آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
أحباء الله

أحباء الله

تاريخ الإضافة: 2005/06/10 | عدد المشاهدات: 2648

أما بعد ، فيا أيها الإخوة المؤمنون :
الحب بشكل عام حاجة فطرية نفسية انفعالية ، وما من أحد منا إلا ويحب الحب . أن تكون محبوباً أو محباً فهذا ما يطمح إليه قلبك ، أن تكون محبوباً هذا متطلع قلبك ، فإذا كان الذي يحبك وإذا كنت محبوب إنسان عادي كان قلبك فرحاً مسروراً ، لكنه سيكون أشد فرحاً وأشد سروراً وأشد نبضاً بحياة خاصة بك عندما يكون الذي يحبك كبيراًً وعظيماً ، وكلنا اليوم يسعى من أجل أن يكون محبوباً ، فإذا ما ذُكر بالحب على لسان أي إنسان كان انتابه سرور ودخلت قلبه سعادة ، أوليس الأمر كذلك ؟ الجواب : بلى . من منا لا يتطلع لأن يكون محبوباً من قبل صاحب المنصب ، من الذي لا يتطلع إلى أن يكون محبوباً من قبل الرئيس أو الوزير أو الشيخ أو الغني أو الإنسان العادي . كلنا يريد أن يحصد عند المساء إذ يمسي وعند الصباح إذ يصبح الحب من قلوب الناس . إذا كان الأمر كذلك فهل فكرنا في أن نكون محبوبين لأعظم العظماء ، بل لخالق العظماء ، هل فكرنا في أن نتعرض لأن نكون محبوبين من قبل ربنا العظيم الكبير المتعال . إذا أحبك إنسان ما أعتقد أنه يبغي نفعك وقد لا يصل إلى أن يحقق نفعك ، ولكن إذا أحبك الله عز وجل تولاك ونفعك وأعطاك ومنحك ، وجعلك معه ، وكما ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري : " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " هذا محبوب الله . السؤال بعد هذه المقدمة : هل تريد أن تكون محبوباً لله ؟ الجواب : نعم نريد . لأن الله إذا أحبنا كان سمعنا ، بصرنا ، يدنا ، رجلنا ، كان الله ملبياً لنا لكل ما نسأل ، نحن نريد أن يحبنا الله ، لأنه الله إذا أحبنا فاقت محبته إيانا كل محبة ، إذا أردت أن يحبك الله فكن صنفاً من هذه الأصناف التي أعلن الله حبه لها . من الذي يحبهم الله حتى تكون منهم ، وبالتالي إذا أحبك الله فطوبى لك وهنيئاً لك ، هيا فلتسع من أجل أن تكون من هذه الأصناف الثمانية التي أعلن الله في كتابه الكريم حبه إياهم .
الصنف الأول : هل تستطيع أن تكون من الذين يقاتلون في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص ؟ هؤلاء يحبهم الله ، لأن الله قال :
﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص الصف : 4 وأغتنم هذا الصنف لأنادي أخوتنا في كل مكان ، أقول لكل من يبغض المستعمر الإسرائيلي ، والمستعمر الأمريكي : كونوا معاً في مواجهة هذا المستعمر كأنكم صف ، كأنكم بنيان مرصوص ، كونوا معاً في فلسطين ، في العراق ، في كل مكان ﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص الصف : 4 هذا صنف ممن يحبهم الله عز وجل فهل أنت منهم ؟ إن لم تكن منهم فهناك صنف آخر يمكن أن تكون منهم .
الصنف الآخر : المحسنون .
﴿ إن الله يحب المحسنين البقرة : 195 يروي الإمام عبد الرزاق في مصنفه أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يقود شاة ليذبحها وقد ربطها من رجلها ، فقال له سيدنا عمر : يا هذا ما أحسنت ، " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " ما أحسنت يا هذا . قدها إلى الموت قوداً حسناً . ﴿ إن الله يحب المحسنين البقرة : 195 فهل أنت محسن ، هل أنت تحسن في كل أعمالك وأقوالك ، هل تحسن وتطبق قوانين الإحسان الربانية في سلوكك إذ تفعل وإذ تقول ، إذاً فالله يحبك ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها النساء : 86 نريد لصلاتنا أن تكون بإحسان ، ولعلاقاتنا أن تكون بإحسان ، ولجوارنا أن يكون بإحسان ، ولكل شيء نفعله ونقوله أن يُعَنْوَن بعنوان الإحسان حتى يحبنا الله جلت قدرته . إن لم تكن من المحسنين فابحث عن الصنف الثالث .
الصنف الثالث : التوابون :
﴿ إن الله يحب التوابين البقرة : 222 هيا فتب إلى ربك في كل دقيقة ، وفي كل ساعة ، يروي الإمام البخاري أن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " يا أيها الناس توبوا إلى الله جميعاً ، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة " سيدي رسول الله يتوب في اليوم مائة مرة فكم تتوب أنت أيها الشاب ، أيها الرجل ، أيها المسؤول ، أيها الرئيس ، أيها القاضي ، أيها الطبيب ، أيها الشيخ . لعل سائلاً يقول : ومِمَّ كان يتوب النبي عليه الصلاة وآله الصلاة والسلام وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ أقول : إن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوب من الحَسن ليفعل الأحسن ، كان يرتقي ، لأن الإنسان إذا لم يرتق فسيكون في موقفه ، وسيكون مكرراً نفسه ، وسيدي رسول الله سيد المرتقين ، وسيدي رسول الله كان يومه الراهن أرقى من يومه الماضي ، وكان يسعى إلى أن يكون يومه التالي أفضل من يومه الراهن ، فهو الذي قال كما جاء في سنن الترمذي : " من استوى يوماه فهو مغبون " سيدي رسول الله كان يتوب من الحسن إلى الأحسن ، ومن الفاضل إلى الأفضل ، فما بالنا لا نتوب من السيئ إلى ألأحسن . توبوا إلى الله جميعاً يا أيها المؤمنون فإني أتوب في اليوم مائة مرة ، وليست القضية مبالغة ، وحاشاه ، علم ولدك التوبة من سوء وقع فيه ، وعلم زوجتك التوبة من شر وقعت فيه ، وعلم نفسك التوبة من أمر لا يرضي ربك وقعت فيه ، حتى تكون تواباً - أي كثير التوبة - والله يحب التوابين . إن لم تكن من الصنف الثالث فكن من الصنف الرابع .
الصنف الرابع : المتطهرون .
﴿ والله يحب المتطهرين البقرة : 222 والطهارة طهارتان : حسية ومعنوية . أما الطهارة الحسية فهي النظافة ، وقد قال عنها سيدي رسول الله كما في الترمذي : " إن الله طيب يحب الطيب ، إن الله جميل يحب الجمال ، إن الله نظيف يحب النظافة ، فنظفوا أفنيتكم ولا تَشبَّهوا باليهود " ومن ينظر شوارعنا وبيوتاتنا ، ومداخل البنايات التي نقطنها ، بل المساجد ، من ينظر هذه جميعاً يدرك بأننا لم ندخل عالم محبة الله ، أي حب الله إيانا ، بل يدرك وبكل صراحة من حيث الطهارة الحسية لسنا طاهرين ، شوارعنا وسخة ، أحياؤنا وسخة ، الأوساخ تملأ الشوارع والأحياء والبيوتات ، الوساخة غَدَت عنواناً ، وكم تحدثنا عن النظافة وأنها مطلب ، وكم تحدثنا عن الغرب وكيف تفوق علينا بالطهارة ، بالنظافة الحسية . أين نحن من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله طيب يحب الطيب ، إن الله جميل يحب الجمال ، إن الله نظيف يحب النظافة ، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود " هذه الطهارة الحسية ، وأما الطهارة المعنوية ، فطهارة القلب من الأضغان ، من الأحقاد ، من الحسد ، من الغل : ﴿ ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا الحشر : 10 ، " لا تحاسدوا ، لا تباغضوا ، لا تدابروا " يروي البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد القلب كله " سمعت بالأمس أن المؤتمر أسفر عن توصيةٍ بمحاربة الفساد ، وكم كنت سأكون سعيداً لو أنهم أشاروا إلى الفساد المادي والفساد المعنوي ، لو أنهم أشاروا إلى ضرورة إزالة الفساد المادي والمعنوي ، لأن الفساد إذا تكلم عنه في بلادنا توجه إلى الميدان المادي فحسب ، وحتى في الميدان المادي أين الفساد وإزالته ؟! سنرى الأيام القادمة وما ستسفر عنه ، وما ستحققه مثل هذه التوصيات . كم تمنيت أن يتكلم أيضاً عن إزالة الفساد المعنوي ، عن إزالة الفجور ومحالِّها ، عن إزالة ما يؤذي قلوب أطفالنا ، وقلوب شبابنا ، وقلوب نسائنا ، لأن الفساد ليس الفساد المادي فحسب ، ولكننا نريد سعياً حثيثاً لإزالة الفساد المعنوي ، لإزالة المعاصي والآثام ، لإزالة الانقطاع عن الله حتى يكون العباد موصولين بالله عز وجل ، الفساد المعنوي قد يكون وهو بالفعل أشد ضرراً من الفساد المادي وكلاهما مرفوضان غير مقبولين ، فالله يحب المتطهرين . إن لم تكن من الصنف الرابع .
فإن الله يحب المتقين . والتقوى إخلاص . وقد جاء في صحيح الإمام مسلم : " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه " كن مخلصاً حتى في العمل القليل الذي يصدر عنك . أريد من نفسي ومنك أن نكون من المتقين ، فلنخلص لربنا ، والإخلاص امتثال أمر الله لأن الله أمَر ، هذا هو الإخلاص ، أن تمتثل أمر ربك لأنه أمر ، حسبي أن الله أمَرَ من أجل أن أفعل ، أما أن تنتظر المنفعة بما أمر الله حتى تمتثل فقد بَعُدَت الشُّقة عن الإخلاص وأصبحت في منأى كبير عن الإخلاص ، أما وأن الله قال : فلبيك اللهم لبيك . أما وأن الأمر أتى عن الله وثبتت نسبته لله فلبيك اللهم لبيك . إن لم تكن من هذا الصنف ، فكن من الصابرين .
سادساً :
﴿ والله يحب الصابرين آل عمران : 146 كما أتى في كتابه ، والصبر ثبات على المبدأ مع التضحية " صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة " الصبر ليس حالة سلبية ، الصبر ليس انهزاماً ولا هروباً ، وإنما ثبات بتضحية فكن صابراً فالله يحبك . إن لم تكن من الصابرين فكن من المتوكلين .
سابعاً :
﴿ إن الله يحب المتوكلين آل عمران : 159 وقد تحدثت منذ أسبوعين عن التوكل وقلت إن التوكل : احتماء وموالاة بالله حتى الالتحام : " إن من عبادي من إذا أرادوا أردت " احتماء بالله حتى الالتحام ، واعتقادٌ بأنه لن يمنعك أحد من الله ، لأن الله هو الذي يمنعك من سواه ، ولا يمنعك من الله إلا الله ، هذا هو التوكل ﴿ إن الله يحب المتوكلين آل عمران : 159 كنا نتمنى لو أن أي مؤتمر في هذا البلد المسلم وضع شعار التوكل على الله ، الأمم الأخرى تتوكل على القوة ، الأمة الضعيفة التي تتبع الأمة القوية تتوكل عليها ، ونحن أليس من العقل والإيمان الذي نعلنه أن نعلنه وأن نضع شعار التوكل على الله ، ما المانع من ذلك ؟ قد لا أفهم ما الذي يجيش في صدور أولئك الذين يجتمعون خارج المساجد ، يجتمعون في الدوائر والمنتديات أراهم لا يذكرون الله ، ما الذي يدفعهم لهذا ؟ أراهم حتى في الذكر يبتعدون عن الله عز وجل ؟ ألستم مسلمين ؟ الجواب : بلى . ألستم مؤمنين ؟ الجواب : بلى . لم لا يكون الشعار : توكلنا على الله ﴿ ومن يتوكل على الله فهو حسبه الطلاق : 3 أخبرونا يا أيها الناس عن أسوتكم وقدوتكم ، لم أرَ في التاريخ أسوة – وابحثوا أنتم – ولم أرَ قدوة إلا وكانت تتوكل على قوة غيبية ، إن مررنا بالأنبياء فالأنبياء كانوا يتوكلون على الله صراحة ، إن مررنا بالمصلحين والفلاسفة فقد كانوا يعلنون التوكل على القوى الغيبية ، والقوة الغيبية هي الله ، إن مررنا بأولئك الذين سجلوا بصمة في حياة الأمم إصلاحاً وتوجيهاً فقد كانوا يعلنون إن بصراحة أو عدم صراحة التوكل على الله ، أما نحن فَلِمَ يا إخوة ، إذا انفردتَ بهذا الذي يجتمع مع إخوان أو رفاق له إن انفردت به قال لك : أنا مسلم ، وأصلي ، وأقرأ القرآن ، هذا جميل وبارك الله بك ، لكن لماذا لا تنقل بعضاً من هذا إلى اجتماعك بالآخرين ، هل تخاف أن تتوكل على الله فيتركك الله ؟ توكل على الله حيثما كنت ما دمت تؤمن بالله ، والله إن توكلت عليه أحبك وإذا أحبك كان معك وأكرمك ، كان يدك ورجلك ، لئن سألته ليعطينك ، ولئن استعذت به ليعيذنك ﴿ إن الله يحب المتوكلين آل عمران : 159 .
الصنف الثامن :
﴿ إن الله يحب المقسطين المائدة : 42 الذين يعدلون ، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي الإمام مسلم في صحيحه : " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين " اسمعوا أيها المسؤولون في كل مكان ، أيها الآباء ، أيتها الأمهات ، أيها القضاة ، أيها المسؤولون : إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا " وفي رواية : " وما وُلُّوا " ما ولي من مسؤوليات صغر حجمها أم كبر ، هؤلاء على منابر من نور ، والله يحبهم ، هكذا أعلن ربي في القرآن جل شأنه وعظم ذكره ، يحب المقسطين ، ونحن نحب العدل ، ونريد للعدل أن ينتشر ، فانتشار العدل دليل التقدم والتطور والتحديث ، وما تريدون أن تقولوا من كلمات جميلة ، والعدل أساس الملك ، وحسبنا أن القرآن الكريم دعا الناس كافة إلى العدل وإلى أن يكون العدل عنوان الإنسان ، ونفر من الظلم ، وذكر أول قصة إنسانية وقع فيها ظلم ليقول للإنسانية : إن قابيل إذ قتل هابيل فقد ارتكب ظلماً ، فيا أيها الذين يقتلون ظلماً : اعتبروا ، أينما كنتم ، فإننا نريد العدل منتشراً ، وكما قلت أكثر من مرة – ويشهد الله – أنني لا أريد أن أخاطب جهة معينة ، أنا لا أريد أن أعتاش على حساب معارضة ولكن خطابي موجه للجميع ، لنفسي أولاً ، ولكم أنتم ثانياً ، ولكل مَعنيٍّ على أرض هذا الوطن ثالثاً ، وللإنسان أينما كان الإنسان رابعاً ، وأكرر شعاري الذي أرفعه : ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هود : 88 نريد الإصلاح من أنفسنا ومن الآخرين ، ومن كل إنسان آتاه الله عقلاً وقلباً ومنحه ربي شرف أن جعله في أحسن تقويم .
لنسعَ في النهاية إلى أن نكون محبوبين من قبل الله عن طريق التحلي بالصفات التي ذكرتها . فاللهم اجعلنا من الذين تحبهم ويحبونك يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

 

التعليقات

شاركنا بتعليق