أما بعد ، أيها الأخوة المسلمون :
في الجمعة السالفة وبمناسبة ابتداء
العام الدراسي وافتتاح المدارس توجهنا إلى الأساتذة والمعلمين والموجهين ،
ووعدنا أن نحدث الطلاب في هذه الجمعة ، توجهنا إلى الأساتيذ والمعلمين
والموجهين بوصايا ، وأنا إذ أتوجه بمثل هذه الوصايا فإنني أتوجه أولاً إلى نفسي
لأنني على علم أن الإنسان إن لم يوجه نفسه أولاً فلن يكون كلامه مستقبلاً من
قبل الآخرين بشكل مرضٍ .
أيها الطالب في المرحة الأساسية وفي المرحلة الثانوية ، في المعهد ، حيثما كنت
:
أولاً : أتوجه إليك داعياً ربي أن يكلل مسعاك بالتوفيق ، وأن يحفظك ، وأن يحصنك
، وأن يجعلك عنصر خير في هذا المجتمع ، وأن يقيك السوء والضر والشر والكيد
والحقد والغل وكل ما يؤذيك في دينك ودنياك وجسمك وروحك وقلبك .
ثانياً : أيها الطالب على اختلاف مستويات دراستك : أناشدك الله أن تنوي العبادة
في دراستك ، فإن طلب العلم أشرف العبادات . إذا دخلت مدرستك أو معهدك فقل :
نويت بدراستي أن أكون لله عبداً ، اللهم اجعل عملي هذا خالصاً لوجهك الكريم ،
اللهم إني أشهدك أني في عبادة ، فطلب العلم أشرف العبادات ، قال سيدي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن أبي داوود والترمذي وسواهما : " من سلك
طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع
أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع ، وفضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم
، أو كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً
ولا ديناراً ، وإنما ورثوا هذا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " . انوِ العبادة
، فلقد جاء في سنن ابن ماجه أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال : " طلب
العلم فريضة على كل مسلم " وإذا ما نويت العبادة فطوبى لك أيها الطالب ، تبتدئ
من السابعة صباحاً وأنت في أشرف عبادة إن نويت ذلك ، وتستمر عبادتك وأنت على
مقعد الدراسة وأنت في الباحة تستريح من عناء الدرس ، وأنت تأكل ما بين الحصص
فأنت في عبادة ، فأنت نويت ذلك : و " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى " فمن كانت هجرته ، ومن كان تعلمه لله ورسوله فتعلمه لله ورسوله ، ومن كان
تعلمه لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، أو جاهٍ يطلبه ، أو منصب أو وهم يعيشه ،
فنتيجته وتعلمه لهذا الذي نواه ، وقد قلنا هذا قياساً على حديث المصطفى عليه
وآله الصلاة والسلام المعروف المشهور .
ثالثاً ، ايها الطالب : القرآنَ القرآن . كيف ذلك ؟ أريدك أن تجعل القرآن
منطلقك ومحور تحركاتك . من القرآن انطلق ، ابحث في القرآن الكريم عن منطلقاتٍ
لغاياتك العملية ، ابحث في القرآن الكريم عن منطلقاتك لحياتك السلوكية ، القرآن
الكريم لا تغادره ولا تتجاوزه ، ولتكن دائماً في رحابه ، روى الإمام أحمد أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن
تضلوا " يا طلابنا : لقد ضلَّ كثيرٌ من طلابنا لمجانبتهم القرآن وابتعادهم عن
القرآن : " إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، أحدهما أعظم من الآخر :
كتاب الله وهو حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض ، وعترتي : أهلَ بيتي ، ولن
يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفونني فيهما " وفي رواية الإمام
مالك : " كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " القرآنَ القرآن يا
طلابنا ، لطالما قلنا بعد خطبة الجمعة ومنذ أشهر ونحن نحدثكم عن لطيفة قرآنية ،
القرآنَ التزموه تلاوةً وقراءة وتدبراً ، فإنك إن قرأته أو تلوته نلتَ أجراً
وفضلاً ورحمة ، وكذلك إن قرأته ، وكذلك إن تدبرته ، فالقرآن يا شبابنا وطلابنا
، وأنا أعني ما أقول ، ولا أريد أن يكون كلامي عبارة عابرة ، ولا كسحابة صيف
تمشي من دون أن تمطر أو أن يتوقع منها المطر . أُلحُّ عليك أيها الطالب أن
تبتدئ يومك وأن تختمه بالقرآن ولو نظرة ، فذلك والله حفظٌ لك ولعقلك وقلبك
وسلوكك ، الذي تحرص عليه ، إي والله أيها الطالب ، القرآنَ القرآن ، أريد لك
نسخة خاصة بك من القرآن الكريم تحملها في حقيبتك ، إن لم تحمل كلَّ القرآن فلا
أقل من أن تحمل منه جزءاً ، أريدك فيما تحمل من متاع المدرسة أن يكون بين ذلك
قرآن ، فوالله إنه حفظ وصيانة ودفاع ودريئة بالنسبة لك ، بالنسبة لنا ، بالنسبة
لمجتمعنا .
رابعاً ، يا طلابنا : التزموا آداب الإسلام في مدارسنا ، يا طالباتنا : التزمن
آداب الإسلام في مدارسكن ، يا طلابنا وطالباتنا في المعاهد والجامعة : النظافةَ
النظافة ، الصدقَ الصدق ، الأمانةَ الأمانة ، الحِشمةَ الحشمة ، الفضيلةَ ،
الرعايةَ ، الخلق الحميد ، بالأمس حُدِّثتُ من قبل بعض الأولياء والأساتذة
والمعلمين أن طلابنا في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي ( المرحلة الابتدائة
) يأتون المدارس ، هذا قد حمل ( جوالاً ) وعلى الجوال صورٌ لأناسٍ لا نرضى أن
نكون معهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وذاك حمل طعاماً فوق ما تستطيع معدته
استيعابه ، وثالث حمل مالاً يفوق ما يأخذه موظف شريف في أسبوع ، ورابع حمل هدية
إلى أناسٍ ليس من أجل العلم وإنما من أجل التساهل ، أعطِ هذا موجّهك حتى يتساهل
معك وليس من أجل زيادة التعليم ، أعط هذه الهدية مديرك حتى يتساهل معك . ورب
الكعبة إني لأجد مظاهر لا تعبر إلا عن ترفٍ وسَرفٍ وضياع ، وهذه عوامل هلاكٍ في
مدارسنا ومعاهدنا ، في المكان الذي يتوقع منه أن يصدر النور . لا يا آباءنا ،
ليست الرحمة أن تعطي ولدك ما يهلكه ، لكن الرحمة أن تكون لولدك ناصحاً أمينا ،
ليس الحنان أن تقدم لولدك ما يفسده ، لا . ايها الطالب : تمرَّد على المعصية
لتكون في رحاب الطاعة ، تمرد على الفساد لتَتَجَلْبَب بجلباب الصلاح ، أيها
الطالب : اريدك أنموذجاً يحتذى في خلقك وأمانتك ، وكذلك أيتها الطالبة : أريدك
محتشمة طاهرة عفيفة ، أريدك أيها الطالب أديباً خلوقاً مهذباً مؤدباً مشذباً ،
وإلا إن فسدت المدرسة فما تنتظرون من مجتمعٍ فسدت أماكن التعليم والتربية فيه ،
إن فسد التعليم فماذا تنتظرون من مجتمعنا .
خامساً : أريدك أيها الطالب متفوقاً مجداً ، أريدك مجتهداً ، أن تنهي ما عليك
من واجبات ، أن تدرس وتبرمج وقتك ، جاء في سنن البيهقي : " إن الله يحب إذا عمل
أحدكم عملاً أن يتقنه " أتقن دراستك :
﴿
إنما يخشى الله من عباده العلماء
﴾
فاطر : 28
تفوق ، وأنا أعلم أن ما يحيط بك من عوامل مفسدة لا تساعدك على التفوق والإتقان
، فتمرد عليها لأننا نريدك متفوقاً عالماً ، نريدك عنصراً فعالاً في هذا
المجتمع تقدم ما ينفعه ، وتدفع عنه ما يضره . أناشدك الله أيها الطالب أن تحاسب
نفسك في كل يوم ، أين قضيت ساعاتك ؟ وأين قضيت أوقاتك ، وأين مررت يومك ؟ قبل
أن تنام ، فإن كنت مخطئاً فاستغفر الله وعاهده على أن لا تعود إلى ذلك ، وإن
كنت مصيباً فازدد في اليوم التالي ، واحرص على أن تكون في كل يوم أفضل مما كنت
عليه بالأمس فـ : " من استوى يوماه فهو مغبون " .
أخيراً ، ايها الطالب : لا تنسَ ثوابتنا ، لا تنسَ ثوابت مسلمينا ، ومن جملة
الثوابت : توحيدنا ربنا أسٌّ من أسس حياتنا ، وحدة المسلمين قضية يجب أن تشغل
بالنا ، القدس وتحريرها قضية يجب أن تتحول إلى هاجس . عندما تعيش في مثل هذا
اليوم ذكرى الإسراء والمعراج تذكَّر أنك مطالب في النهاية بعد أن تحصل العلم أن
تحرير القدس مكلف به أنت ، ولا ترمِ بالأمر على غيرك ، مكلف بِبَثِّ التوحيد ،
مكلف ببث الثوابت في هذه الدنيا كلها ، في دنيا الإنسان حيثما كان ، مكلف ببث
الثوابت ، ثوابتنا : الله ربنا ، محمد نبينا ، القرآن كتابنا ، الإسلام ديننا ،
الوطن من المحيط إلى الخليج ، بل من البحر إلى النهر ، الوطن من أقصى الشرق إلى
الغرب ، لا أعني وطناً عربياً ، بل الأرض في النهاية هي وطننا وهي أمانة في
أعناقنا ، فالأرض التي جُعِلَت مسجداً وطهوراً هي وطننا ، نبتدئ بالصغير لنصل
إلى الكبير ، نبتدئ بالمدينة والحيّ لنصل إلى كل الأرض ، فكل الأرض وطننا . من
ثوابتنا أن الأرض أمانة في أعناقنا حتى نقيم فيها شرع الله الرحيم العظيم ،
وذلك من أجل خير الإنسان ، ومن أجل الإحسان إلى الإنسان لأننا ندعو إلى الإسلام
حتى يكون الإنسان في أمان ، وندعو إلى الإيمان حتى يكون الإنسان في اطمئنان ،
وهكذا دواليك .
أيها الطالب ، وأركز على القدس ، القدس في رقبتك ، القدس ، المسجد الأقصى ،
وبيت المقدس أمانة ، أنت أيها الطالب في كلية الطب ، وفي كلية الهندسة ، وفي
كلية التجارة والاقتصاد ، في كلية الشرطة ، في الجيش ، في المسجد ، في المرحلة
الابتدائية والإعدادية والثانوية ، وإلا قل لي بربك : ما شعورك وأنت تقرأ قوله
تعالى : ﴿
سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا
﴾
الإسراء : 1
ما شعورك وأنت ترى بني صهيون يستبدلون بالبركة السوء ، يدنسون حوله بدلاً من أن
يكون ممن يبارك حوله امتثالاً لأمر الله ، ما شعورك يا أيها الطالب ، ويا أيها
الإنسان في كل مكان ؟!
يا طالبنا : لا يسعني أخيراً إلا أن أقول كما قلت في المستهل : وفقك الله ،
بارك الله بك طالباً قوياً شهماً نظيفاً طاهراً عفيفاً ، ترعى حرمات بلدك ودينك
، ترعى حرمات الأقصى ، بوركت يا طالبنا ، وفقك الله ، وهيأ منك رجالاً كما
وصفهم ربي عز وجل :
﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا
﴾
التوبة : 108
بارك الله فيك مشروعَ رجل يحمي البلاد ويؤصل الخير ويؤسس الفضيلة ، بوركت أيها
الطالب حيثما كنت ، وأسأل الله لك التوفيق والتفوق في كل عملك ، وأرجوك أن تضع
في ذهنك تأكيداً على ما قلنا توحد المسلمين ، ولا تنسني من دعوة ترسلها عبر
سُجُفِ الغيب حيث كنت ، تقول : اللهم تولَّ عبدك فلان ، وتول المسلمين ، فإني
أطلب منك الدعاء ، ومن طلب من أخيه الدعاء فليلبه أخوه ، أطلب منك الدعاء وأنت
تفتح الكتاب ، وأنت تكتب في المدرسة على السبورة ، أطلب منك الدعاء وأنت تفتح
كتاب الله ، فاللهم كما أدعو لطلابنا أسألك أن تجيب دعاءنا يا رب العالمين ،
وأن تحرر قدسنا ، وان تردنا شباباً وشيباً ، رجالاً نساء طلاباً طالبات حكومات
حكاماً شعوباً ، أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير
أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات