آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من صفات المجتمع المنشود: القوة والجهاد

من صفات المجتمع المنشود: القوة والجهاد

تاريخ الإضافة: 2007/09/07 | عدد المشاهدات: 2366

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

ها نحن أولاء في سمة قبل الأخيرة لمجتمع منشود مسلم يهتدي بالقرآن الكريم، وبسنة السيّد السَّند العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، أدّيت الأمانة وبلغت الرسالة ونصحت الأمة، وبقي علينا أن نكون على خطك وطريقك، أن نكون على منهاجك، أن نكون على سنتك. فيا رب بحق نبيك المصطفى، ونبيك المجتبى ردنا إلى دينك رداً جميلاً.

سمات مجتمع إنساني منشود ثنتا عشرة سمة أو صفة، وهي: العبودية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحرية، والشورى، والتكافل والإخاء والرخاء، والتسامح، والاقتصاد المتوازن، والعلم والمعرفة، والأخلاق والقيم، والقوة والجهاد، والتطور والتقدم والسبق.

شرحنا فيما مضى عشر صفات، وها نحن أولاء نتحدث عن صفة هي الحادية عشرة، ألا وهي سمة القوة والجهاد.

تصوروا المجتمع الذي ننشده بصفاته التي ذكرناها، تصوروا المجتمع وهو يتسم بالعبودية، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالحرية، بالشورى، بالتكافل والإخاء والرخاء، بالتسامح، بالاقتصاد المتوازن، بالعلم والمعرفة، بالأخلاق والقيم، بالقوة والجهاد، بالتطور والتقدم، تصوروا هذا المجتمع، وإن كنت أحياناً أشكّ حتى في إمكانية التصور، لأننا أضحينا ضعافاً في سلوكنا وأثَّر الضعف الذي في سلوكناعلى تصورنا، فأصابه بنفس المرض، فأصبحنا ضعافاً في تصورنا، ولكن ماذا عسانا نفعل وقد أُمرنا أن ندعو باستمرار، وأن نثابر، وأن نواصل، وأن نصابر، ﴿اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله﴾.

مجتمع القوة والجهاد وكما بدأت حديثاً عن مجتمع العلم والمعرفة والأخلاق والقيم، أبدأ اليوم حديثي اليوم عن مجتمع القوة والجهاد، هل تعتقدون أن مجتمعنا مجتمع قوة وجهاد ؟ أنا لا أقول ولا أصف مجتمعنا الراهن بمجتمع القوة والجهاد، وإذا كان هذا هو الوضع، فلمَ نتحدث ؟ نتحدث حتى يكون الكلام حجةً لنا لا حجة علينا، حتى نسعى ونشتغل ونعمل، حتى إذا ما أتى رمضان جعلناه دورةً تدريبية على كل السّمات التي ذكرناها: على العبودية، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على العدل،على الحرية، على الشورى، على التكافل والإخاء والرخاء، على التسامح، على الاقتصاد المتوازن، على العلم والمعرفة، على الأخلاق والقيم، على القوة والجهاد، على التطور والتقدم.

اسمحوا لي أن أحكي لكم حكاية مجتمع القوة والجهاد، لأبتدئ بمقدمة قد تكون بعيدة ولكنها تقرب في النهاية الفهم.

الله عز وجل خلق الإنسان على هذه البسيطة من أجل أن يعمر الإنسان الأرض ويبنيها، والإعمار للمعنى، والبناء للمادة، وهو إذ يعمرها ويبنيها يعلي كلمته عليها، عليك أن تُعلي كلمة الله على الأرض وأن تتحقق بالعبودية وأنت تعيش على هذه الأرض، ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ هذا أمر أول، فيا أخي أنت مخلوق من قِبَل ربك فماذا عساك تفعل، خلقك ربك، عيَّنك من عيَّنك هنا موظفاً في دائرة ما فما لي أراك لا تقوم بعمل أسند إليك ؟ وما لي أراك تبتعد عن مهمة وكلت إليك ؟ عيَّنك رئيس الجمهورية على سبيل المثال وزيراً للعدل فما لي أراك تبتعد عن وزارة العدل إلى وزارة الاقتصاد ؟ خلقك ربك وقال لك: خلقتك خليفة على الأرض من أجل أن تعمرها ومن أجل أن تبنيها ومن أجل أن تعلي كلمتي فيها، ومن أجل أن تحقق العبودية لي عليها، فيا إنسان هل أنت تقوم بهذه المهمات وبهذه الوظائف، أم أنك تجانب وتجانف وتعادي وتبتعد عن هذه المهمات، أعتقد أن جُلَّنا لم يعد يستوعب المهمات الملقاة على عاتقه وبالتالي فهو في غيٍ وتيهٍ وبُعد. هذا أمر أول.

الأمر الثاني: خلقك الله ولكن رحمته اقتضت أن يرسل من أجل أن تحقق المهمة التي أسندت إليك والتي كلفت بها، أرسل مرسلين مبلغين مبشرين ومنذرين، فاستجاب العاقل ورضي وسار واقتدى أما ذاك الضالّ الذي عادى نفسه وعادى الحق والحقيقة أعرض، وإذ بهؤلاء الذين أعرضوا يصيبهم عذاب من الله ليكون العذاب هذا درساً لمن بعدهم، من اتبع عاش في هناء وسعادة ومن أعرض أخذه عذاب الله ﴿ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرمَ ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد. الذين طغوا في البلاد. فصبَّ عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد﴾ هذا فيما يتعلق بالأمم التي كانت قبل محمد عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً: أرسل الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وكانت الإنسانية قد بلغت رشدها فجاءت السنة الإلهية لتقول بلسان الحال: ألا عذابٌ يأتي من السماء لمن أعرض، وأن الدعوة باللسان والعقل والمنطق، فيا محمد جاهد هؤلاء، ادع هؤلاء بالقرآن الكريم، والقرآن الكريم يعني عقلاً ومنطقاً ومحاكمة منطقية، جاهد هؤلاء بالقرآن جهاداً كبيراً، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد: (إن المؤمن يجاهد بلسانه وسيفه) لكن ابتداءً يا محمد جاهد هؤلاء بالقرآن، بالكلمة، وبقي يجاهد بالكلمة ثلاث عشرة سنة في مكة، قاتَلوه، عذبوه، رموه بالحجارة، قذفوه بأبشع الصفات والأسماء، قالوا عنه مجنون، قالوا عنه ساحر، اجتمعوا لقتله، قرروا أن يبيدوه، سلَّطوا عليه صبيانهم وغلمانهم وعبيدهم، ثم بعد ذلك هاجر هذا النبي الكريم بعد طريق طويلة جداً مملوءة بالعناء والمعاناة هاجر إلى المدينة، وتتابعت الاعتداءات على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى آله، وعلى من بقي في مكة، ولا يزال النبي مأموراًَ بجهاد الكلمة وجهاد القرآن ﴿وجاهدهم به جهاداً كبيراً﴾ لكن بعد ذلك، إن من الناس أناساً لا يفهمون إلا بلغة القوة المادية، قوتل المسلمون، أُخرج المسلمون من ديارهم، أُخرج النبي وأصحابه من أموالهم، اعتُدي عليهم صراحة وعلناً وبشكل سافر، أما وأن الأمر صار كذلك، قوتلتم، أُخرجتم من دياركم، عوديتم، آن الأوان من أجل أن تقابلوا القتال بقتال، ﴿أذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾ أُذن لكم بالجهاد المادي، الأصل هو الجهاد بالكلمة، بالقرآن الكريم، لكن القتال أضحى أمراً مُلجأً إليه، مضطراً إليه، فيا محمد إن من الناس أناساً لا يفهمون إلا بلغة السيف فقاتلهم لا لأنهم لم يتبعوك، لا، ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾، ﴿وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة﴾ قاتلهم واستخدم السيف لأنهم أمعنوا، لا لأنهم استخدموا السيف فقط، ولكن لأنهم أمعنوا في استخدام السيف والإيذاء والمقابلة بالسوء، لأنهم أمعنوا بالطرد والتشريد، يا محمد يا أيها النبي عليك أن تضع بجانب – وأرجو أن نستوعب هذه القضية لأنها قضية دقيقة – الأصل هو الجهاد بالكلمة، أما وأن الجهاد بالكلمة قوبل بسيف، قوبل بإيذاء، فادفع عنك السيف الذي يأتيك بسيف تعدّه لهذه القضية بالذات، لا تبتدئ بالسيف، لكن إذا أُشهر السيف عليك فعليك أن تردَّ السيف بمثله، الجهاد في الأصل بالكلمة، بالقرآن، بالحوار، لكن إذا ما اعتُدي عليك أيها المسلم، أُذيت، أُخرجت، مُنعت بقوة مادية، فقابل هذا بقوة مادية مماثلة، ولذلك جاء القرآن ليقول: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ والقوة هنا منكَّرة، والقوة هنا لا تعني قوة مادية فحسب، ولكن تعني قوة معنوية ومادية، الأصل هي القوة المعنوية، الإعداد بالعلم، بالمعرفة، بالكلمة، بالصناعة، بالزراعة، بالتعلم بكل شيء ينفع المجتمع، هذا هو الإعداد الأساس، أما الإعداد المؤيد الداعم الرادع ﴿ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ وأنا أتحدث عن مجتمع القوة والجهاد وهذا توصيف مختصر لمسيرة القتال منذ أن أراد الله أن يجعل من الإنسان خليفة، إلى أن جاء هذا الدين الحنيف الإسلام العظيم على يد سيدنا وقرة عيوننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

رابعاً: أؤكد بأن الأمر بالإسلام فيما يخص القوة المذكورة في أماكن متنوعة ومختلفة إن في القرآن الكريم أو في السنة الشريفة، إنما المقصود بها قوة معنوية ومادية، لكن الأصل هي القوة المعنوية، وأما القوة المادية فهي قوة مؤيدة، قرأت في يوم من الأيام قصةً عن الأحنف بن قيس، وكان الأحنف من الذين عُرفوا بالحلم، رُؤي مرة غاضباً فقالوا له: أوَ تغضب وأنت الحليم ؟ فأجابهم: "أغضب بين الفينة والأخرى، وأثور حتى أحمي حلمي من أن يكون ضعفاً".

القوة المادية رادعة، والأصل هو القوة المعنوية، الفكر والبناء والعمل والزراعة والصناعة والقوة المادية السلاحية لا بد منها لأنها رادعة ومؤيدة.

اليوم قولوا لي بربكم لا نحن نتجه إلى قوة معنوية ولا إلى قوة مادية، بل ربما اتجهنا إلى القوة المادية من أجل أن يقاتل بعضنا بعضاً، القوة المادية اليوم والخطأ والخطل فيها أنها ليست من صنعنا، وأن مسوِّقيها يقولون لنا: عليكم أن تستعملوها لتحققوا فلسفتنا التي أردناها والتي أردنا أن تكون هي الماكثة والقابعة في صدوركم، ولذلك انظروا إلى ما استهلك من سلاح – على سبيل المثال – في لبنان بين الجيش اللبناني وبين فتح الإسلام، وكلا الطرفين بشكل عام مسلمان، كم ذهبت من قوة مادية وكم ذهب من أشخاص ؟ حصيلة الأمر كما رأيتم أكثر من أربعمئة قتيل، أنسميهم شهداء ؟ ما أحد يعرف لأننا كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيش في زمن الهرج، والهرج هو كثرة القتل، وكثرة القتل مغلف بجهل من الطرفين فلا يدري القاتل لمَ قَتل، ولا المقتول لمَ قُتل، أتسمون بعد ذلك مجتمعنا مجتمع قوة وجهاد ؟ هذا من حيث المادة ولا أريد الاسترسال، أما من حيث المعنى هل مجتمعنا قوي ؟ إذاً أين العلم والمعرفة ؟ أين الصناعة والزراعة ؟ أين علم الاجتماع يتنامى في أراضينا ؟ أين علم السياسة تُؤسَّس على حرية وعدل وشورى ؟ أين علم الاقتصاد يُؤسَّس على رعاية وتعاون وبناء واستقرار ؟ أين الاستعداد والإعداد لعدو يتربص بنا الدوائر، وها هو البارحة يخترق أجواءنا على مسافات وعمق بعيد، والشاطرون منا يتحدثون إن على شاشة التلفاز الفلاني أو على الآخر يقولون: هذا تعبير عن ضعفٍ من عدونا، لا ، لا تتهموا عدوكم بالضعف لأنكم إن فعلتم هذا تكاسلتم أكثر، ولكن علينا أن نتهم أنفسنا نحن بالضعف، لأننا إن فعلنا ذلك جهدنا في أن ننشط من هذا الضعف الذي حلَّ بنا وحللنا به.

إلى متى سنتحدث حديثاً يفوق الواقع تحسيناً بآلاف المرات، إلى متى سنبقى مُدَّعين ومحللين سياسيين وكل منا يحلل، وما أعتقد أننا بجمعنا نسعى إلى أن نحسن من أوضاعنا المعنوية في ميادين والعلم والأخلاق والزراعة والسياسة والاقتصاد، لكننا مشتغلون وملتهون بإساءات لبعضنا لا أريد ذكرها.

مجتمعنا المنشود مجتمع قوة معنوية ومادية، فإلى هذا المجتمع، وأغتنم فرصة اقتراب المدارس والجامعات لأخاطب طلابنا: يا أبناءنا أريدكم في مدارسكم وجامعاتكم أقوياء في العلم في الدراسة، في البحث، في الابتكار، في التواصل مع ما يقتضيه العقل والفكر، في متابعة إنتاج العقل الحر الذي يحب النفع لبلدنا وللإنسانية كلها. يا طلابنا ضعوا أمام أعينكم تفوقاً في القوة المعنوية في العلم، في الأخلاق، في القيم. أريدكم من اليوم الأول متابعين دارسين متفوقين مجدين، أريدكم من اليوم الأول أن تضعوا أمام أعينكم مستقبلاً تتوافر فيه هذه الصفات التي ذكرناها لمجتمعنا المنشود، وإلا فإني أخشى أن يتحول هذا الكلام إلى ترنيمة نسمعها كل أسبوع، نتغنى بها، نترنم عليها، ثم بعد ذلك نعود إلى ما كنا عليه، لذلك خاطبت واكرر مخاطبتي الشباب في مختلف مراحل دراستهم.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً من الذين يسعون لقوة معنوية ومادية لا من أجل لقاء عدوٍ فحسب، فلقاء العدو لا نريده ولا نتمناه، لكننا نسعى ونعمل من أجل بناء إنسان يعلي كلمة الله في الأرض ويتصف بالعبودية الشاملة الكاملة لله جلت قدرته، اللهم وفقنا لذلك، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 7/9/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق