آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
محبة رسول الله

محبة رسول الله

تاريخ الإضافة: 2006/04/28 | عدد المشاهدات: 3146

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

ها نحن في اليوم الأخير من شهر ربيع الأول، الشهر الذي ولد فيه سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وآله وسلم فماذا عسانا نحتفظ بعد مرور هذا الشهر؟ حدثت نفسي في صباح هذا اليوم قلت: لعله من المناسب أو من المقبول أو من المدعو إليه أن أحدث إخواني في جامع التوحيد عن محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والموضوع هذا وإن كان مطروقاً كثيراً غير أني أشعر باستمرار ضرورة طرقه والبحث فيه، عسى أن يكون طرقه المتكرر وبحثه المستمر محققاً لما نبتغيه، ألا وهو سكنى محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قلوبنا.

أريدك يا أخي كما أريد لنفسي أن نستشعر فيما يخص هذا الأمر فرضية محبة رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام، وأن تقول فيما بينك وبين نفسك وأن تسائل نفسك وأن تسائل قلبك هل أنت محب لرسول الله؟

الإنسان من غير حب لا يمكن أن يعيش أو أن يكون، لأن الإنسان تقوم تركيبته المعنوية على الحب أصلاً وأساساً على الحب، وبالتالي هل أنت ممن يحب ؟ الجواب: نعم أنت ممن يحب، وإلا فإنسانيتك في خطر.

السؤال الثاني: من تحب؟ ولا أريد أن تجيبني بأريحية غير مقبولة أحياناً سأعاجلك لأقول لك: أحب الله وأحب رسوله، وفعِّل قلبك من أجل أن يحب الله وأن يحب رسوله وإن كنا نتحدث عن محبة النبي هذا اليوم فإني أعاجلك لأقول: أحب رسول الله واستشعر فريضة محبة رسول الله. اجعل قلبك دائماً يحن إلى رسول الله، وقل بينك وبين نفسك: يا رسول الله إني أحبك، كرر هذه الكلمات، كرر هذه العبارات وهذه الحروف النورانية العظيمة، لأن الإنسان المحب في النهاية إذا ما دعي إلى العمل الذي يطلبه منه المحبوب أسرع إليه، لذلك نوجه دائماً من نوجه من الأساتذه والمعلمين والمدرسين عندما نُسأل من قبلهم: كيف أعمل من أجل أن أكون مدرساً ناجحاً ومدرساً مُطاعاً ومدرساً تسمع كلمته ويتناول توجيهه إلى التطبيق؟ كنت أقول: اجعل من نفسك محبوباً لطلابك عند ذلك سيتهافت طلابك على تنفيذ طلباتك.

وها نحن نتوجه لأنفسنا لنؤكد ونقرر ما كنا نقوله وما يجب أن نقوله: يا رسول الله أنت حبيبنا. نؤكد هذا حتى ننساق إلى تطبيق ما أمرتنا به انسياقاً يحمل عنوان العجلة الطيبة المطلوبة المحببة نقول هذا ﴿وعجلت إليك رب لترضى﴾ طه: وعجلت إليك أيضاً يا سيدي يا محبوبي يا محمد بن عبد الله لترضى أيضاً ورضاؤك يأتي بعد رضاء الله عز وجل.

يا إخوتي فلنمنهج محبتنا ولنتأكد منها قبل أن نمنهجها. هل محبة رسول الله قائمة فينا ؟ هل يحن أحدنا إلى رسول الله كما يحن إلى ولده الذي يعيش بعيداً عنه ؟ هل تحن إلى رسول الله شوقاً ودنفاً وهياماً وحباً، هل تحن إليه كما تحن إلى ولدك الصغير الذي غاب عنك ؟ هل يلتهب قلبك شوقاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يلتهب لمن تحب من أولادك، لما تحب من أموالك لمن تحب من آباءك وأمهاتك ؟ أم أنك تقول عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام كلاماً هو أقرب إلى عالم الجفاف منه إلى عالم الطراوة والطلاوة. استشعر فريضة محبة رسول الله وليخطر على بالك هذا الحديث النبوي الشريف الذي يرويه البخاري: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ومن الناس أجمعين)، فهل تحب رسول الله أكثر من والدك وولدك ومن الناس أجمعين، أم أن الأمر يحتاج إلى تمحيص وتفكر وبحث ودراسة. يا رسول الله، يا سيد الخلق، يا حبيب الحق: نحن نحبك قد يفوق كلامنا حقيقة ما استقر في قلوبنا لكننا نعاهدك أن نرفع سوية ما في قلوبنا ليكون على مستوى كلامنا ومستوى شعرنا ومستوى ثنائنا القولي ومستوى امتداحنا إياك يا سيدي يا رسول الله. استمعوا إلى قولة الإمام علي كرم الله وجهه عندما وقف أمام النبي عليه وآله الصلاة والسلام وقال: "يا رسول الله لأنت أحب إلينا – وما أظن أن علياً كان قوله أعلى من مستوى فعله وحاله وحال قلبه وتطبيقه – من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ولأنت أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ".

يا إخوتي يا أبناء وطني يا أيها المسلمون يا أيها المسيحيون يا أيها المسؤلون يا أيها العرب يا أيها الأكراد يا أيها الشركس يا أيتها الجنسيات المتعددة في وطني يا أيتها الأديان المتنوعة:

أحبوا جميعاً رسول الله فإن كانت محبة رسول الله قابعة في قلوبكم فهذا دليل على أن قلوبكم سليمة وتنبض بالإنسانية الصحيحة. نعم أخاطب الجميع بضرورة محبة رسول الله لأن محبة رسول الله مَحَكّ القلب السليم ومحك القلب الذي يريد أن يكون صحيحاً آمناً مطمئناً، وإلا فالقلب إن لم تكن تسكنه محبة رسول الله فالقلب في أزمة، إن لم أقل فالقلب على شفا جرفٍ هارٍ حتى وإن أبدع في ميادين أخرى، فالقضية التي نتحدث عنها قضية مركزية في قلوبنا وأفئدتنا وألبابنا وكل ما كان يعبر عن أمر سامٍ في دواخلنا.

ما أكثر قصص المحبين التي وردت لكنني سأقتصر على قصتين معروفتين مشتهرتين:

أما الأولى فقصة زيد بن الدّثنة كما جاء في سنن البيهقي ولطالما كررت هذه القصة وتكرار الحلو يحلو، عندما أخذ زيد بن الدثنة ليصلب من قبل الأعداء أُخرج من الحرم حتى لا يقتله المشركون في الحرم تعظيماً للحرم، أُخرج إلى التنعيم - منطقة خارج الحرم - ولما هُيئ من أجل أن يقتل أو يعدم توجه إليه أبو سفيان قائلاً: يا زيد هل تحب لو أن محمداً مكانك وأنك جالس في أهلك ؟ فقال زيد: "والله ما أحب لو أني في بيتي آمن وأن محمداً يشاك بشوكة في يده".

وقعت على رواية أخرى لخُبيب. يروي الحافظ الزرقاني أن القصة وقعت مع خبيب أيضاً وقال له من قال مثل القول الذي قيل لزيد فأجاب خُبيب: "لا والله ما أحب أن يفديني رسول الله بشوكة في قدمه". تلكم قصة.

والقصة الثانية كما روى البيهقي أيضاً وحسِّنها قصة امرأة من الأنصار قتل أبوها وزوجها وأخوها في معركة أحد وهي تقول عندما تُخبر بوفاة كلٍ منهم: قتل زوجك وهي تقول ما فعل برسول الله – ومعنى كلامها هل رسول الله حي – قتل أبوك وهي تقول: ما فعل رسول الله قالوا لها : خيراً هو بحمد الله كما تحبين فقالت : أرونيه فنظرت إليه ودمع الفرح ينساب من عينيها:

رب دمع ينساب إثر سرور                    كاللآلي على الخدود تهامى

نظرت إليه ودموع الفرح الممتزج بالحزن وهي تقول: "يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل" هينة لا قيمة لها بجانب المصيبة فيك.

هل شبه هذه المحبة، هل ظلال هذه المحبة تتسرب إلى دواخلنا، هل نستقبل نبأ من أجل أن نجعله هيناً علينا فنقيسه بما فقدناه في رسول الله في شخصه، أم أن الأمر كما قلت البارحة، كنت قد حضرت احتفالاً للمولد النبوي الشريف وسمعت المنشدين ينشدون ويقولون ويتغنون قلت بيني وبين نفسي: ما أعظم هذا الكلام وما أجمل هذا الكلام ولكن هل نستطيع أن نقول أيضاً ما أسرع المسلمين إلى التحقق بهذا الكلام المُنشَد، قلت بيني وبين نفسي هذا وقلت: عذراً رسول الله أيها النبي الأمي يا سيد الخلق يا حبيب الحق فنحن مقصرون في هذه الفريضة، فريضة المحبة التي حسبنا أننا قمنا بها من خلال كلام وشعر وحديث وشعار، لكن الكامن في نفوسنا وقلوبنا لايماثل ما نقول بل لا يقارب ما نقول بل لا يداني بل لا يصل إلى نصفه أو ربعه أو حتى خمسه أو إلى جزء من أجزاء العشرة أو المئة ترى فهل يجوز هذا؟

في النهاية انتقل رسول الله ولكن سنته بقيت فينا، انتقل شخصه ورسمه لكن روحه وسيرته وسنته والمعنى الذي له لا زال باقياً فينا، فهل انتقال رسول الله برسمه ينسينا هذه الفريضة الواجبة علينا دائماً وأبداً ! فهي ليست فريضة على الذين عاشوا معه في حياته عليه وآله الصلاة والسلام لكنها فريضة على كل المسلمين من كانوا مع النبي ومن سيأتون بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

لما انتقل سيدي رسول الله إلى الرفيق الأعلى وقفت عمته صفيه التي رباها الإسلام وجعلها متوازنة لا تعرف تزمتاً ولا تعرف تسيباً، ربّاها الإسلام إنساناً متوازناً واعياً صادقاً مدركاً يقتحم الميادين بأناقة أسلوب الإسلام هذه المرأة التي وجدت نفسها وقد اختلفت في تصرفاتها وقلبها وأحوالها اختلفت في خط الإيجاب عما كانت عليه قبل الإسلام لما انتقل النبي رثته بأبيات نقرؤها منذ كنا صغاراً لكنني اليوم أحببت أن أختم بها خطبتي فهل من مُدَّكر ؟

عمة رسول الله بعد أن رأت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفارقها وقفت فأنشدت هذا الشعر كما جاء في الطبراني بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها أن صفية عمة النبي رثت النبي فقالت:

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا                    وكنت بنا براً ولم تكُ جافياً

وكنت رحيماً هادياً ومعلماً                    ليبكِ عليك اليوم من كان باكياً

لعمري ما أبكى النبيَّ لموته                    ولكن لهرجٍ كان بعدك آتياً

كأن على قلبي لفقد محمد                    ومن حبه من بعد ذاك المكاويا

أفاطم صلى الله رب محمد                    على جدث أمسى بيثرب ثاوياً

أرى حَسناً أيتمْتَه وتركتَه                    يبكي ويدعو جدَّه اليوم نائياً

فدىً لرسول الله أمي وخالتي                    وعمي وخالي ثم نفسي وماليا

صبرتَ وبلغت الرسالة صادقاً                    ومت قوي الدين أبلج صافياً

فلو أن رب العرش أبقاك بيننا                    سَعِدنا ولكن أمره كان ماضياً

عليك من الله السلام تحية                    وأُدخلتَ جنات ٍ من العدن راضياً

يا سيدي يا رسول الله نحبك ونأمل من المسلمين أن يتابعوا حبك وأن يزدادوا حباً لك فمحبتك يا سيدي نافعة ورب الكعبة، نافعة لقلوبنا وعقولنا وجسومنا وحياتنا، ومن أحبك أحب شريعتك ومن أحب شريعتك كان إنساناً ومن طبق شريعتك تطبيقاً وفيا كان إنساناً متوازنا مطلوباً مرغوباً، والمسلمون اليوم لعل كثيراً منهم غير مطلوبين لا لأنهم مسلمون، لا، فالإسلام لا يرفض، بل لأنهم تبنوا إسلاماً لا يشابه إسلام رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام. حينما تتبنى إسلام سيدي رسول الله ستكون مرغوباً ومحبوباً حتى وإن عاداك من عاداك لأن من سيعاديك حينها سيعاديك حسداً ولن يعاديك كراهية، ولذلك إن تحدثتم عن المسلمين اليوم وقلتم إنهم مكروهون فهذا ليس لأنهم مسلمون، المسلم لا يُكره ولا يُبغَض قد يُحسد وكل ذي نعمة محسود، أما نحن اليوم فاعتقد أن كثيراً منا مكروه لأنه غير وفيٍ لإسلامه، ليس مسلماً بالمعنى الصحيح. عندما ترتكب أفعالاً لا يقرها الإسلام ولا يريدها الإسلام وبعد ذلك تأتي لتقول إنك فعلتها باسم الإسلام وتريد بعد ذلك أن يحبك الناس على تلك الأفعال التي يرفضها الناس وقد نسبتها للإسلام زوراً وبهتانا لن يحبك الناس شئت أم أبيت.

أعيد الحديث فلنحب رسول الله ولنكن صادقين في المحبة ولنكن أوفياء لشرعته وسنته وما جاء عنه فذاك نافع لنا في كل حياتنا.

اسمحوا لي أخيراً أن أقول لكم ومن باب تطبيق الشرعة التي جاءت عن المحبوب وهذه الشرعة وهذه السنة تتعلق بضرورة التآلف بين المسلمين والتعاون والتضامن والتباذل: إن سورية حكومة وشعباً أطلقت حملة للتبرعات دعماً للشعب الفلسطيني المحاصَر، ونحن لا نريد أن نتحدث عن سبب المحاصرة هل كان بسبب من الشعب الفلسطيني أم بسبب من الآخرين، المهم أن إخواننا في فلسطين وهذه قضية حالة راهنة مُحاصَرون تُمنَع عنهم الأموال وتحجب عنهم المساعدات، وقد أطلقت سورية حكومة وشعباً، وستطلق حملة للتبرعات لشعبنا الفلسطيني ستبتدأ هذه الحملة في الثلاثين من هذا الشهر أي الأحد القادم وستستمر اثنا عشر يوماً، أي حتى الحادي عشر من شهر أيار القادم. آمل من الجميع أن يتعاون وأن يبذل ما يستطيع من المال فإن لم يملك فلينفق قليلة قليلة قليلة وإن لم يكن يملك القليل القليل فلا أقل من أن يتوجه إلى رب العزة أن يفرج ربي عن فلسطين وعن إخواننا في كل مكان وعن إخواننا في سورية وعن إخواننا في مصر وعن إخواننا كل البلاد العربية والإسلامية أن يفرج عنا جميعاً. آمل منكم دعم الشعب الفلسطيني في حملة ستقيمها الدولة والشعب معاً، أسأل الله أن يوفقكم من أجل أن تبرهنوا على أخوتكم الواعية الصادقة المتعاونة المتباذلة. اللهم اجعل محبة نبيك بعد محبتك تسكن قلوبنا واجعلنا صادقين في هذه المحبة واجعلنا يا ربنا من أولئك الذين يتوجهون بقلوبهم إليك وبألسنتهم إليك وبكليتهم إليك نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

التعليقات

اسماء

تاريخ :2008/04/11

صلو على رسول الله**** الا رسول الله*** محمد رسول الله***

اسماء

تاريخ :2008/04/11

صلو على رسول الله**** الا رسول الله*** محمد رسول الله******والموقع كتير كويس

شاركنا بتعليق