أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :
لا شك أن ربنا جل وعلا فَطََرنا على
حاجاتٍ مادية ومعنوية ، فكلنا يمتلىء صدره حاجات وتمتلىء جوارحه حاجات أيضاً ،
ولا شك أيضاً أن الله تعالى أخذ العهد على ذاته أن يُشبِعَ هذه الحاجات فهو
الحي القيوم الصمد الذي يعين ولا يُعَان ، والذي يحتاج إليه غيره ولا يحتاج إلى
أحد ، لا أريد أن أتحدث عن كل الحاجات المادية والمعنوية التي نحتاجها ، كما لا
أريد أن أتحدث عن كل الحاجات المعنوية التي ترتكز فينا والتي تتأصل في دواخلنا
وعلى سطح أجسامنا وفي كل ذراتنا لكنني أقول ، وأريد أن أتحدث اليوم عن حاجات
تحتاجها الإنسانية كلها ، وقد أشبعها ربي جلت قدرته بنبينا محمد صلى الله عليه
وآله وسلم ما دمنا نعيش شهر المولد الشريف العظيم النبيل مولد محمد عليه ألف
صلاة وألف سلام .
الإنسانية تحتاج ، وهذه حاجة ملحة ، ونحن نتحدث عن الحاجات المُلِحَّة ،
الإنسانية تحتاج إلى قدوة فكان محمد صلى الله عليه وآله وسلم : ﴿ يا أيها الذين
آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ﴾
الأنفال : 24
﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾
آل عمران : 31
الإنسانية بحاجة إلى قدوة وإذ بربنا عز وجل يُشبِع هذه الحاجة ويُغطي هذه
الحاجة بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الإنسانية بحاجة إلى معيار ، وكلنا يشعر بتلك الحاجة ، هو بحاجة إلى مرجع من
أجل أن يعاير عليه نفسه ، من أجل أن يعاير عليه ذاته ، من أجل أن يعاير عليه
عقله ، من أجل أن يعاير عليه كل ما يريد أن يبني من خلاله وجوده ، فأَشبَعَ
الله عز وجل هذه الحاجة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال ربنا عز وجل : ﴿
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ﴾
التوبة : 128
هو معيار ، هو موئل ، هو مرجع ، وهل يريد الإنسان كل الإنسان هل يريد معياراً
أحكم وأمتن وأعظم من هذا المعيار ، من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هل تريد
معياراً أعظم من هذا الذي قال عن نفسه كما جاء في مسند الإمام أحمد : " أنا
خيركم نفساً ، وأنا خيركم بيتاً " وهل تريد معياراً أعظم من هذا الذي وصفه
سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما يوم قال : والله ما رأيت أشجع ولا أجود ولا أنجع
من محمد عليه وآله الصلاة والسلام ، وهل تريد معياراً أكثر من هذا الذي قال عن
نفسه صلوات الله وسلاماته عليه ، قال عن نفسه كما جاء في صحيح الإمام مسلم: "
أنا محمد ، أنا أحمد ، أنا الحاشر يحشر الناس على قدمي يوم القيامة ، أنا
العاقب والعاقب من لا نبي بعده ، أنا الماحي يمحو الله بي الكفر " هل تريد
مرجعاً ومعياراً أعظم من هذا الذي منَّ الله عز وجل به علينا ؟
ثالثاً : الإنسانية بحاجة الى رمز تلتفُّ حوله ، إلى رمز تلتف حوله ، تحتمي به
من أجل أن تدلل على اعتصامها بحبلٍ متين ، وهل ثَمَة رمز يمكن للإنسانية أن
تلتف حوله أعظم من هذا النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، هل ثمة رمز أعظم من
هذا الذي قال عنه الإمام علي كرم الله وجهه : كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس
واحمرت الحدق اتَّقينا برسول الله ، فما يكون أحد أقرب الى العدو منه . أتريدون
رمزاً أعظم من هذا الرمز لنُشبِع حاجتنا الى الرمزية ، فالإنسان في داخله يحتاج
الى رمز كما قلت لكم .
رابعاً : الإنسانية بحاجة إلى ضمير من أجل أن تستمع إليه ، وربنا يقول : ﴿
واعلموا أن فيكم رسول الله ﴾ الحجرات :
7 وأنا أقول دائماً : إن رسول
الله ضمير العالم ، إن رسول الله هو الضمير الحي للدنيا وللبشرية جمعاء ، إذا
ما أردت ان تعود الى ضميرك فعد إلى رسول الله ، لأن رسول الله مُسَدَّد ، لأن
رسول الله معصوم ، لأن رسول الله مضمون ، أنت بحاجة إلى ضمير ، أَوَلسنا نسمع
من الناس كلمة مفادها : عد الى ضميرك ، وأنا أجسد هذه الكلمة وأشخصها فأقول :
عندما عندما يطلب منك أن تعود الى ضميرك فعليك أن تعود الى رسول الله ، فإن
رسول الله ضمير لم يتغير طعمه ، لأن رسول الله ضمير لم يتغير نقاؤه ، لأن رسول
الله ضمير مَصُون لم تتبدل فيه مفرداته نحو سيء وحاشاه ، محفوظ بحفظ الله " كان
خُلُقه القرآن " بحاجة الى ضمير أنت ايها الإنسان أينما كنت ، وضميرك قدوتك ،
وضميرك رمزك ، وضميرك معيارك من الضمير إن لم يكن الضمير رمزك من الضمير إن لم
يكن الضمير معيارك من الضمير إن لم يكن الضمير قدوتك من الضمير ، رسول الله
ضميرنا لأن رسول الله رحمة الله ، لأن رسول الله عطاء الله ، لأن رسول الله
يُجَسِّد إرادة الخير من الله لعباده فهو ضميرنا ، وأنا أفهم هذه الآية كما قلت
لكم : ﴿ واعلموا أن فيكم رسول الله ﴾
الحجرات : 7 في داخلكم في
دواخلكم في بواطنكم ، وذلك يوافق ما تقوله القاعدة في علم النفس : إن في داخل
كل إنسان إنساناً ، حينما تعمل فأنت تنصب في داخلك إنساناً من أجل أن تجعله
قائدك ومن أن تجعل منه مستلهماً تستلهم منه ومن أجل أن تتخذه عنواناً في مسيرتك
، أو لستم تسمعون في مقابلاتٍ يقال لشخص ما : بمن تأثَّرت في حياتك ؟ من كان له
الدور الأوفى في مسيرتك ؟ من كان صاحب الحظ الأكبر في حياتك ؟ من هذا الذي
لإشعاعاته أثارها الوفيرة في صيرورتك ؟ والناس يجيبون إجابات كثيرة ، لكن إجابة
الإنسان العاقل صاحب التأثير الأكبر وصاحب النصيب الأوفى رسول الله ، وقد قلت
لكم ذلك من سنة أو أكثر ، قلت لكم قرأت كلمات إعجاب صدرت من غير مسلمين برسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن رسول الله ، وفي حق رسول الله ، وكان من
جملتها ما نقلته لكم عن محرر الهند غاندي يوم قال : يجب أن أعترف بأن الذي
دعاني إلى المناداة بتحرير الهند هو نبي الإسلام محمد عليه وآله الصلاة والسلام
فأنا من أشد المعجبين بهذا النبي . لئن قال هذا فهناك الكثيرون قالوا مثل هذا
الكلام وهم غير مسلمين لأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يشكل ضمير الإنسان
الحر العاقل ، إن الذي دعاني إلى المناداة بتحرير الهند هو نبي الإسلام محمد
صلى الله عليه وآله وسلم .
خامساً : الإنسان بحاجة الى أسوة فوق القدوة ، وقلت لكم الفرق بين الأسوة
والقدوة : إن القدوة تتبعها وإن الأسوة تتبعها وتحبها ، القدوة تتبعها بينما
الأسوة تتبعها وتحبها ، ولِمَ لا تحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو العظيم
الرحيم الجواد المُخَلِّص الإنسانية من ربقه العبودية لغير الله ، لم لا تحب ،
لم إن كنت تهوى البطولة فمحمد في قمة البطولة ، وإن كنت تهوى الرجولة فمحمد سيد
الرجولة ، وإن كنت تهوى الأمانة فأمين الدنيا محمد ، وإن كنت تهوى الصدق
فالصادق المصدوق محمد ، وإن كنت تهوى الجود والكرم فالكرم والجود تلميذان في
مدرسة محمد ، وإن كنت وإن كنت فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أسوة نتبعها
ونحبها ، وما أروع حبه وعطفه لنا ، وهل يقابَل الحب إلا بالحب ؟ رسول الله
يحبنا ورسول الله أكرمنا ، رسول الله صاحبُ مِنَّةٍ علينا ، وكل هذه الأمور إن
كان من حيث الصفات أو كان من حيث منته أو من حيث حبه دوافع من أجل أن نحبه ،
أَوَ تذكرون يا أخوتي كما جاء في صحيح الإمام مسلم يوم قرأ النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قوله تعالى على لسان إبراهيم ﴿ رب أنهن أضللن كثيراً من الناس فمن
تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾
إبراهيم : 36
ثم قرأ قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام : ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن
تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾
المائدة : 118 ثم بكى صلى الله
عليه وآله وسلم ، فقال الله : يا جبريل ! إذهب إلى محمد - وربك أعلم - وسَلْه
ما يبكيك ؟ فسأل جبريل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك يا محمد ؟ فقال
: أمتي ، أمتي . فعاد جبريل وقال : يا رب أمته . فقال الله : يا جبريل ! إذهب
إلى محمد وقل له : سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " رسول الله يبكينا حباً وعطفاً
ورحمة وهل يكفي هذا من أجل أن تحبه . أعتقد أن ذلك بمفرده يشكل سبباً قوياً
ودافعاً متيناً من أجل أن تتوجه قلوبنا الى حبه ، إلى اتخاذه أسوة فوق القدوة ،
إذا كان رسول الله بفضل الله يلبي حاجتنا من حيث كوننا نحتاج إلى قائد وإلى رمز
وإلى معيار وإلى ضمير وإلى أسوة فَصَلُّوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، صلوا
عليه ، فإن من يصلي عليه سيكون يوم القيامة أولى الناس به كما قال وكما جاء في
سنن أبي داوود : " إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم صلاة عليّ " يا شبابنا
صلوا على نبيكم في كل أمكنتكم ، في جامعاتكم ومدارسكم ومراكزكم ، يا جنودنا
صلُّوا على النبي ، يا حكامنا صلوا على النبي ، فرسول الله إذ تصلون عليه سيشفع
لكم عند الله في الدنيا والآخرة لتكونوا سعداء في الدنيا وفَالِحين في الآخرة ،
يروي البزار والطبراني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال - يا أمة
الإسلام ، يا أيها الساكنون حيث كنتم ، اسمعوا هذا النداء من النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يقول : " إن الله أوكل بقبري ملكاً أعطاه أسماء الخلائق من لدن
آدم الى قيام الساعة ، فما من أحد يُسلِّم عليّ أو يصلي عليّ ، إلا قال هذا
الملك يا محمد إن فلاناً ابن فلان يصلي عليك " اللهم صل على سينا محمد ابن عبد
الله ، القائم بأمر الله ، ما ضاقت إلا وفرجها الله ، ما ضاقت في فلسطين إلا
وفرجها الله ، وفي العراق ، وفي كل مكان ، اللهم صل على سيدنا محمد ابن عبد
الله ، القائم بأمر الله ، ما ضاقت إلا وفرجها الله . قال رجل للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم : أرأيت يا رسول الله إن جعلت دعائي كله صلاةً عليك ؟! قال له
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إذاً يكفيك الله ما أهمك " نريد أن يكفينا
الله ما أهمنا بالعمل ، بالجهاد ، ولكن نتوج العمل والجهاد بالصلاة على النبي ،
يا أيها الشباب الصغار ، يا أيها الرجال الكبار ، يا أيتها النساء ، يا أيتها
الفتيات الصغيرات والصبيات : أنادي الجميع أن يكون لهم وِردٌ هو الصلاة على
محمد بن عبد الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، صلوا عليه في كل يوم فَوَالله
إن الصلاه على النبي تُنوِّركم ، تنور قلوبكم ، تنور وجوهكم ، تنور حياتكم ، إن
من أَحَب شيئاً أكثر من ذكره ، ونحن نحبك يا سيدي يا رسول الله ، وسنكثر من
الصلاة عليك يا حبيب الله ، يا قائدنا إلى الله ، يا من علمتنا كل خير ، جزاك
ربي في كل ساعة ، في كل دقيقة ، جزاك ربي خير ما يجزي نبياً عن أمته ، خير ما
يجزي رسولاً عن أمته ، خير ما يجزي معلماً عن أمته عن تلاميذه عن طلابه ،
وهَمِّي يا سيدي أن تكون أنظارك علينا ، هَمِّي يا سيدي أن يكون قلبك عطوفاً
علينا ، همي يا سيدي يا رسول الله أن أكون خادماً عند قدميك ، فورب الكعبة إن
الخدمة عند قدميك في الدنيا عِزٌّ ما بعده عِز ، هكذا قال الملوك ، وهكذا قال
الزعماء الذين وصلوا الى شيء من معرفتهم برسول الله ، ألم يقل مَلِك الحبشة وهو
غير مسلم : لو كنت عند رسول الله لغسلت من عند قدميه ، لغسلت من ماء قدميه .
هذه مقولة الملوك ، حيثما كنتم قولوا : اللهم صل على سيدي وقائدي وقرة عيني
محمد عليه وآله الصلاة والسلام ، اجهر بذلك ، فجهرك بذلك رفعة لك ، وهل ينتسب
أحد غيرك إلى أعظم من هذا النبي ، لئن كنت تنتسب الى شخصية ما تتفاخر بها
وتذكرها بالتقدير والتبجيل فكيف وأنت تنتسب الى سيد ولد آدم ، أقول هذا الكلام
من أجل أن يتقوى شبابنا وهم يظهرون قناعا تهم ، آن الأوان أن نظهر قناعاتنا
بلطف ورفق ولكن مع اللطف والرفق قوة ، فوة في الإظهار ، فإن فساد الرأي أن
تترددا ، وأن تخجلا ، وأن تكون مهزوماً في داخلك .
أيها الأخوة الرجال والنساء والشباب والبنات والطلاب والجنود والجميع من يشكل
أرضنا ووطننا : صلوا على هذا النبي الكريم ، اللهم صل عليه وآله ، اللهم يا رب
اجعل نوره محيطاً بذاتي حارساً لي من جميع جهاتي ، نعم من يسأل أنت ، ونعم
النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات