ، لكن
فرائض الإسلام تعني أكثر من ذلك ، تعني في اللنهاية مجتمعاً متماسكاً منتجاً
متحاباً صناعياً زراعياً ، قوياً صاحب إعداد . هذه هي فرائض الإسلام ، وليست
بعض ما نتصور عن هذا الإسلام .
يا ربنا أسألك بحق نبيك أن توفقنا للتحقق بالأخوة ، يا رب أسألك بحق نبيك وآل
بيت نبيك أن ترحمنا وأن تعفو عنا وأن تغفر لنا .
أخيراً : قرأت البارحة عبارة واردة عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه وقد جاءه
رجل يشكو إليه سوء معاملة جاره له ، فقال كلمة أحببتها ، وقلت في نفسي لأقولنها
غدا على المنبر ، قال له : " جارك عصى الله فيك ، فأطع الله فيه " .
أسأل الله أن يوفقنا من أجل أن نطيع الله في إخواننا وإخوتنا ومجتمعنا
ومواطنينا وكل ما نتوجه إليه بالمودة واللقاء والحوار ، إن ربي على كل شيء قدير
، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات