آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
كلُّ نفس بما كسبت رهينة إلا أصحابَ اليمين في جنات

كلُّ نفس بما كسبت رهينة إلا أصحابَ اليمين في جنات

تاريخ الإضافة: | عدد المشاهدات: 6445

كل عام وكل رمضان وأنتم بخير. لطيفة اليوم في أمرين اثنين:

الأمر الأول: أذكركم أولاً بالقرآن الكريم، أذكركم بواجبنا تجاه القرآن المرة تلو المرة، وقد حددنا هذا الواجب بأنه ثلاثة أمور هي: التلاوة والقراءة والتدبر، وأعيد التأكيد علينا جميعاً، وخاصة الشباب: الذكور منهم والإناث... أقول لهم: اجعلوا لأنفسكم ورداً يومياً من القرآن الكريم، اقرؤوا منه صفحةً كل يوم، أو نصف صفحة. ولا تتركوه أبداً.

لقد سمعت منذ أن كنت في السابعة قولاً ينسب إلى الشافعي رحمه الله يقول فيه: "من قرأ القرآن الكريم رقَّ طبعه، ومن قرأ الحديث قويت حجته، ومن قرأ العربية استقام لسانه". ونحن بحاجة إلى تقويم اللسان وتزكية القلب وترقيق الطباع.

ألسنا بحاجة إلى ذلك ؟ أليست قلوبنا بحاجة إلى تزكية ؟ أليست طباعنا بحاجة إلى رقة ؟ أليست ألسنتنا بحاجة إلى تقويم ؟ بلى. إنها بحاجة إلى ذلك. إذن ماذا نفعل ؟ علينا أن نقرأ القرآن.

سأظل أذكر نفسي وإياكم بالقرآن الكريم تلاوةً وقراءةً وتدبراً، وسأظل أدعو إلى ذلك دائماً.

الأمر الثاني: وأنا أقرأ اليوم في القرآن الكريم مررت على قوله تعالى في سورة المدثر: ﴿كلُّ نفس بما كسبت رهينة* إلا أصحابَ اليمين* في جناتٍ يتساءلون* عن المجرمين* ما سلككم في سقر* قالوا لم نكُ من المصلين* ولم نكُ نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين* وكنا نكذّب بيوم الدين* حتى أتانا اليقين﴾ المدثر: 38-47.

للمجرم أربع صفات، نجدها قي جواب أصحاب النار لأصحاب الجنة لما سألوا: ما سلككم في سقر ؟

1- يتساءل أصحاب الجنة عن المجرمين... فمن المجرم وما الإجرام ؟

الجيم والراء والميم "ج ر م" أصل لغوي يدل على القطع. القطع غير المنظم. يقال: جَرَمَ الجزار العظم. إذا قطع عنه اللحم، وسمّيَ المجرم مجرماً لأنه يقطع في المجتمع وفي العقل وفي القلب. بدلاً من أن يقوم الواحد بالجمع على أسس فهو يفرّق بفوضى ويقطع الأوصال ويجرح ويخدش، ولذلك يسمى مجرماً.

وتنبغي معرفة أن فعل "أجرم" فعل لازم غير متعد، يقال: أجرم فلان، إذا صار مجرماً، مثل الفعل "أثرى" أي صار ثرياً، ويخطئ بعضهم عندما يقول: "أثرى فلان المكتبةَ"، لأن "أثرى" فعل لازم لا يتعدى إلى مفعول به، والصواب أن نقول: "أغنى المكتبة". إذن: أجرم أي: صار مجرماً يقطع في المجتمع بغير نظام. فالقاتل مجرم لأنه قطع عضواً من المجتمع بغير حق ولا سلطان.

2- أصحاب اليمين يسألون عن أولئك الذين أحدثوا في المجتمع حالة فوضوية، يسألون عن المجرمين: ﴿ما سلككم في سقر﴾ فما هي سقر ؟ سقر هي مستقر المجرمين، هي المستقر الذي لا استقرار فيه، وهنا الجمع بين التناقضات: يستقر المجرمون في النار دون راحة ولا اطمئنان بسبب العذاب. إذن: سقر هي المستقر الذي لا اطمئنان فيه.

أصحاب الجنة يقولون: نحن الآن في أمان واطمئنان، في مستقر مطمئن، وهذه هي صفات مستقرنا: ﴿في جنة عالية* لا تسمع فيها لاغية* فيها عينٌ جارية* فيها سُرُر مرفوعة* وأكواب موضوعة* ونمارق مصفوفة* وزرابيّ مبثوثة﴾ الغاشية: 10-16.

مستقر حوى كل مقومات الاطمئنان، فما سلككم أنتم في سقر ؟ ولِمَ أصبحتم فيها أيها المجرمون ؟

3- لقد أصبح المجرمون في سقر لأنهم:

أولاً: ﴿لم نك من المصلين﴾ لقد كانت علاقتنا مع الله مقطوعة غير موصولة، لأن الصلاة صلة ولم نكن من المصلين.

ثانياً: ﴿لم نك نطعم المسكين﴾ قطعنا العلاقة مع الإنسان أيضاً.

ثالثاً: ﴿وكنا نخوض مع الخائضين﴾ قطعنا العلاقة مع العقل والعلم والوقت والزمن.

رابعاً: ﴿وكنا نكذب بيوم الدين﴾ قطعنا العلاقة الصحيحة مع المستقبل الأكيد.

هذا المجرم يمشي في الحياة الدنيا وهو يقطع، عابثاً في تقطيعه، فلم يكن يصل ما بينه وبين الله تعالى من علاقة، ولم تكن بينه وبين الإنسان علاقة رحيمة، بل كان يقطع هذه العلاقة، فكان يأخذ حقوق المسكين والفقير بدلاً من أن يؤدي إليهم حقوقهم.

وأريد أن أسأل: هل نحن من المصلين، وهل نحن ممن يطعم المسكين ؟ وهل نحن ممن يصدق بيوم الدين ؟

قد يجيبني إنسان فيقول: نعم. نحن من المصلين، وممن يطعم المسكين ؟

وسوف أقبل هذا الجواب، وأعتبر أننا من المصلين، رغم أن هذه الصلاة وهذا الإطعام قد تحول إلى عادة. سأقبل الصورة دون أن أفتش عن حقيقتها. ولكن: هل نحن ممن يخوض مع الخائضين ؟ وهل نحن ممن يكذب بيوم الدين ؟

من أجل أن نعرف فيما إذا كنا نخوض مع الخائضين أم لا يجب أن نعرف ما هو الخوض ؟

الخوض له ثلاثة معالم:

أ: أن تقعد مع الناس من غير هدف محدد ولا غاية مشروعة.

ب: أن تبدأ حديثاً عن موضوع لا تعلم عنه ما يكفي للحديث فيه.

ج: أن تتهم بناءً على هذا الموضوع الذي لا تعرف عنه، وأن تصنف الناس بناء على تخمينات ووهم.

بناء على ما سبق: هل نحن ممن يخوض مع الخائضين ؟ أظن أن الجواب سيكون: نعم. ما أكثر ما يدعو بعضنا بعضاً دون غاية مشروعة. وما أكثر ما نتداول في مجالسنا مواضيع لا نعرف عنها شيئاً. ومن دخل النهر دون أن يعرف السباحة يسمى خائضاً. وما أكثر وَلَعَنا بتصنيف الناس من غير دراية ولا تمحيص ولا معرفة بحقيقة الأسس والمعايير التي ينبغي أن يكون التصنيف على أساسها.

ألا نسمع يومياً قائلاً يقول: ما رأيك بفلان أو فلان ؟ فيبادر المسؤول ليجيب فوراً: إنه كذا وكذا ؟ على أي أساسٍ وضعت رأيك هذا يا أخي، وعلى أي أساس تبادر إلى التصنيف ؟ قول الزور وشهادة الزور لا يقتصران على المحكمة فقط، بل يمتد نطاقهما إلى كافة نواحي الحياة. نحن نشهد الزور تجاه بعضنا كل ساعة، فشهادة الزور ليست مشروطة بأن تدعى إلى المحكمة لتقدم إفادتك أمام القاضي.

كما إن التكذيب بيوم الدين لا يكون باللسان فقط، بل بالعمل أيضاً، وكثيراً ما نلتقي بأناس يشهدون بألسنتهم بيوم الدين، ولكن أفعالهم لا تدل إلا على أنهم من المكذبين. لقد قطعنا العلاقة الطيبة الجيدة مع العقل والمنطق واللسان. قطعنا العلاقة الطيبة الجيدة مع المستقبل الأكيد الذي أنبأ الله تعالى عنه، وهو يوم القيامة: ﴿وكنا نكذب بيوم الدين* حتى أتانا اليقين﴾ حتى ما عاد ينفعنا الاستدراك، فقد انتهى كل شيء.

أعود إلى أول الكلام: ﴿ما سلككم في سقر﴾ سلككم: فعل. وفاعل "سلككم" هي الأفعال الأربعة التي ذكرت فيما بعد.

أريد أن نَسأل أنفسنا قبل أن نُسأل من قبل أصحاب اليمين.

أريد أن نسأل أنفسنا حيث يمكننا التدارك. وسؤال اليوم يمكن التدارك عنده، بينما لا يمكن ذلك عند سؤال الغد.

هل نحن من المجرمين ؟ أريد أن تعرف ما هي صفات المجرمين ؟ هذه هي صفات المجرمين.

هل نحن من المتقين ؟ نعم، إذن نحن لسنا من المجرمين.

هل نحن من المجرمين ؟ نعم، إذن نحن لسنا من المتقين.

تعالوا أيها الإخوة من أجل أن نتخلى - كما يقول الصوفية - ثم نتحلى، التخلّي ثم التحلّي. عليك أن تتخلى عن الإجرام وصفات المجرمين، ثم تتحلى بالتقوى.

التعليقات

عزيز حسن

تاريخ :2014/07/06

الان بعد مقالكم الجميل المؤثر الذي فيه تذكير لاهم واجبات المسلم؛ تجي ف الاخير وتقول (كما يقول الصوفية!!!) هل تقصد انك تستقي من الصوفية الذين يتبركون (بالاولياء) الى جانب شطحاتهم العقدية الخطيره؟

شاركنا بتعليق