آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
واجباتنا نحو اليتيم

واجباتنا نحو اليتيم

تاريخ الإضافة: 2006/04/07 | عدد المشاهدات: 6103

أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون:

خلص العقلاء بشكل عام إلى تقسيم حياة الإنسان إلى ثلاث مساحات: المساحة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وربما عبروا عن هذه المساحات بالنظم فقالوا: النظام الاقتصادي، والنظام السياسي، والنظام الاجتماعي، غير أن أكبر المساحات الثلاث – في رأيي- المساحة الاجتماعية، لكننا وللأسف لا نرى من المسلمين اهتماماً كبيراً يتناسب وحجم هذه المساحة، بل تكاد تنظر إلى المسلمين فتجد أن أكثر اهتمامهم ينصرف إلى المساحة السياسية حتى غدونا - جلنا – سياسيين، أو إلى المساحة الاقتصادية من غير معرفة بأدوات هذه المساحة. أما المساحة الاجتماعية المظلومة فقد عدلنا عنها علماً أنها تشكل إن لم أقل تشكل نصف المساحة الإنسانية، فهي تشكل ثلثي هذه المساحة، لكن أين عمل المسلمين في هذه المساحة الاجتماعية ؟

أفرحني أن المنظمات العربية جعلت الجمعة الأولى من شهر نيسان يوماً لليتيم العربي، قلت بيني وبين نفسي لو أننا قمنا بإحصاءٍ لخطب الجمعة التي يخطبها الناس هنا أو في سورية أو في البلاد العربية لما وجدنا في السنة أو في السنتين من يتحدث عن اليتيم وعما جاء عن اليتيم في ديننا وعن ضرورة رعاية اليتيم وعن كل ما يتعلق باليتيم توجيهاً وتربية، لذلك قلت بيني وبين نفسي لأجعلنَّ خطبة اليوم تدور حول اليتيم، خاصة ونحن نحتفل في هذه الأيام بميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد البشر، وهو الذي كان يتيماً حسب ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى. وللآخرة خير لك من الأولى. ولسوف يعطيك ربك فترضى. ألم يجدك يتيماً فآوى. ووجدك ضالاً. فهدى ووجدك عائلاً فأغنى. فأما اليتيم فلا تقهر. وأما السائل فلا تنهر. وأما بنعمة ربك فحدث الضحى: 1-11. فيا أيها اليتيم العربي، ويا أيها اليتيم المسلم في البلاد الإسلامية، وها أنا من باب السلوى لك أتوجه إليك لأقول: ها أنت قد انضممت إلى ساحة اليتيم الأول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحسبك بذلك تسلية وعزاءً وسلوى، وها أنت اقتديت بفعل الله فيك بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لا أقول هنيئاً لك، ولكن أقول فليكن تشابهك وتماثلك مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في هذه القضية أكبر سلوان وأعظم ما يمكن أن تعزي به نفسك، لا أريد أن أحدثكم كثيراً عما جاء في الإسلام نحو اليتيم فلقد لخصت القضية بثلاثة واجبات علينا.

واجباتنا نحو اليتيم ثلاثة أمور، ثم سأتبع بعد ذلك هذه الأمور أحاديث نبوية جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوصي من خلالها النبي الأمة باليتيم فواجباتنا نحو اليتيم ثلاثة أمور:

الواجب الأول: رعاية اليتيم مادياً، رعاية مال اليتيم، العناية بماله. إياك وأكلَ مال اليتيم ﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن الإسراء: 34، ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً النساء: 10 حافظ على مال اليتيم، اعتنِ بمال اليتيم، ارعَ مال اليتيم، إياك وأكلَ مال اليتيم وإلا ستصلى ناراً وستأكل في بطنك ناراً كما قال ربي عز وجل.

الواجب الثاني: إكرام اليتيم ﴿ألم يجدك يتيماً فآوى الضحى: 6 ، ﴿كلا بل لا تكرمون اليتيم. ولا تحاضون على طعام المسكين الفجر: 17- 18. أكرم اليتيم، حيثما وجدت يتيماً فتوجه إليه بالإكرام المادي والمعنوي، لأن إكرام اليتيم واجب عليك وليس هذا الواجب واجباً نفلياً بل هو فرض إسلامي، لأن ربنا أمرنا بأن نكرم اليتيم ﴿فأما اليتيم فلا تقهر الصحى:9 . توجه إليه بالإكرام، بالعطاء، بالتقدير بالمحبة بالمراعاة بالإكبار بكل ما يسمى إكراماص.

الواجب الثالث: ﴿ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير البقرة: 220 والإصلاح يعني الإصلاح التربوي والنفسي والعلمي، الإصلاح يعني أن تتوجه بتربية إنسانية كلية لهذا اليتيم، بعبارة أخرى أن تتكفل اليتيم ليكون إنساناً صالحاً في الحاضر والمستقبل ﴿ويسألونك عن اليتامى البقرة: 220 ماذا نفعل نحو اليتامى ﴿قل إصلاح لهم خير البقرة: 220 وماذا تعني كلمة خير؟ تعني كلمة خير أن الله اختار لكم أنتم رعاية اليتيم وإصلاح اليتيم، واختار لليتيم إصلاحاً من قبلكم أنتم يا أيها المجتمع، يا أيها المسؤول، يا أيها الحاكم، يا أيها الغني، يا أيها المربي، يا أيها المثقف، توجهوا إلى اليتيم بالإصلاح.

رعاية مال اليتيم، إكرامه، إصلاحه، وكلمة الإصلاح تعني التوجه التربوي الشامل لهذا اليتيم، التوجه التربوي والتوجه النفسي والتوجه التعليمي والتوجه المعرفي والتوجه الإعدادي، إصلاح كلمة شاملة لا تقتصر على جانب واحد من حياة هذا اليتيم بل يشمل الإصلاح كل مناحي حياة اليتيم.

 تُرى هل فكر واحد منا بهذا الفرض الإسلامي علينا، لعلك تعرف أيتاماً، ولعلك ترى مدرسة للأيتام، ولعلك تمر بدار رعاية الأيتام، ولعلك تقرب من يتيم هو بالنسبة لك قريب جداً من حيث النسب ومن حيث المكان، ربما كان قريباً إلى حد الأخوة النسبية، ربما كان قريباً إلى حد العمومة، إلى حد الخؤولة، أي أن يكون خالاً أو ابن خال، فهل فكرت في هذا الفرض الاجتماعي أم أنت في شغل عن هذه المساحة الاجتماعية الهامة. كما بدأت الحديث أوكد: انتبهوا إلى المساحة الاجتماعية، وإلا فاعلموا أن هذه المساحة تتخطف من حولكم، يأتيها فلان وفلان من عالم آخر، من دين آخر، من وجه أخرى، من أفكار أخرى لا تمت إلى دينكم بصلة، وربما كانت في مواجه دينكم. انتبهوا إن عدم انشغالكم في هذه المساحة يعني أنكم تركتم الأمر من غير رعاية ولا مسؤولية، فسيأتي المتصيدون في الماء العكر ليشغلوا هذا المكان الذي فرغتموه بانهزامكم، بترككم، بعدم اعتباركم أن العمل في هذه المساحة فرض، لذلك أدعو نفسي وأدعوكم إلى قراءة سورة الضحى لتتذكروا اليتيم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن خلاله أدعوكم إلى أن تتذكروا واجباتكم نحو اليتيم، ولا سيما أن المنظمات العربية قامت مشكورة بتسمية هذا اليوم يوماً لليتيم العربي.

فيا أيها المسلمون: اسمعوا مني كلاماً عن اليتيم قاله سيدي وحبيبي وقرة عيني صاحب الذكرى محمد عليه وآله الصلاة والسلام جاء في البخاري وأبو داود والترمذي أن نبينا عليه وآله الصلاة والسلام قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما". ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسلم وموطأ مالك: "كافل اليتيم له أو لغيره – إن كان هذا اليتيم يدخل في ساحة نفقته الواجبة أو لا يدخل – أنا وهو كهاتين في الجنة". ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما روى الترمذي في سننه وقال حديث حسن صحيح: "من قبض – أي من أتى بيتيم - يتيماً من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة البتة - أي قطعاً – إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر" أي إلا أن يشرك. ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في سنن ابن ماجه: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه" على أنني أحب أن ألفت نظركم إلى أن البيت يشمل الدار والبيت الصغير ويشمل المجتمع كله، شر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه، والمجتمع الحلبي بيت، والمجتمع السوري بيت، فإن كان هنالك يتيم يساء إليه فشر البيت هذا الذي نعيش فيه، البيت الذي يسمى البلدة، والبيت الذي يسمى الوطن، والبيت الذي يسمى الدار.

يروى أبو يعلى بسند حسن أيضاً أن نبينا عليه وآله الصلاة والسلام، ولعلي قرأت هذا الحديث منذ يومين لأول مرة يقول صلى الله عليه وآله وسلم : "أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أني أرى امرأة تبادرني فأقول لها مالكِ – من أنت ِ – فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي". وقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسوة قلبه – أشعر بقسوة القلب يا رسول الله فكيف أجعل من هذا القلب القاسي قلباً حانياً – فقال عليه الصلاة والسلام: "امسح رأس يتيم واطعم المسكين" زوروا دور الأيتام وانظروا الأيتام حولكم، انظروا الأيتام من أقربائكم، انظروا الأيتام من جيرانكم، انظروا الأيتام من بلدكم، انظروا الأيتام من وطنكم.

يقول صلى الله عليه وآله وسلم أخيراً كما في البخاري ومسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين واليتيم كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: - يقول الراوي – كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر".

فإلى هذه الفريضة الاجتماعية المهملة وإلى هذه المساحة الاجتماعية المهملة هيا إلى هذه المساحة فهي أكبر المساحات، هي أكبر من المساحة السياسية، وأكبر من المساحة الاقتصادية، وأنا أتمنى من وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية أن تعنى بالمساحة الاجتماعية، فكفانا تحليلاً، وكفانا نوافذ على التحليلات، وكفانا اتجاهات معاكسة، كفانا هذه البرامج التي لا تؤثر فينا إلا سلباً، والتي تجعل الواحد منا يقضي وقته من غير ما فائدة وينسى أن الله سيسأله عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، إلى البرامج العملية الاجتماعية، إلى البرامج التي لا تتكلم فحسب بل تقدم العون، إلى الأعمال التي لا تنتج كلاماً فقط، ولكن إلى البرامج التي تنتج حركة إيجابية نافعة، إلى هذه الأعمال، إلى تربية الطفل واقعاً، إلى رعاية اليتيم، إلى خدمة المسكين، إلى رعاية المعوقين، إلى كل هذه الأفعال التي تشكل مساحة مهمة ضمن المساحة الاجتماعية، إلى التعليم، إلى التعلم، إلى المعرفة، واعتقد أننا خدرنا من خلال البرامج السياسية ومن خلال الخطابات السياسية والكلام السياسي وما يشبه ذلك، ولا سيما على التلفزيونات العربية، فإننا بدأنا نشعر بالإحباط من خلال كثرة ما يقال وقلة ما يفعل، فإلى المساحة الاجتماعية لأنك قادر عليها أنت، أنت غير قادر على أن تنفذ سياسة معينة في المساحة السياسية ولكنك قادر على تنفيذ مساحة صغيرة اجتماعية من المساحة الاجتماعية الكبيرة الواسعة، أنت قادر على رعاية اليتيم وأنت قادر على العناية بالطفل وأنت قادر على البحث عن مسكين لا يسأل الناس إلحافا وأنت قادر من أجل أن تكون راعياً وقائماً بهذه الفرائض الاجتماعية فيها متعاوناً مع من يرغب ويريد أن يعمل مثلما تريد أن تعمل ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان المائدة: 2. فاللهم وفقنا من أجل رعاية اجتماعية جادة، ومن أجل مساحة اجتماعية نقوم فيها بحقها، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول قولي هذا وأستغفر الله.

التعليقات

شاركنا بتعليق