آخر تحديث: الإثنين 15 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
معالم التعرف على محبة الله لنا

معالم التعرف على محبة الله لنا

تاريخ الإضافة: 2006/08/25 | عدد المشاهدات: 3562

ألقى فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام خطبة الجمعة في الجامع الأموي الكبير بحلب، وفيما يلي نص الخطبة:

أما بعد، فيا أيها الأخوة المؤمنون:

أيها الأخ المسلم المؤمن: ألست تشعر بالسعادة إن كنت معروفاً من قبل أناس طيبين صالحين ذوي رتبة عالية رفيعة ؟ ألا تشعر بالسعادة إذا كنت معروفاً لدى هؤلاء ؟ الجواب لا شك: بلى.

ألا تشعر بسعادة أكبر حينما تعلم أن هؤلاء الذين يعرفونك يحبونك ؟ لا شك أيضاً في أنك ستشعر بسعادة غامرة أكبر من تلك السعادة الأولى، وهذا أمر فطري طبعي.

وسؤالي: ما رأيك أيها الأخ المسلم إذا شعرت أو إذا أحسست أو إذا علمت بأن خالق هؤلاء الصالحين يعرفك ويحبك ؟

لو أن إنساناً مسؤولاً وصل الخبر إليك في أنه يعرفك، ستشعر بالسعادة وبالسرور، وستزداد سعادتك كثيراً وكثيراً عندما يقال لك في أن هذا المسؤول يحبك، فما بالك برب الأرباب ؟! فما بالك برب الأرض والسموات ؟!

لو علمت أو أعلمت بأن ربك يحبك، حدثني عن سعادتك حدثني عن سرورك، ومن فمك أدينك أنت الذي قلت: بأنني إذا علمت بأنني محبوب من قبل أناس أكابر صالحين فسأسعد، فما بالك لو أن الله عز وجل أعلمك أحد عنه بأنه يحبك، ستكون لا شك سعيداً أكثر وأكثر وفرحاً ومسروراً.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، والذي يمكن أن تسألوه أنتم، ربما قال لي بعض منكم أو جلكم: وكيف نعلم بأن الله يحبنا ؟ إذا أحبنا إنسان أعلمنا وأخبرنا عن طريق واسطة أو عن طريق إنسان آخر، ولكن كيف أعلم بأن الله يحبني حتى أسرّ وأسعد، وعليك أن تسأل هذا السؤال، ولذلك سأحدثك اليوم عن معالم من خلالها تتعرف على محبة الله إياك، أتريد أن تعرف فيما إذا كان الله يحبك ؟ إذاً اسمع مني، وضعوا هذا الكلام نصب أعينكم وفي آذانكم وفي لوحات تفكيركم...

من جملة ما يمكن من خلاله أن تتعرف على محبة الله إياك هناك أربعة امتحانات واختبارات:

الأمر الأول: إذا كنت محمياً من الدنيا، إذا لم يكن قلبك معلقاً بالدنيا، فاعلم بأن الله يحبك، إذا كان قلبك معلقاً بربك، إذا لم تكن الدنيا ساكنة القلب الذي تملكه فالله يحبك، انظر قلبك هل الدنيا تسكن قلبك ؟ هل الدنيا تسكن اهتمامك كله ؟ إذاً القضية فيها إشكالية.

تسألني: وما دليلك على ذلك ؟ أقول: يقول الرسول صلى عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح ابن حبان والحديث صحيح (إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) أي كما يحمي أحدكم مريضه من الماء إذا كانت الماء تؤذيه، فإذا كنت محمياً من الدنيا وفتنها، أنا لا أقول لك دع الدنيا، ولا أقول لك اترك الدنيا ولكن أقول: أخرج الدنيا من قلبك وفرّغ قلبك لربك، واعمل في الدنيا معتمداً على ربك وإياك أن تعتمد على الدنيا وإياك أن تستغني بالدنيا فمن استغنى بالدنيا فالله لا يحبه، إن الله يحب من فرّغ قلبه لربه ومن أعرض عن الدنيا بقلبه، روي عن عبد القادر الجيلاني رحمه الله أنه قال لمريديه: "أنا لا أريدكم أن تهجروا الدنيا ولكن أريدكم أن تخرجوها من قلوبكم وأن تضعوها في أيديكم". يقول سيدي رسول الله صلى عليه وآله وسلم كما في الترمذي بسند حسن: (إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال)، ويقول صلى عليه وآله وسلم كما يروي ابن ماجه في سننه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ؟ قال له سيدي رسول الله: (ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس).

هذا اختبار أول، أتريد أن تتعرف فيما إذا كان ربك يحبك ؟ إذاً انظر نفسك هل أنت محمي من الدنيا، إذا كان الأمر نعم أو موجباً فالله يحبك.

الأمر الثاني: يا هذا إذا كنت تحب الله فالله يحبك بكل بساطة، أتريد أن تتعرف فيما إذا كان ربك يحبك ؟ انظر محبتك ربك، هل تحب ربك ؟ الله يحبك إذاً, وحاشا لله أن يحبه عبده وأن لا يحبه ربه, حاشا لربنا..

سئل سيدنا الحسن البصري رضي الله عنه فقال له رجل: يا إمام أريد أن أعرف مكانتي عند ربي، ما مكانتي عند ربي ؟ فقال له الحسن البصري: "إذا أردت أن تعرف مكانتك عند ربك فانظر مكانة ربك عندك"

يقول شاعرنا:

وإذا اعتراك الشك في ود امرئ                    وأردت تعرف حلوه من مره

فاسأل فؤادك عن ضمير فؤاده                    ينبيك سرك كل ما في سره

الأمر الثالث: أتريد أن تتأكد فيما إذا كان الله يحبك أيها الإنسان ؟ إذاً أنظر فيما إذا كنت موفقاً للطاعات والنوافل، إذا كنت صاحب نوافل وإذا كنت تقوم بالطاعات: بالصيام والصلاة والدعاء والذكر... بالنوافل وبالعمل الصالح فاعلم بأن الله يحبك، تسألني عن الدليل ؟ الدليل ما يلي:

يقول رب العزة في الحديث القدسي الذي يرويه البخاري: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه). أتريد أن تعرف فيما إذا كان ربك يحبك ؟ انظروا يا شباب يا أبناء هذه الأمة, هل أنتم موفقون للطاعات وللنوافل ؟ إذاً الله يحبكم، ولكن إذا كنتم تستصعبون الطاعات والنوافل فالقضية جد خطيرة..

روى أيضاً ابن حبان في صحيحه والحديث صحيح أن النبي صلى عليه وآله وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً عَسَله، قالوا: وما عسله يا رسول الله ؟ قال: عسله أن يوفق له عملاً صالحاً). انظر عملك وأعمالك، هل أعمالك صالحة ؟ إذاً الله يحبك، هل أنت موفق للنوافل والطاعات ؟ إذاً الله يحبك.

الأمر الرابع والأخير: أتريد أن تتعرف فيما إذا كان ربك يحبك ؟ انظر صبرك عند الابتلاء، روى الإمام أحمد في مسنده: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى) وفي رواية: (فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع) وفي رواية للترمذي (إذا أحب الله عبداً ابتلاه ليسمع تضرعه إليه). ابتليت بمال، بولد، بأي شيء هل تضجر ؟ هل تكفر ؟ هل تعلن الشكوى من الله للناس ؟ هل تشكوا الله للناس ؟ إذاً الأمر بعيد عن أن تكون محل محبة الله عز وجل لك، إذا أحبك الله ابتلاك ليسمع تضرعك إليه, لقد ابتلي سيدنا محمد صلى عليه وآله وسلم أشدّ الابتلاء فماذا كان يقول: كان يقول كما تعرفون وكما هو في المشهور: (اللهم أنت ربي وأنت رب المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ...) المهم أن ترضى يا رب (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن صبر فله الصبر، ومن رضي فله الرضى).

إذا كنت مبتلى في أمر ما ورفعت يديك إلى ربك وقلت: الحمد لك يا رب على كل ما عملته، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، رفعت يديك إلى ربك وقلت: (اللهم أنت أحق من عبد، اللهم أنت أجود من أعطى، اللهم أنت أكرم من سئل، كل شيء هالك إلا وجهك، حلت دون النفوس وأخذت بالنواصي وكتبت الآثار ونسخت الآجال، القلوب لك مفضية والسر عندك علانية الحلال ما حللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت ولا حول ولا قوة إلا بك).

لخص الأمر وألخصه لك:

أتريد أن تتأكد فيما إذا كان الله يحبك ؟

الأمر الأول: انظر قلبك فيما إذا كان محمياً من الدنيا فالله يحبك.

الأمر الثاني: إذا كنت تحب الله - وأنت أدرى بقلبك - فالله يحبك.

الأمر الثالث: إذا كنت موفقاً للطاعات والنوافل والعمل الصالح فالله يحبك.

الأمر الرابع: إذا كنت صابراً على ابتلاءٍ ألمّ بك من ربك فصبرت، بل شكرت ربك، فأنت ممن يحبهم ربه.

نسأل الله عز وجل أن يجعل حبه لنا وحبنا له أحب إلينا من كل شيء، كما بدأت الحديث أعيده، فلنستحي من ربنا عندما نعلم بأن فلاناً المسؤول يحبنا ونفرح ولا نفرح في البحث عن محبة الله إيانا...

اللهم إنا نسألك أن توفقنا من أجل حماية قلوبنا من الدنيا، نسألك يا ربنا أن توفقنا لحبك واجعل حبك أحب إلينا من كل شيء ومن الماء البارد على الظمأ، نسألك أن توفقنا وأن توفق شباب أمتنا وأن توفق كل القائمين للطاعات والنوافل، وأن توفقنا للصبر على الابتلاء... فأنت خير مسؤول نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

التعليقات

شاركنا بتعليق