آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
إصلاح ذات البين

إصلاح ذات البين

تاريخ الإضافة: 2007/01/05 | عدد المشاهدات: 3306

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

دائماً، الذهن والتفكير يجوبان الأخطاء والخطيئات والفضائل والقيم والأخلاق، يجوبان الخطايا والآثام آملين أن يجتنبها هذا الإنسان، ويجوبان الفضائل والقيم والأخلاق الحميدة آملين أن يتحقق بها الإنسان، ولعل الخطايا الأكثر حضوراً في مجتمعاتنا هي الخطايا المتعلقة بالجماعة، أي تلك الآثام والذنوب والاقترافات التي تنال من وحدتنا وتنال من لقائنا وتنال من اجتماعنا، ولعل الفضائل أيضاً الأكثر حضوراً وإلحاحاً على الذهن من أجل التطبيق هي أيضاً التي تتعلق بوحدتنا باجتماعنا بتآلفنا.

في صباح هذا اليوم قرأت حديثاً وهو لديَّ معروف لكنني أحببت أنه أجعل منه موضوع خطبتنا اليوم هذا الحديث يدور حول فضيلة ويتحدث عن خطيئة، يتحدث عن فضيلة وخطيئة متقابلتين يقول فيه صلى الله عليه آله وسلم وهو مع أصحابة رضي الله عنهم كما روى الترمذي وأبو داود والنسائي: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين).

أيها الإخوة، نحن بحاجة إلى أن نفكر في فضيلة صلاح ذات البين، وبحاجة إلى أن نفكر في رذيلة فساد ذات البين لاجتنابها، الأولى من أجل التحقق بها والثانية من أجل اجتنابها.

فساد ذات البين يؤدي على الاحتمال الأقل إلى الهجران، يؤدي إلى أن يهجر كل منا أخاه فإذا ما هجر واحد منا أخاه فاسمعوا ما يقول عنه صلى الله عليه آله وسلم كما جاء في البخاري: (لا يحل لمسلم) يحرم عليه إن فسدت ذات البين بينك وبين أخيك أدى ذلك على أقل تقدير إلى أن تهجره والرسول عليه السلام يقول: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام) وجدت حديثاً آخر يرعب المسلم الذي يخاف ربه يقول صلى الله عليه آله وسلم كما جاء في سنن أبي داود والحديث صحيح: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه) كأنما قتلته أرأيت إلى جريمة القتل كم هي شنيعة كم هي فظيعة كم هي مرفوضة في ديننا في إنسانيتنا، (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه) انظر نفسك يا هذا لا أريدك أن تتحدث عن غيرك، انظروا أيتها الجماعات الإسلامية أنفسكم، انظروا أيتها الدول الإسلامية أنفسكم، انظروا أيتها الأحزاب أنفسكم أعتقد أن كثيراً منا على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات وعلى مستوى الدول وقع في هذا المحظور فهو قد هجر أخاه أكثر من سنة وبالتالي وقع كأنه سفك دم أخيه.

أيها الإخوة، إلى متى ستظل رذيلة فساد ذات البين قائمة بيننا على مستوى الأفراد مستوى الأعراق مستوى الدول مستوى الجماعات ؟ إلى متى ؟ فكروا في هذا ملياً، نبينا محمد صلى الله عليه آله وسلم – وليسمع العالم الإسلامي كله – هو نبي السنة والشيعة والصوفية والسلفية هو نبي المسلمين كلهم في فلسطين ونبي المسلمين كلهم في العراق ونبي المسلمين كلهم في سورية ونبي المسلمين كلهم في مصر وفي السودان وفي أفغانستان، هذه تعاليم سيدنا محمد صلى الله عليه آله وسلم التي أوحيت إليه من قبل ربه وربنا من قبل رب المسلمين على الأقل كلهم هنا وفي كل مكان من العالم الإسلامي، رسول الله صلى الله عليه آله وسلم أوحي إليه أن المهمة التي وكلت إلينا هي الصلاح والإصلاح لأن ربنا قال لنا: ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم﴾ أصلحوا بين الجماعات، أصلحوا بين الدول، أصلحوا بين الفصائل، آلمني ما سمعته بالأمس عن قتال في فلسطين بين الفصائل وآلمني ما يحدث في العراق بين المسلمين ويؤلمني ما يحدث بيننا هنا من مشاجرات على مستوى الأفراد والمدينة والدولة ويؤلمني ما يحدث أيضاً في باكستان وفي أفغانستان وأعتقد أيضاً أن ذلك يؤلمكم أيضاً، ولذلك تذكروا قول الله عز وجل: ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم﴾ والله عز وجل قال: ﴿فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم﴾ وربنا عز وجل قال: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله﴾ الإصلاح بين المؤمنين المسلمين على أساس من عدل على أساس من حد مستلهم من شريعتنا وديننا، ورد في البخاري أيضاً أن نبينا صلى الله عليه آله وسلم كان مرة مع أصحابة فسمع أن أهل قباء تراموا فيما بينهم بالحجارة، فقال النبي صلى الله عليه آله وسلم: اذهبوا بنا نصلح بين إخواننا.

قل لي بربك إن سمعت مسلمين يتقاتلان ما الموقف الذي نتخذه في الواقع نحن ؟ الموقف الذي نتخذ وللأسف هو أننا نريد أن نقف مع جانب دون جانب ومع فئة دون فئة وننسى دورنا الإصلاحي كما كان يفعل سيدنا وحبيبنا وقائدنا محمد عليه وآله الصلاة والسلام، ترى اثنين فردين جماعتين حزبين حركتين طائفتين مذهبين تراهما يتقاتلان وإذ بي أسأل فلاناً ما موقفك ؟ وبدلاً من أن يهب ليعلن راية الإصلاح فيما بين المسلمين وإذ به يقول: أنا مع فلان ضد فلان وهو لا يعرف فلان ولا فلان ربما عرفهم عن بعد يقول: أنا مع الجماعة الفلانية ضد الجماعة الفلانية. وكأني به يكرس فساد ذات البين ويكرس الاقتتال ويكرس التشاجر.

لا تتخذ هذا الموقف يا أخي واتخذ موقفاً إصلاحياً على الأقل إن لم تستطع أن تقوم بعملية الإصلاح فارفع يديك إلى ربك وقل: اللهم أصلح بين المسلمين اللهم أصلح ذات بينهم ووحد كلمتهم واجمعهم على ما ير ضيك وأبعدهم عن كل ما يغضبك عليهم يا رب العالمين على الأقل قل هذا الدعاء بينك وبين نفسك.

قرأت أيضاً حديثاً عن النبي صلى الله عليه آله وسلم والحديث معروف الرسول عليه وآله الصلاة والسلام كان مرة كما في البخاري يخطب على المنبر وبجانيه سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما فجعل رسول الله ينظر إلى الناس وينظر إلى الحسن السبط العظيم ثم قال وأشار إلى سيدنا الحسن: (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من الناس). أتريدون أن تكونوا أسياداً أم استمرأتم كما يقال لغة العبيد ؟ أصبحنا عبيداً لأهوائنا، أتريدون أن تكونوا أسياداً ؟ إذاً هبوا لإصلاح بين المسلمين، هبوا من أجل أن تزيلوا فساد ذات البين بين المسلمين، إن أردتم أن تكونوا أسياداً وأعتقد أن جميعنا يهفوا من أجل أن يخاطب بأنه سيد أو على مستوى السيد أو على الأقل أن يكون مشروع سيد.

لذلك هذا الكلام الذي نكرره من خلال تلاوتنا وقراءتنا للأحاديث النبوية الشريفة أصبحنا نشعر بالألم ونحن نتكلم مثل هذا الكلام لأننا لم نرَ في أنفسنا وفي غيرنا نتيجة إيجابية له، لذلك قلت أكثر من مرة لإخوان لي: لقد مللنا الكلام وها أنتم قد مللتم الكلام لقد مللتم الكلام وملت الشعوب الكلام وملَّ الناس الكلام لأنهم يسمعون بآذانهم ما لا يرونه مطبقاً أمام أعينهم ويرون بأعينهم ما تستفظعه حتى الحيوانات.

النتيجة حينما تفسد ذات البين بيننا هي ما قاله صلى الله عليه آله وسلم كما جاء في البخاري: (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) ونحن نسعى إلى هلاكنا وإتلافنا ويقول عليه وآله الصلاة والسلام الحديث المعروف كما في البخاري: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) إن ضربتم رقاب بعضكم فأنتم داخلون بالكفر بدليل هذا الحديث الصحيح.

أملي كبير أن نصلح ذات البين وأملي كبير ألا تكون هنالك رذيلة فساد البين فيما بيننا أملي أن نكون متخلقين بأخلاق ديننا نعفو نصفح نسعى إلى صلاح وإصلاح ذات البين، أملي أن يتلمس كل منا ذلك مع أسرته أولاً مع زوجته مع أولاده مع جيرانه مع أهل حيه مع أهل بلدته مع أهل دولته ثم ينتقل ليعمم ذلك على كل المسلمين أملي هذا حتى لا نصل إلى الهلاك الذي حذرنا من الوقوع به محمد صلى الله عليه آله وسلم وحتى لا نصل إلى الكفر. اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد وأصحاب محمد وأزواج محمد وذرية محمد أن تلهمنا السداد في القول والصلاح في العمل وأن تجعلنا ممن يسعون إلى إصلاح ذات البين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 5/1/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق