آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من صفات المجتمع المنشود: حسن الخلق

من صفات المجتمع المنشود: حسن الخلق

تاريخ الإضافة: 2007/08/31 | عدد المشاهدات: 3884

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

ونتابع ما بدأناه في حديث مهم عن سمات المجتمع الإسلامي المنشود، وقلنا إن سمات المجتمع الإسلامي المنشود ثنتا عشرة سمة وهي:

مجتمع العبودية، مجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مجتمع الحرية، مجتمع الشورى، مجتمع العدل، مجتمع التكافل والرخاء، مجتمع التسامح، مجتمع الاقتصاد المتوازن، مجتمع العلم والمعرفة، مجتمع الأخلاق والقيم، مجتمع القوة والجهاد، مجتمع التطور والتقدم.

تناولنا في الخطب الماضية تسع سمات، وحديثنا اليوم عن مجتمع الأخلاق والقيم، وقبل البدء بالحديث عن مجتمع الأخلاق والقيم، أسائل نفسي وأسألكم: بالله عليكم هل يمكن أن نُعَنوِن مجتمعنا الراهن بأنه مجتمع الأخلاق والقيم ؟ وأنا أدعُ الإجابة لكم، بينكم وبين أنفسكم، هل يمكن أن نصف مجتمعنا اليوم بأنه مجتمع الأخلاق والقيم ؟ وأنتم ترون بأم أعينكم أن أخلاقنا بشكل عام لم تعد تتصف بالحميدة، فالكذب والظلم والعداوة والبغضاء والعقوق والخيانة، وعدد ما شئت من سمات غير صالحة لتراها مستشرية، بل متعمقة في مجتمعنا الذي نعيشه، لذلك أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وأن يحوّل حالنا التي نحن عليها إلى أحسن حال، وأن يجعلنا من الذين يسعون لتجذير وتعميق الأخلاق الحميدة حتى تكون مكان الأخلاق الذميمة التي عمَّتنا، وأسأل الله أن يوفق القائمين على التربية في مختلف المجالات والبؤر التربوية أن يوفقهم من أجل الانتباه إلى قضية أساسية عميقة متجذرة هي قضية الأخلاق.

أولاً: المجتمع الأخلاقي الإسلامي مجتمع أخلاقي بامتياز: ينبغي أن نعيَ أن المجتمع الإسلامي المطلوب مجتمع أخلاقي بامتياز، وهذا يعني أن الأخلاق يجب أن تظهر ظهور العنوان في الكتاب، وظهور الحرارة في الصيف، وظهور البرد في الشتاء، عنوان المجتمع الإسلامي المنشود أخلاق، عنوان المجتمعات الإسلامية الصغيرة التي تكوّن المجتمع الكبير أخلاق، عليك إن ذكرت الأسرة أن تذكر أخلاقها، إن ذكرت المدرسة أن تذكر أخلاقها، إن ذكرت الدائرة أن تذكر أخلاقها، أن تعنونها بعنوان الخلق الحميد لأن الإنسان في الإسلام يبلغ، هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وإن أقرب الناس إلى سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة (أحاسنهم أخلاقاً، الموطّؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)، فالفكرة الأولى في مجتمع الأخلاق والقيم أن هذا المجتمع مجتمع أخلاقي بامتياز، فرسول الله قال كما يروي البخاري في الأدب المفرد: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

ثانياً: علينا أن نسعى من أجل محاربة الصفات والأخلاق السيئة التي تخدش ذلك: إن أردتم أن يكون مجتمعكم مجتمع أخلاق وقيم فما عليكم إلا أن تسعَوْا جاهدين على مستوى الحكومة والشعب والمدرسين والمثَقِفين والعاملين في مختلف المجالات، على الجميع أن يعملوا من أجل نبذ وترك كل ما يخدش هذا العنوان الرائع، هذا العنوان الأخلاقي، من ظلم وخيانة، علينا أن نتخلى عن هذه الصفات الذميمة التي لا يمكن أن يكون المجتمع معها مجتمع أخلاق وقيم، فلننبذ الخيانة والكذب وشهادة الزور والعداوة والبغضاء والغيبة والنميمة، وقد تحدثنا عن هذا في خطب سابقة باستفاضة.

الفكرة الثالثة: عنوان مجتمعنا مجتمع طاهر نظيف: لعلكم تسألونني ما السِّمة السائدة لمجتمع الأخلاق والقيم ؟ بعبارة أخرى نريد صفة أو صفتين تكونان مكان اللبّ من كلمة الأخلاق لنعونَ بهاتين الصفتين مجتمعنا ؟ أقول: نحن نسعى من أجل مجتمع طاهر نظيف، هاتان الصفتان هما اللتان يجب أن نسعى من أجل أن تكونا مضمون مجتمع الأخلاق والقيم، مجتمع الطهر والنظافة، نريد مجتمعاً طاهراً نظيفاً نبتدئ ببنائه من خلال الأسرة القائمة على المودة والرحمة، الأسرة القائمة على البر من الأبناء للآباء والأمهات، وعلى الرعاية والعناية من الآباء والأمهات للأبناء والبنات، نبتدئ بناء مجتمع الطّهر والنظافة من خلال أسرة تشكل لبنة أساسية في مجتمعنا، هذه الأسرة سماتها في التكوين المودة والرحمة ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ وتتنامى الصفات لتبرز وتولد صفات أخرى ألا وهي البر من الأبناء للآباء، من البنات للآباء، والرعاية والعناية من الآباء للأبناء، ومن الأمهات للأبناء والبنات، لكن المشكلة واسمحوا لي بشيء من الاستطراد أن الأسرة اليوم تتكون ليس على أساسٍ من مودة ورحمة ولكن على أساس من طمع، على أساس من حب مزور، على أساس من حسَبٍ موهوم، على أساس من جمال مزعوم، على أساس من علاقة قائمة على طمع من المرأة بالرجل، وعلى علاقة قائمة أيضاً على طمع من الرجل بالمرأة، فالكل يسعى لمال، والكل يسعى لجاه، أما أن يسعى من يسعى لدين حقيقي متأصل في الداخل فتلك قلة قليلة إن لم أقل أنها شبه معدومة، إذا كنا ننادي بمجتمع طاهر نظيف فلنسعَ لتكوينه من خلال الأسرة، وفق معايير ربانية أراد الله لها أن تكون قائمة ابتداءً على المودة والرحمة، وأرادها قائمة استمراراً على البر والرعاية المتبادلين بين الآباء والأبناء وبين البنات والأمهات، وبين الأبناء والأمهات وبين البنات والآباء، لكن المشكلة وأنا أتابع الاستطراد، لكن المشكلة أن العقوق تجذّر، فالأولاد في عقوق مستمر والآباء في إهمال سادر نحو أبنائهم. سلوا بيوتاتنا التي أصبحت تتكشف لأن الأصوات غدت تعلو ولأن الصراخ غدا يتبدى من هذه البيوت، فالولد يرفع صوته في وجه أبيه، والوالد يلعن ولده، والولد يتوجه بالألقاب الضارة النابية لينادي بها أباه، أولست تسمع من يقول من الأبناء لأبيه يخاطبه بصيغة لا تتناسب والإنسان الذي يعمل عندك أجيراً ضعيفاً، لم نعد نسمع كلمة احترام إلا في أمكنة محصورة قليلة من الأبناء للآباء ومن البنات للأمهات، الولد ينادي أباه بكلمة فلان أو يا أبا فلان أو يا حجي... ولعلي أشرت إلى هذا في خطب سابقة، سلوا أبناءنا كيف يعاملون أمهاتهم، الأم في نظرهم جارية، الأم في نظرهم خادمة محتقرة، والأب في نظرهم جلاّب أموال فإن لم يأت بذلك فعندئذ نِدٌّ، بل قل عنه أقل من أن يكون ندّاً يأمره الولد، وكذلك إذ نتحدث عن هذا نتحدث عن الآباء وإهمالهم وعن الأمهات وإهمالهن، فالأم لا تستيقظ حتى الظهر، والأولاد يذهبون ويرتعون ويأكلون ويشربون، لكن الأم إذا ما سئلت عن إهمالها تقول: وفرت لهم خادمة استجلبتها من مكان بعيد لتقوم على خدمة الأولاد وهي والحمد لله هي متدينة تصوم وتصلي، أما الأم فلا تصوم ولا تصلي أو إن صامت وصلَّت فصلاتها شكلية لأن توجهها إلى أولادها ناقص، لأنها انعتقت من مسؤولية كان يجب أن تحملها وقد حمَّلها إياها شرعنا المجيد عندما قال سيدي رسول الله: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).

وأنا أتحدث عن مجتمع الأخلاق والقيم أحب أن يكون الأمر مركوزاً في أذهانكم، المجتمع الأخلاقي الإسلامي مجتمع أخلاقي بامتياز أولاً، ثانياً علينا أن نسعى من أجل محاربة الصفات والأخلاق السيئة التي تخدش ذلك، ثالثاً عنوان مجتمعنا مجتمع طاهر نظيف.

رابعاً: علينا أن نعمم الصفات الاجتماعية الجماعية: لعلك تسألني أيضاً عن تفصيلٍ للمجتمع الطاهر النظيف، أتوجه إليك ناصحاً وإلى نفسي قبلك، أقول: علينا أن نعمم ثلاث صفات، هذه الصفات هي الصفات الاجتماعية الجماعية، أريدك أن تكون مفشياً للسلام، والسلام ليس كلمة تقال، وإنما السلام حال تعيشه أنت ويستشعره مَن أمامك، لا أريد أن نفهم من حديث رسول الله العظيم الذي رواه مسلم حينما قال: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) لا أريد أن نفهم هذا فقط في إطار (السلام عليكم) هكذا نلقي السلام، ولكن أريد أن نفهم هذا في إطار تطبيق السلام بيننا وبين الآخرين في مجتمعنا في أسرنا في بيوتنا في دوائرنا في مدارسنا، فالكل غدا لا يشعر بالسلام أمام الإنسان الذي يقف معه في أسرته في مجتمعه في دائرته في جامعته في مدرسته، خيَّم علينا القلق والاضطراب من بعضنا لأن الكل يريد أن يأكل الكل، ولأن البعض أصبح يخاف من بعضه الآخر وهكذا.. إفشاء السلام عنوان أول لمجتمع طاهر نظيف.

العنوان الثاني للمجتمع الطاهر النظيف، الإحسان إلى الجار: هذه قضية أساسية وكلنا لا يبالي بها وكلنا ينأى عن أن يطبقها، حسبه أن يقول ما لي ولجاري، إن كنت سمعت قول النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه البخاري ومسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) إن كنت سمعت بهذا الحديث فبالله عليك ما موقفك نحوه ؟ إن كنت سمعت حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يرويه الإمام مسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) تحدثنا عن هذا بشيء من التفصيل، لكننا نتحدث عنه اليوم على أنه مفردة يجب المحافظة عليها ونحن نتحدث عن مجتمع طاهر نظيف، أين الإحسان إلى الجار ؟ والجار يعادي جاره وكم سمعنا من اختلاف بين الجارات من أجل غسل الدرج، ومن أجل القمامة ومن أجل... من أجل أشياء تافهه في ظاهرها لكنها تسبب مشاكل قد تصل حدودها إلى القتل والضرب والشكوى والسجن، وأنتم تعرفون هذا وكلنا من حي ضيق صغير يعرف أهله بعضهم بعضاً.

العنوان الثالث: رعاية الآخر: من عيادة مريض من تشييع جنازة من تشميت عاطس من إغاثة ملهوف، من تنفيث عن مكروب. أين كل هذا في أجندتك ؟ هل وضعت هذا في حسبانك ؟ هل فكرت في أن تغيث ملهوفاً ؟ هل فكرت في أن تعود مريضاً ؟ أم أنك نظرت إلى نفسك على أنك محور فوائدك ومحور منافعك، تريد أن تنفع نفسك ومن ينفع نفسك، وتريد أن تدور في فلك نفع ذاتك، فإن مرضت فقد مرض الكون كله، وإن تعبت فقد تعب الكون كله، وإن فرحت فقد فرح الكون كله، ولا عليك بعد ذلك إن حزن هذا الذي يعيش بجانبك، إن كُرِّب أو اكترب لا عليك فأنت محور الكون هكذا تنظر إلى نفسك، وبالتالي أرى الأنانية تعشعش في صدرك وفي كلك، ثم بعد ذلك تقول بأنك مسلم، ما هكذا تورد يا سعد الإبل.

خامساً: نريد مؤيدات عقابية لمخالفة الأخلاق: وهذا ما نطلبه من الدولة ونطلبه من المقننين، على الدولة أن تفعِّل المؤيدات العقابية حيال أولئك الذين يخدشون الأخلاق الحميدة، حيال أولئك الذين يرتكبون ما يسيء إلى مجتمع الطهر والنظافة، نريد أن تفعِّل الدولة المؤيدات العقابية المتعلقة بالأخلاق ومخالفة الأخلاق، نريدك أن تعاقبي الخائن معاقبة عاجلة، نريدك أن تعاقبي الكاذب، نريدك أن تعاقبي الماجن، نريدك أن تعاقبي كل أولئك الذين ينتقصون من مقامات الأخلاق الحميدة بفعل صارخ وكلام واضح جارح وحال لا يمكن أن يشتبه في أنها ضد الأخلاق اثنان، نريد أيضاً ألا تشجعي للمجون واللهو والفساد والإفساد والزنا والمخدرات والمسكرات عبر وسائل الإعلام أو عبر وسائل أخرى يراها الشاب أو الإنسان هنا وهناك، أريدكِ وأنت تقومين بنشاط ثقافي أن تنظري إلى طبيعة هذا النشاط، ما الذي سيؤثره إيجاباً على مجتمعنا ؟ فإن لم يكن ثمة أثر إيجابي فاحذفيه واتركيه ودعيه، نريد إعلاماً نظيفاً يدعو إلى مجتمع طاهر نظيف، نريد نشاطات ثقافية ولكن بشرط أن تصب هذه النشاطات في مصب الأخلاق الحميدة، في مصب الأفعال الرشيدة، في مصب العقيدة السديدة، نريد دعوات طيبة للقاءات خيّرة تسفر عن عطاء نافع لمجتمعنا الذي نعيش فيه، وإلا ما الفائدة من أن نظهر على التلفاز حفلة راقصة هنا أو هناك ؟ وأنا إذ أتوجه بكلامي هذا أتوجه إلى بعضي فأنا لا أفصل بين الشعب والدولة لأننا نشكل لحمة واحدة، نحن نتوجه بالنصح إلى بعضنا لأننا يجب أن نكون كلاً متماسك متعاوناً متضامنا متحداً هدفه مجتمع طاهر نظيف مجتمع أخلاقي بامتياز ينتمي بجدارة لهذا الرجل العظيم للقائد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

فاللهم إنا نسألك بسر من أرسلته متمماً لمكارم الأخلاق أن تجعلنا ممن يسعى لتتميم مكارم الأخلاق، ردنا إلى دينك رداً جميلاً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 31/8/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق