أما بعد ، فيا أيها الإخوة
المؤمنون :
الحب بشكل عام حاجة فطرية نفسية انفعالية ، وما من أحد منا إلا ويحب الحب . أن تكون
محبوباً أو محباً فهذا ما يطمح إليه قلبك ، أن تكون محبوباً هذا متطلع قلبك ، فإذا
كان الذي يحبك وإذا كنت محبوب إنسان عادي كان قلبك فرحاً مسروراً ، لكنه سيكون أشد
فرحاً وأشد سروراً وأشد نبضاً بحياة خاصة بك عندما يكون الذي يحبك كبيراًً وعظيماً
، وكلنا اليوم يسعى من أجل أن يكون محبوباً ، فإذا ما ذُكر بالحب على لسان أي إنسان
كان انتابه سرور ودخلت قلبه سعادة ، أوليس الأمر كذلك ؟ الجواب : بلى . من منا لا
يتطلع لأن يكون محبوباً من قبل صاحب المنصب ، من الذي لا يتطلع إلى أن يكون محبوباً
من قبل الرئيس أو الوزير أو الشيخ أو الغني أو الإنسان العادي . كلنا يريد أن يحصد
عند المساء إذ يمسي وعند الصباح إذ يصبح الحب من قلوب الناس . إذا كان الأمر كذلك
فهل فكرنا في أن نكون محبوبين لأعظم العظماء ، بل لخالق العظماء ، هل فكرنا في أن
نتعرض لأن نكون محبوبين من قبل ربنا العظيم الكبير المتعال . إذا أحبك إنسان ما
أعتقد أنه يبغي نفعك وقد لا يصل إلى أن يحقق نفعك ، ولكن إذا أحبك الله عز وجل
تولاك ونفعك وأعطاك ومنحك ، وجعلك معه ، وكما ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه
البخاري : " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي
يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه "
هذا محبوب الله . السؤال بعد هذه المقدمة : هل تريد أن تكون محبوباً لله ؟ الجواب :
نعم نريد . لأن الله إذا أحبنا كان سمعنا ، بصرنا ، يدنا ، رجلنا ، كان الله ملبياً
لنا لكل ما نسأل ، نحن نريد أن يحبنا الله ، لأنه الله إذا أحبنا فاقت محبته إيانا
كل محبة ، إذا أردت أن يحبك الله فكن صنفاً من هذه الأصناف التي أعلن الله حبه لها
. من الذي يحبهم الله حتى تكون منهم ، وبالتالي إذا أحبك الله فطوبى لك وهنيئاً لك
، هيا فلتسع من أجل أن تكون من هذه الأصناف الثمانية التي أعلن الله في كتابه
الكريم حبه إياهم .
الصنف الأول : هل تستطيع أن تكون من الذين يقاتلون في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص
؟ هؤلاء يحبهم الله ، لأن الله قال :
﴿
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص
﴾
الصف : 4
وأغتنم هذا الصنف لأنادي أخوتنا في كل
مكان ، أقول لكل من يبغض المستعمر الإسرائيلي ، والمستعمر الأمريكي : كونوا معاً في
مواجهة هذا المستعمر كأنكم صف ، كأنكم بنيان مرصوص ، كونوا معاً في فلسطين ، في
العراق ، في كل مكان
﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون
في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص﴾
الصف : 4
هذا صنف ممن يحبهم الله عز وجل فهل أنت منهم ؟ إن لم تكن منهم فهناك صنف آخر يمكن
أن تكون منهم .
الصنف الآخر : المحسنون .
﴿
إن الله يحب المحسنين
﴾
البقرة : 195
يروي الإمام عبد الرزاق في مصنفه أن سيدنا
عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يقود شاة ليذبحها وقد ربطها من رجلها ، فقال
له سيدنا عمر : يا هذا ما أحسنت ، " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " ما
أحسنت يا هذا . قدها إلى الموت قوداً حسناً .
﴿
إن الله يحب المحسنين
﴾
البقرة : 195
فهل أنت محسن ، هل أنت تحسن في كل أعمالك وأقوالك ، هل تحسن وتطبق قوانين الإحسان
الربانية في سلوكك إذ تفعل وإذ تقول ، إذاً فالله يحبك
﴿وإذا
حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها
﴾
النساء : 86
نريد لصلاتنا أن تكون بإحسان ، ولعلاقاتنا أن تكون بإحسان ، ولجوارنا أن يكون
بإحسان ، ولكل شيء نفعله ونقوله أن يُعَنْوَن بعنوان الإحسان حتى يحبنا الله جلت
قدرته . إن لم تكن من المحسنين فابحث عن الصنف الثالث .
الصنف الثالث : التوابون :
﴿
إن الله يحب التوابين
﴾
البقرة : 222
هيا فتب إلى ربك في كل دقيقة ، وفي كل ساعة ، يروي الإمام البخاري أن سيدي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " يا أيها الناس توبوا إلى الله جميعاً ، فإني
أتوب إليه في اليوم مائة مرة " سيدي رسول الله يتوب في اليوم مائة مرة فكم تتوب أنت
أيها الشاب ، أيها الرجل ، أيها المسؤول ، أيها الرئيس ، أيها القاضي ، أيها الطبيب
، أيها الشيخ . لعل سائلاً يقول : ومِمَّ كان يتوب النبي عليه الصلاة وآله الصلاة
والسلام وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ أقول : إن سيدي رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم كان يتوب من الحَسن ليفعل الأحسن ، كان يرتقي ، لأن الإنسان
إذا لم يرتق فسيكون في موقفه ، وسيكون مكرراً نفسه ، وسيدي رسول الله سيد المرتقين
، وسيدي رسول الله كان يومه الراهن أرقى من يومه الماضي ، وكان يسعى إلى أن يكون
يومه التالي أفضل من يومه الراهن ، فهو الذي قال كما جاء في سنن الترمذي : " من
استوى يوماه فهو مغبون " سيدي رسول الله كان يتوب من الحسن إلى الأحسن ، ومن الفاضل
إلى الأفضل ، فما بالنا لا نتوب من السيئ إلى ألأحسن . توبوا إلى الله جميعاً يا
أيها المؤمنون فإني أتوب في اليوم مائة مرة ، وليست القضية مبالغة ، وحاشاه ، علم
ولدك التوبة من سوء وقع فيه ، وعلم زوجتك التوبة من شر وقعت فيه ، وعلم نفسك التوبة
من أمر لا يرضي ربك وقعت فيه ، حتى تكون تواباً - أي كثير التوبة - والله يحب
التوابين . إن لم تكن من الصنف الثالث فكن من الصنف الرابع .
الصنف الرابع : المتطهرون .
﴿
والله يحب المتطهرين
﴾
البقرة : 222
والطهارة طهارتان : حسية ومعنوية . أما الطهارة الحسية فهي النظافة ، وقد قال عنها
سيدي رسول الله كما في الترمذي : " إن الله طيب يحب الطيب ، إن الله جميل يحب
الجمال ، إن الله نظيف يحب النظافة ، فنظفوا أفنيتكم ولا تَشبَّهوا باليهود " ومن
ينظر شوارعنا وبيوتاتنا ، ومداخل البنايات التي نقطنها ، بل المساجد ، من ينظر هذه
جميعاً يدرك بأننا لم ندخل عالم محبة الله ، أي حب الله إيانا ، بل يدرك وبكل صراحة
من حيث الطهارة الحسية لسنا طاهرين ، شوارعنا وسخة ، أحياؤنا وسخة ، الأوساخ تملأ
الشوارع والأحياء والبيوتات ، الوساخة غَدَت عنواناً ، وكم تحدثنا عن النظافة وأنها
مطلب ، وكم تحدثنا عن الغرب وكيف تفوق علينا بالطهارة ، بالنظافة الحسية . أين نحن
من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله طيب يحب الطيب ، إن الله جميل
يحب الجمال ، إن الله نظيف يحب النظافة ، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود " هذه
الطهارة الحسية ، وأما الطهارة المعنوية ، فطهارة القلب من الأضغان ، من الأحقاد ،
من الحسد ، من الغل :
﴿
ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا
﴾
الحشر : 10
، " لا تحاسدوا ، لا تباغضوا ، لا تدابروا
" يروي البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ألا وإن في الجسد مضغة ،
إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد القلب كله " سمعت بالأمس أن المؤتمر أسفر
عن توصيةٍ بمحاربة الفساد ، وكم كنت سأكون سعيداً لو أنهم أشاروا إلى الفساد المادي
والفساد المعنوي ، لو أنهم أشاروا إلى ضرورة إزالة الفساد المادي والمعنوي ، لأن
الفساد إذا تكلم عنه في بلادنا توجه إلى الميدان المادي فحسب ، وحتى في الميدان
المادي أين الفساد وإزالته ؟! سنرى الأيام القادمة وما ستسفر عنه ، وما ستحققه مثل
هذه التوصيات . كم تمنيت أن يتكلم أيضاً عن إزالة الفساد المعنوي ، عن إزالة الفجور
ومحالِّها ، عن إزالة ما يؤذي قلوب أطفالنا ، وقلوب شبابنا ، وقلوب نسائنا ، لأن
الفساد ليس الفساد المادي فحسب ، ولكننا نريد سعياً حثيثاً لإزالة الفساد المعنوي ،
لإزالة المعاصي والآثام ، لإزالة الانقطاع عن الله حتى يكون العباد موصولين بالله
عز وجل ، الفساد المعنوي قد يكون وهو بالفعل أشد ضرراً من الفساد المادي وكلاهما
مرفوضان غير مقبولين ، فالله يحب المتطهرين . إن لم تكن من الصنف الرابع .
فإن الله يحب المتقين . والتقوى إخلاص . وقد جاء في صحيح الإمام مسلم : " إن الله
لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه " كن مخلصاً حتى في العمل
القليل الذي يصدر عنك . أريد من نفسي ومنك أن نكون من المتقين ، فلنخلص لربنا ،
والإخلاص امتثال أمر الله لأن الله أمَر ، هذا هو الإخلاص ، أن تمتثل أمر ربك لأنه
أمر ، حسبي أن الله أمَرَ من أجل أن أفعل ، أما أن تنتظر المنفعة بما أمر الله حتى
تمتثل فقد بَعُدَت الشُّقة عن الإخلاص وأصبحت في منأى كبير عن الإخلاص ، أما وأن
الله قال : فلبيك اللهم لبيك . أما وأن الأمر أتى عن الله وثبتت نسبته لله فلبيك
اللهم لبيك . إن لم تكن من هذا الصنف ، فكن من الصابرين .
سادساً : ﴿
والله يحب الصابرين ﴾
آل عمران : 146
كما أتى في كتابه ، والصبر ثبات على المبدأ مع التضحية " صبراً آل ياسر فإن موعدكم
الجنة " الصبر ليس حالة سلبية ، الصبر ليس انهزاماً ولا هروباً ، وإنما ثبات بتضحية
فكن صابراً فالله يحبك . إن لم تكن من الصابرين فكن من المتوكلين .
سابعاً : ﴿
إن الله يحب المتوكلين
﴾
آل عمران : 159
وقد تحدثت منذ أسبوعين عن التوكل وقلت إن التوكل : احتماء وموالاة بالله حتى
الالتحام : " إن من عبادي من إذا أرادوا أردت " احتماء بالله حتى الالتحام ،
واعتقادٌ بأنه لن يمنعك أحد من الله ، لأن الله هو الذي يمنعك من سواه ، ولا يمنعك
من الله إلا الله ، هذا هو التوكل
﴿
إن الله يحب المتوكلين
﴾
آل عمران : 159 كنا نتمنى لو أن أي
مؤتمر في هذا البلد المسلم وضع شعار التوكل على الله ، الأمم الأخرى تتوكل على
القوة ، الأمة الضعيفة التي تتبع الأمة القوية تتوكل عليها ، ونحن أليس من العقل
والإيمان الذي نعلنه أن نعلنه وأن نضع شعار التوكل على الله ، ما المانع من ذلك ؟
قد لا أفهم ما الذي يجيش في صدور أولئك الذين يجتمعون خارج المساجد ، يجتمعون في
الدوائر والمنتديات أراهم لا يذكرون الله ، ما الذي يدفعهم لهذا ؟ أراهم حتى في
الذكر يبتعدون عن الله عز وجل ؟ ألستم مسلمين ؟ الجواب : بلى . ألستم مؤمنين ؟
الجواب : بلى . لم لا يكون الشعار : توكلنا على الله
﴿
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
﴾
الطلاق : 3
أخبرونا يا أيها الناس عن أسوتكم وقدوتكم
، لم أرَ في التاريخ أسوة – وابحثوا أنتم – ولم أرَ قدوة إلا وكانت تتوكل على قوة
غيبية ، إن مررنا بالأنبياء فالأنبياء كانوا يتوكلون على الله صراحة ، إن مررنا
بالمصلحين والفلاسفة فقد كانوا يعلنون التوكل على القوى الغيبية ، والقوة الغيبية
هي الله ، إن مررنا بأولئك الذين سجلوا بصمة في حياة الأمم إصلاحاً وتوجيهاً فقد
كانوا يعلنون إن بصراحة أو عدم صراحة التوكل على الله ، أما نحن فَلِمَ يا إخوة ،
إذا انفردتَ بهذا الذي يجتمع مع إخوان أو رفاق له إن انفردت به قال لك : أنا مسلم ،
وأصلي ، وأقرأ القرآن ، هذا جميل وبارك الله بك ، لكن لماذا لا تنقل بعضاً من هذا
إلى اجتماعك بالآخرين ، هل تخاف أن تتوكل على الله فيتركك الله ؟ توكل على الله
حيثما كنت ما دمت تؤمن بالله ، والله إن توكلت عليه أحبك وإذا أحبك كان معك وأكرمك
، كان يدك ورجلك ، لئن سألته ليعطينك ، ولئن استعذت به ليعيذنك
﴿
إن الله يحب المتوكلين
﴾
آل عمران : 159
.
الصنف الثامن : ﴿
إن الله يحب المقسطين
﴾
المائدة : 42
الذين يعدلون ، يقول سيدي رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم كما يروي الإمام مسلم في صحيحه : " إن المقسطين عند الله على
منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين " اسمعوا أيها المسؤولون في كل مكان ،
أيها الآباء ، أيتها الأمهات ، أيها القضاة ، أيها المسؤولون : إن المقسطين عند
الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم
وأهليهم وما وَلُوا " وفي رواية : " وما وُلُّوا " ما ولي من مسؤوليات صغر حجمها أم
كبر ، هؤلاء على منابر من نور ، والله يحبهم ، هكذا أعلن ربي في القرآن جل شأنه
وعظم ذكره ، يحب المقسطين ، ونحن نحب العدل ، ونريد للعدل أن ينتشر ، فانتشار العدل
دليل التقدم والتطور والتحديث ، وما تريدون أن تقولوا من كلمات جميلة ، والعدل أساس
الملك ، وحسبنا أن القرآن الكريم دعا الناس كافة إلى العدل وإلى أن يكون العدل
عنوان الإنسان ، ونفر من الظلم ، وذكر أول قصة إنسانية وقع فيها ظلم ليقول
للإنسانية : إن قابيل إذ قتل هابيل فقد ارتكب ظلماً ، فيا أيها الذين يقتلون ظلماً
: اعتبروا ، أينما كنتم ، فإننا نريد العدل منتشراً ، وكما قلت أكثر من مرة – ويشهد
الله – أنني لا أريد أن أخاطب جهة معينة ، أنا لا أريد أن أعتاش على حساب معارضة
ولكن خطابي موجه للجميع ، لنفسي أولاً ، ولكم أنتم ثانياً ، ولكل مَعنيٍّ على أرض
هذا الوطن ثالثاً ، وللإنسان أينما كان الإنسان رابعاً ، وأكرر شعاري الذي أرفعه :
﴿
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
﴾
هود : 88
نريد الإصلاح من أنفسنا ومن الآخرين ، ومن
كل إنسان آتاه الله عقلاً وقلباً ومنحه ربي شرف أن جعله في أحسن تقويم .
لنسعَ في النهاية إلى أن نكون محبوبين من قبل الله عن طريق التحلي بالصفات التي
ذكرتها . فاللهم اجعلنا من الذين تحبهم ويحبونك يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ،
ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات